القطاع سينظم مستقبلا مسابقة لتوظيف 45 ألف أستاذ    التحويل ما بين جامعة التكوين المتواصل وباقي الجامعات مسموح به فقط لحملة البكالوريا الجدد    ضرورة تضافر الجهود والتنسيق التام بين أعضاء الطاقم الحكومي    تنصيب ثلاث لجان مركزية لإصلاح المنظومة القانونية والتنظيمية لقطاع الشباب    أخيرا، الاعتراف رسميا بدولة فلسطين    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة:    أسطول الصمود العالمي" يبحر جماعيا نحو قطاع غزة"    أمطار ورعود مرتقبة ابتداء من اليوم    هلاك 4 أشخاص وإصابة 222 آخرين    حجز حوالي 6 كغ من اللحوم والمرطبات الفاسدة    البرتغال تعلن الاعتراف رسميا بدولة فلسطين    الجزائر تحصد نجاحات دبلوماسية جديدة    انضمام الجزائر إلى "أيبا" منصة جديدة لإسماع صوت إفريقيا    مراجعة الإجراءات الخاصة بعمليات الاستيراد    11 مؤسسة تربوية جديدة    عادل بولبينة يستهدف لقب هداف البطولة القطرية    "الموب" يؤكد صحوته و ينفرد بالريادة    نزيف النقاط ب"بوعقل" يبدأ أمام الأبيار    التحاق 240741 تلميذ بمقاعد الدراسة    لجنة لمتابعة إنجاز الخطين المنجميين الشرقي والغربي    هذه مواقيت سير القطار الليلي الجزائر – وهران – تلمسان    الهلال الأحمر يوزّع 3 آلاف محفظة مدرسية    "السفنج" أو "الخفاف".. فأل خير بسنة موفقة    كاميرات المراقبة والمعاملة الجيدة شروط الأم عند اختيار الروضة    "حضرة وديوان"... تكريم وتجديد    تحرير للعقل وتفصيل في مشروع الأمير عبد القادر النهضوي    الدبلوماسية الصحراوية تحقق انتصارات حقيقية على الساحة الدولية    بورصة الجزائر: سحب صفة ماسك حسابات وحافظ سندات مؤهل من بنك "بي إن بي باريبا الجزائر"    المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة : محطات طربية ماتعة في السهرة الافتتاحية    عرض شرفي أول بقاعة سينماتيك الجزائر "عشاق الجزائر" .. قصة إنسانية بخلفية تاريخية    جامعة محمد بوضياف بالمسيلة : ملتقى وطني أول للترجمة الأدبية يوم 6 أكتوبر    الكونغو الديمقراطية : تفشي "إيبولا" عبء إضافي يُفاقم أزمة البلاد    من يستحق الفوز بالكرة الذهبية؟    70 عاماً على معركة جبل الجرف الكبرى    بريد الجزائر يعتمد مواقيت عمل جديدة    الهلال الأحمر يوزّع 200 ألف محفظة مدرسية    مغني يستعيد ذكريات اختياره الجزائر    ناصري يهنئ جمال سجاتي المتوج بميدالية فضية في سباق 800 متر بطوكيو    افتتاح الموسم الثقافي الجديد بعنابة تحت شعار "فن يولد وإبداع يتجدد"    تجارة خارجية: رزيق يترأس اجتماعا تقييميا لمراجعة إجراءات تنظيم القطاع    الدخول المدرسي 2025-2026: وزير التربية الوطنية يعطي إشارة الانطلاق الرسمي من ولاية الجزائر    قافلة تضامنية مدرسية    لقاء مع صناع المحتوى    بن زيمة يفضح نفسه    ستيلانتيس الجزائر توقع اتّفاقية    94%من الضحايا مدنيون عزل    تثمين دور الزوايا في المحافظة على المرجعية الدينية الوطنية    العاب القوى مونديال- 2025 /نهائي سباق 800 م/ : "سعيد بإهدائي الجزائر الميدالية الفضية"    فيلم نية يتألق    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصمت إزاء القتل الجماعي جريمة
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 12 - 2014


بقلم: سعيد الشهابي
لم يشهد العالم الإسلامي من قبل انتشار ظاهرة القتل العبثي بالسعة التي يشهدها في الوقت الحاضر. وربما الأخطر من ذلك غياب الموقف الشعبي أو الرسمي الفاعل للتصدي لتلك الظاهرة التي أصبحت تستعصي على فهم ذوي الألباب.
هذا برغم التحريم الشرعي القاطع لقتل الأبرياء (ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا). فما حدث في باكستان مؤخرا من قتل أطفال المدارس ومعلميهم ليس الحالة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة طالما بقيت أسباب الظاهرة قائمة، وقادة المسلمين الدينيون والسياسيون غافلون أو متغافلون عنها. فماذا يعني اقتحام أشخاص يتشحون بزي الدين مدرسة عادية وحصد أرواح أكثر من 130 طالب في أعمار الزهور؟ ماذا تعني حوادث القتل الأخرى التي لم توفر إلا القليل من بلدان المسلمين؟ في البداية لا بد من طرح قاعدة يمكن اعتبارها قانونا طبيعيا، مفادها أن النار لا توفر أحدا حين يشتعل إوارها، وأن من يؤسس للعنف ويدعمه لن يكون بمنأى منه، وأن عمل الشر ينقلب على فاعليه.
إن قاعدة (التكفير) التي طرحت في البداية لتبرير استهداف المسلمين في العراق هي التي مهدت لقتل المسلمين السنة في باكستان ونيجيريا وشمال العراق وسوريا. كما أن شعور البعض بالامتعاض تجاه أطراف سياسية أو إسلامية أخرى إنما كان بسبب الضوضاء الإعلامية والتغييب الممنهج ل (العقل) وإثارة الجوانب الشيطانية في النفس الإنسانية بدلا من العقل والحكمة والإيمان ونزعات الخير. وهذه الظاهرة اشتركت فيها القطاعات كافة ذات الشأن في توجيه الأمور، من سياسيين وأجهزة استخباراتية وعلماء دين ومفكرين.
فكأن الأمة كلها وقعت فريسة لمجموعات التطرف والعنف والإرهاب. لم يحدث ذلك خطأ أو صدفة بل كان جزءا من خطة محكمة وضعتها (قوى الثورة المضادة) التي أرعبها تحرك الشعوب العربية قبل أربعة أعوام من أجل الحرية والإصلاح السياسي. ولذلك فمن المنطقي طرح السؤال التالي: لماذا لم تصل حمامات الدم إلى الكيان الإسرائيلي؟ وكيف أمكن تجنيد ضحايا ذلك الاحتلال للتورط في العمليات الانتحارية في بلدان غير فلسطين؟ ولماذا انحرفت بوصلة (الجهاد) فجأة عن (الغرب الكافر) لتتوجه نحو (المشرك القريب)؟ ثم لماذا توسعت دائرة هذا (المشرك القريب) لتشمل أطفال المدارس، الأولاد منهم في باكستان، والبنات منهم في نيجيريا، والنساء منهم في شمال العراق؟
عندما كان مقاتلو (داعش) أو (النصرة) ينحرون ضحاياهم في سوريا أو العراق قبل عامين ربما كان دافعهم (الغيرة المذهبية) و(الانتقام من العدو المذهبي الآخر). ولكن ما الذي يمكن أن يطرحه الشباب السبعة الذين اقتحموا برشاشاتهم مدرسة باكستانية وقاموا برش أطفالها بوابل الرصاص ليقتلوا 132 منهم وتسعة من مدرسيهم؟ ما الذي يمثله أولئك ضمن (الأهداف) العسكرية التي يفترض أن المجموعات المسلحة تستهدفها؟ وما النتيجة الإيجابية المتوخاة من ذلك القتل الجماعي؟
الأمر الواضح أن تلك الجريمة غيرت سياق السجال الفكري والسياسي المتداول في وسائل إعلام المجموعات المسلحة، وفرضت واقعا جديدا سيؤدي للقضاء عليها. ومن المؤكد أن عناصر أجهزة الأمن والاستخبارات الباكستانية ستكون الهدف الأول لأي محاولة لفحص الدور الباكستاني والسعودي في دعم قيام حركة طالبان.
وفجأة ظهر الجنرال الباكستاني المتقاعد، حميد جول، ليبرر الدعم الذي وفرته أجهزته للمجموعات المتطرفة منذ أيام (الجهاد الأفغاني).
فمن تلك الأرض انطلق أشد التنظيمات شراسة وإرهابا، ابتداء من (القاعدة) وصولا إلى (النصرة) و(داعش). ولم يكن سرا أن تعاونا قويا بين الاستخبارات الباكستانية والسعودية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أدى لبلورة جبهة (المجاهدين) لمواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. ربما اختلفت مواقف هذه الجهات الثلاث لاحقا فأصبحت سي آي أيه أقل حماسا للتعاون مع تنظيم القاعدة بل استهدفتها بعد حوادث 11 سبتمبر، ولكن التأسيس كان مشتركا.
يومها (أي قبل ربع قرن) لم يكن الباكستانيون والسعوديون ليجرأوا على التدخل في الملف الأفغاني بدون موافقة الأمريكيين.
* تصارع وتناحر
الاختلاف بينهم حدث بعد عشرة أعوام عندما بدأت القاعدة تستهدف الأمريكيين بشكل مباشر وعنيف. ولكن كان لكل من الطرفين السعودي والباكستاني مصلحة في الاحتفاظ بالمجموعات المسلحة. فباكستان كانت تأمل أن تساعدها تلك التنظيمات في صراعها مع الهند، بينما كانت السعودية تأمل أن تكون تلك التنظيمات (بعد اختراقها وإعادة توجيه بوصلتها إلى ما هي عليه الآن) ذراعا لتقوية نفوذها الإقليمي خصوصا في صراعها مع طرفين مهمين يمثلان (الإسلام السياسي) هما إيران والحركات الإسلامية المعتدلة خصوصا الإخوان المسلمين.
الاختلاف بين الأطراف المذكورة حدث في عهد الرئيس أوباما الذي كان يسعى لانتهاج سياسة مختلفة عن سلفه، جورج بوش. فقد كان يسعى للتركيز على مواجهة (القاعدة) والاتجاهات المتطرفة مع إعادة العلاقات مع (الأعداء التقليديين)، وكما اتضح الآن فقد تمكن من ترطيب الأجواء مع إيران وأعاد العلاقة مع كوبا بعد انقطاع استمر خمسين عاما.
وبشكل تدريجي بدأت واشنطن تلمح تارة وتصرح أخرى بعدم جدوى التحالف الباكستاني والسعودي مع المجموعات الإرهابية. وفي جوان 2012 أطلقت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، تصريحات واضحة في نقاش تلفزيوني بحضور وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جيمس بيكر: (قلنا لباكستان إذا كان هناك اختلاف في الماضي حول دوركم السلبي في أفغانستان بدعم شبكة حقاني أو طالبان الأفغانية أو لواء طيبة ضد الهند، فقد انتهت تلك الأيام).
وأضافت: (إن ذلك يشبه من يحتفظ بثعابين سامة في حديقته الخلفية وهو مقتنع بأنها ستهاجم جيرانه فحسب).
وقد ظهر الآن أن تلك المجموعات تحوّلت إلى مصدر خطر حقيقي على أمن الأنظمة التي رعتها. فالجريمة التي هزت باكستان الأسبوع الماضي بقتل الطلاب ومعلميهم سلطت الأضواء على دور جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي أثبتت تطورات الأوضاع أن سياساته ساهمت في تحويل باكستان إلى ساحة للصراعات السياسية والعرقية والمذهبية، وتكاد باكستان تصبح (دولة فاشلة).
ولقد أثبتت التجربة الإنسانية أن الفشل في تحقيق تقدم سياسي أو عسكري يدفع المجموعات المسلحة للبحث عن ساحات أخرى. والواضح كذلك أن المجموعات التي تعمل في سوريا والعراق لم تستطع قلب المعادلات السياسية أو العسكرية، وبالتالي أصبح متوقعا أن تبحث عن ساحات أخرى للحفاظ على وجودها وسلامة مقاتليها. وليس مستبعدا أن تتوجه نحو الجزيرة العربية، مترامية الأطراف ومتعددة المذاهب لإبقاء كوادرها في حالة حركة تتناسب مع ما رسمته من أهداف.
وثمة خشية من تحول تلك المجموعات إلى مصدر للقتل الجماعي العبثي. ويؤكد منحى تطورات الأمور في نيجيريا بأن ذلك هو السيناريو المقبل للمجموعات المسلحة، فقد مارست مجموعة (بوكو حرام) قتلا عبثيا جماعيا على نطاق واسع. ففي الأسبوع الماضي شنت اعتداء على قرية أزايا كورا في منطقة مافا التابعة لولاية بورنو.
وقال زعيم القرية ملام بولاما: (لقد أحصينا 45 جثة في نهاية الهجوم)، وقتل عدد آخر من الأشخاص بعد أن فروا إلى الأدغال.
وبالإضافة لذلك اختطفت المجموعة أكثر من 100 امرأة وطفل في تلك الحادثة، ولا يعرف شيء عن مصيرهم. وفي شهر ماي الماضي ارتكبت حركة (بوكو حرام) الإسلامية النيجيرية مجزرة راح ضحيتها أكثر من 300 شخص عندما هاجم مسلحوها مدينة في شمال شرق نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد بدأت مؤخرا حملة تعبئة دولية ضد الحركة المتطرفة التي تحتجز قرابة 250 تلميذة، في عملية خطف جماعية غير مسبوقة. ما مبررات هدر هذه الدماء البريئة؟ وأي دين يبرر إزهاق أرواح الأبرياء؟ هذه الجرائم لا تختلف عما يحدث في شمال العراق على أيدي مجموعة (داعش). فبعد قتل أكثر من ألف عسكري عراقي في ما سمي مجزرة (سبايكر) قتل في شهر أوت الماضي أكثر من 80 من الطائفة الإيزيدية. وذكرت وزارة حقوق الإنسان العراقية أن تنظيم داعش قتل أكثر من 150 امرأة من مدينة الفلوجة بسبب رفضهن جهاد النكاح. وفي مطلع شهر نوفمبر قامت بتصفية 85 من أفراد عشيرة (البونمر) بمنطقة الأنبار، وقتلت 16 من أفراد العشيرة مطلع الشهر الحالي.
حمامات الدم هذه أصبحت ظاهرة تمارس على نطاق واسع. المشكلة أن القبول باستهداف المخالفين دينيا أو مذهبيا أو عرقيا والصمت عليه أو تشجيعه إنما يشجع القتلة لارتكاب مجازر أخرى حتى بين حلفائهم. فقد تجاوز عدد من قتل في الصراعات البينية بين المجموعات المسلحة خلال العام أكثر من 5000 شخص. إن الصمت على القتل الجماعي العبثي أو تشجيعه أو تبريره، أو حماية مرتكبيه، إنما يؤسس ظاهرة القتل غير المشروع، وهي ظاهرة لا توفر أحدا، ولا يحدها حدود.
ومن غير الأخلاق أو الشرف أو الدين الرضا القلبي بتلك الجرائم. فمن يبرر التفجيرات اليومية في بغداد إنما يشجع من يقتل أهالي الفلوجة أو الأنبار، ومن يطرح ذرائع للإرهاب العبثي في سوريا إنما يبرر ممارسات بوكو حرام في نيجيريا.
ومن لا يستنكر قتل الأبرياء في مساجد بغداد وأسواقها يعتبر مشجعا على استهداف طلاب المدارس في باكستان. فالقاتل واحد وإن تعددت وجوهه، والجريمة نفسها وإن اختلف لون ضحيتها أو عرقه أو دينه أو مذهبه. وكلما طال الصمت تغول شبح الموت العبثي واستبدلت آمال ثوار (الربيع العربي) باليأس من التغيير والإصلاح، وهذا أهم أهداف قوى الثورة المضادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.