يفتقدون إلى فضاءات للترفيه والترويح عن النفس المقاهي والأرصفة.. ملجأهم الوحيد تعاني فئة واسعة من المتقاعدين من التهميش، بحيث نجدهم يلجأون في الكثير من الأحيان إلى الساحات العمومية، هناك يجتمعون حول طاولات الدومينو أو في المقاهي يمضون جل وقتهم هربا من المشاكل الاجتماعية في ظل انعدام فضاءات أخرى، فكيف يعيش المتقاعد بقية حياته؟ سؤال يطرح العديد من نقاط الاستفهام والإجابة عنها يشكل هاجسا كبيرا بالنسبة للمنتسبين إلى هذه الفئة التي يطلق عليها البعض تسمية (موتى قاعدون). حسيبة موزاوي ففي الكثير من الأحيان ومع اقتراب سن التقاعد يبدأ الإنسان في القلق والحيرة والخوف من المجهول وغموضه بتغيير نمط حياته الذي اعتاد عليه، وينتقل المتقاعد إلى فراغ لم يألفه من قبل، وفي أغلب الأحوال لا يكون مستعدا له نفسيا وجسديا وماليا ما يجعله يعيش روتينا يوميا يشعره وكأنه يعيش على هامش الحياة، فالتقاعد في الجزائر أصبح ما يسمى اليوم بمرحلة شبه الموت كون المتقاعد في الجزائر لا يعتني به أحد في ظل غياب مرافق تهتم به، يمارس فيها النشاطات كبقية بلدان العالم. متقاعدون يتحدثون عن يومياتهم من هذا المنطلق نزلنا إلى الشارع الجزائري لرصد آراء بعض المتقاعدين وكيف يقضون أيامهم، فقال أحد المتقاعدين الذي التقيناه بالعاصمة (المتقاعد في الجزائر كالمدفون وهو حي ليس له أي مستقبل) هي كلمات قالها عمي فريد بصوت يملأه الحزن ليواصل الحديث (أفنيت شبابي في العمل، واحد وأربعون عاما سعيت جاهدا لتطوير مؤسستي، وكنت موظفا مثاليا بشهادة جميع من عمل معي، لكن وجدت نفسي في خريف عمري، حيث تمت إحالتي إلى التقاعد، أعلم أن هذه سنة الحياة، والأجيال الشابة دماء جديدة تضخ في شرايين المجتمع، بيد أن بداخلي تكمن طاقة جبارة، فأنا ما زلت قادرا على العطاء، أحب عملي وشعرت لحظة التقاعد أني فقدت قيمتي وهيبتي، لقد تأثرت كثيرا بعد أن أحلت على التقاعد، فأنا لا أستطيع أن أبقى من دون عمل، وعلى الرغم من أن أبنائي اقترحوا علي بعض الأشغال التي تملأ فراغي، إلا أني رفضت ذلك العرض). مزاج المتقاعد ينقلب بالسلب على العائلة من جهتها تروي خالتي زكية حالة زوجها، فمنذ أن تقاعد عن العمل قبل سنتين، وهي في مشاكل مستمرة ومتواصلة من بداية اليوم إلى نهايته، وذلك بسبب وقت الفراغ، حيث إنه تعود على العمل، وأصبح الآن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المنزل، وتتابع بصوت يطرح في أعماقها جرحا (لم أتخيل في يوم من الأيام أن حياتنا الأسرية ستكون صعبة إلى هذا الحد، وكثيرا ما كنت أنتقد صديقاتي اللواتي تقاعد أزواجهن عن العمل بسبب كثرة شكواهن، إلى أن عايشت التجربة، ومن ثم أدركت أن تلك المبالغات في حديثهن ما هي إلا القليل مما أعانيه، فقد انقلبت الحياة في المنزل رأسا على عقب). مشاكل نفسية بسبب الفراغ في هذا الصدد تقول السيدة (ف. زهرة) أخصائية في علم النفس الاجتماعي أن المتقاعد في الكثير من الأحيان يعاني من مشاكل نفسية جراء الفراغ وعدم التخطيط الجيد لمرحلة التقاعد وللأسف فإنهم يلجأون للعزلة الاجتماعية والابتعاد عن الآخرين، لأن الفراغ المفاجئ الذي ينتج عن التوقف عن العمل، وعدم وجود بديل مخطط له يجعل المرء يتخبط في إيجاد حل لملء فراغه أو يشعر بالملل والكآبة، فالتقاعد يسن في قوانين العمل، وهو في أغلب الأوقات معروف لدى موظفين ولكن يتناسى المرء موعد تقاعده ويشعر أنه بعيد ويشعر كأنما هو أمر مفاجئ بالنسبة له عند حلول موعد التقاعد، وهذا ما يجعله يقع في التشويش والتخبط في بعض الأوقات، إذ يجب على الشخص التخطيط لمرحلة التقاعد قبل حلولها بفترة، مشركا في ذلك أفراد أسرته والأشخاص المهمين في حياته، متخذا في ذلك تخطيطه المالي وإمكاناته المادية. في الأخير تبقى الوظيفة قطارا لا بد أن يتوقف يوما في محطة التقاعد ليفسح المجال أمام الدماء الشابة لبناء الدولة ومواصلة المعركة والتقاعد حتمية وجب على كل موظف إدراكها لكي لا يتملكه اليأس والإحباط عند بلوغ مرحلة التقاعد.