لم يكن صهيب بن سنان الرومي من أهل مكة ولم تكن له قبيلة تمنعه وكان يعمل بصناعة السيوف وكانت هذه الصناعة تدرُّ عليه مالاً وفيرًا ثمَّ جاء القرار بالهجرة فقرَّر صهيب رضي الله عنه أن يترك تجارته ويتَّجه إلى يثرب ليبدأ حياة جديدة هناك. ولم يكن تَرْك الاستقرار في مكة إلى المجهول في يثرب هو الابتلاء الوحيد في حياة صهيب رضي الله عنه بل تفاقم الأمر معه حتى وصل ابتلاؤه إلى فقد كل ثروته في سبيل الهجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! وعَنْ صُهَيْب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّة فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا أَوْ تَكُونَ يَثْرِبَ). قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْر وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ مِنْ قُرَيْش فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ لاَ أَقْعُدُ فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ. وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا فَنَامُوا فَخَرَجْتُ فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَمَا سِرْتُ بَرِيدًا[4] لِيَرُدُّونِي فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ مِنْ ذَهَب وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي وَتَفُونَ[] لِي؟ فَفَعَلُوا فَسُقْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ فَقُلْتُ: احْفِرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ[6] الْبَابِ فَإِنَّ تَحْتَهَا الأَوَاقِيَ وَاذْهَبُوا إِلَى فُلاَنَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ[ وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: (يَا أَبَا يَحْيَى رَبِحَ الْبَيْعُ). ثَلاَثًا فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ وَمَا أَخْبَرَكَ إِلاَّ جِبْرِيلُ عليه السلام) كذا في بساطة ترك صهيب رضي الله عنه كل ثروته وكل تعب السنين السابقة! وتلك حقًّا هي التجارة الرابحة ولهذا عندما عَلِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموقف جاء تعليقه عليه متوافقًا مع هذا المعنى حيث قال: (رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ). وعندما رأى صهيبًا رضي الله عنه في المدينة كرَّر المعنى نفسه قائلاً: (يَا أَبَا يَحْيَى! رَبِحَ الْبَيْعُ).