عادة ما تفضل بعض الأسر الميسورة أن تستعين بخادمات، وهي ظاهرة لم تنقرض كما يحسب البعض، بل إنها في بعض الأماكن، وخاصّة الراقية منها تزداد انتشارا يوما بعد آخر، ولكن الأدهى من ذلك أن تكون تلك الخادمات قاصرات، لم يبلغن بعد الخامسة عشر من العمر، أو ربما أقل من ذلك، فيكنّ بالتالي عرضة لمخاطر كثيرة تتهددهم· مصطفى مهدي ونحن في طريق سيدي يحيى، وفي وقت كنا فيه في مطعم بالقرب من حي الترقية العقاري، شاهدنا طفلة لا تكاد تتجاوز الحادية عشرة من العمر، هذا ما بدا لنا، وما أكده لنا بعدها النادل، الفتاة دخلت المطعم راكضة، وكانت في ملابس مهترئة حتى ذكرتنا ببطلة الرسوم المتحركة سالي، وكانت تبكي، وعندما سألناها عن أمرها قالت إنّ سيدتها ضربتها، واعتقدنا في البداية أنها لا تعي ما تقول، أو حسبنا أنها تتحدث عن معلمتها في المدرسة، أو المديرة، أو ربما جدتها، لم نفهم ما كانت تقصده ب"سيدتها" ونظرنا مباشرة إلى النادل الذي يبدو أنه يعرف الفتاة، حاول أن يخفف عنها، وسألها بلطف فقالت إنّ الصحن الذي اشترته منه، ووضعت فيه الأكل لسيدتها قد كسر، وعندما عادت إلى البيت بصحن مكسور، ضربتها وعنفتها، بل وقذفتها بصحن آخر اصطدم برأسها، كانت الفتاة المسكينة تحكي ما وقع لها وتسترد أنفاسها من حين لآخر، فقال لها النادل ألاّ تقلق، وأنه سيعوضها عن الصحن الذي كسر، ولن تعود إلى البيت فارغة اليدين، فزال شيء من الخوف من وجه الفتاة، ولكن الحزن الذي كان باديا على وجهها لم يختف، ولا نحسب أنّ الأيام ستتكفل بمحوه· لم نستفسر من النادل عن أمر تلك الفتاة، بل راح يحكي لنا أنها فتاة أحضرتها امرأة تسكن بذات الحي في العقد الرابع لتخدمها وزوجها، واختارتها فتاة فقيرة وصغيرة حتى لا يطمع زوجُها فيها، خاصة وأنه كان قد أقام علاقة مع الخادمة التي كانت تعمل لحساب العائلة من قبلها، وصارت تضربها كل ما بدا لها ذلك، يقول محدثنا، وتأتيه في كل مرة وآثار الضرب على جسدها، فيعطف عليها ويساعدها· الظاهرة أثارت حيرتنا، وجعلتنا نسأل عنها، في ذات الشارع، من بعض أصدقاء لنا يسكنون في المكان، ومن آخرين يسكنون في أحياء راقية أخرى، تشبه ذهنيات أصحابها ذهنية تلك المرأة التي توظف فتاة حتى لا يغتر زوجُها بها، ويقول لنا سليمان، وهو صديق يسكن بابن عكنون، يقول عن ابن حيه الذي لم يكشف لنا عن هويته، يقول إنه يأتي بالفتيات القاصرات، لا ليشتغلن عنده، ولكن لينتهك أعراضهن، أو هكذا كان يفعل في البداية إلى أن فعل مع فتاة قامت بتهديده، ولم تتركه إلاّ وقد عوضها بأن دفع لها أموالاً باهظة، ما جعله، يقول محدثنا، يحتاط في تلك العلاقات المشبوهة، ويفضل الإغراء على التهديد والاغتصاب، وهو الأمر الذي يجعله يفرُّ من العقوبة· من جهتها تقول لنا سارة، وهي مدرسة في الابتدائي إنّ إحدى تلميذاتها تعمل في الصيف لحساب إحدى العائلات الغنية التي تأتي لإمضاء عطلتها في الجزائر، وأنّ ذلك جعل الفتاة تكبر بسرعة، وهي التي لم تتجاوز الثانية عشرة من العمر، صارت كثيرة التفكير، ولولا أنها فتاة ذكية لما استطاعت أن تدرس، تقول لنا محدثتنا، وإنه لمن المؤسف والعار أن نرى مثل هذه الظواهر الغريبة تنتشر بيننا·