طرحت في اليوم العالمي للمخدرات قبل يومين الكثير من الأسئلة حول ظاهرة المخدرات، والتي بدا للبعض أنّ مُحاربتها صارت لا تزيدها إلاّ انتشارا، أمّا في الجزائر فرغم الجهود والقوانين الردعية، فإنّ الآفة تفتك أكثر فأكثر بالأرواح والصحة، بل صار السائر في طريقها لا يجد نفسه إلاّ وهو يهوي في حضن أخطر أنواع المخدرات، وهي"الهيروين" أو "الكوكايين". مصطفى مهدي ربما لأنّ الحشيش والحبوب المهلوسة، لم تعد لها تأثير على عقول البعض، فراحوا يجربون مخدرات أكثر خطورة، وهي الكوكايين والهروين، والتي كانت إلى وقت قريب تقتصر على الطبقة الغنية التي تمتلك الأموال لشرائها، خاصة وأن الغرام الواحد من الكوكايين يباع بمليون سنتيم، أمّا الهروين، أو المدعوة ب"التشوشنا" فتباع بخمسة آلاف دينار للغرام، لكن يبدو أنّ بعض العصابات التي لا نحسب أنّ عملها يقتصر على ترويج المخدرات، بل إلى تخدير الشباب، ومن ثمة تجنيدهم في عمليات السرقة والسطو، وعمليات الاحتيال وتكوين جماعات الأشرار، كل ذلك يجعل تلك العصابات تتنازل أحيانا وتبيع الشباب ذلك المخدر بنصف الثمن، حتى تقوده إلى عالم الإدمان، ويسهل فيما بعد التحكم فيه. بحثنا في الموضوع، والذي كان من المفترض أن ننهيه قبل أيام، ولكن البحث والتحري تطلب منا وقتا، خاصّة وأننا أردنا أن نصل إلى عينات لأشخاص عاشوا تجربة مريرة، وفعلا، تحدثنا إلى من أنقذ نفسه في آخر لحظة، ولكن رأى بعينيه كيف سقط أصدقاؤه في فخ المخدرات التي لا ترحم، هو رفيق، 28 سنة، له شهادة تقني في الكهرباء، تحصل عليها قبل ثمانية سنوات، ولكنه لم يجد عملاً "بحثتُ كثيرا بعد حصولي على الشهادة التي ظننت أنها ستفتح لي أبواب العمل، ولكن دون جدوى"، فسقط في فخ الإدمان، التدخين ابتداء من سن العشرين، ثمّ الحشيش، الخمر، وكل ما كان يسمح له بنسيان واقعه، أو هكذا كان يحسب: "لا عذر لي في دخول عالم المخدرات، ولكني شعرت بفراغ رهيب، حاولت أن أملأه بتلك السموم، ولم أكن أعي ما أفعل، كل ما يدخل إلى حي بوفريزي أجربه إلى أن...". هكذا توقف توفيق عن الحديث، عندما تذكر "التوشنا" السم الذي كاد أن يقتله، أو على الأقل أن يقذف به في غياهب السجن، مثل أبناء الحي: "الخلطة جعلتنا نجرب الهيروين، وكان هناك أشخاص من خارج الحي يروجون لها، وكانوا يبيعونها لنا بأبخس الأثمان، حتى ندمن عليها، أنا كدت أن أقع في الفخ، لولا أنني تفطنت إلى الحيلة فانسحبت، ولكن أبناء الحي تحوّلوا ليس إلى مدمنين على المخدرات فحسب، ولكن إلى لصوص وقتلة، ولقد دخل كثير منهم السجن، وآخرون ضاعوا". طارق شاب آخر، شاهد بأم عينيه كيف أنّ بعض أبناء الحي الذي يسكن فيه، أي بوحمام بوزريعة، كيف إنهم انقادوا وراء المخدرات، هو الذي يملك هاتفا عموميا، يحكي له كثيرون عن بعض محاولات غرباء أن يدخلوا تلك "التشوشنا" إلى الحي يزرعوه فيه، يقول: "لم أكن قد رأيت هذا المخدر في حياتي إلاّ في الأيام الأخيرة، حيث أنّ الكثير من أبناء الحي صاروا يتعاطونه وكأنه موضة، ومن أسوأ ما يفعل هذا المخدر بالإنسان أن يجعله فعلا يرتكب أشياء لا يشعر بها، كأن يشوه نفسه بيديه، ولكن دون أن يشعر بذلك، ولا أدري إن كان هذا الترويج لهذا السم القاتل كان بالصدفة، أم أنّ هناك نية في زرعه بيننا؟". السؤال هذا الذي حاولنا أن نعرف الإجابة عنه، بعدما قدمه كشف عنه المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها عبد المالك سايح عن وجود أكثر من 300 ألف شخص مستهلك للمخدرات، كما أشار إلى دخول مخدر الهيروين إلى الجزائر عبر الحدود المغربية، ما أدى إلى تحويل الجزائر لمركز عبور لمختلف المخدرات الآتية من المغرب والمتجهة إلى أوروبا، خاصة وأن المغرب الجار، يعتبر من أكبر المنتجين للقنب الهندي في العالم، وبنسبة 65 بالمائة.