بقلم: الطيب بن ابراهيم* أمريكا أقوى دولة عسكرية بدون منازع والناتو أكبر حلف عسكري في العالم وهما معا بالإضافة لدول أخرى في مواجهة طالبان منذ عشرين سنة وطالبان ليست حلفا عسكريا وليست دولة قائمة بكل مؤسساتها بل هي مجرد ميليشيا مسلحة معارضة للدولة التي أقامها الأمريكان وحلفاؤهم وليست لها صواريخ ولا طائرات ولا دبابات ومع ذلك هُزم الجمع أمامها وولوا الأدبار؟!. لم يكن تواجد الغزاة الأمريكان وحلفائهم بأفغانستان مجرد تواجد قاعدة عسكرية مُقامة في أفغانستان لحراسة النظام والحفاظ على الأمن على غرار ما هو عليه الحال في البعض من بلداننا العربية بل تواجد حربي عسكري بلغ حده الأقصى في بداية الألفية الحالية عقب أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 . عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 توجهت الجيوش الأمريكية إلى أفغانستان على دفعات متتالية إلى أن تجاوز عددها المائة الف ضابط وجندي وكانت مجهزة بأفتك أسلحة الدمار وأكثرها تطورا للإطاحة بحكم حركة طالبان وبعد سقوط نظام طالبان بين عشية وضحاها لجأ مقاتلوها إلى حصونهم الطبيعية الجبال فلاحقتهم أمريكا وأمطرت جبال تورا بورا التي اختبأ بها المقاومون أمطرتها أمريكا بصواريخ توماهوك وكروز وقنابل الفوسفور المنضب وقنابل القاذفة العملاقة ب 52. وصبّ الأمريكان جام حقدهم وقال يومها الرئيس الأمريكي بوش الابن أنه سيشن حربا صليبية قبل أن يتراجع إعلامه ويقول أنها كانت زلة لسان ولا زلت أتذكر ذلك جيِّدا. ولم تكن نتيجة تلك الحملة الأمريكية على جبال تورابورا إلا كما قال الشاعر العربي الأعشى : كَناطِح صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ لم تكن لطالبان عروش تخاف فقدانها ولا قصور ولا حصون تخاف تدميرها ولا جيوش مأجور تتفرق من حولها ولا حسابات بنكية في الخارج تحرم منها وليس لها ما تخاف عليه وتفقده همها هو حمل السلاح ومحاربة من اعتدي على سيادتها وأرضها أيا كان أمريكان أو صنيعة أمريكان ولم تُخِفْها الصواريخ ولا المقنبلات ولا الحرب الإعلامية والدعائية ولا العالم الذي اصطف وراء أمريكا ولم تهرول لنزع اسمها من قائمة الإرهاب ولم يرض زعماؤها بفيلات في باريس ولندن ومنتجعات أخرى ولم تساوم... . منذ عهد الرئيس الأمريكي بوش الابن سنة 2001 وأمريكا بجيوشها الجرارة وأسلحتها الدمّارة ووراءها حليفها الأوروبي الناتو جاثمة على أرض الأفغان وما قتلته آلتها العسكرية من مدنيين أبرياء من نساء وأطفال وشيوخ أكثر مما قتلته من مقاتلي طالبان وكان القتل يتم بحجة الخطأ البعض اعترفت به أمريكا والبعض الآخر تجاهلته ووُصِفت حركة طالبان بأقبح الأوصاف السياسية والعالم كان من وراء أمريكا يؤيد ويصفق وأقامت أمريكا نظاما مواليا لها في أفغانستان على غرار ما فعلت في العراق وفي الصومال وقبلهما في غرونادا وبنما وفي غيرهما. بعد عشرين سنة فشلت كل الحسابات الأمريكية في أفغانستان وبقيت حركة طالبان هي نفس الحركة بنفس السلاح الهجومات الخاطفة والتفجيرات القوية متواصلة على مرأى ومسمع من أمريكا وقوات الناتو وبنفس التوجه والمبادئ ولم تغيِّر ولم تبدل حتى أثناء التفاوض لم تضع السلاح ولم تستسلم كيف لا وحركة طالبان لم تخسر شيئا باستثناء رجالها وهذا عكس أمريكا التي تورطت في أفغانستان فبلغ عدد قتلى جنودها الآلاف وبلغت خسائرها المالية اكثر من الفي مليار دولار ولم يتغير أي شيء على أرض الواقع والمقاتل والمفاوض الطالباني أقوى مما كان عليه. بعد عقدين من الزمن من حرب الاستنزاف وبعد فقدِ أمريكا للآلاف من أبنائها وآلاف الملايير من الدولارات وبدل أن كانت توصف حركة طالبان بالإرهاب والإجرام والخروج على القانون الدولي أصبحت المفاوض الموثوق به لدى الأمريكان فاعتُرِف بها مكونا سياسيا أفغانيا أساسيا فجلست معها أمريكا على مائدة المفاوضات ولم يكن رجال طالبان ممن يرضون بالقشور ويكتفون بالاعتراف بهم والجلوس إلى جانب الأمريكان ويتبادلوا الصور والابتسامات أمام الكاميرات. بدأت مفاوضات شاقة بين حركة طالبان والأمريكان في عاصمة قطرالدوحة وتم الاتفاق على الانسحاب الأمريكي وحلفائه من أفغانستان ورغم عدم التكافؤ بين مفاوضي أمريكا وتوقعات خبرائهم ومراكز أبحاثهم وأجهزة استخباراتهم من جهة ومفاوضي طالبان من جهة أخرى كان الموعد المتفق عليه في صالح طالبان لانهم رجال الميدان ولم يكن التوقيت في صالح الأمريكان واقترب الوعد وحاولت أمريكا أن تتنصل من وعودها أو أن تؤجل الانسحاب الذي عاجلها وكان بإمكانها التأجيل مستندة إلى رغبة وطلب حليفها الحكومة الشرعية التي لا ترغب في الانسحاب لكن طالبان رفضت رفض النِدِّ لندّه على التنازل وأصرَّت على احترام الاتفاق وموعد الانسحاب وإلا ستستأنِف حربها التي أرهقت الأمريكان وكبدتهم ما لا طاقة لهم به والأمريكان يعرفون جد وهزل طالبان وتهديد طالبان ليس دعاية ولا شعار. هذا هو موقف طالبان من الأمريكان وحكومة بلدهم ونظامها دون أن ننسى أن دولة أفغانستان مستقلة ولها نظامها وحكومتها الأفغانية ومعارضة طالبان للقوات الأجنبية في أفغانستان تراه تدخلا في الشأن الداخلي ومساس بالسيادة الوطنية فكيف يكون موقف طالبان لو كانت أرضهم مستعمرة من طرف جهة خارجية؟. في الوقت الذي كانت المفاوضات تسير على قدم وساق كانت الحرب متواصلة على أشدها قادت حركة طالبان المفاوضات التي استضافتها دولة قطر بكفاءة ومهنية منقطعة النظير مع أمريكا ففرضت شروطها ومطالبها وكانت نتيجة تفاوضها الانسحاب الأمريكي وحلفائه من أفغانستان وإطلاق سراح أسرى طالبان وشطب أسماء قادتها من القائمة السوداء. ورغم قناعة أمريكا أن الانسحاب ليس في صالحها وليس في صالح حليفتها الحكومة الأفغانية المُحْتَمَلُ سقوطها بعد انسحاب الأمريكان وأن إمكانية عودة الحرب الأهلية لأفغانستان واردة ومع ذلك أجبرت أمريكا على الانسحاب أمام إرادة وتصميم حركة طالبان على ذلك. ولم يُسمح لأمريكا و ناتوها حتى بالتأجيل والتأخير وإلا فقواتها وقوات الناتو تُعَامل مُعاملة محتل فسارعت أمريكا لبدء انسحابها حتى قبل الموعد المتفق عليه بأيام معدودات ( الأول ماي 2021). وخلاصة القول وبعيدا عن المزايدات الأيديولوجية وبمنطق الحسابات السياسية ماذا كسبت أمريكا خلال عشرين سنة من الحرب في أفغانستان؟ وما خسرت طالبان؟؟! إن مقاييس القوة العسكرية ليس المقياس الوحيد لتحقيق الانتصار في كل الظروف والأحوال ومع كل مقاومي الاحتلال والظلم والعدوان والطغيان. والتاريخ يؤكد ذلك كما كان حال فرنسا مع الجزائر وكما كان عليه حال أمريكا مع الفيتنام وكما هو عليه حالها اليوم مع طالبان وجولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة. فاعتبروا أيها المراهنون على الأمريكان والتطبيع والتنسيق والخذلان على حساب الشعوب والأوطان ؟!!.