سلبيات وايجابيات الوسائط الاجتماعية... سلاح ذو حدين في زمن كورونا انشغلت منصات التواصل الاجتماعي في زمن كورونا بتسهيل التعامل بين الناس خلال فترات العزل الطويلة نسبياً عبر العالم لكن التواصل الاجتماعي بات سلبياً أيضاً بحيث فتح الباب واسعة للشائعات والأخبار المفبركة. نسيمة خباجة من بين معالم الواقع الجديد الذي أفرزته أزمة تفشي وباء كورونا في أنحاء العالم كان ذلك الاختبار القوي لوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت سمة واضحة لاينكرها أحد في العالم المعاصر. وبقدر ما أسهمت تلك الوسائل الجديدة في تخفيف وطأة أزمة التواصل المباشر بين البشر بفعل المخاوف من تفشي الفيروس بقدر ما بدا من وجهة نظر كثيرين أنها فشلت في اختبار المصداقية. ولأن آفة الأخبار هم رواتها فإن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية فيما يجري الحديث عنه من جوانب سلبية أفرزها استخدام تلك الوسائل خلال الأزمة من نشر أخبار مفبركة إلى نشر شائعات إلى سعي لبث الخوف والذعر في نفوس الناس الذين وضعتهم الأزمة في حالة من القلق يدفعهم للتشبث بأية معلومة ربما تكون في أساسها غير صحيحة. * العمل والدراسة عن بعد مع تفشي جائحة كورونا والعزلة في المنازل اجتاحت العالم ظاهرة الدراسة والعمل في البيت واعتمد هذان التطوران الخطيران في ميادين العمل وفي ميادين التعليم بشكل خاص على منصات فايسبوك وخاصة خدمة مسنجر وخدمات واتساب وانستغرام وقدراتها على التحاور ونقل الصور والملفات بمختلف الحجوم. وهكذا بات كل ما يتعلق بالسوشيال ميديا ناشطاً بشكل استثنائي حتى أن فايسبوك أعلن في 24 مارس 2020 أنّ خدمة مسنجر باتت تختنق بحجم السابلة التي تنساب عليها بعد أن أصيب واتساب بعطلات وتعثر بسبب حجم الاتصالات والملفات المرسلة عليه. لكن حتى على مستويات البوستنغ والتعليقات التي تنشر على تايم لاين فايسبوك فإن التواصل الاجتماعي بين المستخدمين بلغ مديات غير مسبوقة. وبهذا السياق فإن سوشيل ميديا يوفر للمستخدمين منافذ يعبّروا من خلالها عن استجاباتهم الفردية والجماعية لتفشي جائحة كورونا كما أنه يشكل تفاعل المشتركين باتجاهين إيجابي يحاول التعايش مع الأزمة وتخطيها وسلبي يحاول توظيف الأزمة لنشر الشائعات والخرافات وأحيانا لنشر توجهات عنصرية أو إجرامية أو حتى أيديولوجية مختلفة. ونشرت مجلة تايم الأمريكية دراسة لتوجهات سوشيال ميديا في الولاياتالمتحدةالأمريكية على منصتي فايسبوك وتويتر بوجه خاص إبان جائحة كورونا باعتبارهما وسيطاً حاسماً في تداول المعلومات التي يحتاجها الناس في ظل العزلة الوقائية والعمل والدراسة من المنزل وفي نفس الوقت فقد باتت هذه المنصات وسيطاً حاسماً في ترويج معلومات رخيصة تتوخى الإثارة وشائعات مفبركة وحتى إعلانات مفبركة وهي في هذه الحالة قد باتت سبباً في زيادة قلق الناس ونشر حالات الهلع بينهم. * شائعات وفيديوهات مفبركة على مستوى تويتر وفايسبوك في العالم العربي لم تخل المنصتان من سيل أكاذيب وقصص ملفقة وفيديوهات مفبركة وقد تركز أغلبها حول ربط جائحة كورونا بأسباب غيبية ومقارنة الإسلام بغيره من الأديان بما يصفونه تصدياً للجائحة وركزت أغلبها على إيطاليا التي ضربها الوباء بشدة فباتت مادّة دسمة للأخبار الكاذبة ذات الخيال الخصب. فقد تداولت بوستات وتغريدات تصريحاً منسوباً لرئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي جاء فيه انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء بما يوحي أن البلد انهار أمام الأزمة لكن هذا لا أصل له. واستخدم نفس الفيديو لما يدّعي ناشروه أنها إقامة صلوات إسلاميّة في شوارع إيطاليا لدعاء الله وحفظه من خطر كورونا لكنها في الحقيقة لا علاقة لها بما يجري حالياً. جيف هانكوك مدير مختبر سوشيال ميديا بجامعة ستراتفورد بالولاياتالمتحدةالأمريكية اعتبر أنّ هذا النشاط والتعليقات التي تدور على حاشيته تعرض كيفية تعامل المجتمعات البشرية عبر العالم مع جائحة كورونا التي لا سابقة لها في العصر الحديث وحين اجتاحت العالم جائحة الانفلونزا الإسبانية عام 1918 لم يكن ممكناً فهم تعامل المجتمعات البشرية واستجابتها للجائحة بسبب عدم وجود وسائل تواصل اجتماعي ويقول بهذا الخصوص التفاعل على هذه المنصات يتيح للمجتمعات أن تتلمس طريقها من خلال التهديد غير المسبوق الذي يتعرض له النوع البشري مبيناً أن ملايين الناس يتعاملون مع الأطباء والمختصين والباحثين والمعالجين مباشرة من خلال هذه المنصات وهذا يفسر تماماً سبب عدم انتشار حالة هلع ورعب من المرض أو تهافت على الشراء مثلاً عبر العالم. *احتيال وأخبار زائفة الناس رغم العزلة الوقائية متصلون بواسطة سوشيال ميديا ومتواصلون مع بعضهم ليل نهار رغم فوراق الزمن والجغرافيا الشاسعة عبر العالم. لكنّ هذا الجانب المشرق في منصات التواصل الاجتماعي يقابله جانب معتم وبهذا السياق يقول دانيال روجرز مؤسس غلوبال دسانفورميشن انديكس وهي منصة تكشف الأخبار الزائفة والمضللة على النت ومنصات سوشيال ميديا جائحة كورونا وفّرت تربةً خصبة لكل خبير في الاحتيال وكل بائع قصص مفبركة وكل مروّج لنظرية المؤامرة وكلّ متصيّد فرص على الإنترنت . ويتحدث روجرز عن انتشار الأخبار المصنوعة المثيرة ودور لوغارتمات فيسبوك وتويتر في بثها بسرعة وهي مشكلة لا حل لها لأنها تتعلق بمدى استجابة المتلقي لكلمات معينة تبعث على الإثارة ويخلص هنا إلى القول استقطاب وتوجيه جهود أشد تأثيراً لمراقبة المحتوى المزيف واستبعاده يتطلب استثماراً أعظم للموارد تقوم به شركات سوشيال ميديا وهذا غير متاح في ظروف الطوارئ التي خلقتها جائحة كورونا. ويعزو البعض أزمة ورق المراحيض التي شاعت في الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى مئات الفيديوهات والبوستات والتغريديات التي تنشر الفزع بين الناس من أنّ هذه المادة تنفذ من الأسواق وهو ما بات فعلا مسؤولاً عن نفاذها وفي هذا السياق يقول سانتوش فيايكومار الباحث في جامعة نورثمبريا نحن نشهد توجهاً تحركه مخاوف المتلقين ومنه ما يخص ورق المراحيض والمطهرات وكمامات الوقاية ما أدى إلى نفاذ كل المعروض منها في اسواق العالم كافة كما أن البوستات التي تقلل من أهمية هذه المواد وتستخف بالأزمة الحاصلة بسببها كانت نفسها سبباً في انتهاء الأزمة وتوفر المواد ثانية في الأسواق وفي ألمانيا فإنّ ملايين التلاميذ والطلبة الذين انقطعوا عن مدارسهم وجامعاتهم منذ أسابيع عدة يتابعون على منصات التواصل الاجتماعي وعلى واتساب ما ستسفر عنه قرارات الحكومة الاتحادية بهذا الشأن وهكذا فإنّ تلاميذ الصف التاسع والصف العاشر يتراسلون على انستغرام ويتبادلون المعلومات عن توقيت محتمل لعودة المدارس. بل نشر كثير منهم استطلاع رأي على تويتر حول الرغبة يعودة المدارس أم ببقائها مغلقة: في الجانب الإيجابي لمنصات التواصل الاجتماعي فإنّ فيديوهات نشرت من الصين ومن إيران والأكوادور ومن بلدان أخرى تظهر الناس وهم يتساقطون في الشوارع صرعى فيروس كورونا كانت سبباً لاعتراف تلك الدول بتفشي الجائحة ثم باتت سبباً يردع الناس في بلدان أخرى بعيدة عن الخروج إلى الشوارع ويحثهم على الاعتصام بالمنزل للوقاية من المرض ما بدد إلى حد كبير من أوهام ينشرها المؤمنون بنظرية المؤامرة ممن يزعمون أنّ كل ما يجري يصب في الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين *نشر الذعر والخوف ومنذ بدأت الأزمة بانتشار الفيروس في الصين أواخر العام الماضي ثم انتقاله لدول أخرى بدا واضحا على العديد من منصات التواصل الاجتماعي أن هناك مايشبه حالة من الذعر والهلع الجماعي التي يروج لها قطاع كبير من رواد تلك المنصات. وكان لافتا كيف تحرك موقع تويتر الأكثر تداولا في العديد من الدول العربية ليعلن حظر المحتوى المضلل حول الوباء وليقول إنه سيزيل أي محتوى يروج لمزاعم غير محددة ومضللة بشأن فيروس كورونا. وقال موقع التواصل الاجتماعي إن التغريدات التي يمكن أن تعرض الناس لخطر الإصابة بكوفيد 19 سيتم حظرها وفقا لقواعد الأمان المراجعة. ووفقا لتويتر فإن ذلك يتضمن أية مزاعم غير موثوقة بأن جماعات بعينها هي الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.