معابر مغلقة وبطون خاوية.. والغارات تتلاحق غزّة.. جوعٌ حتى الموت! في قطاع غزّة المُحاصر والواقع تحت طائلة الإبادة الجماعية لم يعد الجوع خبرا عابرا أو صورة تُرفق بتقارير إنسانية بل تحوّل إلى يوميات ثقيلة تتكرر بتكرار شروق الشمس وغروبها. في شوارع تغمرها رائحة الرماد وبين أنقاض البيوت والمخابز المغلقة تخوض العائلات معركة لا تنتهي مع الخواء فلم يعد الحديث عن تأمين وجبة واحدة في اليوم رفاهية بل معضلة ولم تعد الطوابير أمام التكايا مشهدا طارئا بل جزءا من الحياة. في هذا المكان الذي صار الخبز فيه نُدرة والعدس كنزا والحليب حلما مؤجلا تتجلى مأساة غزّة الجائعة بأشدّ صورها قسوة. ق.د/وكالات قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة إن الاحتلال الصهيوني يواصل إغلاق المعابر لليوم 84 ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والغذاء والبضائع مفندا ادعاءات إعلام داخل الاحتلال بإدخال مساعدات يوميا للقطاع. وذكر في بيان أن منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع عمدا تسبب في تعطيل المرافق الحيوية وفي مقدمتها المستشفيات والمخابز التي يعتمد عليها الفلسطينيون للبقاء على قيد الحياة . ولفت المكتب الحكومي إلى أن الاحتلال يعطل أكثر من 90 بالمئة من مخابز القطاع ما يعكس سياسة هندسة التجويع التي ينتهجها . وشدد على أن مئات آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية تكدست خارج غزّة وتعرضت للتلف والتعفن نتيجة منع الاحتلال إدخالها منذ شهور طويلة . وأكد أن سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال عبر مواصلة إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات أدت خلال 80 يوما إلى وفاة 326 فلسطينيا في ظل الإبادة الجماعية التي ترتكبها. وسلط الضوء على أن الاحتلال يفرض قيودا على حركة شاحنات المساعدات القليلة التي سُمح بدخولها إلى القطاع خلال الأيام الماضية ويستهدف بشكل مباشر فرق تأمينها وقتل 6 منهم مؤخرا أثناء تأدية مهامهم في حماية تلك المساعدات . *وجبة من الصمت في حي الشجاعية أحد الأحياء المدمرة في غزّة لا يزال صوت الأطفال يعكس واقعا مريرا يعجز الوصف عن إدراكه. في أحد المنازل المهدمّة جزئيا تجلس أم يوسف رجب بصمت تراقب بعينيها المرهقتين طفلها ذو السبع سنوات وهو يحدق في بقايا الأرز المرمية أمامه سائلا بابتسامة بريئة: ماما متى سيعود الخبز؟ صمتت الأم واجتهدت في مواصلة تقليب الوعاء على النار حتى لا يلاحظ يوسف ضآلة كمية الطعام. أصبح الجوع والفقر وانعدام الأمان الرفقاء الدائمين لأهل غزّة. وفي قلب هذه المعاناة نجد أن السؤال الذي يطرحه الطفل ذو البراءة والذي يعكس نضجا أكبر من عمره هو الخبز ذلك العنصر البسيط الذي لا يمكن أن يخفى على أحد قيمته في حياة الإنسان. كان الجواب: يجب أن ننتظر ربما اليوم أو غدا يأتي الخبز . هذه الوعود الضبابية أصبحت جزءا من الحياة اليومية في غزّة حيث تلاشت ملامح الأمن الغذائي وأصبح كل يوم عبارة عن صراع مرير من أجل وجبة واحدة. في كل بيت القصة تتكرر: نقص الطعام انهيار الأمل ومخاوف من القادم. الأم التي كانت دائما تقدم الطعام بكل حب للأطفال أصبح شغلها الشاغل في هذه الأيام هو تأمين الوجبة اليومية. أصبح المشهد في غزّة مأساويا تتشابك فيه اللحظات الصعبة مع المشاعر المحبطة حيث ترى العائلات أن رغيف الخبز أصبح بعيد المنال بل أصبح حلما يراود الأطفال والشيوخ على حد سواء. *دوامة من الخوف والجوع غزّة التي كانت يوما ما تعرف بمناطقها الزراعية الواسعة والتي كانت تعتبر سلة غذاء محلية للعديد من المناطق المجاورة أصبحت الآن – وبعد أشهر على إغلاق الاحتلال المعابر في وجه المساعدات الإنسانية والبضائع- أرضا جرداء يفتقر فيها السكان إلى أبسط مقومات الحياة: الطعام. وفقا لآخر التقارير التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة فاو وبرنامج الأغذية العالمي WFP بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في غزّة حوالي 100 في المئة من السكان. هذه الإحصائية تتحدث عن واقع يشهد كل يوم تدهورا إضافيا حيث يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة مع أزمات غذائية متواصلة بسبب الحصار الذي يطال كل جوانب حياتهم. من خلال بيانات المنظمات الإنسانية يتضح أن المساعدات الغذائية التي كانت تأتي في فترات سابقة قد تقلصت بشكل كبير. في بعض الحالات توقفت العديد من المنظمات الإنسانية عن تقديم المساعدات بسبب نفاد المخزونات وارتفاع تكاليف النقل في ظل الظروف التي تفرضها سلطات الاحتلال. في الوقت نفسه لم تعد المؤسسات الصحية قادرة على توفير التغذية الأساسية للأطفال بسبب نقص المواد الغذائية. وأمام هذا الوضع الكارثي اختفت بعض المواد الأساسية من الأسواق مثل الطحين والسكر والأرز بينما أصبح الخبز الذي كان يوما ما سلعة يومية للجميع رفاهية لا يمكن الحصول عليها بسهولة. المخازن التجارية والمخابز التي كانت تقدم الخبز اليومي للمواطنين أغلقت أبوابها بسبب نقص المواد الخام مثل الطحين والمحروقات ما جعل الخبز يتحول إلى سلعة نادرة يُمكن اعتبارها في بعض الأحيان بمثابة الكماليات. أصبحت أزمة الغذاء في غزّة تتجاوز فكرة الندرة هي قضية حياة أو موت حيث يعيش الجميع في دوامة لا تنتهي من الخوف والجوع. *محمد ياسين.. طفل آخر قتله الجوع في الأثناء أعلن جهاز الدفاع المدني في غزّة استشهاد الطفل محمد مصطفى ياسين (4 أعوام) جراء سوء التغذية في ظل الحصار واستمرار سياسة التجويع وقال متحدث الدفاع المدني محمود بصل في بيان مصور إنّ محمد ياسين قُتل جراء الجوع بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى غزّة. وأضاف: لم يكن محمد الطفل الأول والخوف أصبح يقيناً أنه لن يكون الأخير في ظل تواصل حرب المجاعة الصهيونية . ويظهر بصل في فيديو مصور وهو يحمل جثمان الطفل ياسين عقب استشهاده نتيجة سوء التغذية في مدينة غزّة. وفي وقت سابق السبت أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة أنه خلال 80 يوماً من الحصار استشهد 58 شخصاً بسبب سوء التغذية و242 آخرين بسبب نقص الغذاء والدواء معظمهم من كبار السن. والأربعاء أدخل الاحتلال87 شاحنة محملة بالمساعدات لصالح عدد من المؤسسات الدولية والأهلية للمرة الأولى منذ 81 يوماً من الإغلاق المشدد للمعابر وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة الذي أكد أن القطاع بحاجة إلى 500 شاحنة يومياً. وتأتي آلية إدخال المساعدات بشكل مؤقت إلى حين تطبيق آلية جديدة قال إعلام داخل الاحتلال الخميس إنه سيتم البدء بها عبر شركة أمريكية. والجمعة اعتبر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا فيليب لازاريني أن ما يصل من مساعدات إلى قطاع غزّة مجرد إبرة في كومة قش مؤكداً أن قطاع غزّة لا يزال يعاني من أزمة إنسانية وإغاثية كارثية. وأوضح لازاريني أن أقل ما يحتاجه الفلسطينيون في القطاع 500-600 شاحنة يوميًا تُدار من خلال الأممالمتحدة بما في ذلك أونروا . ومنذ مدة تروج تل أبيب وواشنطن لتوزيع المساعدات بطريقة تستهدف إفراغ شمال القطاع من سكانه الفلسطينيين عبر تحويل مدينة رفح (جنوب) إلى مركز رئيسي لتوزيع الإغاثة وجلب طالبي المساعدات إليها. إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد في تصريحات صحافية الجمعة عدم مشاركة المنظمة الدولية في أي مخطط يتعلق بالمساعدات في قطاع غزّة يفشل في احترام القانون الدولي ومبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد . ومنذ 2 مارس الماضي يواصل الاحتلال سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني في غزّة عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المكدسة على الحدود ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين. وبدعم أمريكي مطلق يرتكب الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزّة خلّفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء وما يزيد على 11 ألف مفقود بجانب مئات آلاف النازحين.