مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الأول ضرورة التوازن بين الزاد المعرفي والترفيه النفسي الإجازة الصيفية.. راحة أم استثمار وقت؟ ندرك أن الإجازات المدرسية ضمن التنظيم المدرسي الشامل بحيث يكتسب الأولاد مهارات متنوعة وغيرها في كل إجازة مهما استطالت أو قصرت لكن تتباين وجهات نظر الآباء والأمهات والأولياء عموما بشأن تعليم الأولاد القرآن الكريم تحديدا أثناء الإجازات المدرسة لا سيما الصيفية نظرا لطولها وتختلف آراء علماء النفس والتربية في ذلك حسب طبيعة كل مدرسة.. سألنا مربين ومعلمين وأساتذة عن الفئات العمرية التي يناسبها التعليم القرآني صيفا مع اعتبار عامل النمو وعن الآثار السلبية سيما النفسية حال تسجيل المتمدرسين صيفا مدة شهر من ثلاثة (3) أشهر إجازة.. وسألنا عن تأثير لعب المتمدرسين مدة ثلاثة (3) أشهر كاملة صيفا على زادهم المعرفي.. وطلبنا مقارنة بين فئة من المتمدرسين تتعلم القرآن صيفا مدة شهر على الأقل وتلعب مدة شهرين وفئة لا تتعلم القرآن صيفا وتلعب مدة ثلاثة (3) أشهر وطلبنا اقتراحات. إجازة بطعم الإنجاز.. بين دفء الراحة وصنع الأحلام المؤجلة * أ.سعاد عكوشي مع اقتراب حلول الإجازة الصيفية ووجود متسع من الوقت أمام الأبناء والشباب والفتيات تحار كثير من الأسر في كيفية شغل أوقات فراغ أبنائها فيما يعود عليهم بالخير ويبعدهم عن صحبة السوء يشعر الطالب غالبا بسعادة كبيرة لأنه يعدّها فرصة للرّاحة والحرية لكن الإجازة الصيفية لا تعني بالضرورة ذلك يبدأها بالجلوس مدةً طويلة أمام الشاشات الإلكترونية أو النوم ساعات طويلة وإنّما يمكن تحويلها إلى وقت ثمين لتنمية الذات والتسلية والمتعة في الوقت ذاته. وبما أن الإجازة تؤثر بشكل كبير في مستقبله الدراسي والشخصي وتختلف عن بقية الإجازات أولا بطول مدتها وثانيا بأنها تلي موسما دراسيا كاملا لذا لا بد أن يكون استثمارها مختلفا عن بقية الإجازات بالتأكيد الأولوية الأولى فيها للراحة لكن تخصيص 3 أشهر كلها للراحة دون أي استفادة أمر مبالغ فيه خاصة مع انشغال الآباء بالعمل وعدم قدرتهم أحيانا على الضغط على أبنائهم قد يؤدي في النهاية إلى هروب الأولاد إلى الشوارع وتعلم السلوك السيء من الآخرين.. خاصة في ظل غياب المخيمات والنوادي والفعاليات الصيفية ما يشعر التلميذ أو الطالب بالفراغ الكبير وقد يدفعهم إلى تعبئة أوقاتهم بطرق غير مدروسة وتعودهم على الكسل والنوم ساعات طويلة وقضاء معظم وقتهم مع حواسيبهم وهواتفهم الذكية. وهنا يظهر الفرق بين طالب يقضي إجازته في تعلم القراءة والكتابة أو اكتساب المهارات وآخر يقضيها في اللعب فقط دون أي هدف. فالطالب الذي يستثمر وقته في تطوير مهاراته اللغوية والعقلية يخطو خطوة نحو مستقبل أكثر إشراقًا. فمثل هذا الطالب لا يكتسب المعرفة فقط بل ينمّي ثقته بنفسه ويُبقي ذهنه نشطًا مما يساعده على العودة إلى المدرسة بقوة ونشاط. كما أن استغلال الوقت في التعلم يُظهر وعيًا ومسؤولية كبيرة تجاه الذات. أما الطالب الذي يكرّس عطلته كلها للهو واللعب فإنه قد يشعر بالسعادة المؤقتة لكن عند العودة إلى مقاعد الدراسة يواجه صعوبة في التركيز أو اللحاق بزملائه الذين استثمروا وقتهم بشكل أفضل. فالإفراط في اللهو قد يؤدي إلى فقدان مهارات مكتسبة وضعف في التحصيل الدراسي ما يؤثر سلبًا في مستقبله. والتوازن هو المفتاح. فالإجازة لا تعني الحرمان من الراحة أو التسلية بل هي فرصة للجمع بين المتعة والفائدة بحيث يخصص الطالب وقتًا للتعلم وآخر للراحة والترفيه. وثمة تساؤلات جادة حول أثر الإجازة الطويلة على الزاد المعرفي للطلاب إذا لم تُستغل بشكل جيد فقد تؤثر سلبًا وتؤدي إلى تراجع في مستواه الدراسي والفكري. هذا الزاد المعرفي هو ما يكتسبه الطالب من معلومات ومهارات خلال العام الدراسي. وعند الانقطاع عن الدراسة مدة طويلة دون ممارسة أي نشاط تعليمي أو ذهني تبدأ هذه المعارف في التآكل التدريجي خصوصًا في المواد الأساسية كالقراءة والرياضيات واللغة. وقد أثبتت تجاربنا أن التلاميذ الذين لا يمارسون أي نشاط ذهني أو لا يقرؤون خلال الإجازة يعانون من الفجوة المعرفية ويحتاجون إلى أسابيع طويلة عند العودة إلى المدرسة لاسترجاع ما نسوه. وهذا يؤثر على تحصيلهم الدراسي وثقتهم بأنفسهم. هذا التراجع المعرفي لا يحدث للجميع بالدرجة نفسها. فالطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية ميسورة يتمكنون غالبًا من الالتحاق بفعاليات صيفية أو المشاركة في أنشطة تعليمية غير رسمية بينما قد يُحرم غيرهم من هذه الفرص ما يوسّع الفجوة التعليمية بينهم. لكن من وجهة نظر أخرى الإجازة الصيفية لا يجب أن تُختزل في الخسارة المعرفية. فهي مساحة يمكن استغلالها في التعلم غير النظامي وتطوير المهارات الشخصية والمهنية وتعزيز الاستقلالية الفكرية للطالب. القراءة الحرة تعلّم لغات جديدة المشاركة في ورش عمل أو حتى العمل التطوعي كلها وسائل لتغذية عقل الطالب بطرق غير تقليدية. كذلك لا يمكن تجاهل البُعد النفسي للإجازة. فبعد شهور من الالتزام والانضباط المدرسي يحتاج الطالب مدة يستعيد فيها طاقته ويوازن بين الجهد والترويح عن النفس وهو أمر لا يقل أهمية عن التحصيل الأكاديمي. الحل إذن لا يكمن في تقليص الإجازة الصيفية بالضرورة بل في إعادة النظر في كيفية توظيفها. دور الأسرة والمدرسة هنا محوري من خلال التوجيه نحو أنشطة صيفية بنّاءة وربط التعلم بالمتعة والاكتشاف... في نهاية المطاف ليست الإجازة الصيفية خصمًا من رصيد الطالب المعرفي إلا إذا تُرك الأمر للفراغ. أما إذا استُثمرت بالشكل الصحيح فقد تكون مصدر إثراء يتجاوز حدود الكتب والفصول الدراسية. والمتأمل في المجتمع المسلم يجد أن من أهم الأمور التي تساعد على اغتنام الإجازة الصيفية إتيان المساجد وشغل أوقات أبنائنا بتعلم القرآن وأحكامه وإتقان تلاوته وتعلم الآداب الإسلامية والأخلاق.. فمع حلول الإجازة الصيفية تُفتح أبواب الكتاتيب والمراكز القرآنية لاستقبال الأطفال والناشئة في دورات تحفيظ وتجويد القرآن الكريم في تقليد تربوي واجتماعي له جذوره العميقة في المجتمعات العربية والإسلامية وللأسف يغفل الكثير من الآباء والأمهات عن أهمية حلقات تحفيظ القرآن الكريم وعظم دورها فكم تخرج من حلقات تحفيظ القرآن من العلماء والخطباء والأيمة والدعاة لأن هذه الحلقات تحوي أناسًا وهبوا أوقاتهم لتعليم كتاب الله عز وجل وتعليم الناشئة الأخلاق الحميدة وتحذيرهم من الأخلاق السيئة وينال خيري الدنيا والآخرة. فهو لا يكتفي بشحن روحه ونفسه بل يكتسب صفات عظيمة كالانضباط الصبر قوة الذاكرة وصفاء الذهن. ومع ذلك لا يُهمل جانب الراحة أو الترفيه بل يوازن بين العبادة والاستجمام فيعود إلى المدرسة بقلب مطمئن وعقل نشيط. لكن الطالب الذي يُمضي عطلته كلها في اللعب فإنه قد يشعر بالمتعة المؤقتة لكنه يُضيّع فرصة ذهبية لتقوية نفسه علميًا وروحيًا. كما أن الإكثار من اللهو دون ضوابط قد يؤدي إلى الكسل أو فقدان التركيز أو حتى اكتساب عادات سلبية يصعب التخلص منها لاحقًا. الفارق بين الفئتين يظهر بوضوح عند العودة إلى الدراسة فطالب القرآن يظهر أكثر التزامًا ونشاطًا وطمأنينة بينما طالب اللهو قد يحتاج إلى وقت طويل حتى يعود إلى الانضباط والتركيز. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل كل الفئات العمرية مؤهلة لخوض هذا النوع من التعليم خلال الصيف؟ وهل تُراعى احتياجات الأطفال النفسية والعقلية والجسدية في هذه البرامج؟ أن المرحلة العمرية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد نوع النشاط التعليمي ومدى فائدته. فالأطفال في سن مبكرة يمتلكون قدرة محدودة على التركيز مدة طويلة ويحتاجون لبرامج مرنة تعتمد على اللعب والتكرار السمعي والتشجيع. وعليه فإن التعليم القرآني في هذه المرحلة يجب أن يقتصر على الاستماع الترديد وربما حفظ قصار السور دون ضغط .. أما فئة الصبيان فتُعد الأكثر استعدادًا للتعليم القرآني المنتظم حيث تبدأ المهارات العقلية والنفسية في النضج ويصبح الطفل قادرًا على الحفظ والفهم مع تعميق الفهم والتدبر وربط آيات القرآن بالسلوك والقيم اليومية وهو ما ينسجم مع حاجتهم لبناء الهوية والانتماء في هذه المرحلة. وغالبًا ما تُنسى الاحتياجات النفسية فالدروس الطويلة والجلوس لساعات والضغط على الأطفال لإنهاء عدد محدد من الأجزاء قد يؤدي إلى نفور عاطفي من القرآن الكريم بدلًا من بناء علاقة حب معه. إن الإجازة المثمرة ليست التي نملؤها بأنشطة لا تتوقف.. بل تلك التي نحقق فيها توازنا بين الراحة والتعلم بين المتعة والنمو الشخصي واهم المحاور لجعل العطلة ذكية ومثمرة: 1- اكتساب لغة جديدة أو التصوير الفوتوغرافي والتركيب المونتاج بالإضافة للبرمجة التي تُعد استثمارا مهما في العصر الرقمي. 2- ممارسة التمارين الرياضية للحفاظ على الصحة البدنية والعقلية مثل ممارسة المشي والركض أو أيّ نوع آخر من التمارين الهوائية مدة ساعة واحدة مثلا يوميا. 3- تجربة رياضات جديدة مثل كرة القدم وركوب الخيل والسباحة فهي لا تُحسّن الصحة البدنية فحسب وإنّما تُنمّي المهارات. 4- القيام بالأنشطة التطوعية التي تعلم القيّم الإنسانية مثل التعاطف والصبر والامتنان لذلك تُعد من الأفكار المميزة لاستغلال الوقت في الإجازة الصيفية وتُعد فرصة لتنمية المهارات الاجتماعية واكتساب خبرات جديدة وتكوين علاقات بناءة. 5- البدء في مشروعات شخصية تعكس الاهتمامات الفردية وتفتح أبواباً للتعلّم الذاتي بالإضافة إلى أنّها تساعد على اكتشاف أفكارهم وإبداعهم مثل إنشاء محتوى إعلامي مفيد صوتي أو مرئي على إحدى المنصات مثل منصة يوتيوب أو البدء بمدونة كتابية وكتابة مقالات في الموضوعات التي تهم الطالب أو موضوعات لدى الكاتب خبرة فيها. 6- القراءة من أكثر الأنشطة إفادة خلال الإجازة. يمكن للطالب قراءة كتب متنوعة في مجالات الأدب أو التنمية الذاتية أو حتى الكتب العلمية. يمكن أيضا زيارة المتاحف أو المعارض الثقافية لاكتساب المزيد من المعرفة. 7- التسويق الرقمي يمكن استغلال هذا الوقت لتعلم كيفية إدارة حملات التسويق عبر المواقع الإلكترونية وكيفية إدارة حملات إعلانية ناجحة. ولا شك أن أعظم ما يجب صرف الهمم إليه في تربية الأبناء وسبق الإشارة له في بداية المقال: تعليمهم كتاب الله تعالى الذي جعل الله نجاة الأمة وعزتها ورفعتها منوطة بتعلمه وتعليمه والاعتصام به. في نهاية المطاف ليست الإجازة مجرد فسحة من الزمن نغلق فيها دفاترنا ونبتعد عن الجهد بل هي فرصة لإعادة التشكيل: تشكيل الأفكار المهارات وحتى الطموحات. من يستثمرها بعقل متوازن وروح متطلعة سيعود إلى مقاعد الدراسة أو ميادين العمل وهو أكثر نضجًا وثقة واستعدادًا. إنّ الفرق بين من ينتظر أن تنتهي الإجازة ومن يصنع منها تجربة مفيدة هو نفس الفرق بين من يترك الأمواج تقوده ومن يمسك بالمجداف ويحدد وجهته.. فلتكن الإجازة هذه السنة بداية جديدة لا استراحة عابرة. ********** الإجازة الصيفية للمتمدرسين... * أ.حورية منصوري في أواخر شهر يونيو/جوان تنتهي السنة الدراسية على العموم في كل الأطوار التعليمية. بداية كل إجازة تسطر بعض الأسر ربما مسبقا برنامجا لقضائها على مدى ثلاثة أشهر حسب الرغبات والإمكانيات تجديدا لطاقات أبنائهم بعد العمل الدؤوب الذي امتدَّ طوال السنة. لكن هل الأولياء لهم خارطة زمنية يقسمون فيها الإجازة السنوية بمخطط ترفيهي واستغلال بعضه أيضا كفرصة لتعليمهم القرآن وحفظ ما تيسر منه خلال الإجازة؟ هل يعد تحفيظ القرآن لأبنائنا هو إخلال لراحتهم أم هو متنفس؟ قد يزيد الطفل مهارة ويثري ثقافته المعرفية بدينه وعبادته ويبني له قاعدة ومنهجا تربويا صحيحا يسير عليه طوال حياته؟ يتمتع المتمدرس الجزائري بإجازتي الشتاء والربيعية وآخرها الصيفية التي تعد أطول هي من أواخر شهر جوان إلى بدايات سبتمبر. بطبيعة الحال يستحق أبناؤنا... بعد جهد جهيد وجدّ واجتهاد طوال السنة الدراسية أن ينالوا قسطا من الراحة والاستجمام ومدِّه بعض الزمن لراحته العقلية والروحية لأننا نعلم جيدا بأنهم انشغلوا طوال السنة في الحفظ والاجتهاد تأهُّبا للامتحانات الفصلية والختامية للسنة الدراسية. المدارس التعليمية تغلق أبوابها طيلة الإجازة لكن بالمقابل تبقى أبواب المدارس القرآنية والمساجد مفتوحة لاحتضان واستقبال المتمدرسين ممن لديهم رغبة وحب كتاب الله بمعية ترسيخها من طرف الأولياء لهم. يوفر تعليم القرآن للأطفال أثناء الإجازة فرصة لاستثمار الوقت بشكل إيجابي بعيدًا عن الأنشطة السلبية. يعزِّز الوعي الإسلامي ويزيد في تلاحم الروابط الاجتماعية الإيجابية بين الأطفال. ويغرس فيهم مَلَكة الرّقابة الذاتية والروحانية ويهذب السلوك ويمحو داخلهم كل الآثار السلبية. الوعي الأسري يجب أن يبلغ مداه فاستثمار الإجازة ليس من الأمور العابرة... الوقت الذي يمر على الطفل في اللّهو واللعب له حدود لذلك من المعقول أن نستغل بعض هذا الوقت الثمين بإدخال أطفالنا المدارس القرآنية للاكتساب المعرفي الوجداني واللغوي الذي له نتائجه المثمرة إلى أبعد مما نتخيّل وإلى أبعد مدى. قال الله سبحانه وتعالى عن حافظ القرآن أنهم: من اصطفاهم الله وأنهم: أوصياء الكتاب . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجًا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم . فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ويسره لأبنائنا واجعله لهم سراجا منيرا.