بقلم: صادق الطائي كتبت قبل شهر تقريبا مقالا بعنوان (إيلون ماسك ودونالد ترامب.. بداية النهاية) طرحت فيه آراء بعض المراقبين الذين أشاروا إلى تنامي الأزمات بين إيلون ماسك وعدة أطراف في إدارة ترامب متوقعين نهاية وجوده بالقرب من ترامب لكن السرعة التي حدث فيها الانفجار الدامي بين الرجلين أثار العديد من الأسئلة والتكهنات حول المقبل من الأزمات بينهما. إذ انتهت علاقة الصداقة الحميمة بين الرئيس دونالد ترامب وصديقه السابق إيلون ماسك التي نشأت في سعيهما المشترك للسلطة والنفوذ تماما. لكن يبدو أن علاقتهما كانت علاقة سامة متجذرة في الهيمنة والقسوة وكان مصيرها الانهيار دائما وفقا لما ذكره أليكس هانافورد من صحيفة الأندبيندنت . يوم الجمعة الماضي 30 ماي احتفى ترامب بعمل ماسك كرئيس لإدارة كفاءة الحكومة (DOGE) حيث أشرف على خفض مليارات الدولارات من الإنفاق الفيدرالي. في كلمة ألقاها خلال مراسم توديعه في البيت الأبيض وصف الرئيس ترامب ماسك بأنه: أحد أعظم قادة الأعمال والمبتكرين الذين أنجبهم العالم على الإطلاق . ردا على ذلك قال ماسك الذي قُدّم له مفتاح ذهبي يحمل شعار البيت الأبيض إنه سيواصل زيارة ترامب كصديق ومستشار . ألقى رجل الأعمال نظرة على أوسمة ترامب الذهبية الجديدة في أرجاء الغرفة وقال: أخيرا اكتسب المكتب البيضاوي الهيبة التي يستحقها بفضل الرئيس . *السلطة والنفوذ بعد أقل من أسبوع اشتعلت الأزمة إذ اختلف المليارديران بشكل علني في حرب كلامية تصاعدت حدتها بشكل متسارع يوم الثلاثاء 3 يونيو حيث لجأ كل منهما إلى منصته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة الآخر. وكانت البداية عندما انتقد ماسك مشروع قانون ترامب الخاص بالضرائب الذي بات يعرف إعلاميا ب مشروع القانون الضخم والجميل ويتضمن تخفيضات ضريبية كبيرة ورفع سقف الدين الوطني الذي تم إقراره في مجلس النواب بفارق ضئيل الشهر الماضي ولكنه يواجه تحديات التمرير في مجلس الشيوخ. قال ماسك إن مشروع القانون يُقوّض جميع الوفورات التي حققتها إدارة كفاءة الحكومة (DOGE) وأشار إلى أن القانون فاضح مليء بالحماقات إنه عملٌ مقزز . كما انتقد الجمهوريين في مجلس النواب لتصويتهم على ما سمّاه مشروع القانون القبيح وزعم أنه سيزيد عجز الموازنة الأمريكية إلى 2.4 تريليون دولار وسيحرم أكثر من 10 ملايين شخص من تأمينهم الصحي ويكرس تخفيضات ضريبية لأغنى الأمريكيين. لم يتصاعد الخلاف رغم التصريح القاسي لماسك بشكل كامل إلا يوم الخميس 5 جوان ففي منتصف نهار الخميس ردّ ترامب على ماسك في المكتب البيضاوي خلال زيارة للمستشار الألماني فريدريش ميرز قائلا: إني أشعر بخيبة أمل كبيرة من ماسك قبل أن يُعرب عن شكوكه بشأن استمرار علاقتهما الرائعة .. هنا تحول الخلاف إلى أمور شخصية حيث كتب ماسك على منصة أكس: لولا دعمي لكان ترامب قد خسر الانتخابات ولسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب ولحصل الجمهوريون على 51 مقعدا مقابل 49 مقعدا في مجلس الشيوخ . واختتم حديثه قائلا: يا له من جحود واشار إلى وجود اسم ترامب في قضية الملياردير ابستين صديق ترامب المتحرش الجنسي بالأطفال الذي مات منتحرا في سجنه وإن إدارة ترامب لم ترفع السرية عن ملفات القضية لورود اسم ترامب في التحقيقات. بالمقابل اتهم دونالد ترامب إيلون ماسك ب فقدان عقله ففي صباح الجمعة 6 يونيو أعرب ترامب المعروف عنه عدم تقبّله للنقد عن استيائه مؤكدا عداءه المتجدد لماسك. في مقابلة هاتفية مع قناة (ABC News) حيث سُئل ترامب عن معلومة مفادها أن مكالمة هاتفية محتملة سيجريها الرئيس مع ماسك في وقت لاحق من اليوم ربما تُفضي إلى السلام فأجاب ترامب: هل تقصد الرجل الذي فقد عقله؟ وأضاف أنه ليس مهتما بشكل خاص بالتحدث إلى صديقه السابق في الوقت الحالي . كما تحدث الرئيس لشبكة CNN قائلا: لا أفكر حتى في إيلون. لديه مشكلة. المسكين لديه مشكلة ثمن الطلاق مع ماسك المحللون انتقلوا إلى تحليل الأزمة وماذا يمكن أن يفعل كل طرف بخصمه وفي ما قد يفعله ترامب بماسك يتمثل في إمكانية إلغاء العقود الحكومية المتعلقة بأعمال ماسك إذ كتب ترامب على منصته تروث سوشيال يوم الخميس 5 جوان: أسهل طريقة لتوفير المال في ميزانيتنا مليارات الدولارات هي إنهاء الدعم الحكومي وإنهاء عقود إيلون ماسك. لطالما فوجئتُ بأن بايدن لم يفعل ذلك! . كما صرّح ستيف بانون حليف ترامب وشخصية اليمين البديل المؤثرة لصحيفة التايمز يوم الخميس بضرورة التحقيق في وضع ماسك المتعلق بالهجرة. وقال بانون عن ماسك المولود في جنوب افريقيا والمواطن الأمريكي: يجب فتح تحقيق رسمي في وضعه المتعلق بالهجرة لأنني على قناعة راسخة بأنه مهاجر غير شرعي ويجب ترحيله من البلاد فورا . بالمقابل يرى المحللون أن إيلون ماسك يستطيع الوقوف بوجه هذا الهجوم وبالنظر إلى ثروته الطائلة فهو مصدر تمويل مهم للسياسيين الجمهوريين. وقال عدد من المحللين إن بإمكان إيلون ماسك التسبب في مشاكل كبيرة لإدارة ترامب إذ بإمكانه استخدام منصته أكس وأكثر من 220 مليون متابع عليها لحشد الرأي ضد إدارة ترامب كما يمكنه أن يحوّل موارده المالية الضخمة بعيدا عن الحزب الجمهوري ويؤسس كيانا سياسيا جديدا. ففي خضم الأزمة الحالية نشر ماسك استطلاع رأي على منصة أكس وسأل: هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد في أمريكا يمثل فعليا 80 من الطبقة الوسطى؟ وقد صوّت أكثر من 80 من المشاركين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص ب نعم . من ناحية ثانية تلعب منصة ستارلينك للإنترنت عبر الأقمار الصناعية المملوكة لشركة سبيس أكس التابعة لماسك دورا رئيسيا في الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد الغزو الروسي. كما أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لها علاقة وثيقة مع شركة سبيس أكس التابعة لماسك حيث تُستخدم مركبة دراغون الفضائية التابعة للشركة لنقل رواد فضاء الوكالة من وإلى محطات الفضاء الدولية وقد هدد ماسك فور اندلاع الأزمة الأخيرة مع ترامب بإيقاف تشغيل دراغون قبل أن يُعلن سريعا عن تغيير موقفه. *الهيمنة والقسوة بعض المختصين بعلم النفس أشاروا إلى أن سمية علاقة الرجلين تنبع من التأثيرات الأبوية التكوينية التي شكلت كلا الصبيين ترامب وأيلون يقول الدكتور فرانك أوشبيرغ الطبيب النفسي الرائد وخبير الصدمات النفسية: إن النشأة في بيئات تُغلب فيها الهيمنة والقسوة وعدم القدرة على إظهار الضعف أمرٌ غير مفيد خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقات الأب والابن. ويضيف: في مجالي إذا تعرضتَ للإساءة من أحد والديك في صغرك فهذا أمرٌ بالغ الأهمية. وهناك طرقٌ مختلفة لتقييم الأشخاص الذين كان لهم في نهاية المطاف تأثيرٌ قوي على العالم سواء للأفضل أو للأسوأ من حيث تأثيرهم الأبوي. بالنسبة لدونالد ترامب وضع والده فريد ترامب الصارم والمتطلب أسس القيادة. منذ صغره تعلم دونالد أن هناك قتلة رابحين وآخرين خاسرين وهو درسٌ لقنه إياه والده بلا هوادة. ووفقا لتوني شوارتز الذي شارك في تأليف كتاب فن التعامل مع ترامب كان فريد رجلا شديد القسوة و قليل الذكاء العاطفي . إذ قال شوارتز لشبكة (BBS): أشتبه بشدة في أن علاقته بوالده هي السبب الرئيسي في ما آل إليه حاله . أما ماري ابنة أخ ترامب وهي أخصائية نفسية ألفت الكتاب الأكثر مبيعا كثير جدا ولا يكفي أبدا: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم تقول إن فريد الأب دمر دونالد بعرقلة القدرة على تطوير واختبار طيف كامل من المشاعر الإنسانية . في المقابل كانت طفولة إيلون ماسك صعبة بالمثل وكانت علاقته بوالده إيرول ماسك مشحونة بالتوتر. وقد قال ماسك في محاضرة تيدكس عام 2022: بصراحة لم تكن طفولتي سعيدة. كانت قاسية للغاية . يُقال إن والده انحاز إلى جانب من ينتهكون ابنه في المدرسة واصفا إياه بأنه عديم القيمة وهو أمرٌ أنكره. عندما انتقل إيلون ماسك إلى أمريكا وزُعم أن إيرول قال لابنه: ستعود خلال بضعة أشهر. لن تنجح أبدا . في النهاية ربما كان هذا هو السبيل الوحيد: رجلان تربيا في ظل أبوين متسلطين وصعبي المراس ولديهما ما يثبتانه كلاهما ثمل بسلطته يتصادمان وسط دراما وفوضى من صنعهما. قد يبدو الخلاف بين ترامب وماسك أشبه بصراع المشاهير. عداوة لكنها أكثر أهمية بكثير. في الوقت الحالي لا يزال الثنائي عالقا في لعبة الأنا ونحن لا نملك سوى الفرجة على هذه اللعبة.