تحوّلت إلى مسرح لمأساة كبرى غزّة في مواجهة قسوة العالم * الناشط الحقوقي شريف الصباغ في غزّة اليوم لا يحتاج المرء إلى خيال واسع ليتصوّر أهوال يوم القيامة فالمشهد وحده كاف ليختصر كل صور الدمار والفناء. مدينة صغيرة محاصرة لكنها تحوّلت إلى مسرح لمأساة كبرى تعكس قسوة هذا العالم وظلمه. البيوت التي كانت ملاذًا للعائلات غدت أطلالًا خاوية. أصوات الأطفال التي كانت تملأ الأزقة بالضحكات صارت صرخات خوف واستغاثة. الأمهات اللواتي كان حلمهن تربية جيل جديد أصبحن يبكين على نعوش صغارهن. والرجال الذين اعتادوا العمل والكفاح من أجل لقمة العيش صاروا اليوم يواجهون الموت بصدور عارية لا يملكون إلا إيمانهم وصمودهم. أصوات الانفجارات تتتابع ليلًا ونهارًا بلا توقف حتى كأن غزّة لم تعرف الهدوء يومًا. السماء التي كان يُنتظر منها المطر والخير انقلبت إلى جحيم تمطر نارًا وصواريخ. الغيوم السوداء المتصاعدة من القصف تغطي الأفق فلا يُرى إلا الدخان والسواد. الأرض تهتز تحت أقدام الناس والطرقات تتحول إلى أنهار دماء فيما يفرّ من نجا من الموت باحثًا عن مأوى فلا يجد إلا المزيد من الرعب. إنها مشاهد تُجسّد ما ورد في وصف يوم الحساب: خوف صراخ فقدان ورعب شامل. لكن الفرق أن القيامة في غزّة ليست وعدًا مستقبليًا بل واقعًا يوميًا يعيشه أهلها منذ أشهر وسنوات. ومع ذلك لا يقف الأمر عند حدّ القصف والقتل فالأدهى من كل ذلك هو ظلم العالم وصمته. ملايين البشر يشاهدون صور المجازر على الشاشات لكن لا تتحرك ضمائرهم. منظمات دولية تصدر بيانات جوفاء وقوى عظمى تتغنّى بالإنسانية بينما تبرر الإبادة أو تدعمها. هكذا يتجلى ظلم هذا العالم: يرفع شعارات الحقوق والحرية لكنه يصمت حين تكون الضحية فلسطينية. غزّة اليوم هي مرآة تكشف عورة البشرية. مرآة تقول إن الإنسانية ماتت في العواصم الكبرى بينما بقيت تنبض في قلوب المحاصَرين الذين رغم أهوال الحرب يدفنون شهداءهم بكرامة ويتمسكون ببيوتهم وأرضهم ويقولون للعالم أجمع: هنا نحن باقون. فغزّة ليست مجرد مدينة تُباد بل هي قصة تحدّ وصوت صمود في وجه آلة عسكرية لا تعرف للرحمة طريقًا. إنها تكتب بدمائها شهادة التاريخ على عالم ظالم عالم باع إنسانيته لكنه لم يستطع أن يكسر إرادة شعب أقسم أن يظلّ حيًا رغم أهوال يوم القيامة. يا شعوب الأمة... غزّة تناديكم فهل تسمعون؟ يا أحرار العالم... غزّة تُباد أمام أعينكم فهل تتحرك قلوبكم؟ لا تتركوا دماء الأطفال تذهب هدرًا ولا تسمحوا لصوت الحق أن يُخمده القصف. من غزّة يخرج النداء: تحركوا قاوموا ارفعوا أصواتكم قاطعوا انصروا... فالصمت جريمة والحياد خيانة.