بشائر اليوم التالي.. من يملك حرية القرار في الحرب والسلم؟ بقلم: لطفي العبيدي الطموح الإسرائيلي في العربدة والتوسع وتشكيل ما يسمّى الشرق الأوسط الجديد لم يكن يوما غائبا عن خطاب القادة الإسرائيليين لكنه في عهد بنيامين نتنياهو اتخذ بُعدا أكثر وضوحا وجرأة مدفوعا برغبة في وأد مشروع المقاومة وبظروف إقليمية متحوّلة ودعم أمريكي غير مسبوق. يبحث القادة الصهاينة اليوم عن بيئة إقليمية مواتية خاصة بعد استعراض دونالد ترامب في شرم الشيخ وهو يقف مغرورا أمام قادة يُهينهم كلّما سنحت له الفرصة. لقد عزز نتنياهو العلاقات مع الولاياتالمتحدة وعدد من الدول العربية في إطار التطبيع ومع الأسف هذا ما وفّر له دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا ضمن إطار توسيع شبكة الحلفاء حتى أثناء الحرب المدمرة على غزة. ولعل اليوم التالي للحرب كشف أن لا موقف مبدئيا من كيان إرهابي ارتكب الإبادة الجماعية بل هناك استعداد ربما تتكشّف حلقاته في الأيام المقبلة عن تطبيع آخر ذكّر في سياقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الذي يشاء ترامب تلقيبه بالجنرال) مفتخرا بأنّ بلده كانت سبّاقة في الاتفاقيات الأمنية مع كيان الاحتلال ضمن الزيارة الشهيرة لأنور السادات للقدس المحتلة في السبعينيات. *هاجس الصهاينة في غزة الفكرة الشائعة في الولاياتالمتحدة التي تُشير إلى أن تطوير العلاقات مع إسرائيل فيما يُسمى باتفاقيات إبراهيم يُمثل تقدما بل خطوة نحو السلام الإسرائيلي الفلسطيني ليست إلاّ فكرة كاذبة وقائمة على المغالطة إذ على العكس تماما يُعدّ هذا التطوير كما يسمّونه بديلًا عن قيام إسرائيل بإحلال السلام مع الفلسطينيين. إسرائيل التي ترفض فكرة دولة فلسطينية من الأساس لم تُبق على الأرض ما يمكن أن يكون جغرافية لدولة فلسطينية عبر التمدد الاستيطاني وضم الأراضي على مدى سنوات. فقد تضاعف عدد المستوطنات الإسرائيلية منذ احتلت إسرائيل الضفة الغربية من الأردن في حرب 1967 وفرضت الاحتلال العسكري. وتمتد هذه المستوطنات عميقا في الأراضي المحتلة مع شبكة من الطرق وبنية تحتية أخرى تحت السيطرة الإسرائيلية ما يؤدي إلى تقسيم الأرض بشكل أكبر. وحصل مشروع استيطاني إسرائيلي مثير للجدل يُعرف باسم مشروع إي 1 الذي سيقسّم الضفة الغربيةالمحتلة عمليا ويعزلها عن القدس الشرقية على الموافقة النهائية في أغسطس الماضي. هذا المشروع سيمر عبر أراض يسعى الفلسطينيون لاستغلالها لإقامة دولتهم. بهذا المعنى ربما تبقى فكرة ترامب عراب السلام كما يحلو له سماع هذه الصفة ويطرب لها هذه الأيام وسيلة لإسرائيل لتتمتع ولتُظهر للعالم أنها تتمتع بعلاقات كاملة مع جيرانها الإقليميين ولكن مع استمرارها في إخضاع الفلسطينيين واحتلال أراضيهم وقتلهم وتشريدهم. ونظرا للميل الإسرائيلي لاعتبار هذه الاتفاقيات جوهر تحالف معاد لإيران فقد زادت اتفاقيات السلام المزعومة من حدة الصراع في الخليج العربي وتنبئ بفتور في العلاقات ولن تأتي بالسلام إلى المنطقة. هاجس الصهاينة في غزة هو فصل السكان عن حماس لذلك يتسبّبون دائما في مزيد من المعاناة بين المدنيين ويعملون على إنهاء الرغبة في المقاومة ومنع حتى مجرد التفكير فيها هذا ما يتمنّونه. أما الآن فيبحثون بعد الهدنة عن نظام سياسي مختلف يحلّ محل حماس على أن يضمن عدم عودة الجماعة إلى الظهور بمجرد تخفيف الضغوط الإسرائيلية. تلك نية إسرائيل المعلنة وما تعنيه من الاستمرار في أي وقت أرادت في شن أسوأ حملة عقاب مدني على الإطلاق. استهداف قادة المقاومة العسكريين والسياسيين أيضا بمن فيهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران الضربات على سوريا ولبنان الهجوم على إيران حرب الإبادة على غزة والعملية في قطر: كلّها حلقات في سلسلة واحدة تؤكد المنطق الساخر لنتنياهو وجماعته من المتطرفين هؤلاء يبرهنون بشكل منهجي على مدار عامين أنّه لا توجد أراض محرمة ولا قوانين دولية ولا اتفاقيات فيينا أو غيرها بالنسبة لهم في الشرق الأوسط. هذا يعني أنّ المقولة القائلة إن الحروب يسهل إشعالها ويصعب إنهاؤها لا تثير قلق بنيامين نتنياهو. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يرى في الصراع وسيلة وغاية في آن معا إذ يخدم تمديد بقائه السياسي لهذا هو غير سعيد كثيرا باتفاق وقف الحرب رغم انحياز بنوده للقاتل لا للضحية. *مصالح صهيوأمريكية ما يشترك فيه ترامب ونتنياهو هو أنّهما يُخضعان باستمرار مصالح بلديهما العليا لمصالحهما السياسية الشخصية ورغم انجذابه لفكرة الانتصارات السريعة يدرك الرئيس الأمريكي أن ارتفاع أسعار النفط أو التورط العسكري قد ينفّران الكثير من مؤيديه لقد تباهى بأنه خدع الإيرانيين بإيهامهم بالمفاوضات بينما كان يسمح لإسرائيل بالتحضير لضربتها الاستباقية على طهران يبدو أنه لن يستطيع تكرار تلك الخدعة مرة أخرى فالعودة إلى المفاوضات بين طهران وواشنطن ستتطلب ضمانات بألا تهاجم إسرائيل مجددا وهي ضمانات لن تقدمها إسرائيل أبدا. دونالد ترامب كان يرى عموما أن النزاعات المسلحة فخٌ أكثر مما هي مخرج. فقد صرّح بأن الولاياتالمتحدة ستقيس نجاحها ليس فقط بالمعارك التي تنتصر فيها بل أيضا بالحروب التي تنهيها وربما الأهم من ذلك الحروب التي لا تدخلها أمريكا أساسا ومع ذلك فإن فشله في تحقيق اتفاقيات السلام التي كان يطمح إليها تلك التي يراها جديرة بجائزة نوبل خاصة حرب روسيا وأوكرانيا وحرب إسرائيل على غزة قبل التمادي في الإبادة الجماعية ومناورات بنيامين نتنياهو شيء من هذا جعله أكثر ميلاً للتدخل الأمريكي المباشر وهو ما حدث في الحرب على إيران تلك الحرب التي يقول عنها ديفيد هيرست إنه قبل 12 يوما بدأ ترامب برفض أي تورّط أمريكي في الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران. وعندما بدا أن العملية تنجح حاول ترامب اقتحام المشهد مدّعياً أن النجاح ما كان ليتحقق دون التكنولوجيا الأمريكية. ومع تواصل الهجوم أشار ترامب إلى أنّه لا يعارض تغيير النظام في إيران. ولكن في الساعات ال24 الأخيرة انتقل من المطالبة باستسلام إيراني غير مشروط إلى شكر إيران على تحذيرها من نيتها ضرب قاعدة العديد في قطر وإعلان السلام في زماننا . في غزةالولاياتالمتحدة هي التي حسمت في نهاية المطاف قرار وقف إطلاق النار عندما أدركت أنّ إسرائيل بدأت تفقد ما تبقى من مكانتها الدولية متجهة نحو عزلة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة. المقاومة في فلسطين ولبنان مثلت دائما خط المواجهة الأول أمام هذا الكيان الذي ترعاه الولاياتالمتحدة بالدعم والإسناد. هي من عملت لعقود على تقويض أي محاولة للتمدد أمام إسرائيل اليوم تُحاصر هذه المقاومة في بيئة إقليمية يبدو أنه ستتواصل فيها حلقات التطبيع السياسي والأمني استكمالا للاختراقات التي تحققت عبر اتفاقيات إبراهام . كل هذا مع إبقاء إسرائيل مطلقة اليد تمتلك المبادرة لم تتقلّص قدرتها على الفعل السياسي والعسكري تفعل ما تشاء متى تشاء.