مراصد إعداد: جمال بوزيان في ظل سياسات غربية تخريبية .. الجزائر المُوحّدة تواجه عبث الانفصال تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ. ///// استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ديسمبر 2025 أ.م.رابح لكحل منذ منتصف الثمانينيات اعتادت الحكومة الأمريكية على إعداد وثيقة دورية تحت عنوان استراتيجية الأمن القومي تستعرض فيها بصفة عامة (متعمدة) القضايا التي تمس أمنهم (بمفهومه الواسع) وخطط تعاملهم معها وتسعى من خلالها إلى توحيد فهم البيئة الاستراتيجية مع باقي المؤسسات وخاصة السلطة التشريعية لتيسير استجابة ممثلي الشعب للموارد التي تطلبها وتقتضيها خطط التحرك وكذا تحقيق توافق داخلي حول السياسة الخارجية والدفاع... وبالعودة إلى التاريخ القريب نلمس تحقق التوافق الرسمي والشعبي مثلا على غزو العراق (2003) الذي جاء كنتيجة طبيعية للاستراتيجية الصادرة حينذاك (سبتمبر2002) في عهد الرئيس بوش والقائمة على فكرتي الحرب الاستباقية والتفوق العسكري ويمكن أن نضرب أمثلة كثيرة تحركت فيها الحكومة الأمريكية بما يعكس ما جاء في استراتيجيتها الأمنية وهذا ما دفعني للوقوف عند الوثيقة الأمنية التي صدرت أخيرا عن حكومة ترامب لمحاولة فهم منطلقاتهم وخططهم بقاعدة حذيفة بن اليمان: كان الناس يسألون الرسول عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني... . ومنه محاولة استشراف نواياهم ضدنا وتحركاتهم في منطقتنا خاصة. أ-الخطوط العريضة للاستراتيجية: بالعودة إلى وثيقة ديسمبر 2025 نجدها قسمت العالم إلى خمسة مناطق هي: نصف الكرة الغربي آسيا أوروبا الشرق الأوسط شرق أفريقيا وحددت أهمية كل منطقة لأمريكا ونظرتها المستقبلية تجاهها وهي بذلك تشير بوضوح لتوجهات السياسة الخارجية والدفاع خلال فترة حكم ترامب على الأقل.. مع ملاحظة أن لغة هذا التقرير لا تشبه أي لغة ولا بناء الاستراتيجيات السابقة للأمن القومي الأمريكي. 1-لنصف الكرة الغربي: والمقصود هنا الأمريكيتين وما يقع في جوارهما الجغرافي.. والمنطقة في تصور السياسة الأمريكية هي الدائرة الأساسية ذات الأولوية ولهذا تؤكد الوثيقة على ضرورة الانفتاح الواسع على المنطقة سياسيا اقتصاديا وحتى أمنيا من خلال: -دعم التنمية وتطوير البنية التحتية لبلدان المنطقة. -تعميق التنسيق الأمني ومكافحة الجريمة العابرة للحدود. -اعتبارها منطقة نفوذ مغلقة لا يسمح فيها بأي تحول استراتيجي. وإذا أخذنا بالاعتبار أن واشنطن توظف سياسات مكافحة الهجرة مواجهة الجريمة المنظمة وتجفيف موارد ها كأدوات صراع جيوسياسي مع قوى معادية تعتقد أنها تسعى للتعدي على حديقتها الخلفية فمن غير شك أن: -التحرك العسكري الأمريكي ضد فنزويلا هو مثال تطبيقي لهذه الاستراتيجية ويتوقع أن تزداد قوة نيرانه وأن لا يتوقف ضغطها الناعم أو الخشن حتى تعيد فنزويلا إلى حظيرتها.. - كما ينتظر أن ينتقل الضغط إلى كل دول الجوار التي أبدى حكامها شكل من أشكال التمرد وخاصة من جاهر بمواقف مخالفة للسياسة الأمريكية من حرب الإبادة في غزة. 2-لآسيا: والتي تعدها الوثيقة الدائرة الثانية من حيث الأولوية تكتسب أهميتها بكونها الساحة الرئيسية للمنافسة الجيوسياسية مع الصين فبعد نقضها الشديد للإدارات السابقة التي منحت سياساتها المتساهلة الصين فرصة للتحول إلى ند استراتيجي تضع مقاربة جديدة للتعامل معها تقوم على تطويق الصين ب: -تعزيز التحالفات والشراكات مع القوى الآسيوية الرئيسية (اليابان كوريا الجنوبية وأستراليا...). -دعم الهند وتحضيرها لمنافسة الصين وسد الفراغ المحتمل في حربها الاقتصادية والتجارية على الصين. -تضييق هامش وإمكانات الضغط الصيني بإعادة التصنيع في الداخل وفك الارتباط التدريجي عن سلاسل إمدادها. -استغلال هياكل وأدوات النظام المالي الدولي كسلاح استراتيجي بتكثيف العقوبات وعرقلة وصول المنافسين إلى التكنولوجيا المتقدمة. وواقعا برزت تحركات واسعة ضد الصين يمكن أن نطلق عليها بالحرب الاقتصادية والتجارية (الرسوم الجمركية المعادن النادرة...) لكن أثبتت الصين حتى اللحظة أنها أذكى وأقوى وأرغمت ترامب على مراجعة إجراءاته.. وبإعادة تعريف الوثيقة للردع العسكري بمصطلح منع العدوان نقرأ عدم استعداد أمريكا لخوض حرب شاملة من أجل منع الصين من استعادة جزيرة تايوان. 3-لأوروبا: ربما أكبر مفاجآت الوثيقة نظرتها الساخطة من أوروبا ووصفها بالحليف التاريخي المريض واستعمال مفردات صادمة واتهامات مباشرة كالضعف الاقتصادي والعسكري والعجز عن التعامل مع التحولات الجيوسياسية المتسارعة واعتبارها مهددة بمخاطر كبرى بسبب تراجعها الديمغرافي وانفتاحها على الهجرة وتقييدها لحرية التعبير كما تعد الاتحاد الأوروبي كتكتل معاد للمصالح والشركات الأمريكية بسبب تشريعاته وإجراءاته الحمائية. فالرسالة واضحة فأوروبا لم تعد شريكا حقيقيا بل مجرد إقليم تابع يحتاج إلى إعادة ضبط دوره ومكانته ضمن منظومة جديدة تقودها الولايات المتحدةالأمريكية. وتفسر وضع أوروبا الهش باستمراء حكوماتها للكفالة الأمريكية التامة عبر مؤسسات النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن المظاهر العملية لهذا التقييم الجديد لأوروبا المريضة موقف الوثيقة من الحرب الروسية – الأوكرانية باعتبارها مشكلة أوروبية بالأساس وتحميل الأوربيين مسؤولية المواجهة والضغط من أجل وقفها ولو على حساب مصالح أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. 4-للشرق الأوسط: حتى الشرق الأوسط يظهر أن أهميته تراجعت فمن جهة واشنطن لم تعد في حاجة لنفطه ومن جهة ثانية مفهومها للسيطرة والهيمنة تغير وحتى التزاماتها بنشر القيم الغربية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي رفعتها مند عقود تخلت عنها الوثيقة صراحة مفضلة سياسة قبول الأنظمة القائمة كما هي وتوطيد الشراكات والاستثمارات مع دول المنطقة مع الإشارة للمحافظة على حرية الملاحة وأمن إسرائيل . وهذا ما يفسر ربما سعي ترامب أخيرا لعقد الصفقات التجارية الضخمة ومحاولاته إنهاء التزامات واشنطن الأمنية والعسكرية في المنطقة. 5- لشرق أفريقيا: نسجل تغيرا واضحا في نظرة واشنطن تجاهها بحيث تعيد الوثيقة صياغة العلاقة مع شرق أفريقيا من نموذج تقليدي يقوم على الضغط والهيمنة عبر المساعدات والتدخل العسكري إن اقتضى الأمر إلى نموذج يقوم على الشراكة الاقتصادية والاستثمار كل ذلك ربما تحت تأثير سياسات الصين في المنطقة. فاستراتجية ترامب تقوم أساسا على ما يجلب المنفعة ويساهم في زيادة قوة أمريكا ولهذا تجد الوثيقة تولي اهتماما خاصا بما تعده قطاعات واعدة مثل الطاقة التعدين والبتروكيماويات ... والتي تمثل فرصا استثمارية تحقق أرباحا للشركات الأمريكية. ب-ملاحظات ونتائج: بخلاف الاستراتيجيات الأمنية السابقة أحدثت وثيقة ترامب هذه تغييرات عميقة في منطلقات وأهداف الولايات المتحدةالأمريكية كقوة عظمى قادت العالم منفردة أم مع غيرها منذ الحرب العالمية الثانية ومن أهم ما يسجل عليها نجد: 1- غلبة الرؤية الشخصية ل ترامب فالوثيقة قائمة على أولوية واحدة أمريكا أولا وأخيرا مع تسجيل غياب أي أثر للمؤسسات التقليدية وبالرغم من اللغة المباشرة التي تُيسر فهم الوثيقة إلا أن التوجه الفردي في تقييم المخاطر ومعالجة التهديدات يجعلها عرضة للتغير والإلغاء مع غياب شخص ترامب في أي لحظة. 2-نظريا سُّطرت الاستراتيجية على فكرة جلب المنافع بعيدا عن الأدلجة ودون التوقف عند المبادئ والقيم الغربية إلا أن هذه القاعدة الذهبية كُسرت عند ما انتصرت الوثيقة للتيارات القومية والشعبوية ثم نُسفت تماما عند ما يصبح التزام الدول الغربية بوقف الهجرة (خاصة القادمة من العالم الإسلامي) هو المعيار الوحيد لعقد التحالفات فالوثيقة تنحو منحا متطرفا باستعمالها لمصطلحات اليمين المتطرف ك الاستبدال العظيم وتحذيرها المتكرر من التحولات الديمغرافية وتضاؤل نسبة البيض ذوي الخلفية المسيحية خاصة مقارنة بتزايد نسبة المسلمين أو المجموعات الأخرى.. فالوثيقة التي تأنى عن خوض الحروب الكلاسيكية أو الباردة تؤسس لإطلاق حرب حضارية تهلك الحرث والنسل. 3-في الوقت الذي تزداد قوة الصين كمنافس جيوسياسي واقتراب الروس من فرض أجندتهم على أوروبا ومع التقارب المتزايد بين موسكو وبكين تفاجئنا الوثيقة بموقفها المتراخي تجاههما وذهبت حتى إلى تخفيف تصنيفهما من وضع العداء إلى اعتبار الصين منافسا صناعيا وتجاريا نعمل على احتوائه واعتبار روسيا كحليف مرجح وتحيل مسؤولية مواجهته على الدول الأوروبية..!. والتغير الجذري تقريبا في الموقف من موسكو يمكن تفسيره أيضا بالنظرة اليمينية المتطرفة التي ترى في روسيا المعقل الأخير للقومية الغربية البيضاء وللقيم المسيحية التقليدية. 4-وللحد من قدرات الصين على التأثير تُبرز الوثيقة الهند كقوة صاعدة يمكن توظيفها لتحقيق ذلك لكن السياسات التجارية (رفع الرسوم الجمركية وفرض القيود على السلع الهندية..) تكشف تناقضا واضحا يضعف ثقة نيودلهي في ترامب ويدفعها للتحفظ عن الدخول في مواجهة الصين. 5- في تأثر واضح بالسياسة الصينية تعكس استراتيجية الأمن القومي تحولا واضحا في طبيعة دور الولايات المتحدةالأمريكية من المنظر الديمقراطي والحامي للقيم الغربية إلى داعية إلى علاقات وشراكات قائمة على المصلحة والنفع فقط ونصت الوثيقة صراحة على احترام خصوصية وثقافة كل مجتمع.. وهذا ما يفسر ربما موقف أمريكا من سوريا الجديدة وتحفظاتها من التدخل المباشر في مناطق الصراعات المشتعلة في مناطقنا. 6- الجديد الذي تعلنه الوثيقة تحويل المساعدات التقليدية لدول وشعوب القارة الإفريقية إلى استثمارات مباشرة وشراكات مقابل الموارد والثروات المحلية تعزز استقرارها وتوسع النفوذ الأمريكي.. لكن في دول إفريقيا الفقيرة التي ترهقها النزاعات الداخلية والخارجية ويعمها الفساد فإن المقاربة التي جاءت بها الوثيقة مؤكد ستعود بأرباح كبرى على الشركات الأمريكية لكنها لن تضمن بالضرورة ظروفا أحسن أو استقرارا حقيقيا لشعوب المنطقة في غياب الإصلاح السياسي. أخيراً وأخيرا نقول: إن أمريكا متصالحة مع نفسها وساستها واضحون في مساعيهم وما توصلوا إليه هو خلاصة لدراسات ومعاينات لما وقع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروزها قوة عالمية.. والوثيقة كما هو واضح تعلن: - نهاية نمط الإدارة السابق كما ترسخ منذ نهاية الحرب الباردة وتعيد تموضع أمريكا بمفهوم جديد للريادة تقاس فيه الهيمنة بميزان الربح والخسارة وليس بالشعارات والإيديولوجيات أو ما يعرف في أدبياتهم القديمة تحت عنوان القيادة الأخلاقية للعالم . - معاناة أمريكا من حالة الإرهاق الإمبراطوري في محاولة السيطرة الشاملة. أضعف قاعدتها الصناعية واستنزف طبقتها الوسطى وأغرقها في حروب بالوكالة لا مصلحة قومية لها فيها.. وهذا الإقرار في حد ذاته تعريف جديد للأمن القومي يقوم على: تحصين الداخل وحدوده استعادة السيطرة على سلاسل الإمداد حماية القاعدة الصناعية تأمين التفوق وتعزيز مكانة الدولار كعمود فقري للاقتصاد العالمي. -أن التفوق لم يعد مرادفا للانتشار العسكري الذي تحول إلى حمل أقل كاهلها في كلّ القارات بل بالقدرة على التأثير من خلال أدوات غير مباشرة كالاقتصاد التمويل التكنولوجيا المتقدمة.. أي العمل على إبقاء الولايات المتحدةالأمريكية الأغنى والأقوى والأكثر نفوذًا لا يعني بالضرورة حضورها المادي في كل ساحة نزاع بل يكفي أن تمتلك مفاتيحه (الاقتصاد التكنولوجيا المال والتحالفات...) بما يكفي لتوجيه مسار الأزمات من دون الانخراط المباشر في تفاصيلها. ها هي أمريكا التي خاضت الحروب في كل شبر من القارة وفرضت منطقها ومقارباتها على الجميع تغير استراتيجيتها عن وعي ودون خوف أو خجل. الإشكال ما موقف حكامنا وما استراتيجيتهم للتكيف مع الأوضاع الجديدة...؟! مع ملاحظة هامة جدا وأنه وبالرغم من كل التغييرات تُبقي الوثيقة استثناء واحدا وهو أن حماية إسرائيل وضمان أمنها ثابت وبعيد عن كل القواعد والتعاريف الجديدة. ///// المَاك الانفصاليَّة.. ومُسْتقبل الجزائر أ.د.خالد عمر بن ققة تجدُ الدولة الجزائرية نفسها اليوم أمام مساءلة حاسمة ومصيرية لكل صناع القرار على جميع المستويات خاصة مؤسسات: الرئاسة والجيش والأمن وذلك بعد إعلان حركة الماك (حركة تقرير مصير القبائل) عن قيام الجمهورية الفدرالية للقبائل واستقلال منطقة القبائل عن الجزائر في 14 ديسمبر الجاري على الأراضي الفرنسية (باريس). عمليًّا ما كان لهذه الحركة أن تقوم بذلك لولا الدعم الدولي ومن فرنسا بشكل خاص من جهة ولعدم الحسم في اتخاذ القرار على مستوى السلطات العليا للدولة الجزائرية منذ ظهور حركة القبائل من جهة أخرى.. صحيح أنها بعد أن استفحلت تعاملت معها قانونيا وصنفتها منظمة إرهابية وأصدرت في حق مؤسسها ورئيسها فرحات مهنّي مذكرة اعتقال دولية لكن ذلك حدث بعد عقدين من مولدها. لقد تعاملت الدولة الجزائرية معها في بداية ظهورها حين تأسست العام 2001 م بعد أحداث ما سمي وقتذاك الربيع الأسود في منطقة القبائل باعتبارها حركة ثقافية وديمقراطية جامعة ولم تنتبه من أنها تعدّ مشروعا لتفكيك الدولة الوطنية مع أن هناك مؤشرات تشي بذلك وربما من أهمها رفع راية خاصة ب الماك مختلفة عن العلم الوطني في المناسبات الكبرى مثل المقابلات الرياضية بل أنها رُفعت أيام الحراك أيضا الأمر الذي أوحى بأن هناك مشاركة في التغيير من عناصر تلك الحركة وقد قُوبل ذلك بتحريك السلطات لمختلف المناطق و العروش (القبائل العديدة التي يتشكل منها المجتمع الجزائري) لرفع راياتها التي كانت ترمز إليها في الفترة الاستدمارية. قد يقبل العذر من صانعي القرار أثناء مدة الحراك لجهة القول: إنهم كانوا يتفادون أيّ صراع أو انشقاق يمكن أن يقوم على خلفيَّة رفع راية حركة الماك وما له من تأثير سلبي على الجبهة الداخلية لكن ذلك لم يكن قبولا بعد إن استقرت البلاد وحسم الأمر وتمّ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون خاصة وأن راية الماك كانت ترفع أحيانا في تظاهرات رياضية خارجية تشارك فيها الجزائر. لم يعد مجديّا اليوم في ملتي واعتقادي اللوم أو حتى الحزن عن خلفيات ما وصلت إليه حركة الانفصال القبائلية ليس فقط لأن الوقائع الراهنة أكبر وأشد تأثيرًا من الأسباب والدوافع وإنما لكون الحديث عن مستقبل الدولة الجزائرية موحدة أهم من أي حديث في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ بلادنا والمنطقة والعالم العربي كله حيث الاتجاه إلى إنهاء وجود الدولة القُطْريَّة وتحويلها إلى مناطق متقاتلة في حيِّز جغرافي واحد ظاهرها نظام الفيدراليَّات وباطنها تشكل جماعات فوضويَّة يحكمها منطق عبثي يَمنع عودتها إلى الماضي القريب ويُبعدها عن أي حضور في المستقبل بين الأمم وهذا ضريبة خيراتها الكثيرة ومساحاتها الواسعة. السؤال هنا بعيدا عن تشخيص ما يحدث اليوم ما مصير الجزائر بعد إعلان الماك رسميا استقلال منطقة القبائل وأنه وفقا ل دستورها أصبحت القبائل من الآن فصاعدًا جمهورية اتحادية ديمقراطية وعلمانية ؟. لن يتغير مصير الجزائر الذي حسم في أمره منذ آلاف السنين من أيام النوميديين على أنها دولة موحدة وقد عجزت كل القوى الاستدمارية عبر حقب متتالية آخرها الاستدمار الفرنسي عن أحداث فتنة بين المكونات العرقيَّة لشعبها مع أن فرنسا قد عملت وعلى مدار 132 سنة على إحداث عداوة بين العرب والقبائل ولم تفلح ثم أن روابط الدم قوية بين الشعب الجزائري إضافة لحاجة كل منطقة داخل البلاد إلى الأخرى اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا لكن هل نرّكن إلى هذا لتجنب نُقْص من أطراف الجزائر أو من عمقها؟. لا يمكن التعويل على الإرث التاريخي وحده ولا عن حبّ الجزائريين لوطنهم ووحدنهم الترابية ومنهم بالطبع القبائل الذين يحاربون اليوم ضد دعوات بني جنسهم في فرنسا ولا عن صلابة القرارات في مثل هذه المواقف لذا على الجزائريين جميعهم التنبه إلى الآتي: أوّلا البعد العالمي لإعلان قيام دولة للقبائل ضمن القرار الأممي الخاص بتقرير المصير سيؤثر سلبًا على محاربة الدولة الجزائرية لهذا الإعلان بحيث ستحظى الماك بدعم دولي ظهرت بدايته في حضور وفود أجنبية من كندا وبريطانيا و إسرائيل وشخصيات سياسية وإعلامية في تجمع إعلان الاستقلال. ثانيًا سيرافق إعلان الاستقلال القبائلي دعما ماليا كبيرا من عدة دول الهدف منه تطويع الجزائر لمواقف الغرب أو التأثير على وحدتها. ثالثًا تدركُ كل القوى الدولية المعادية للجزائر أنه من الصعب في الوقت الحالي تمكين أيّ منطقة في الجزائر من الانفصال لكنها تراهنُ على المستقبل البعيد وإلى أن يتم ذلك هناك مسعى أوروبي أمريكي إسرائيلي لدفع الجزائر لتكون جزءا من منظومتها ومتقبلة لقراراتها بما فيها تلك التي تخصها. ننتهي إلى أن الجزائر تواجه اليوم محاولات دولية تتعلق بوحدتها الترابية والمجتمعية على غرار عدد من الدول العربية الأخرى بدايتها إعلان فئة قليلة من القبائل الاستقلال عنها وإقامة دولة في المنفى فشلها أو انتصارها يحددهما رد فعل الدولة الجزائرية على السياسات الغربية التي تريدها خاضعة لمشاريعها التخريبية في المنطقة العربية والأفريقية أو على الأقل موافقة عنها الأمر الذي قد يدفع الجزائر إلى حرب في المستقبل المنظور حفاظا على وحدة الأرض وحكمة المواقف وثبات المبادئ ورشد القرارات.