لم تعد الخادمة في الوقت الحالي وبالخصوص في مجتمعنا سيدة في عمر الخمسين أو الستين فما فوق، وإنما شغلت الحرفة فتيات في عمر الزهور دفعت بهن الحاجة إلى امتهان تلك المهن والتصدي لمختلف الصعاب عبر البيوت، أو حتى ممارسة التنظيف عبر العمارات، بحيث بتن نشاهد بنات صغيرات يشعن شبابا في السلالم وبالمكاتب وغيرها من الأماكن يعملن كمنظفات. نسيمة خباجة في الوقت الذي تعيش فيه بعض الفتيات في نعيم ومنحت لهن الفرصة لاستكمال دراستهن وعيش حياة هنيئة يضمنّ بها حقوق اللبس والتنزه والحرية في كنف الأسرة، هناك من الفتيات من يتجرعن الأمرين وهم في عمر الزهور بعد أن حكمت عليهن الظروف القاسية طأطأة الرأس والعمل كخادمات بالبيوت، تلك الحرفة التي عادت بقوة في الوقت الحالي إلى مجتمعنا في ظل انعدام فرص العمل لاسيما بالنسبة لغير المتعلمات من محدودات المستوى اللواتي لم يجدن الحل إلا بالعمل في البيوت، وعلى الرغم من أنها مهنة شريفة إلا أن بعض الناس انعدمت عن قلوبهم الرحمة وراحوا إلى استغلال هؤلاء أبشع استغلال ومعاملتهن معاملة مهينة. استغلال بشع لا ينفي الكل الاستغلال البشع الذي تتعرض إليه خادمات البيوت مهما كانت أعمارهن، لكن لا بد من الوقوف عند بعض العينات التي تستغل استغلالا بشعا على مستوى بيوت الأغنياء طبعا، فظاهرة الاستعانة بالخادمة نجدها أكثر لدى الطبقات الميسورة التي لا مجال فيها للعناء المضاعف لسيدة البيت التي تحتكر سلطة الأمر والنهي وتقوم بإملائها على العبد الضعيف خصوصا الخادمات الصغيرات في السن، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و20 سنة اللواتي يستغلن أبشع استغلال على مستوى البيوت ويتعرضن إلى أسوأ المعاملات، إلى جانب فرض الأعمال الشاقة عليهن من طرف أصحاب البيت من كنس وغسل وطبخ وحتى تربية الأولاد، ولا يقابل كل ذلك إلا أجور زهيدة لا تتعدى 6000 دينار في أحسن الأحوال بما لا يعادل الأعمال الشاقة الملقاة على كواهلهن وساعات عملهن الطويلة التي قد تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل. المساومات آفة أخرى تتربص بهؤلاء آفة أخرى وهي آفة التحرشات والمساومات من طرف أصحاب البيت لاسيما وأن الكثير من تلك الخادمات يقطن في ولايات بعيدة وأجبرتهن الظروف على مزاولة العمل بالعاصمة والمبيت بتلك البيوت مما عرضهن إلى مصائب واتهامات وأمور خطيرة أخرى أدت بهن إلى الانفلات من تلك القوقعة والهروب بسبب ما لحقت إليه الأمور ووصلت إلى حد الاعتداءات بالضرب والتحرشات من طرف أصحاب البيوت وحتى اتهامات في قضايا السرقة وتلفيق التهم لهؤلاء المغلوبات على أمرهن، من دون أن ننسى تعرض الشابات اللائي مارسن مهنة التنظيف هن الأخريات إلى التحرشات على مستوى سلالم العمارات الأمر الذي أرقهن كثيرا. حرف تحكم عليهن بالعزوبية المؤبدة لا ننفي أن مجتمعنا يرفض نوعا ما تلك المهن ويعتبرها مهينة شئنا أم أبينا على الرغم من أنها مهن شريفة، ويتقبل البعض نوعا ما امتهانها من طرف النسوة الكبيرات في السن اللواتي تجاوزن العقد الرابع والخامس وإنما يرفضنا امتهانها من طرف الصغيرات ومن امتهنتها تحكم على مصيرها بالعزوبية، كون أن العديد من العائلات أو حتى الشبان يرفضون الارتباط بفتاة دوّن على سجلها المهني العمل كخادمة بالبيوت لفترة ما قد تطول أو تقصر، بالنظر إلى تبلور أفكار سوداوية هي واقعة في الأصل من اضطهاد واستغلال وتعرض للمساومات. اقتربنا من البعض لرصد آرائهم حول امتهان تلك الحرف في مجتمعنا فاختلفت الآراء، حكيم قال إن الظروف القاسية لا ترحم وهي من بعثت بفتيات شريفات إلى العمل بالبيوت كخادمات، وقال إنه على الرغم من عدم توافق المهنة مع عادات الأسرة الجزائرية المحافظة إلا أنها أضحت واقعا وجب تقبله، وعن إمكانية ارتباطه بفتاة كانت تعمل كخادمة رد أن لا مشكل لديه بعد التحري عن أصلها وفصلها طبعا. الآنسة سلمى قالت إن مجتمعنا يرفض نوعا ما الفكرة وينظر إلى البنت العاملة بالبيوت نظرة ناقصة تجلب لها المهانة والذل والشفقة من طرف البعض، وأضافت أنها على معرفة ببعضهن ممن يعانين الأمرين سواء بالبيوت التي يعملن بها أو من جانب الاتهامات المتربصة بهن من الغير لاسيما اللواتي تحكم عليهن الظروف بالمبيت في تلك البيوت، وبذلك فالتهم الملقاة على هؤلاء من هنا وهناك مست بسمعتهن قليلا وجعلت حظوظهن في الزواج وفتح بيت ضئيلة جدا بسبب عدم تقبل العائلات أو حتى الرجال أنفسهم فكرة الاقتران بخادمة بالبيوت. دفع من الأسرة أحيانا لم تجد بعض الأسر حلاّ يغنيها عن دفع بعض بناتها ونسائها إلى العمل بالبيوت في ظل نقص فرص العمل الأخرى، وفي بعض الأحيان عن كره، فبنت العشرين لازال عقلها وانشغالها منصبا حول تكوين نفسها في عدة مجالات إلا أننا نجد بعض العائلات قد حكمت على بناتها بالإعدام بعد إرسالهن إلى العمل بالبيوت وتعرضهن إلى معاملات استغلالية وحتى تحرشات واتهامات خطيرة لا يقوين على مجابهتها بسبب صغر سنهن واصطدامهن بتلك الممارسات البشعة، لكن حال بعض الأسر الجزائرية وظروفها الصعبة في الوقت الحالي هي كلها معطيات أجبرت البعض على بعث أبنائهن إلى العمل كخادمات بالبيوت حتى وهم في عمر الزهور. التقينا بعجوز تجاوزت العقد الخامس بسنوات تمارس مهنة التنظيف عبر سلالم العمارات قالت إنها تعمل في ميدان التنظيف، وكذلك بناتها يعملن في نفس المجال لكن اتخذن وجهة البيوت بحكم أنهم أسرة معوزة، وذكرت أن إحدى بناتها التي تبلغ من العمر 20 سنة تمارس العمل كخادمة ببيت بأحد الأحياء الراقية بالعاصمة، وأنها تتعرض إلى الاضطهاد من طرف صاحبة البيت ورغم ذلك تواصل العمل كون أن ظروف أسرتهم الصعبة لا تسمح لها بالتوقف عن العمل. حقوق ضائعة بحكم تحوّل حرفة (خادمة البيوت) إلى مهنة تمتهنها الكثير من الفتيات والنسوة في مجتمعنا وتكون غالبا ممارسة في خفاء يخفي بدوره حقوقهن، فهي تحتاج إلى تخصيص جوانب مهمة لحفظ حقوق هؤلاء العاملات في البيوت وهو ما وضحه المحامي (س. ف) محامي لدى المجلس، إذ قال إن القضايا التي باتت تتهاطل على المحاكم من ذلك الصنف تبين ضياع حقوق تلك الفئات المحرومة التي تتعرض إلى أبشع استغلال وإلى ظلم وهضم للحقوق وهو ما تفسره الأجور الزهيدة التي لا تتوافق والمجهودات المبذولة والتي لا تعلو في أحسن الأحوال عن 8000 و10000 دينار ، ضف إلى ذلك انعدام التأمين لأغلب الخادمات مما لا يخدمهن في حال تعرضهن إلى حوادث منزلية متنوعة لاسيما الفتيات الصغيرات اللواتي لم يبلغن سن الرشد، والسبب يرجع إلى عدم خضوع تلك الحرف إلى تقنين يحمي حقوق هؤلاء، بل حتى منهن خاصة اللاجئات من البوادي والأرياف من حكم عليهن بالسجن المؤبد في خدمة أسياد البيت وكأننا عدنا إلى زمن الرقيق والعبودية، وليس لهن الحق في زيارة الأهل والأقارب حتى في حالة المرض أو الأعياد ...إذ لابد من إعادة النظر - يضيف- في تنظيم تلك المهن وتقنينها وإجبار صاحب البيت في ذلك الإطار بالتصريح بالخادمة من أجل ضمان حقوقها التي وجب أن تعادل الواجبات الملقاة على عاتق الخادمات من حيث الأجر والتأمين وغيرها من المستحقات.