الوضع المزري الذي تعيشه بعض بلاد العرب دفعني إلى التساؤل بيني وبين نفسي: لم، يا ترى، يريد البعض منا أن تصير ديارنا ديارا أمريكية مستباحة شكلا ومضمونا. وأفتح القوس هاهنا لأؤكد بأنني لست ضد أمريكا طالما بقيت متمترسة وراء حدودها لا تتجاوزها إلى بلاد الآخرين وإلى بحار الدنيا ومحيطاتها. حقا، كلما نظرت إلى الخريطة العربية، خاصة منها المشرقية، وصلت إلى النتيجة التالية: هناك من يسعى السعي كله لكي ''تتآمر '' بلاده ظنا منه، بل، وإيمانا جازما منه بأن حياته على هذه الأرض وضمن حدوده لا يمكن أن تتحقق في جو الأمن والأمان إلا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. رأينا كيف أن بعض البلاد العربية ''تروست '' و تمركست منذ نهايات الحرب العالمية الثانية. ورأينا بعد ذلك كيف أن ذلك التروس نسبة إلى روسيا، وذلك زالتمركسس، نسبة إلى كارل ماركس، لم يؤديا إلى نتيجة اللهم إلا إلى الهزائم النكراء على جميع الأصعدة. ومرة أخرى، أقول إنني لست ضد ''روسيا ''، لا الشيوعية منها، ولا تلك التي خلفتها، أي، روسيا التي كانت ضمن حدودها زمن القياصرة، لا ولا أنا، ضد كارل ماركس ، ذلك الذي كان وراء فلسفة ونهج اجتماعي غيرا الجغرافيا السياسية في الكثير من الأصقاع، وعلى رأسها، روسيا وأوربا الشرقية وبعض بلاد ما كان يسمى بالعالم الثالث. لكن، ليلزم كل واحد حدوده، فذلك أحصف لكل شعب وأصوب. ذلك أن التجارب التي تسيل فيها الدماء غزيرة مدرارة لا يمكن أن تنقل نقلا إلى هذا الشعب أو ذاك. إذ يتعين على كل واحد أن يبذل الغالي والنفيس لكي يبلغ مراده وينال أربه في هذه الحياة . بعض البلاد العربية ''تتآمر '' هذه الأيام، ونحن نرى ذلك رؤية العين في مجال الواقع. وسالتأمركزهاهنا يعني بادىء ذي بدء التصهين ، وهو أخطر الأمور في العملية السياسية التي تجري على قدم ، في ديارنا العربية . تلفظ الجنرال ''دوغول '' ببعض الكلام بعيد حرب جوان ,67 فثارت ثائرة الصهاينة وأضرموها نارا في دياره فسقط عام .68 وقبل ذلك، سعى الغربيون برمتهم إلى إيقاد نار الفتنة في الديار العربية والإفريقية، فأعلنوها حربا على مصر بمناسبة تأميم قناة السويس، وكادوا يمطرون السد العالي بقنبلة نووية ما كانت لتبقي أو تذر شيئا في مصر وحواليها. وقال بعض المفكرين النابهين إن الصهيونية هي جريمة العصر، وهي الأخطبوط الذي ينبغي أن تقطع أياديه، فلقوا العنت من أهليهم ومن الصهاينة ومن الغربيين أجمعين، وكان على رأسهم المفكر الفرنسي المسلم ''روجي غارودي '' . إن هي إلا أمثلة بسيطة أسوقها في هذا الشأن، وما أكثر أمثال هذه الإنقلابات التي كان الصهاينة وراءها بمساعدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية . غير أن أخطر ما في الأمر كله هو أن هناك بعض العرب ممن يحبون أن ترضى عنهم إسرائيل وأمريكا في آن واحد إيمانا بأنهم سيعيشون بعد ذلك بسلام، وذلك هو السخف عينه ! اللعبة التي يجري تمثيلها اليوم في الشرق الأوسط لعبة صهيونية أمريكية، والهدف منها هو إلإبقاء على هذه القاعدة المقحمة على الشرق الأوسط والتي يقال لها إسرائيل. ولذلك فإننا نرى المتآمرين كلهم يسعون إلى ضرب كل من يخطر بباله أن يرفع هامته، وكل من يفكر في تقديم يد العون إلى إيران ولغير إيران. والغباء كل الغباء هو أن يذهب الظن بالبعض إلى أن عدم امتلاك إيران للقدرة النووية يمثل أسلم سبيل لترسيخ أسباب الأمن والأمان في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع. ويكون في مقدور الذئب الصهيوني أن يصول ويجول على هواه داخل هذه الحظيرة العربية التي قد زتأمركتز تماما. إسرائيل قاعدة نووية، ولا أقول، ولن أقول أبد الدهر إنها دولة نووية ، فأنا ما اعترفت يوما بوجود مثل هذه الدويلة النشبوهة. إذ يبدو أن الذين يريدون النيل من بلاد العرب يتذرعون بما يصدر عن الأممالمتحدة، بما في ذلك فتح المجال لنشوء دول جديدة هنا وهناك، مثلما حدث في السودان، ومثلما حدث في ليبيا، حيث صارت بنغازي هي العاصمة في طرفة عين بدلا من طرابلس! وخرافة هذا ''الربيع العربي '' لا ينبغي أن تنطلي على أحد في أرض العرب. كما أن ''التآمر '' الذي يحدث بطريقة غير مباشرة لا ينبغي هو الآخر أن يتحقق في الأرض العربية. فليلزم بعد ذلك كل شعب حدوده بالرغم مما يقال منذ ثلاثة عقود عن زوال الحدود والشعوب. الشعوب والقبائل صنفها رب العزة، ولا يقوى الإنسان على القضاء عليها، فلم الجري وراء السراب تحت ذريعة التآمر؟