رسالة من سلطان عُمان إلى الرئيس تبّون    هكذا تُصان السيادة الوطنية..    ممثلو الجالية يُثمّنون قرار رئيس الجمهورية    عرقاب يلتقي نائب الرئيس التركي    الزيادات في منح المتقاعدين غير مسبوقة    فاتورة الاستيراد تتقلّص    قطاع الري سطّر سلم أولويات لتنفيذ البرنامج    وزير العدل حافظ الأختام يؤكد: على المحامين تحقيق الأمن القانوني و القضائي جذبا للاستثمار    تكرس لتعاون مثمر يعزز دور القطاع في الاقتصاد الوطني: توقيع 3 اتفاقيات لمشاريع منجمية و تعدينية مع شركاء أجانب    لمرافقة حاملي المشاريع و ترقية الفكر المقاولاتي: اتفاقية إطار بين مجمع سونلغاز والمجلس الأعلى للشباب    تصويت الجمعية الأممية على مشروع قرار بشأن فلسطين: مكسب سياسي يعطي زخما أكبر للعضوية الفلسطينية    وزير المجاهدين لدى إشرافه على ختام ملتقى دولي بقالمة: مجازر 8 ماي جريمة لا يمكن أن تُنسى وتُطوى بالتقادم    وزير خارجيتها عقب استقباله من طرف رئيس الجمهورية: سلطنة عمان تتطلّع إلى المزيد من الازدهار في علاقاتها مع الجزائر    تأخّر لعدة سنوات: فلاحون يثمّنون قرب الانطلاق في إنجاز سد واد لزرق بخنشلة    الرابطة المحترفة: مهمة معقدة تنتظر الرائد وصراع الوصافة عنوان الجولة    توّج بثاني ألقابه في أوروبا: عمورة أفضل عربي في الدوري البلجيكي    خنشلة: حجز 49 كلغ من الدجاج غير الصالح    الفيلم عرض بقسنطينة بحضور صناعه ونجومه    مجلس أعلى للصحافة هو الحل..!؟    "أونروا" تطالب بوقف إطلاق النار واستئناف المساعدات    البوليساريو تحصي مكاسبها في ذكرى التأسيس    تخرج 71 طالبا من بينهم 32 من جنسية إفريقية    آفاق واعدة للنشاط المنجمي بفضل تجند الكفاءات الوطنية    ورشة عمل حول المواضيع الابتكارية المقترحة    منتخبنا لأقل من 20 سنة يحرز9 ميداليات جديدة    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف    ملتقى إعلامي جهوي حول تصدير التمور    دعوة المحامين لتدعيم الأمن القانوني جذبا للاستثمار    تبادل وجهات النظر حول مستجدات القضية الفلسطينية    سكيكدة..حديقة إيكولوجية لمواجهة "تغوّل الإسمنت"    فلسطين ستواصل مساعي الحصول على العضوية بقرار من مجلس الأمن    مولوجي تفتح الآفاق أمام إبداعات المرأة    إقبال كبير على الفيلم الفلسطيني "معطف حجم كبير"    9 روايات في القائمة القصيرة لمسابقة "فواصل"    استئناف حجز تذاكر الحج لمطار الجزائر    انطلاق مشاريع صحية جديدة بقالمة    شبيبة القبائل - شباب قسنطينة    "فيفا" يتلقى تهديدا    ظاهرة خطيرة تستفحل في مواقع التواصل    قانون الصناعة السينماتوغرافية يدخل حيز التنفيذ    ملتقى حول "التراث الثقافي المخطوط"    العائلات لا تولي أهمية لبرامج الرقابة الأبوية    ماكرون يمارس أقصى ضغط على ريال مدريد    معا لأجل حماية التراث الفلسطيني من التهويد    أونروا : وقف إطلاق النار "الأمل الوحيد لتجنب إراقة المزيد من الدماء ويجب إعادة فتح طرق المساعدات"    حجز نحو 1 كلغ من المخدرات بحوزة ثلاثيني    عين الدفلى : توقيف 7 أشخاص وضبط 56340 قرص مهلوس    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر القيادات النسائية لدعم المرأة والطفل الفلسطيني يوم السبت المقبل بالدوحة    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعادلة بين تقليص الحريّات وتحقيق الأمن
نشر في صوت الأحرار يوم 18 - 01 - 2010

يتواصل وقع تهديد "الإرهاب" على المملكة المتّحدة، فبعد الإنشغال بالمحاولة المنسوبة للشّاب النيجيري الفاشلة لتفجير طائرة أمركيّة، شهد الأسبوع المنصرم حظر حزب "أسلمة المملكة المتّحدة"، وهو أكثر الأحزاب الإسلاميّة تطرّفا حيث يدعو لإقامة الخلافة الإسلاميّة بالمملكة المتّحدة وتخليصها من المساوىء بتطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّةّ. فما جدوى هذا القرار وما هي أثاره؟
في منتصف الأسبوع المنصرم تمّ حظر الحزب الذي أصبع معروفا بحزب "أسلمة المملكة المتّحدة"، وكذا "حزب المهاجرين"، ومعه مجموعة من الأحزاب الأخرى المرتبطة به فكرا. وكان تمّ منع نشاط أحزاب من نفس النهج منها "الغرباء" والناجون من النّار" سنة 2000. وقال وزير الداخليّة البريطانيّ آلن جونسون أن: "الحظر قرار قاس ولكنّه ضروريّ لمواجهة التطرّف".
ومعلوم أنّ 60 منظمة تخضع لقانون الحظر في المملكة المتّحدة وفقا لقانون الإرهاب الصادر سنة 2000 من بينها 14 في أيرلندا الشّماليّة.
وابتداء من ذلك التاريخ، أصبح خرقا للقانون كلّ تجمّع يتمّ باسم حزب "أسلمة المملكة المتّحدة". كما تمّ الحجر على كل ممتلكات التنظيم وحجب موقعه على الأنتارنات. وسيتعرّض المنتمون له، أو المشاركون في أنشطته، لما قد يصل إلى عشر سنوات سجنا. ويبقى من حقّ التنظيم أن يلتمس الإستئناف.
حزب "أسلمة بريطانيا" يتزّعمه الداعية أنجم شودهاري الذي أسّس "المهاجرون" سنة 1980 مع الداعية عمر بكري محمد الذي تمّ ترحيله، عندما كان شارل كلارك وزيرا للداخليّة في حكومة العمّال، خارج المملكة المتّحدة في آوت 2005، باعتبار أنّ وجوده بالمملكة المتّحدة: "لايخدم الصّالح العامّ."
وحزب التّحرير يدعو لتحويل بريطانيا إلى دولة يتمّ فيها التطبيق الكامل للشّريعة الإسلامية وفق وصفة أبو علاء المودوديّ. وهو مشهور بكونه نظّم ملتقى لمباركة هجوم 11 سبتمبر حيث تمّ وصف المشاركين فيه ب "العظماء أل 19"، كما وصف مفجّري القنابل في جوان بلندن ب : "الأربعة النّادرين".
وبالنّسبة لشودهري، في تصريح للقناة الإذاعيّة الرّابعة لبي بي سي، فإنّ أحدا من أعضاء حزب "أسلمة المملكة المتّحدة" ليس متورّطا في أيّ أعمال عنف، أو قام بتحريض على أنشطة العنف، أو دعى شخصا ليمارس أيّ عمل ذا طابع عسكريّ." وقال: "أنّ ما يستنتجه الجميع هو أنّك إذا لم تتّفق مع الحكومة، وتقوم بنقد سياستها الخارجيّة، فإنّ الحريّة الموعود بها تختفي بسرعة وتتحوّل إلى ديكتاتوريّة."
وكان حزب "أسلمة بريطانيا" قد أعلن عن عزمه القيام بمسيرة لتخليد ذكرى الضحايا المسلمين في أفغانستان. ولكنّه تراجع عن القيام بتلك المسيرة، في تجمّع رفقة دزينة من أعضاء حزبه، تحت شعارات: "الإسلام سيحكم العالم"، "الديمقراطيّة نفاق"، و"الحريّة- الديكتاتوريّة".
غير أنّ ما أثار موجة المعارضة والنقد والغضب والخوف من الإخلال بالنظام العام هو أنّه اختار أن يُنظم تلك المسيرة في شارع ووتن باسات، في بلدة ويلشير، والكائن قرب الثكنة المخصّصة للتّأبين النهائيّ لجثامين جنود المملكة المتّحدة الأموات في أفغانستان. وقد اعتاد سكان البلدة وأسَر الضحايا، وهم مصطفّون على حافتي الطريق الرئيسيّ للبلدة، أن يؤدّوا تحيّة الوداع للضحايا القادمة جثثهم من أفغانستان في طريقها لثكنة لينهام القريبة من البلدة.
ومع أنّ التنظيم قد أعلن، عشيّة إصدار قرار حظر الحزب، عن تراجعه عن القيام بتلك المسيرة، إلا أنّه أكّد أنّه: "حقّق مبتغاه من إثارة الإنتباه إلى محنة المسلمين في أفغانستان." معتبرا الحظر بأنّه: "نصر للإسلام والمسلمين".
وقد قوبل ذلك الإلغاء بترحاب واسع من طرف السّاسة ومعظم جمعيات الجالية المسلمة وقادة الرأي من بين المسلمين. وكانت التّهمة الإساسيّة الموجّهة لشودهري أنّه أراد أن يستغل تلك المناسبة لجلب اهتمام النّاس، في محاولة إستهتار بالضحايا، من أجل الدّعاية لأفكاره. وقد صرّح بنفسه أنّ غرضه هو جعل البريطانيين: "الذين يعبّرون عن أساهم لوفاة أبنائهم وإخوتهم، بأنّنا نحن أيضا نعزّي موت الآلف من المسلمين من رجال ونساء وأطفال".
ويرى محمّد شفيق، المسؤول التنفيذي لدى "مؤسّسة رمضان"، وهي جمعيّة للشّبان المسلمين، أنّ شودهري تعمّد الإستفزاز، وأنّ: "محاولته للتظاهر بووتن باسات هدفها استثارة الضغائن بين الجماعات وأنّ الجالية الإسلاميّة لم ترحّب بتلك المبادرة."
وكانت أقلّ الإنتقادات حدّة والموجّهة لتلك المبادرة هي التي رأت أنّ التنظيم كان يمكنه أن يعبّر عن رأيه ذاك ولكنّ أمام المؤسّسات السياسيّة وليس ضدّ الأموات وفي وجه أسرهم أثناء التأبين.
وقد قيّم الفيلسوف دافيد روبن، أحد مدراء معهد أكسفورد للأخلاق المهنيّة، والقانون والنزاعات المسلّحة، الجدل المتعلّق بإدانة الجنود المشاركين في الحرب غير العادلة أمام الحق في ممارسة التعبير. فلاحظ أنّ كثيرين جدّا في المملكة المتّحدة من يرون أن الحرب في العراق غير عادلة وأن عددا متزايدا ممّن يرى أن الحرب في أفغانستان ليست مشروعة، وفي نفس الوقت، هناك العديد من المواطنين الذين يحرصون على أن يلقى ضحايا هذين الحربين من الجنود تكريما يليق بالإبطال.
ويخلص الباحث إلى أن معارضة الحروب غير العادلة هو من صميم الممارسة الديمقراطيّة كما أنّ الذهاب لساحة المعركة أيضا وقتل العسكريين أو المدنيين هو تصرّف يجب أن يتحمّل مرتكبوه مسؤولياتهم فيه. غير أنّ نقد حزب "أسلمة المملكة المتّحدة" للجنود يجب النظر له على أساس أنّ الجنود يقومون بنشاطهم للدّفاع عن أمن المواطنين وحماية الوطن باسمنا ولصالحنا كما أنّهم في الغالب يؤدّون واجبهم بشرف وشجاعة ونيّة صافية. وهذا ما يستدعي تقدير جهدهم وتكريم المصابين والأموات منهم.
وعندما تكون الحرب غير عادلة، فإنّ للجنود مسؤوليّة أخلاقيّة ولكنّهم عادة ما يجدون لأنفسهم مبرّرات لمشاركتهم في الحرب. وفعلا، فهم لا يملكون المعلومات الكافية للحكم في عدالة الحرب، وهم أيضا يعملون في مؤسّسة يخضعون فيها لمرؤوسيهم. ولكنّ الجنديّ محكوم عليه أنّ يتّبع قواعد محدّدة أثناء الحرب.
أمّا عن دعوة حزب أسلمة المملكة للمسيرة، فيرى الباحث أنّها غير مبرّرة لأن عناصر الحزب ليس لديهم شرعيّة لكونهم أشادوا بهجمات 11 سبتمبر ففقدوا أيّ مصداقيّة لتقديم مثل ذلك الرّأي. ولكن، يختم: "إنّ عدم مشروعيّة حامل الرسالة لا يجب أن يحول دون التفكير في صحّة الرّسالة."
وإذ يُجمع المحلّلون والسّاسة على أن إعلان شودهري عن المسيرة كان الهدف منه تحقيق رواج أعلامي لصالح تنظيمه، فإنّ المعلّقة الإجتماعيّة ديبوره أور، بملحق الغاردين، ترى أن شودهري ليس الوحيد الذي استغلّ مسيرة تشييع جنائز الجنود الضحايا للدّعاية لصالح أطروحاته.
وتذكر المعلّقة أن رئيس البلديّة كان حريصا على أن يؤكّد أن الغرض من تنظيم ذلك الإستقبال الشعبيّ هو إنسانيّ فقط، ولكنّ سرعان ما ظهرت النياشين على الصدور وذهب البعض للدعوة إلى تسمية الشارع باسم "طريق الإبطال"، وأكّدت أن الإستعراض أصبح يُنظر له على أنّه تعاطف مع العمل العسكريّ في أفغانستان.
وأشارت إلى أنّ تكرار العمليّة أصبح له مدلول آخر، وهو أنّ دوْر المواطن ليس مساءلة الدّولة عمّا تفعله، بل تكريم وتمجيد تضحيات الجنود مع السكوت. وتستخلص: "أن من حق كلّ مواطن في بريطانيا أن يساند أو يعارض." ولهذا، فمن حقّ شودهري أن يعبّر عن رأيه المخالف: "وعلى الرّغم من أنّ خرجته كانت مُحبطة بفجاجة، وشديدة التعصّب، وفي غاية الإستفزاز، ومدمّرة في مجملها، إلا أنّ أفكار شودهري، في هذا المجال، لا تفتقد للدّلالة الفكرييّة."
وفى البحث عن أسباب اتخاذ قرار الحظر الآن، كشفت البي بي سي أن القرار جاء بعد أسبوع من وصول تقرير أمني سريّ إلى مكتب وزير الداخليّة، تمّ البدء فيه منذ أنّ كشف حزب المهاجرين عن عزمه في بداية 2009 على "تجديد نفسه".
ولكن يبدو أن ما حرّك الملف هو إعلان الحزب عن عزمه عن تنظيم تلك المسيرة.
أمّا عن ردود الإفعال تجاه حظر الحزب فقد جاءت على خلفيّة أنّ كثيرين من المواطنين، بمن فيهم المسلمين، يرون في حزب "أسلمة المملكة المتّحدة" مصدرا للإساءة للإنسجام الإجتماعيّ ولتعكير العلاقة بين مختلف الجاليات، مع اختلاف كبير حول جدوى ذلك الحظر.
فهذا إينيات بنغلاوالا، من مجلس المسلمين في بريطانيا، يقول أنه لن يحزن لحظر الحزب ولكّن حظره سيعزّز حجّة عناصر الحزب الذين سيقدّمون أنفسهم كضحايا، في حين ترى جماعة "منهاج القرآن" أنّ الحكومة اتّخذت قرارا صائبا. وقد صرّح الناطق باسمها، شهيد مرسلين: "نحن نؤيّد حظر الجماعات المتطرّفة، ولكنّنا ندعو أيضا إلى العمل للحيلولة دون أن يعود الأفراد المتطرفون إلى الظهور من جديد تحت مسمّى آخر."
ومن جهته، كان مركز الإنسجام الإجتماعي، المعروف بتشدّده بل والمتّهم بتحامله على المسلمين، قد نشر تقريرا قال فيه أن أحسن ردّ على حزب التّحرير ليس اقتراح المحافظين بحظره وإنّما باتباع استراتيجيّة : "تسامح متحضّرة ومدنيّة". أي أن يتمّ التعامل مع أعضائه بنفس طريقة التعامل مع الحزب الوطنيّ البريطانيّ، اليمينيّ. وهناك من طلب بالتوجّه لمراقبة مداخيل شودهري الذي لا يشتغل حاليا، ويمارس نشاطه مستفيدا من مساعدات تدرّها عليه الحكومة وتُقدّر ب 26 ألف جنيه سنويّا.
أمّا دومينيك غاسياني من البي بي سي، فيتساءل عن أمكانيّة تنفيذ الحظر عمليّا. وفي حين رحّب باترك أو فلين، من الدايلي إكسبريس، بالقرار إلا أنّه شكّك في جدواه، لأنّ هذا التنظيم، في رأيه، هو مجرّد واجهة، وأنّه سيعود من جديد تحت تسمية أخرى، وسيكون له قريبا موقع جديد على الأنتارنات، وبالتالي فخطابه سيتواصل نشره، ونشاطه لتجنيد أبناء الجاليات المسلمة لن يتأثّر. ويستدل في ذلك بتصريح شودهري نفسه الذي قال: "أنّنا لن نستعمل نفس الأسماء، ونفس المواقع، ولكنّ ذلك لن يمنعنا من البقاء كمسلمين، ومواصلة الدّعوة للإسلام، وإقامة الصلاة، وتطبيق الشريعة."
ولهذا يرى باترك أو فلين أن القرار بحظر الحزب ليس سوى قرارا رمزيّا له آثار ليست ذات قيمة، وفي أقصى الإحوا ل ليس سوى مسرحيّة سياسيّة، ضمن الحملة الإنتخابيّة، هدفها إظهار حزب العمّال بأنّه متشدّد في التعامل مع "التطرّف الإسلامي".
وقد عبّر حزب المحافظين، أكبر أحزاب المعارضة، عن تأييده لقرار الحكومة بحظر حزب "أسلمة المملكة المتّحدة" عن طريق كريس كرايلينغ وزير الداخليّة في حكومة الظل (إسم حكومة الحزب المعارض الرئيسيّ) الذي ذكّر أنّ حزبه كان من السبّاقين للدّعوة لذلك الحظر، وقال: "إنّنا لن نسمح بوجود أي حزب يبث أفكارا دعاة الحقد الدوليين الممنوعة." ودعا لتوسيع دائرة الحظر لتشما أحزابا أخرى.
ومعروف أنّ حزب المحافظين ينتقد مقاربة حزب العمّال لقضيّة الهجرة التي تميل، حسب تقييم باترك أو فلين، إلى هوس العمّاليين بالقيم الإنسانيّة العالميّة، الأمر الذي من شأنه، كما يضيف، أن: "يُمكّن هذا السرطان من النموّ بيينا لتدمير كلّ ما نعتزّ به." وحتى صحيفة الغارديان اليساريّة، فقد رأت: "أنّ توقيت الحظر يجعل منه وكأنّه انتهازيّة سياسيّة." وذلك على الرّغم ممّا قيل أنّه جاء على إثر تقرير لمصالح الأمن.
وتكمن خلفيّة هذا الميل للتّشدّد الذي تطوّر إليه الرّأي العام البريطانيّ تجاه المسلمين. فقد كشف الباحث أندرو براون في موقعه بالأنتارنات أنّ سبر سلوكات المجتمع البريطانيّ بيّنت أنّ درجة عدائه وشكوكه في المسلمين عالية. كما أن معارضته لحق ممارسة حريّة التّعبير أعلى من ذلك بكثير. فقد تبيّن أنّ 6 في المئة فقط من البريطانيين يوافقون على السّماح للمتطرّفين الإسلاميين بالتعبير عن آرائهم و7 في المئة فقط لا يعارضون نشر كتبهم. وتبلغ نسبة الرّافضين، على التوالي، إلى نسبة 70 في المئة و57 في المئة. وهذا، كما يستنتج الباحث، يبيّن أنّ القول بمحاربة الإسلاميين عن طريق حريّة التعبير كجزء من القيم البريطانيّة لا أساس له من الصّحة في الواقع.
ويستخلص السبر أن المسلمين ليس لهم شعبيّة هذه الأيّام في بريطانيا. وينتقد تيموتي غارتن آش، الصحافي بالغاردين، تلك المقاربة التي تتّبعها الحكومة والتي لا تتجّه لتحديد أصل التهديد الإرهابيّ ومحاربته بفعاليّة. وإذ يؤكّد صعوبة التعرّف على الشبّان الذين يعانون الإغتراب والمحتمل أن يتحوّلوا إلى إرهابيين، يُحذّر من مغبّة الإشارة بالبنان إلى المسلمين كجماعة بعينها دون غيرها لأنّ ذلك لن يكون خرقا للمباديء الأساسية في مجتمع يتمتّع بالحريّة فحسب بل وسيؤدّي إلى نتائج عكسيّة. ويستدلّ على ذلك بتقرير لجمعيّة القِوام التي اكتشفت أنّ بعض الشبّان في المساجن البريطانيّة قد تحوّلوا إلى مسلمين متطرّفين يرنون للعنف.
والمهمّ، كما يدعو أليه تيموتي غارتن آش، هو التركيز على رصد العنف وما يؤدّي إلى العنف في حدّ ذاته بدل الإنطلاق من القناعات والأقوال المسيئة والعدائيّة والمهينة، لأنّنا إذا أخذناها بعين الإعتبار فسينتهي نصف البشريّة باتهام النّصف الآخر. ويشترط في ذلك أيضا أن يتمّ اختيار الحلول المناسبة التي لا تؤدّي إلى المسّ بالحريّة.
وفي نفس السياق يرى الدكتور جون إدمندز المدرّس بمعهد الدراسات التنمويّة بجامعة كمبردج، أنّ هناك مبالغة غير مبرّرة في المملكة المتّحدة وغيرها من الدّول الغربيّة حول عدد الأفرد المورّطين في أنشطة الإرهاب... حتّى أنّ وجود عناصر جامعيّة من بين هؤلاء جعلت الشكّ يعمّ كافّة المؤسّسات الجامعية.
ويؤكّد من خلال دراساته، أنّ الشبّان المورّطين يعيشون في استقرار من حيث هويّتهم البريطانيّة، وملتزمون بأداء واجباتهم كمواطنين، ومتمسّكين بمباديء الحقوق المدنيّة. كما أنّ إيمانهم بالقيم المرتبطة بالمواطنة هو الأساس الذي ينبني عليه موقفهم من الإرهاب ومن المراقبة الواسعة التي يخضع لها المسلمون البريطانيون.
وأكّد أنّهم يقارنون بين الحرّيات التي يتمتّعون بها هنا بما تعرفه بلدانهم الأصليّة، مثل باكستان ومصر، من فساد وغياب لأصول الحريّة. كما يحرصون على التبرّإ من الإسلام المتطرّف، ويحسّون أنّهم الضحايا الأوائل للإجراءات المعادية للإرهاب، والتي يعتقدون أنّها تخرق القيم الإساسيّة للمجتمع البريطانيّ وتضعهم في موقع يَسهُل فيه التضحية بهم ككباش فدى: "وإذا واصلت الحكومة البريطانيّة تخويف هذا الجيل الجديد من المسلمين في بريطانيا، فإنّها ستخلق لنفسها مشاكل، عن طريق شيطنة هذه المجموعة من الشبّان الذين لهم نزعة أمميّة وتشغلهم قيم الحريّة الليبراليّة أكثر من أقرانهم غير المسلميبن".
أمّا الصحافي تيموتي غارتن آش، بجريدة الغارديان، فيرى أنّ مشكلة الحكومة تكمن في تحديد مدلول الإرهاب وعدم تمييزه عن المقاومة، وهو الخلط الذي ترسّخ منذ أن توّلت هازل بلير شؤون الجاليات، حيث تمّ تصنيفه "إرهابيّا" كلّ شخص يؤيّد: "المقامومة المسلّحة في أيّ مكان من العالم."
كما فضّلت بلير تمويل هيئات ترى أنّها أكثر تمثيلا للمسلمين مثل: "جمعيّة القوام" و"مجلس الصوفيين" مقابل تهميش "مجلس المسلمين في بريطانيا" الذي عبّر رئيسه عن تعاطفه مع شعب غزّة ضد الهجمة البربريّة الإسرائليّة. وقال الصحافي تيموتي غارتن آش أن جميع المسلمين في العالم يعبّرون عن تعاطفهم مع حقّ الشّعب الفلسطينيّ في مقاومة الإحتلال والعدوان، وبالتالي فإنّ ربط الحوار مع المسلمين بهذا المعيار سينتهي بالحكومة إلى الحديث مع أقليّة قليلة وعزل نفسها بنفسها عن عامّة المسلمين.
وقد كتب بول ريشاردز، المستشار الخاصّ السّابق لدى هازل بلير، مقاليْن مؤخّرا بصحيفة "الأحداث اليهوديّة" حيث دافع عن سياسة الوزيرة محذّرا من من التهديد الذي يطرحه "الإسلام السياسي" للدّيمقراطيّة وللجالية اليهوديّة بالمملكة المتّحدة. وفي كتاباته، لا يميّز، عن عمد، بين المسلمين المسالمين المُنْضوِين في إطار المسار الدّيمقراطي من جهة وتلك الجماعات الدّمويّة والإرهابيّة من جهة أخرى، مثله مثل معهد الدّراسات: "التبادل السّياسي" والمركز المسمّى، بصورة غير سليمة، "مركز الإنسجام الإجتماعي".
عندما يتمّ تصنيف ما يهدّد الحريّة، كما يقول تيموتي غارتن آش، مثل حظر المنظمات السياسيّة والتقليص من حريّة التعبير، فلابدّ من توفّر الحجج الدّامغة التي من شأنها ضمان الأمن، لأنّه ليس مقبولا، وهذا ما شهدناه كثيرا عبر العشريّة المنصرمة، أن يتمّ قطع خطوات نحو تقليص الحريّة دون ضمان تحسّن حقيقيّ في الأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.