تأجلت مناقشة مشروع قانون الصحة على مستوى المجلس الشعبي الوطني إلى جانفي القادم ، بعد أن كانت مقررة ليوم 7 ديسمبر المنتهي، ثم ليوم 19 منه، من دون أن تقدم وزارة الصحة أية تبريرات، وأبقت على ما صرح به رئيس اللجنة البرلمانية للصحة والعمل والضمان الاجتماعي علي ملاخصو، الذي أوضح أن أسباب هذا التأجيل " تنظيمية، وتخص وزير الصحة ". وحسب مصدر ثالث، فإن هذا التأجيل الأخير يعود أساسا لرغبة وزارة الصحة في تدارك نقص موجود في بنود هذا المشروع، ويتعلق الأمر بتنازع الصلاحيات الذي ظهر وبشكل متزامن مع التاريخ المحدد لمناقشة هذا المشروع بين وزارتي الصحة والتجارة بشأن من هو المسؤول عن المكمل الغذائي ، وزارة الصحة، أم وزارة التجارة، وما هي حدود صلاحيات كليهما في هذا المجال، فاختراع توفيق زعيبط الذي أثار جدلا واسعا، وردود فعل متضاربة ومتباينة هو ذو طبيعة غذائية، وذو طبيعة طبية في آن معا، ومن واجب قانون الصحة الجديد أن يتضمن وبوضوح المكملات الغذائية، وينصص على كل الجوانب المتعلقة بها، على ما هو لوزارة الصحة من صلاحيات، وعلى ما هو لوزارة التجارة، ذلك أن المكملات الغذائية الأجنبية المستوردة وحتى يومنا هذا تُباع في الصيدليات مع الأدوية، والصيدليات هي تحت وصاية وزارة الصحة، وليس وزارة التجارة. هذا جانب، أما الجانب الآخر حسب مصدرنا، فيتعلق أساسا بمحاولة امتصاص ردود الفعل المتباينة والمتضاربة للمواطنين وللنواب أنفسهم، الذين هم ليسوا على رأي واحد، وغير مستبعد لو تمت مناقشة المشروع أن تفتح وزارة الصحة والحكومة برُمّتها " النار " على نفسها من قبل نواب المعارضة، وأن يتحول مجرى النقاش من مواد المشروع ال 474، إلى اختراع الباحث توفيق زعيبط، والمكملات الغذائية الأخرى، ومنها إلى التضارب والتضادّ الحاصل بين الوزارتين، ثم إلى ما هو حاصل على مستوى عدد من الوزارات الأخرى، وهي حالة غير سويّة سجلتها رئاسة الجمهورية، ولا نعتقد أنها ستتأخر في تصويبها وتصحيحها. ويذهب مصدرنا لأبعد من هذا إذ يقول: " غير مستبعد أن يكون هذا التأجيل بأمر من رئيس الجمهورية نفسه، أو من وزيره الأول عبد المالك سلال، درءا للنقص المسجل في بنود المشروع المقدم، وربحا للوقت حتى تهدأ العاصفة التي صنعها اختراع توفيق زعيبط ". وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، فإن المشروع يتضمن عددا من الجوانب المُستحدثة، التي قد لا ترضي بالضرورة سائر المسؤولين الحاليين في القطاع، هي جوانب جديدة بالمرّة، تتقدمها بالأساس خارطة صحية جديدة، تنبني على أنقاض الخارطة الحالية، يُقسّمُ فيها قطاع الصحة إلى مقاطعات وأقاليم صحية، وهو أمر يستوجب بالضرورة إحداث تغييرات وتحويرات في الطواقم البشرية الإدارية والطبية، وبمن فيها مسؤولي المستشفيات الجامعية، والمستشفيات العادية، والصحة الجوارية، والخوف هنا كل الخوف يقع على المسؤولين الذين تقدمت بهم السنّ، وعلى مسؤولي الصحة الجوارية وطواقمها الإدارية التي هي في حاجة إلى تقليص. وأهم ما هو مقترح في المشروع المُعد، إدماج القطاع الخاص كشريك في المنظومة الوطنية للصحة، والتأسيس للنشاط التكميلي لعمال القطاع العمومي في هياكل القطاع الخاص، والتأسيس للصناعة الصيدلانية، والتنصيص على التأطير الدقيق للوقاية والعلاج والبحث العلمي، ومكافحة التدخين، وجميع جوانب البيوتكنولوجيا، وأخلاقيات المهنة. والأبرز في جملة التنصيصات المقترحة، إعطاء الصحة العقلية أهمية خاصة، وهي الصحة التي كانت شبه غائبة في اهتمامات قانون الصحة الحالي، الذي يعود تاريخ صدوره إلى 1985، واليوم فإن هذا الجانب هو على غاية كبيرة من الخطورة، خصوصا بعد الهزة العنيفة التي ضربت مجتمعنا على امتداد سنوات، وقد خلّفت آثارا مُرعبة وعميقة في نفوس آلاف الجزائريين والجزائريات، وهم اليوم بحاجة إلى رعاية وعلاج نفسي وعقلي بمزيد من الهياكل الجديدة، والطواقم الطبية الإضافية. يضاف إلى هذا الصناعة الصيدلانية داخليا، واستيرادها من الخارج، وهي تستلزم تدقيقا خاصا في تنصيصاتها القانونية، ولا يجب أن تُترك الثغرات ونقاط الظل وفق ما هو جار منذ سنوات السبعينات وحتى يومنا هذا بشأنها وبشأن التجهيزات الطبية، يجب غلق كافة " الحنفيّات " بتنصيصات قانونية صارمة، وعلى نواب الشعب أن يحافظوا على مال الشعب، هم مُمثلوهُ، واللعنة عليهم إن هُم أباحُوهُ.