لم تنتظر أمريكا نتائج التحقيق في الهجوم الكيمياوي على خان شيخون وقررت توجيه ضربة عسكرية لقاعدة جوية سورية، وتكون روسيا قد تلقت إشعارا مسبقا من الأمريكيين بالعملية. لن يغير القصف الصاروخي موازين القوى بشكل جذري، ولن يحسم الحرب لطرف على حساب آخر، غير أنه يمثل مؤشرا على أن المؤسسة في أمريكا تحكم سيطرتها على الرئيس دونالد ترامب الذي بدا جموحا في البدايات، والهجوم الأمريكي هو أولا إخراج للعلاقة الأمريكية الروسية من السياق الشخصي الذي كاد أن يطغى عليها بسبب الجدل الذي ثار حول علاقة ترامب وبعض مساعديه المقربين بروسيا، وبسبب التهم الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي. قبل إطلاق الصورايخ الأمريكية على سوريا بساعات نشرت تصريحات لهيلاري كلنتون التي خسرت معركة الرئاسة ضد ترامب، تدعو فيها إلى ضرورة توجيه ضربات ضد سوريا، واعتبرت أن تردد أمريكا في القيام بعمل عسكري ضد سوريا خطأ، وقالت إنها لا يمكن أن تفرح بحالة التخبط التي طبعت سلوك الرئاسة في بداية فترة ترامب. أن تسبق هذه التصريحات الهجوم الأمريكي على سوريا بساعات فقط فهذا يعني أن قرار الهجوم يحظى بدعم المؤسسة وأغلبية النخبة السياسية في أمريكا، وهذا يعني تجاوز كل الانقسامات السابقة، على مستوى السياسة الخارجية على الأقل. هكذا تعود أمريكا إلى الساحة السورية بهدف لعب دور أكثر فعالية في صياغة الحل، غير أن الأمر لا يمكن أن يصل إلى حد تدخل فاعل ينهي الحرب بسرعة لأن هذا الخيار مكلف وقد لا يحقق الأهداف المرجوة بسبب طبيعة الصراع. بقي الأهم على الإطلاق، وهو أن الهجوم عزز مكانة إسرائيل كمركز تدور حوله كل سياسات القوى العظمى في سوريا، والروس الذين أحيطوا علما بالهجوم مسبقا يعلمون جيدا أن أمن إسرائيل خط أحمر، وهم ملتزمون به، والمصلحة الإسرائيلية تقتضي إضعاف حلفاء سوريا، إيران وحزب الله خاصة، وقد كان الهجوم فرصة أخرى إلى تأكيد التوجه نحو بناء التحالف العربي الإسرائيلي الجديد الذي يبرز المعنيون به من خلال ردود الأفعال الصادرة بعد الهجوم.