في رمضان الماضي اختفت البطاطا من الأسواق ، و التهب سعرها إلى نحو دولار واحد للكلغ، (80 دينار جزائري)، وهو سعر لا يتناسب والرواتب الهزيلة للغالبية العظمى من العمال. كاد الشعب أن يجوع لافتقاده "المادة الرئيس" على طاولته، طاولة الفقراء والغلابى. لم يبق أمام القوم سوى حلان: إما "تنظيم صلاة البطاطا" – كقياس على صلاة الاستسقاء أو صلاة الغائب أو صلاة الكسوف والخسوف - ندعو الله كي ينزلها علينا من السماء بسعر منخفض – مثلما فعل النصارى عندما طلبوا ربهم أن ينزل عليهم مائدة من السماء - ففي الأثر أن السماء لا تمطر لا ذهبا ولا فضة، لكن لم يرد قول مأثور "أنها لا تمطر بطاطا" ! ولأن الله بعيد عنا، لأننا ابتعدنا عنه، ولأن قبول الدعوة يجب أن تتوفر فيه جملة من الشروط، فإن الحل الثاني هو الأمثل، وهو اللجوء إلى الاستيراد وإلغاء الضرائب عن البطاطا ليأكلها المواطن هنيئا مريئا بسعر منخفض. لجأ التجار إلى كندا وأغرقوا السوق بالبطاطا التي يأكلها "الحلوف الكندي"! ولم يحل الشعب أزمته حتى بدأ عرق الفلاح في الريف الجزائري ينساب بطاطا في الأسواق الجزائرية عرق الجبين هو الملجأ وليس المستورد. حتى ديننا الحنيف يأمرنا بالأكل من عرق الجبين، ولم يرد إطلاقا أي حديث ضعيف أو " إسرائيلي " يدعو إلى الأكل من "المستورد" أي "أمبور–أمبور"! لقد أقسمت الدولة أن أزمة البطاطا لا يجب أن تتكرر، فاعتمدت سياسة حكيمة، شراؤها من الفلاحين بسعر يرضي الفلاح ويحميه (20 دج) وتخزينها لوقت الحاجة، ربما لأول مرة تقوم الدولة بدور الدولة! وقد نقلت الصحافة الجزائرية أنها خزنت أزيد من 100 ألف طن من البطاطا في ظرف شهر واحد، وتسعى الحكومة لتخزين 150 ألف طن إلى غاية 15 أوت، ما شاء الله فالأزمة تلد الهمة عند الرجال. إنه عام البطاطا. مقابل ذلك نشرت بعض الصحف أن إنتاج الحبوب سجل انخفاضا كبيرا هذه السنة بمعدل النصف، من نحو 40 مليون قنطار عام 2007 إلى نحو 20 مليون هذه السنة، مما يعني زيادة الواردات من الحبوب حتى يأكل الجزائريون الخبز وهو مادتهم الأولى على الطاولات، فحتى توفر البطاطا يصبح بدون معنى في غياب الخبز، أما استراتيجيا، سيؤدي غياب الخبز والبطاطا إلى زعزعة السيادة الوطنية"، فلا سيادة بدون أمن غذائي. الحكومة الجزائرية مسحت الموس في الجفاف، لكن يجب أن تحتاط أكثر مما احتاطت للبطاطا، فالدول المنتجة للحبوب خاصة أمريكا والبرازيل بدأت تخصصها لإنتاج الوقود الحيوي، لذلك قلّت في السوق من جهة، وارتفع سعرها من جهة أخرى. والحل ليس الأكل من المستورد – حتى لو كان موجها لخنازير المكسيك - بل استغلال الوفرة المالية الحالية لبناء سد مائي زراعي على الأقل في كل من 1541 بلدية تحصيها الجزائر. في عام 2002 قمت بزيارة لمدينة اللاذقية على الساحل السوري، وهي مدينة زراعية تحصي أزيد من 14 سدا مائيا موجه للزراعة، وإذا حققنا هذا الرقم في كل بلدية، سوف نصبح دولة مصدرة للقمح مثلما نحن نصدر الغاز والبترول.