تشيلي: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير مبدأ راسخ في القانون الدولي    مجلس الأمن: 120 صراعا مستمرا حول العالم والنازحون قسرا يحلمون بأمل العودة    المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة : تنصيب الجزائري زهير حامدي مديرا تنفيذيا جديدا    .لتعزيز قدراته المالية ودعم تمويل الاقتصاد الوطني..البنك الوطني الجزائري يرفع رأسماله الاجتماعي ب100 بالمائة    البنك الإسلامي للتنمية:توظيف الشباب محور يوم دراسي لفائدة الطلبة بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية يتسلم أورق اعتماد خمسة سفراء جدد لدى الجزائر    الدورة الثانية لبكالوريا الفنون:انطلاق الاختبارات التطبيقية    ستوفر عدة مزايا وامتيازات.. وزارة التضامن توقع 3 اتفاقيات لفائدة المسنين    قسنطينة.. إحياء الذكرى ال 64 لاستشهاد البطل مسعود بوجريو    عين تموشنت.. مشروع لربط الحاجز المائي بمنطقة "دزيوة" بمشروع نظام السقي – تافنة    للوقوف في وجه المخططات التي تحاك ضد الأمة..تنويه بدور الجزائر في دعم العمل العربي المشترك    قلعة للتكوين وضمان الجاهزية    خط الهضاب العليا رواق سككي لدعم الاقتصاد الوطني    الجزائر تسير برؤية واضحة لتنويع اقتصادها وشركائها    خطوط مباشرة جديدة نحو إفريقيا وآسيا الشتاء المقبل    تنصيب مجلس وطني للوقاية الصحية والأمن هذه السنة    تطوير الاستعجالات أولوية قصوى ضمن استراتيجية الإصلاح    عناية رئاسية بالثانويات المتخصّصة    توجيهات لتعزيز الجاهزية في خدمة الحجّاج    الجزائر قوة صناعية صيدلانية في إفريقيا    نجم بن عكنون يعود لقسم النخبة    الكشف عن الوجه الهمجي للاستعمار الفرنسي    التحرّك الفوري لفتح المعابر والسماح بإدخال الوقود    العدل الدولية تبدأ النّظر في قرار حظر الاحتلال لأنشطة "الأونروا"    اللقاء الجهوي الرابع للصحفيين والإعلاميين: دعوة إلى تطوير منظومة التكوين لمواكبة التحولات الرقمية    كيليا نمور تحصد المعدن النفيس في عارضة التوازن    ليفربول يهدّم قاعدة الإنفاق الضخم بالبريميرليغ    السفير الفنزويلي يشيد بالمستوى الرفيع الذي بلغته العلاقات الثنائية بين الجزائر وبلاده    طاقة: عرقاب يستعرض مع سفيرة البوسنة والهرسك فرص التعاون الثنائي    إطلاق مسابقة الرواية القصيرة للكاتبات الجزائريات    نحو قراءة جديدة لمسارات التجربة ورهانات الحاضر    تمديد آجال الترشح إلى 15 ماي 2025    شهر التراث: افتتاح معرض "تراثنا في صورة" بالجزائر العاصمة    دعوة الآباء لتشديد الرقابة على أبنائهم    تأريخ لأسماء من الرعيل الأوّل    أدرار : التأكيد على أهمية استغلال الذكاء الإصطناعي في تثمين التراث المخطوط    إن صالح: رخروخ يعطي إشارة انطلاق أشغال صيانة 25 كلم من الطريق الوطني رقم 1 ببلدية فقارة الزوى    كرة القدم/ الرابطة الاولى موبيليس (تسوية الرزنامة): تأجيل المباراتين المقبلتين لشباب قسنطينة    مطار باتنة الدولي: انطلاق أول رحلة لنقل الحجاج نحو البقاع المقدسة يوم 15 مايو المقبل    قوجيل يهنئ البطلة الأولمبية كيليا نمور لتألقها في كأس العالم للجمباز بالقاهرة    صناعة صيدلانية: وضع حجر الأساس لمشروع وحدة للعلاج بالخلايا قريبا    الجمباز الفني/كأس العالم: الجزائرية كايليا نمور تحرز فضية الحركات الارضية    تنصيب المجلس الوطني للوقاية الصحية والأمن وطب العمل واللجنة الوطنية للأمراض المهنية خلال السنة الجارية    ندوة علمية بالعاصمة حول مخطوط "كتاب القانون في الطب" لابن سينا    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    بوغالي: تاريخ الجزائر مصدر فخر    ترحيل 182 عائلة متضررة من انزلاق التربة بوهران إلى سكنات جديدة بمسرغين    سونلغاز تؤكّد تقديم كل التسهيلات    ربيقة: على جيل اليوم التحلي بإرادة رجال نوفمبر    وزارة الصحة: لقاء تنسيقي لتقييم أداء القطاع    "الأونروا" تعلن عن نفاد إمداداتها من الطحين في قطاع غزة    مولودية وهران تتنفس    انطلاق أشغال الاجتماعات الدورية للمنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال العرب بالجزائر العاصمة    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى وفاة الأستاذ أحمد توفيق المدني كاتب القطرين ورائد النهضتين
نشر في الفجر يوم 29 - 11 - 2012

في 12 من محرم 1404ه الموافق 18 من أكتوبر1983م توفي الأستاذ النابغة كما كان يوصف أحمد توفيق المدني أحد أعلام رجال المغرب العربي في النضال الوطني، الثقافة، الفكر والصحافة، وصاحب كتاب تقويم المنصور، وكتاب هذه الجزائر... وقد وصفه الشيخ المؤرخ عبد الرحمن الجيلالي بقوله: ”له في كل مشروع إصلاحي أو سياسي أو أدبي في بلادنا رأي وتدبير أو عمل وتسيير”. بل قد ينطبق عليه وصف ”كان أمة وحده”.
ذلك الشاب الوطني الغيور على دينه ووطنه الممتلئ حيوية ونشاطا، المبعد من وطنه الثاني تونس، التي ولد بها نهاية القرن التاسع عشر، ونشأ بها وتعلم، والذي فتح عينيه على ظلم الكختل الفرنسي بتونس فقام وهو ابن خمس عشر سنة بمجابهته ودخل السجن وأقام به أكثر من أربع سنوات، ليخوض بعدها نضالا مستميتا تحت إشراف الشيخ عبد العزيز الثعالبي رائد الحركة الوطنية بتونس، ليبعد بعد ذلك إلى الجزائر عام 1925، فينقل تجربته النضالية إلى الجزائر، مواصلا جهاده وكفاحه، ضد المحتل الغاشم، ويوظف حنكته السياسية مستفيدا من التجارب التي أمضاها في تونس مناضلا عنيدا ومشاركا في الحركة الوطنية التونسية. وفي ذلك يقول: ”كنت أعمل في تونس بروح جزائرية، فإذا بي أعمل في الجزائر بروح تونسية.... واكتشفت أن العمل واحد وأن الكفاح واحد وأن جهادنا المشترك إنما هو وعاء متصل الأجزاء ما صببت في جزء من أجزائه شيئا إلا توزع بصفة عادلة على سائر الأجزاء”.
ورب ضارة نافعة ومصائب قوم عند قوم فوائد. فبقدر ما خسرت تونس مناضلا بارزا بقامة المدني، بقدر ما استفادت الجزائر من خبرته، خدماته، أعماله وجهوده. فقد بعث النهضة الفكرية والثقافية في جزائر ما بين الحربين العالميتين، وساهم في إثراء الحركة الوطنية والنشاط الصحفي والحياة العلمية مناضلا عنيدا، صحفيا متميزا، كاتبا جادا ومؤرخا عظيما. فقد كان لقدومه أثر هام وتطور واضح في مسار الحركة الإصلاحية بما أدخل عليها من أساليب لم تكن تعرفها، ووسائل أعطتها قوة وزخما لم تكن لتبلغها لولا تفكير المدني فيها وتنفيذه لها.
مرت الذكرى الثلاثون دون تخليد لذكراه أو إحياء لأفكاره وآرائه أو النظر من جديد في تراثه، وقد كان الحافظ لتاريخ الجزائر والباعث لأصالتها من الرمم، والداعي إلى إحياء أمجادها وتدوين اسمها في سجل الخالدين...
مرت الذكرى دون حتى ذكر للرجل ولا لجهوده وأعماله ولو بمقال بسيط في جريدة محلية وقد كان في زمانه محور العمل الثقافي وملء المشهد الإعلامي ومحرك النشاط الجواري بعبارات المعاصرين.
وهنا يقف الإنسان حائرا متدبرا، تنقله الأفكار مناحي شتى، وتذهب به التصورات إلى حدود قد لا تتخيل، ويكاد المرء يجزم معها أنه من الخطأ خدمة البشر والسعي في البذل من أجلهم؟
وإلا بماذا نفسر كل هذا التناسي والتجاهل لتاريخ الرجل وما قدمه من جليل خدمات وعظيم إنجازات؟ فكم من مناسبات مرت لا نجد فيها تنويها بأعمال الرجل، وكم من ذكرى عبرت ولا يشار فيها إلى مقالات الصحفي وكتاباته، وكم من موقف مضى لا يدرج فيه تكريم أو وقفة اعتراف وتقدير للأستاذ النابغة، بالرغم من المناسبات العديدة والاحتفالات الكثيرة التي تشهدها بلادنا في الفترات الأخيرة. إلا من مناسبات سياسية مأدلجة، أو توظيف غير محمود العواقب.
لما هذا الإغفال لذكر الرجل والتنكر للأسف لما أسبغه على البلاد من أفضال، وأسداه لها من أيادي بيضاء؟ فيغفل دوره في كل الميادين التي اشتغل فيها، الوطنية، الفكرية والصحفية... وكان له شرف السبق في تحقيق كثير من النجاحات على رأسها: تأسيس نادي الترقي أعظم النوادي الجزائرية على الإطلاق، وتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رفقة جماعة من أصدقائه المخلصين، ونحت شعارها الشهير ”الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا”، ووضعه قانونها الأساسي وتحريره في ظرف ثلاثة أيام وكتابة تاريخ الجزائر القديم منه والحديث، وتطوير الكتابة الصحفية في بلادنا وجعلها في مستوى صحافة الدول المتقدمة.
لما هذا الجحود والتنصل من مزايا الرجل، وعدم الاعتراف بجهوده ومساعيه لإنجاح الحركة الوطنية الوليد، وبلوغ الأهداف السامية المسطرة، بل على العكس من ذلك محاولة نسبتها إلى غيره، لمنحه شهرة لا يستحقها، ومكانة هو أبعد الناس عنها، مستغلين في ذلك الظروف التي كانت تمر بها البلاد عهد الاحتلال، وظروف الإبعاد التي يعانيها وما ينتج عنها إذا ما تم التصريح لنسبة العمل إليه، لكن الآن لا حجة لهم ولا دليل، وقد انزاح ليل الاستعمار وبزع فجر الاستقلال، ولاحت أمارات البهاء والجمال، فلم تبق لهؤلاء القلة برهان ولا مقال.
والأدهى والأمر أنك ترى من الأشخاص من هم أقل منه شأنا، وأصغر منه حجما ووزنا ولم نعرف لهم تاريخا ولم نسمع لهم صوتا يوم كانت البلاد في أمس الحاجة إلى أدنى مساهمة تقيها تجبر المحتل وطغيانه، يتسنمون سلم المجد على حساب الآخرين، راضين بفعلتهم تلك غير مبالين بالتاريخ والحقيقة، وترقم أسماؤهم في سجل العظماء والقادة الكبار، ويشطب منه من قدم بدل التضحية ألفا وبدل المبرة مليونا.
تجد الأمم المتحضرة تقيم التماثيل والنصب، وتعقد الملتقيات الكبرى والندوات، للذين ساهموا في صناعة تاريخها وتنشر أعمالهم وتحفظ تراثهم اعترافا منها بالجميل، ووفاء منها لذكرى كل من أضاف لبنة في صرح مجدها الأثيل، وبغية الاستفادة من جهود هؤلاء الرجال، وترسيخ القيم التي ناضلوا من أجلها، واستغلال مخزونها الثقافي والحضاري في حياتها المعاصرة، وتمين الروابط بين الحاضر والماضي، حفظا للذاكرة الجماعية وبناء للشخصية الوطنية ودعما لاستقلالها الفكري والثقافي وعدم الذوبان في بحر العولمة البغيض.
وأقل ما يجب علينا القيام به تجاه الأستاذ النابغة اعترافا بالجميل، وتقديرا للجهود التي بذلها:
*إقامة ملتقى وطني أو مغاربي حول حياة وأعمال الأستاذ أحمد توفيق المدني.
*إطلاق اسمه على جامعة من جامعات القطر.
*إراج بعض النصوص من كتاباته في المناهج المدرسية.
*إنشاء مؤسسة تحمل اسمه تعنى بجمع تراثه ونشره والتعريف به.
*تأسيس جائزة تحمل اسمه في تاريخ الحركة الوطنية أو تاريخ الجزائر بشكل عام.
*إحياء ذكراه سنويا رسميا، ولما لا تحديد يوم وفاته 18 أكتوبر يوما للثقافة.
*إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة بالجزائر العاصمة، أو في القبة التي يلهج سكانها يوميا بذكر اسم جده ابن عمر وحي ابن عمر في القبة نسبة إلى جد جده بن عمر .
وقد لخصت عبارته في مسرحيته حنبعل على لسان البطل فلسفته في الحياة وأفكاره في السياسة والحرية: ”نحن قوم نعيش أحرارا أو نموت شرفاء وأن طغيان روما سيمضي وسيمضي بعده كل طغيان آخر، ولا حياة إلا للأمم الشاعرة بوجودها المجاهدة في سبيل حريتها، المحافظة على كيانها ووحدتها”. والتي يجب علينا أن نكتبها بأحرف من ذهب، ونستخدمها نبراسا نستضيء به ودستورا نسير عليه، ومنهجا في الحياة لا نحيد عنه.
الدكتور ”عبد المنعم القاسمي الحسني”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.