وجود الثمرات من دلائل القبول يقول ابن عطاء الله السكندري:”من وجد ثمرة عمله عاجلاً، فهو دليل على وجود القبول آجلاً”. ثمرة العمل تتنوع حسب تنوع العمل الذي يتقرب به المسلم إلى الله. فثمرة العبادة، من صلاة وذكر ونسك وحج وصيام ونحو ذلك تتمثل في حضور القلب وسريان الخشية إلى النفس، والشعور بلذة الإقبال إلى الله ومتعة الدخول في مناجاته، وما يتبع ذلك من صفاء السريرة والتسامي كليا أو جزئياً على حظوظ النفس وما تستلزمه من الوقوع في المنكرات. وثمرة الأعمال الاجتماعية المبرورة تتمثل في الوصول إلى نتائجها، والمراد بالأعمال الاجتماعية كل ما عدا العبادات المعروفة والمحددة، من آداب الأسرة وحقوق أفرادها وواجبات كل منهم، وأخلاق التعامل مع الآخرين،ورعاية الأحكام الشرعية والعمل جهد الاستطاعة على حسن تنفيذها ودعوة الناس إلى الله وتعريفهم بدينه وتحبيبه إلى قلوبهم، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضمن حدود الاستطاعة. وقد نبه البيان الإلهي إلى كثير من النتائج، وذلك مثل قوله عز وجل:{من عَمِل صالحاً من ذَكرٍ أو أُنثى وهو مُؤمن فلنحيينَّه حياةً طيبةً.(النحل).. والمراد بالحياة الطيبة شعور الإنسان بالرضا عن الله، والقناعة التامة بما أقامه الله فيه وبما قد متعه به، وغياب الشعور بالمكدرات والمزعجات عن النفس.. وتأمل في دقة تعبير ابن عطاء فالثمرة كما هو واضح غير الأجر المدخر للمؤمن يوم القيامة كما قرر في الحكمة السابقة. والثمرات ليست إلا مظهراً لصلاح تلك الأعمال، ولولا هذا الصلاح الذي فيها،والذي يتبّدى بنتائجها وآثارها، لما أمر الله عباده بها. مثل ذلك ما يأمر به الوالد ابنه من الدراسة والجدّ فيها، وما يعده على ذلك من جائزة مالية ادخرها له.. فإذا انقاد الولد لأمرأبيه وعكف على الدراسة كما طلب، فلسوف يرى ثمرة دراسته نجاحاً في مدرسته، وحصولاً على الشهادة التي كان يسعى إليها.. ثم إنه يتلقى إلى جانب هذه الثمرة التي جناها الأجر الذي وعده به والده أيضاً. ولن تلتبس عليك الثمرة الطبيعية لدراسته والتي كانت السبب في تكليف والده له بالجد في الدراسة،بالأجر الذي وعده به أوالمكافأة التي ادخرها له. فمسألة الأعمال الصالحة التي كلف الله بها عباده، ووعدهم بأجر جزيل عليها، كمسألة الدراسة التي يكلف الوالد ابنه بها، ثم يعده بمكافئة مالية مجزئة عليها.. إن ثمرة هذه الأعمال الصالحة ليست إلا كثمرة التي يجدّ الطالب في الإقبال عليها،لا علاقة لها بالأجر، وإنما هي سبب للتكليف بالأعمال والجهود المثمرة لها، وسبب للأجر الذي أناطه المكلف بها. وإذا تبين لك هذا المعنى، أدركت مدى كرم الله ولطفه بعباده إذ يأمرهم بما فيه صلاحهم وخيرهم وسعادتهم في حياتهم الفردية والاجتماعية ثم إنه علاوة على ذلك يلزم ذاته العلية بأجر وفير وعظيم لهم على سعيهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم!!.. ونحن نعلم أن الأجر يُعطى عادة لمن يتعب نفسه ليقدّم خيراً وفائدة للمستأجر، لا للأجير. ولكن ها أنت ترى أن المستفيد من تنفيذ التكاليف والتعليمات، هو الإنسان أي الأجير إن صح التعبير. أما الله فهو الغني دائماً عن عباده وصدق الله القائل:{يا أيُّها الناس أنتُم الفُقراءُ إلى اللهِ واللَّه هُوَ الغَنيُّ الحَميدُ}(فاطر). فما للإنسان يتلقى كل هذا الدلال من ربه؟ والجواب: أنها رحمة من نوع الرحمة التي بثها الله في فؤاد الأب اتجاه ابنه، إذ يأمره بما فيه صلاحه وسعادته، ثم إنه يعده، إن هو سار في ذلك الطريق وحقق لنفسه السعادة التي يرجوها له، بالمكافآت المالية والهدايا الثمينة، تشجيعاً له وحمايةً له عن الشرود والوقوع في أسباب التيه. ولا ريب أن رحمة الولد بابنه إذ تدفعه إلى معاملته على هذا النهج، إنما هي فرع عن رحمة الله عز وجل بالوالد وما ولد، بل بهذه الأسرة الإنسانية كلها، بل بهذه الخليقة جمعاء. أما المعنى الذي تدور حوله هذه الحكمة، فهو أن العمل الصالح الذي يتقرب به العبد إلى الله عز وجل قد يكون مقبولاً وقد لا يكون مقبولا. لذا فقد كان شأن الصالحين من عباد الله، إذا وُفقوا لطاعة تقربوا بها إليه، أن يتقلَّبوا في هم واصب، من احتمال أن تكون طاعتهم مردودة عليهم، وأن يتطلعوا إلى القرائن التي تطمئنهم إلى قبول الله لها. ومن هذه القرائن أن يجد العبد ثمرة طاعته عاجلاً أي في الحياة الدنيا،بل ربما أثناء تلبسه بتلك الطاعة. فمن علامات قبول الصلاة أن يجد حلاوة لها في قلبه. ومن علائم قبول الله لذكر الذاكرين أن تنبعث اليقظة إلى مراقبة الله في قلوبهم..