وزارة التربية تمكنت من "رقمنة ما يزيد عن 60 وثيقة رسمية    الجالية "امتداد للجزائر وجزء لا يتجزأ من شعبها"    الفلاح ملزم بالإنخراط في مسعى تحقيق "الإكتفاء الذاتي"    تطرقنا إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محليا    الرابطة الأولى موبيليس: م.الجزائر تضيع فرصة الابتعاد في الصدارة, وشبيبة القبائل ترتقي الى الوصافة    أمطار رعدية ورياح قوية في 15 ولاية    توقف صاحب الفيديو المتعلق ب "نفوق 3 أضاحٍ مستوردة"    وصول باخرة محملة ب 13 ألف رأس غنم    إطلاق جائزة أحسن بحث في القانون الانتخابي الجزائري    بدء عملية الحجز الالكتروني بفنادق مكة المكرمة    جيدو/ بطولة إفريقيا فردي 2025 (اليوم الثاني والاخير): الجزائر تحرز أربع ميداليات جديدة    الرئيس تونسي قيس سعيد يزور جناح الجزائر    عطاف ينوّه بالإرث الإنساني الذي تركه البابا فرنسيس    الجزائر أمام فرصة صناعة قصة نجاح طاقوية    دينو توبمولر يدافع عن شايبي    لا حديث للاعبي "السياسي" إلا الفوز    مولودية وهران تفوز ومأمورية اتحاد بسكرة تتعقد    التنسيق لمكافحة التقليد والممارسات غير الشرعية    إطلاق جائزة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    تعزيز التعاون الجزائري التركي في القانون الدستوري    3 بواخر محملة بالخرفان المستوردة    ملتقى دولي حول مجازر8 ماي 1945    10 ملايير لتهيئة الطريق الرئيسي بديدوش مراد بولاية قسنطينة    سكان قطاع غزّة يواجهون مجاعة فعلية    ابنة الأسير عبد الله البرغوتي تكشف تفاصيل مروعة    "الشفافية لتحقيق الأمن الغذائي" في ملتقى جهوي بقسنطينة    انطلاق الحجز الإلكتروني لغرف فنادق مكة المكرمة    جاهزية تامة لتنظيم موسم حج 2025    عدسة توّثق جمال تراث جانت بشقيه المادي وغير المادي    بحث سبل استغلال مخزون لم يكتشفه العالم    ورقلة: التأكيد على أهمية ترقية ثقافة التكوين المتواصل في المؤسسات الإعلامية    تلمسان في الموعد    مُلتزمون بتحسين معيشة الجزائريين    توقيع مذكرة تفاهم في مجال البحث والتطوير    تعميم رقمنة الضرائب خلال سنتين    عطاف يوقع على سجل التعازي إثر وفاة البابا    مزيان يُحذّر من تحريض الجمهور    هذا موعد بداية بيع الأضاحي المستوردة    صالونات التجميل تحت المجهر    صيدال يوقع مذكرة تفاهم مع مجموعة شنقيط فارما    مشاركة جزائرية في الطبعة ال39 لمعرض تونس الدولي للكتاب    السيد مزيان يؤكد على أهمية التكوين المتخصص للصحفيين لمواكبة التحولات الرقمية    أفضل لاعب بعد «المنقذ»..    بسبب بارادو وعمورة..كشافو بلجيكا يغزون البطولة المحترفة    إعادة دفن رفات شهيدين بمناسبة إحياء الذكرى ال67 لمعركة سوق أهراس الكبرى    تربية: إطلاق 3 منصات إلكترونية جديدة تعزيزا للتحول الرقمي في القطاع    "زمالة الأمير عبد القادر"...موقع تاريخي يبرز حنكة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة    حج 2025 : إطلاق برنامج تكويني لفائدة أعضاء الأفواج التنظيمية للبعثة الجزائرية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51495 شهيدا و117524 جريحا    الجمباز الفني/كأس العالم: تأهل ثلاثة جزائريين للنهائي    أكسبو 2025: جناح الجزائر يحتضن أسبوع الابتكار المشترك للثقافات من أجل المستقبل    الأونروا: أطفال غزة يتضورون جوعا    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث الإعلامي فوزي سعد الله ل"الفجر": "الجزائريون لا يكرهون اليهود بل يخافون من المؤامرة"
نشر في الفجر يوم 21 - 12 - 2013

يعود الباحث و الإعلامي فوزي سعد الله في هذا الحوار إلى تجربته التي كان فيها سباقا إلى فتح ملف يهود الجزائر، حيث ألف عدة كتب تتحدث عن الوجود اليهود في الجزائر وأسباب التشنج الموجود بين أبناء الطائفة اليهودية وغيرهم من مكونات المجتمع الأخرى. ويؤكد سعد الله أن الصداقات الجزائرية اليهودية موجودة في الداخل والخارج ولكن الإعلام لا يريد أن يراها، فضلا على كون التشنج الموجود بين الطائفتين يعود إلى كون اليهود يقدمون أنفسهم عادة كأنصار للصهاينة وفي المقابل يتنكرون لحق الجزائريين في مناصرة القضية الفلسطينية.
لماذا هذا الحاجز النفسي بين الجزائريين واليهود؟
الحاجز النفسي موجودٌ ومتبادل بين الطرفين. وهو أمر عادي بسبب حالة الصراع بين الصهيونية والعرب التي أفسدت العلاقات بين الطوائف الدينية حتى في البلد الواحد.
قبل الجرائم الصهيونية وتورُّطِ يهود من البلدان العربية فيها، كانت الروابط بين الموْسَويِّين والمسلمين في الجزائر وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية طبيعيةً. من جهة أخرى، عندما ينفِّذ أفغانيٌ أو سعودي أو يمني هجوما في نيويورك أو باريس أو لندن فإن التوجُّسَ والعداء في هذه الجهات يطال كل المسلمين دون تمييز، فلماذا يُؤاخَذ على الجزائريين عجزُهم أحيانا عن التمييز بين الصهيوني واليهودي ولا يؤاخذ على الخطأ ذاته غيرُهم؟
في نهاية المطاف، هذا ”الكره” المزعوم لليهودي من طرف الجزائري ليس سوى توجُّسًا أو تحفظا سياسيا نابعا من الكوارث التي ألحقتها الصهيونية بالمنطقة العربية، وسيزول بزوال مسبباته؛ أيْ بإرجاع الحقوق المغتصبة من طرف الصهاينة لأصحاب الحق وبالكف عن عدائهم للعرب والمسلمين.
في المعاملات الفعلية على الأرض، الجزائريون يتعاطون مع اليهود بشكل طبيعي،وحتى حميمي، في الجزائر كما في الخارج. الصداقات اليهودية الجزائرية موجودة وكثيرة، الإعلام لا يريد أن يراها.. لذا أقول يجب التحسيس بضرورة التمييز بين اليهودي والصهيوني حتى لا يُظلم أحد، ويجب أيضا الكَفَّ عن شيطنة الجزائريين، لأن ذلك يصب في خدمة الدعاية الإسرائيلية /الصهيونية.
الوجود اليهودي في الجزائر يمتد إلى عصر الرومان، ورافق وجودهم في المجتمع الجزائري في مختلف مراحله، لماذا هم اليوم عنصر غير قادر على الإعلان عن وجوده الاجتماعي علنا؟ وهل مازال هناك يهود يعيشون في الجزائر حقا؟
ليس اليهود وحدهم من يعود وجودهم في الجزائر إلى عصر الرومان، فهناك تركيز مبالغ فيه وغير طبيعي على التواجد اليهودي في البلاد على حساب مكوّنات أخرى في المجتمع الجزائري. اليوم، اليهودي عندنا لا يحبّذ أن يعرفَ كلُّ الناس هويتَه الدينية ليس لأن الجزائريين قد يهجمون عليه بمجرّد معرفتهم انتمائه الروحي، بل بسبب أجواء خلقها الصراع في الشرق الأوسط كما سبق أن ذكرت والخطاب العدائي لرموز يهودية تجاه الجزائر. قبل أيام، كشف الجنرال آموس يادْلِين، المدير السابق لجهاز التجسس الإسرائيلي، عن مشاريع تخريبية في منطقة المغرب العربي فيها الكثير من التلميحات والتَّلويحات إلى الجزائريين.. هل تعتقدين أن هذه التصريحات والتصرفات تساهم في فكِّ التشنج بين اليهودي والمسلم بشكل عامّ؟ لكن هذه العدائية التي يلوِّح بها الطرف الآخر صباحا ومساء لا يفضل البعض رؤيتها. من جانب آخر، اليهودي في الجزائر لا يخفي هويته بشكل آلِيٍّ، هذا غير صحيح، بل يعرف الجار والصديق والمقربون أنه يهودي وعلاقات الطرفين عادة جيدة وقوية.. وما عليكِ سوى الذهاب إلى حيّ الأبيار والسؤال عن عائلة بَلْعِيشْ التي تبرَّعت قبل عقود بأرضٍ لها لِبناء سوق شعبي لهذا الحي، ولن تجِدي هناك مَن لا يعرف آل بلعيش.
أسرة بلعيش ترتبط بعلاقات قوية ومحترمة مع الجميع، وهي معروفة بممتلكاتها العقارية الكبيرة في مدينة الجزائر.. في أحياء الأبيار وديدوش مراد وباب عزون وباب الوادي، والجميع يعرف أنها يهودية، ولم يحدث في حدود عِلمي أن تعرضتْ لمكروه بسبب أنها يهودية. صحيح أن أحد أفراد العائلة وهو جُوزي شارْل بلعيش اغتيل عام 1993م في ساحة بورسعيد في مدينة الجزائر، لكن المعلومات التي تسربت عن هذا الاغتيال تشير إلى أنها جريمة من جرائم القانون العام، أي قتل من طرف لصوص لا أكثر، وقعت في ظرفٍ كانت فيها كل شرائح المجتمع الجزائري تُقتل كالحشرات وليس اليهود فقط. وتجدر الإشارة إلى أن والد جوزي، أي مارسال بلعيش الذي كان رئيس الطائفة اليهودية في الجزائر إلى غاية وفاته عام 1993م، كان رجلا محترما تعاطف مع الثورة الجزائرية وساعدها بمالِه الخاص، وكان في اعتقادي يملك بطاقةَ مجاهد ولم يكن من الذين يخفون هويتهم الدينية عن الناس.
الطائفة اليهودية موجودة في الجزائر ولو أن عددها تناقص كثيرا خلال التسعينيات بسبب المأساة التي كانت تعيشها البلاد، والتي أفرغت الوطن من أعداد كبيرة من أبنائه بمختلف معتقداتهم الروحية والسياسية.
التحفظ النسبي من اليهود فرضته أيضا ظروف تاريخية معيّنة كأحداث قسنطينة لعام 1934م، ثم اعتداء يهود من قسنطين و بتأطير جهاز الموساد الإسرائيلي وتغاضي إدارة الاستعمار، في يوم عيد الفطر لعام 1956م بالرصاص الحيّ على المسلمين الذين سقط مئات القتلى بينهم ، حسب أرقام صادرة عن مصالح الشرطة الاستعمارية وردت في دراسة للمؤرخ الفرنسي جيلبير مينييه
(Gilbert Meynier) قبل بضعة أعوام ووصفها ب: ”البُوغْرُومْ” (Pogrom) أي المذبحة في حق المسلمين. لكن مثل هذه الأحداث لا يراها الإعلام عادة.. فضلا عن الموقف المخيّب للطائفة اليهودية، بشكل عام، لأسباب متشابكة، من المطالب التحررية للشعب الجزائري خلال الثورة واختيار الخندق الفرنسي، رغم أن أقلية قليلة من الوطنيين اليهود يساريي التوجه السياسي اختاروا الوقوف في صف استقلال الجزائر، وحملوا السلاح في وجه الاستعمار ومنهم من مات في الجبال وهناك من ما زالوا أحياء يُرزقون معززين مكرَّمين من طرف الوطن الذي منحوه شبابَهم وحياتهم.
عادة يخلط بين اليهودي والإسرائيلي في الجزائر. فلماذا هذا الخلط؟
الخلط بين اليهودي والإسرائيلي ناجم أوّلاً عن خلط نسبة من اليهود بين انتمائهم الروحي للديانة اليهودية ومساندة جرائم إسرائيل والصهيونية.
وفي بعض دردشاتي مع يهود صهاينة، لاحظتُ مثلا أنهم رغم ما يبدو على بعضهم من طيبة، لا يفهمون لماذا نحن في الجزائر نتدخل في الشأن الفلسطيني مع أن لا علاقة لنا بهذا الصراع البعيد عنا جغرافيا، حسبهم. لكنهم في المقابل لا يرون أية مشكلة في تدخل اليهودي الأمريكي أو الروسي أوالأسترالي في هذا الشأن ومساندته إسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض المغتصبة. والسبب الثاني للخلط بين اليهودي والإسرائيلي هو الحرب والدماء الكثيرة التي سالت بيننا.. وهذا ليس بالأمر الهيِّن.. والحروب عادةً تُعمي البصائر والأبصار. ألا تتذكَّرون ما فعلناه في أنفسنا خلال تسعينيات القرن الماضي؟ لذا يجب بذلُ أقصى ما يمكن لتفادي الحروب..!
تتهم التربية الدينية أوصناعة الوعي الجمعي في تغذية الكره المتبادل بين الطوائف. إلى أي مدى هذا الطرح صحيح؟
أعتقد أن المستهدف بهذا التُّهمة هو الدِّين والقيَم الجزائرية وليس النظام التربوي.. لا يجب أن نُمْعِنَ في جَلْد الذات رغم أن الانحرافات تستدعي التدخل لوقفها.. في إسرائيل يبثون البرامج التي تدعو الأطفال إلى كره العرب، والحُلم بقتل أكبر عدد منهم عندما يكبرون ويلتحقون بالجيش الإسرائيلي، هذا موجود على ”اليُوتُوبْ”، فضلا عن الكُره الذي تُربّتْ عليه أجيال في المدرسة والبيت والشارع وفي بعض المؤسسات الدينية، ومع ذلك لا يُشار إليها بأصابع الاتهام. إنها ثقافة الحرب، والحرب هي مصدر الأحقاد، وتُبرَّر بها كلُّ الجرائم والانحرافات. أوقفوا الحرب تتلاشى الأحقاد..! إذن، دعوا المنظومة التربوية الجزائرية واتركوها بعيدة عن تصفية الحسابات الإيديولوجية والسياسية الداخلية.
شخصيا، لم أسمع من أيِّ مُعلِّم أو أستاذ في جميع مستويات تعليمي الذي تلقيته كله في الجزائر كلاما مشينا ضدَّ اليهود كيهود، لاسيَّما الجزائريون منهم، وكل ما سمعته في هذا المجال كان يتعلق باليهود الصهاينة في إسرائيل في علاقته بما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم. والناس أصلا لم تكن قبل نحو عقدين تعرف بوجود طائفة يهودية في الجزائر.
الأحقاد على المستوى الداخلي يغذيها الخطاب السياسي بالدَّرجة الأولى ومن جميع الأطراف بما فيها السلطة ووسائل الإعلام. ثقافة التحريض والتحريض المضاد استقرت في تقاليدنا السياسية بشكل واسع النطاق منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. وبرأيي إحداث القطيعة مع هذه الثقافة التي تخلق الشقاق بين أبناء المجتمع الواحد أهم وأولى من غيرها.
هل تقتصر مساهمة اليهود في الجزائر فقط على الموسيقى؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا تم طمس تلك الإنجازات؟
بكل بساطة، اليهود كانوا جزائريين وعاشوا كغيرهم من الجزائريين بممارستهم جميع النشاطات بما فيها السياسية، فأًصاب بعضُهم وأخطأ آخرون حتى تسبب عددٌ منهم في كوارث وطنية على غرار الثنائي التجاري/الدبلوماسي بكري وبوشناق في نهاية الحقبة العثمانية من تاريخ الجزائر، واللذيْن لعبا دورا خطيرا في الأزمة بين الجزائر وفرنسا التي آلت إلى احتلال البلاد. التاريخ احتفظ بإنجازات مَن أنجزوا أشياء تُذكر وطمس مَن كانوا أناسا عاديين.. هذه سُنَّة الحياة. إهمال التاريخ في الجزائر لم يطل طائفة دون أخرى بل مسَّ الجميع. الجزائريون اليوم أصبحوا يجهلون حتى تاريخ استقلالهم، فما بالكِ ب ”إنجازات اليهود”. كان من بين يهود الجزائر التاجر والحرفي والفنان الموسيقي ورجل المال/المُرابي وأيضا الشاعر الشعبي، مثلما هو شأن بعض يهود بني هلال في سوق أهراس من الذين كانوا من البدو الرُّحَّل المعروفين ب ”البَهُوتْزِيمْ” أو البَحُّوصِيَة في منطقة عنابة وسوق أهراس، وقد اختفوا تدريجيا من المنطقة عشية الحرب العالمية الثانية. لكن الجزائر لم تعرف منذ قرون يهوديا بحجم آلبرت آينشتاين أو الفيلسوف موسى بن ميمون الأندلسي، أو عالم النحو المقارَن يهوذا بن قريش التاهرتي الجزائري في القرون الوسطى، أو بحجم الفنان الموسيقي الأندلسي النابغة ابن باجة. فقد تراجع الدور اليهودي بتراجع الحضارة المغاربية الأندلسية بشكل عام. بما في ذلك في مجال الموسيقى. ومع ذلك، احتفظتْ الذاكرة الجزائرية باسم النَّحوي يهوذا بن قريش في تاهرت، والولي الصالح الحاخام الطبيب إفرايم النقاوة، والطبيب جاكوب غابيسون، والشاعر بن صيدون في تلمسان، وعالم الدِّين يوسف كارو، الذي توفي في صفد في فلسطين بعد أن أصبح أهم مرجع ديني يهودي في العالم، والحاخام الطبيب إسحاق بار شيشت في مدينة جزائر الثعالبة، والفنان إيدمون ناثان يافيل تلميذ الشيخ محمد بن علي سفنجة في قصبة الجزائر. إذن لا أعتقد أن هناك طمس.
كانت لكم عدة بحوث و إصدارات حول يهود الجزائر، هل كان فتح هذا الموضوع في الجزائر سهلا؟ وما هي الصعوبات التي اعترضت طريقكم؟
عندما قررت أن أبحث في هذا الموضوع والتأليف حوله، لم تعترضني إلا عقبة قلة الإمكانيات من جهة، وقلة المصادر الجزائرية التي أستقي منها معلوماتي من جهة أخرى، حتى لا أقول عدم وجودها أصلا، لأنني أول من طرق هذا الموضوع. كما اعترضتني عقبة عدم رغبة الناس في الإدلاء بشهادات في هذا المجال خوفا من ردود الأفعال، بما في ذلك لدى الطرف اليهودي في الجزائر. والوحيد الذي فتح لي أبواب مكتبه هو جوزي شارل بلعيش، نجل مارسال بلعيش، الذي اغتيل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتم ذلك في مكتب جوزي في ساحة بورسعيد في العاصمة الجزائرية بحضور ابنه سْتِيفَانْ. لم أكن أعبأ بما قد ينجم عن صدور كتابي من ردود أفعال، لكنني اكتشفت بعد الصدور حجم حساسية الجزائريين سلطة وشعبا إزاء هذا الموضوع، ليس كُرها لليهود كيهود بل خوفا من المؤامرات الصهيونية لا أكثر في ظرف صعب كانت تمر به البلاد. واكتشفتُ أيضا أن التجرُّؤ على طرْق مثل هذه الممنوعات من المواضيع، قد يجعلك شخصية تحوم حولها ”الشبهات” وتثير الجدل بين معجَبٍ ومطنب في المدح ومستهجِن متوجِّس. وقد يختلط الموقفان لدى الشخص الواحد. في يوم من الأيام، التقيت باحثا في المكتبة الوطنية الجزائرية في الحامَّة، حدثني عن كتابي دون معرفته هويتي، وكأنه يتحدث عن بن غوريون أو غولدا مائير. وقال لي طالب في الماجستير إن صاحب كتاب ”يهود الجزائر، هؤلاء المجهولون” غريب، أو بعبارة جزائرية: ”فيه اللُّوشْ”، إلى حدٍّ ما وله فِكْر يشبه فكر فرقة المعتزلة في العصر العبّاسي.. إلى غير ذلك من الشّطحات.
ومثلما أغضب كتابي شخصيات، استحسنته شخصيات أخرى، من بينها وزراء ورؤساء حكومة سابقين، وسفراء أجانب، أذكر منهم عبد العزيز بلخادم ومولود حمروش وزهور ونيسي. وفاجأني ضباط سامون في الجيش الجزائري بتقديمهم التحية العسكرية لي بضربة رجل قوية على الأرض تقديرا لما قمتُ به ولما وصفوه ب”شجاعتي”.. وأعتقد أن هذه المواقف المتضاربة قدر كلّ مَن يخوض مغامرات رائدة ويجب قبولها واحترامها.
بعد كتابي، تشجع آخرون على الخوض في هذا الموضوع بعد أن أصبحَتْ الطريق معبّدة.. ما ربحَتْهُ الجزائر هو أنها أصبحت قادرة على مواجهة جزء من تاريخها وجهًا لوجه وإعادةِ قراءته دون عُقَد وبشجاعة.
في الجزائر أيضا هناك عدم تقبل للسود كنعصر دخيل على الكيان الاجتماعي، حيث مازالت الأسرة الجزائرية لا تزوِّج أبناءها أو بناتها من السُّود، هل نحن شعب عنصري بهذا المفهو ؟
قبل كل شيء، السُّود ليسوا أجانب في الجزائر، بل هم في ديارهم وعلى أرضهم. لماذا اليهود أهل البلد والسُّود ”عنصر دخيل”؟ السُّود موجودون هم أيضا في الجزائر منذ ما قبل الإٍسلام وبأعداد أكبر من أعداد اليهود. الجزائر ليست عنصرية بالمعنى المتداوَل لهذه الكلمة، خصوصا في الغرب، لأنها لا مشكلة لها مع ذوي البشرة السوداء في جميع نواحي الحياة، ولا يوجد كره أو احتقار أو رفض بين الطرفين، بل مجرّد التفكير بهذا الشكل وحول هذه المسألة غير وارد أصلا في أذهان الجزائريين. لكن عندما يتعلق الأمر باختلاط الدّم عن طريق الزواج والمصاهرة. قد تظهر تحفظات لدى شرائح واسعة من الجزائريين ذوي البشرة ”البيضاء”. هذه التحفظات التي قد تصل إلى حد رفض فكرة الزواج اعتبرُها شخصيا من بقايا سلوكات القرون الماضية حينما كان الأسْود عبدا أو خادما أو سقَّاءً وحارسا في أفضل الأحوال، وهي كلها مهن لا توفر سوى الحد الأدنى من وسائل العيش لأصحابها آنذاك، ما يجعلهم في أدنى مستويات التراتبية الاجتماعية. والناس عادة تحب مصاهرة القوي والغني وعلية القوم.
منذ زوال الاستعباد، الذي كان عائليا (كخدمة البيوت) في الجزائر خلال القرون الخمسة السابقة وليس كنظام إنتاجي كما هو الشأن في حقول القطن الأمريكية والمستعمرات الغربية الإفريقية، تغيرت أحوال السود في البلاد وتحسَّنتْ، لكن بشكل بطيء. أعتقد أنه حتى اليوم لم يتمكنوا من اقتحام بعض دوائر الحياة الجزائرية كالسياسة والثقافة والدين، بما يتناسب مع حجمهم الديمغرافي والاجتماعي. وهذا الأمر أعتبره شخصيا من نقائص المجتمع الجزائري التي يجب على المجتمع والسلطة تكثيف الجهود لتجاوزها من أجل إحقاق الحق ومن أجل إقامة التوازن بين مختلف شرائحه. فأنا لم أر رئيسا جزائريا أسود البشرة كما لم يولَّ الوزارة منذ الاستقلال سوى وزير أو اثنين ولفترة قصيرة جدا، وينطبق الشيء ذاته تقريبا على البرلمان وبقية مؤسسات الدولة الكبرى. وحتى في الإعلام، انتظرنا نحو نصف قرن لنرى أول صحفي أسود يقدم نشرة الأخبار، وهذا عيب كبير وإجحاف في حق هؤلاء الناس.. الذين هم عادة طيبون ومسالمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.