أقول للقارئ ما أقوله لنفسي في لحظات القوة والضعف عاش الكاتب و الشاعر أحمد رشرش أكثر من حياة، من أستاذ في التعليم إلى ضابط في السجن ثم صحفي منتهيا في الأعمال الحرة بشكل أغنى تجربته الأدبية وجعله أقرب ما يكون إلى الحكمة، أصدر لحد الآن أربعة أعمال في فرنسا، ديواني شعر : ابتسامة للآلام وآلام مبتسمة وكتابان بعنوان " رؤيتي 1 و 2" أقرب ما يكونا إلى الهايكو أ و الحكمة. في هذا الحوار الذي خص به النص ريقول ، مؤكدا انه لا يطمح أن يكون معلما للناس معترفا انه فشل في مهنة التعليم و فضل الانسحاب منها للتفرغ أكثر للكتابة. كما كشف أنه يبحث عن ناشر جزائري لروايته الأولى التي تحمل عنوان "الخجل" وتتطرق لقصة عبد المومن خليفة. حاورته: أمينة جنان ما سر هذا اللعب بالكلمات في عناوين كتبك؟ اللعب بالكلمات هو جانب مهم في كتابتي الذي يصعب بسببه ترجمة نصوصي للغة العربية أو لأية لغة أخرى ، لأنها آنذاك ستفقد رونقها و روحها، أما فيما يتعلق بعناوين دواويني الشعرية "إبتسامة للآلام" و " آلام مبتسمة" فالجواب بسيط، من كثرة ابتسامي للآلام التي عانيتها في حياتي انتهت هي الأخرى كل مبتسمة في وجهي ، و هذه اللعبة الكلامية كما أسميتها تعبر عن واقع قد يبدو من الوهلة الأولى فلسفي و لكنه في الحقيقة يعبر عن حالات إنسانية و نفسية يعيشها الإنسان كل يوم و كل لحظة، فمهما كانت درجة الألم التي نحسها تبقى الابتسامة وحدها كفيلة بالتخفيف عنا، لدرجة أن الآلام الأصعب تحملا تنتهي بدورها مبتسمة في وجوهنا. الابتسامة بالنسبة لي طريقة ناجعة للترفع عن الوجع لأن مكبوتاته ستعجز آنذاك عن الاختباء داخل أرواحنا ، و هي نوع من الصبر الذي واجهت من خلاله آلام حياتي و مازلت أتوقع المزيد من الزلازل التي أنوي التغلب عليها أيضا بنفس الطريقة . و هل تواجه الألم أيضا من خلال الكتابة ؟ في لحظات الألم أفضل الصمت لأترك الغضب يمر، ثم أمسك القلم من جديد بكل هدوء لأن الكتابة هي صدق مطلق. أثناء الألم نفجر غضبنا و قلقنا و لا نحكم عقلنا بل يغلبنا سيل من المشاعر المتضاربة الذي قد لا يتوافق مع رؤيتنا و ضميرنا ، و لو أحسست و لو للحظات أنني لست صادقا مع القارئ في كتاباتي فسأشعر حينها أنني خنت الكتابة ، لذلك أفضل ترك الألم ينطفئ ببطء و تراكمات الخيانة و الأوجاع تمر بسلام ثم ألجأ من جديد للكتابة. لماذا اخترت تأليف العبارات الأدبية الفلسفية التي تعتبر الآن نوعا أدبيا منقرضا، في كتابيك " رؤيتي 1" و " رؤيتي 2" ، عما تريد التعبير بهذه المقتطفات الخاطفة ؟ بالفعل لم تعد العبارات الأدبية موجودة بهذه الصورة كجمل منعزلة، و لكنها بالنسبة لي خيار فلسفي قبل كل شيء، يذكرنا بالكتاب الكلاسيكيين في فرنسا أمثال " رونسار" و غيره، ، و الذي أريد أن اعبر به عن ذاتي و عصارة تجربتي الشخصية، في شكل حديث داخلي بيني و بين نفسي أقول فيه للقارئ ما أقوله لنفسي في لحظات قوتي و ضعفي و في كل مراحل حياتي. هل يتعلق الأمر برسائل ذات نزعة تربوية ؟ أنا لا أسعى لإيصال أية رسائل معنوية أو تربوية للناس لأنني أعتبر نفسي واحدا منهم، خاصة بعد أن أثبتت لي تجاربي السابقة أنني لا أصلح للتعليم، فبعد أن جربت التعامل مع التلاميذ " زبدة المجتمع" في المستقبل عندما كنت أستاذا للغة الفرنسية، و تعاملت أيضا مع عناصر منحرفة في المجتمع عندما كنت ضابطا في مركز إعادة التربية، اكتشفت كيف تحول التعليم الذي كان رسالة عظيمة إلى تجارة دنيئة أسقطت كل المبادئ السامية التي كنا نؤمن بها عن هذه المهنة النبيلة ، حينها وجدت أن الإدارة الجزائرية تتناقض كثيرا مع منهجيتي و أفكاري قررت الانسحاب من التعليم مكتفيا بالقول بأني لست أهلا له، مركزا كل اهتمامي على كتابتي . لماذا اخترت اسم " مادراش" كاسم أدبي مستعار تمضي به كتاباتك إلى جانب اسمك الحقيقي، ماهي دلالته السيميائية ؟ في بداية مشواري مع الكتابة بحثت عن اسم أدبي يعبر عني و يكون لديه خصوصية تتعلق بي، و فكرت في ابتكار اسم جديد مشتق من اسمي و لقبي ، و وقع اختياري في الأخير على اسم "ما دراش " المشتق من الأحرف الأولي من اسمي و الأحرف الأولى من لقبي، و الذي يعبر بتواضع عن عطشي الدائم للمعرفة لأنه يعني باللغة الجزائرية " لا يعلم" . هل لديك مشاريع كتابية أخرى ما عدا الشعر و العبارات الأدبية؟ نعم لقد أنهيت مؤخرا روايتي الأولى التي تحمل عنوان "الخجل" استغرقت مني خمس سنوات من العمل و البحث المعمق ، و أرجو أن ترى النور قريبا في إحدى دور النشر الجزائري، لأن موضوعها الواقعي موجه بالدرجة الأولى للقراء الجزائري ، إذ تروي القصة الحقيقية لعبد المؤمن خليفة الرجل الذي تلاعب بالحكومة الجزائرية بذكاء كبير و حقق نجاحات وهمية أذهلت الجميع بذكائه، ويظهر في الرواية في شخصية " راك " ، من خلال تفاصيل مهمة عنه و عن حياته في تلك الفترة التي جمعتها بفضل بعض المقربين منه و دعمتها بدراسة معمقة له من الجانب النفسي و الاجتماعي. أنت تعبر بشكل جيد باللغة العربية ، هل فكرت يوما في الكتابة بها بدل اللغة الفرنسية التي تخصصت فيها في الجامعة؟ اللغة العربية هي سيدة كل اللغات، و لكن للأسف حامليها ليسوا أسياد الرجال ، هذه العبارة تصف واقع اللغة العربية في الجزائر، شخصيا كنت أتمنى أن أتمكن من الكتابة بها و لكنني لا املك مستوى جيد فيها رغم أني متابع جيد للشعر العربي و الجاهلي خاصة، و لكن مشكلتي هي أنني أفكر باللغة الفرنسية لذلك أكتب بها ، و لكنني قلق فعلا على مستقبل اللغة العربية في الجزائر و أرجو أن يتنبه المختصين في اللسانيات لهذه المسألة و يكثفوا دراساتهم و بحوثهم حول اللغة العربية في الجزائر، لأننا نشهد ميلاد جيل لا لغة له فشباب هذا العصر لا يتقنون العربية و لا أية لغة أجنبية أخرى و هذا أمر مأساوي فعلا.