وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب يسترجعون الكاتب والعالم والإنسان
نشر في النصر يوم 14 - 01 - 2013


أبو العيد دودو .. محاولة ضد النسيان
تحل غدا الأربعاء 16 جانفي 2013 الذكرى التاسعة لرحيل مترجم رواية "الحمار الذهبي"، الكاتب الأديب والمترجم والقاص والناقد والأكاديمي أبو العيد دودو، الذي غادر في 16 جانفي 2004، مخلفا وراءه رصيدا كبيرا من الإنجازات في مجالات الأدب والكتابة والترجمة. وبمناسبة حلول ذكرى هذا الغياب، يحتفي كراس الثقافة في عدده اليوم، بفتى الترجمة الكبير، الذي قدم خدماته الجليلة والكثيرة للمشهد الأدبي الجزائري والعربي. هنا بعض الكُتاب والأدباء والأساتذة الذين عايشوه وصادقوه وأحبوه، يتحدثون عن بعض جوانبه الأدبية والفكرية والإنسانية وعن بعض ذكرياتهم معه. هنا ذكريات منهالة لم تبخل على الرجل وذكراه، ذكريات حارة وغالية، تليق بهذا الأشقر الكبير.
استطلاع/ نوّارة لحرش
سعيد بوطاجين/ كاتب وناقد ومترجم
مات شبه منسي واستفاد ناشرون من خجله
أعتبر المرحوم أبو العيد دودو من الكفاءات الاستثنائية في حقل الترجمة، وفي تاريخ الجامعة الجزائرية. وليس من السهل أن يتكرّر هذا النموذج الذي أوليناه النسيان الكامل. تعرّفت إليه في نهاية السبعينيات عندما كان يدرّسنا وحدة الأدب المقارن في الجامعة المركزية بالعاصمة، قبل أن يصبح رئيس قسم الأدب العربي. ثمّ تقوّت علاقاتنا عندما أصبحت مساعدا له في مطلع الثمانينات. كان ذلك، بالنسبة إليّ أمرا مهمّا بالنظر إلى تعاوني مع أحد أقطاب الجامعة. ولأنهّ ظلّ غاية في التواضع فقد تكتلت حوله مجموعة من الأساتذة والكُتّاب والشعراء في أجواء احتفالية تميّزت بإثارة قضايا فكرية وأدبيّة متقدّمة. في المعهد وفي المقاهي وفي بيته وفي بيوت أخرى، ومنها بيت الموسيقار محمد بوليفة وقد كان أبو العيد دودو ميّالا إلى السماع وإلى السخرية الهادفة، خاصة في السنين الأخيرة لمّا أصبح عبارة عن مأوى لعدّة أمراض. وكان ذلك أمرا مؤلما حقّا. ومع ذلك لم يتوقف عن النشاط العلمي: البحث والتأليف والترجمة. وعلينا أن نتصور أنّه لم يكن يجد من ينشر له إبداعاته وكتبه، دون الحديث عن حقوق المؤلّف التي ظلت عالقة، ومهينة في أغلب الأحيان. ما معنى أن تعطى لأستاذ في حجمه بعض النسخ ويستفيد الناشرون من حيائه. لقد تمّ استغلاله بأسوء الطرق وأبشعها. هوّ الذي كان يعاني الأمرّين. ثمّ مات شبه منسيّ، كما القطن، يقدّم ولا يطلب منك شيئا. لقد كتبت مرّة في الجزائر نيوز عن حكاية المئة دينار. كان لا يجد أحيانا هذه القيمة الزهيدة ليدفع حقّ سيارة الأجرة، وكان بيته عبارة عن شقة ضيّقة لا تتسع لكتبه التي وضعت على رفوف بسيطة كالتي نجدها اليوم في الأكواخ. لكنه ظلّ قانعا وسعيدا بطريقته. أشبّهه بالزهاد القدامى الذين سلاما عليهم. المرض هو الشيء الوحيد الذي غلبه وأقعده، ولولاه لبقيّ يقاوم السفاسف بعبقرية وأنّاة. وإنّي أتساءل إلى اليوم عن مصدر ذلك التفاؤل الغريب الذي لازمه. كان لا يبدي قلقه وألمه من جحود النّاس ونكرانهم. وأعتقد أنّ الهيئات الثقافية كانت كنودة في حقّه، إذ نادرا ما كانت توجّه له دعوات للإسهام في إضاءة بعض ظلامنا. كان خصومه ينبتون هنا وهناك بلا سبب. أقصد أولئك الذين كان يزعجهم وجوده من الناحية المعرفية. ليس إلاّ. وقد كانوا كثرا آنذاك. أتصوّر أنّ علينا التفكير جديّا في تنظيم ملتقى دوّلي في الترجمة باسم أبي العيد دودو. لقد حاولنا عبثا أن نقوم بذلك في مدينة جيجل. ولأنّ المرحوم فوق الحدود والجغرافيا فإنّ أجمل هدية نقدّمها لروحه هي التأسيس لملتقى يجمع الخبرات الوطنية والدولية. وهذا تكريم أوّلي لجهوده في نقل الرواية والقصة والمسرحية والنقد إلى اللغة العربية. ربّما اكتشفت الأجيال القادمة هذا النموذج الموسوعي. من يدري؟.
أمين الزاوي/ روائي
دودو هو عبد الرحمن بدوي الجزائر
كان رقيقا، أنيقا، ضاحكا دائما، مقبلا بعنف جمالي على الحياة. أديب بهذه المواصفات لن يكون سوى الدكتور أبو العيد دودو، كل من عرفه أحبه، احترمه، وأعجب به، من طلابه أو زملائه في الجامعة أو من قبيلة المثقفين والمبدعين. كان لا يشبه سوى نفسه. كان أبو العيد دودو يجمع ما بين الصرامة الألمانية والنكتة المصرية والذاكرة العراقية والحدس البربري والكرم العربي. كان أبو العيد دودو قصاصا وعلى طريقته الخاصة يكتبها في شبه سلوكات يومية فيها كثير من النكت وكثير من النقد ودقة الملاحظة. وكان باحثا ومعلما لأجيال متعاقبة من الطلبة والأساتذة. وفوق كل هذا فهو المترجم، فإذا كان تاريخ الأدب العالمي والجزائري سيذكر أبا العيد دودو وستحفظ اسمه الذاكرة الإنسانية فهذا يعود قبل كل شيء إلى ترجمته المتميزة لأول رواية في تاريخ الآداب العالمية وهي رواية "الحمار الذهبي" لأبوليوس الأمازيغي الجزائري أبيلي دي مادور والتي انتهى من ترجمتها العام 1992، ويبدو أن أبا العيد دودو كما يروي هو نفسه كان قد عثر على نسخة من رواية "الحمار الذهبي" بألمانيا حيث كان مقيما للبحث في هذا البلد، ومع أن أول ترجمة لرواية "الحمار الذهبي" لأبوليوس كان قد قام بها اللغوي والمفكر الليبي الدكتور علي فهمي خشيم عشر سنوات قبل ترجمة أبي العيد دودو، كان ذلك العام 1980، إلا أن ترجمة أبي العيد دودو جاءت كاملة وشجاعة فلم يقص منها ولم يحذف فجاءت الترجمة أمينة وكاملة النص على عكس ترجمة فهمي خشيم التي جاءت منقوصة حيث حذف منها المترجم كثيرا من المقاطع الجريئة. ومع أن ترجمته كانت من الألمانية إلا أنه كان يعود إلى النص الأصلي، أي اللاتينية التي كتبت بها رواية "الحمار الذهبي". اليوم والقارئ العربي يقرأ رواية "الحمار الذهبي" لأبوليوس الأمازيغي مترجمة من قبل أبي العيد دودو سيذكر بأن الجزائر هي مولد الرواية. وسيقول شكرا لأبي العيد دودو على ترجمة عالية في مستوى نص يقرأه العالم اليوم. بهذه الترجمة أعاد أبو العيد دودو إلى الجزائريين جزءا من تراثهم الأدبي المكتوب باللاتينية. لقد أسس أبو العيد دودو، من خلال ترجماته الكثيرة والمتنوعة عن الألمانية أساسا، مكتبة ألمانية باللغة العربية، وبذلك يعد أحد أكبر المثقفين العرب والمغاربيين بهذه اللغة التي استطاع من خلالها أن يخدم الثقافة الجزائرية والعربية. يندر أن نجد، في العالم العربي، معادلا لأبي العيد دودو في الترجمة من الألمانية إلى العربية. في دقته وفي عشقه للفكر الألماني وفي حرصه الشديد على نقله إلى العربية، كان أبو العيد دودو شبيها بالمفكر والفيلسوف المصري الوجودي المفكر عبد الرحمن بدوي، وإذا كان عبد الرحمن بدوي قد أخذ حقه في الشهرة وفي الاحتفاء به على مستوى الفلسفة في العالم العربي، حيا وميتا، فأبو العيد دودو ظل مجهولا أو يكاد. وشكرا كبيرا لسفارة النمسا وأخص بالذكر سعادة السفيرة ألويزيا فورغيتر AloisiaWörgetter على احتفائها العلمي والثقافي المتواصل بشخصية أبي العيد دودو الذي عاش ودرس بالنمسا طويلا وأسس مكتبة مشتركة بين الثقافة الجزائرية ومثيلتها النمساوية وأسس أيضا عائلة مشتركة، فما أعمق العلاقة المؤسسة على الحبر والدم. سلام لك وعليك يا دودو، ولكن تحية لمثقف بحجم دودو لا تكون إلا بالعودة لقراءة ترجماته فاقرئوها ستكتشفون أن آباء لكم كانوا كبارا دائما.
لحبيب السايح/ روائي
رجل متفرد
لم أعرف السيد أبو العيد عن قرب، لم أعايشه. كانت لقاءاتي معه خلال ملتقيات أو ندوات. لم أجلس إليه، لم أحادثه في حميميات. كان، يبهرني فيه وسامته، أناقته، دفئه. لا بد أنه كان إنسانا سخي الروح. قرأت له. ودرست له نصوصه "المسرحية" خاصة، التي كانت مبرمجة ذات زمن في المعاهد التكنولوجية للتربية. أحزنني كثيرا أن يفشل مشروع الملتقى الذي كان سيأخذ اسمه في مدينة جيجل، مسقط رأسه. كما هو يحزنني أن لا تكتب سيرته. إنه رجل علم وأدب وفن وترجمة ينضاف إلى كل كفاءات الجزائر التي ينساها مسئولو الجزائر عما ينمنم للجزائر ذاكرتها الجماعية. أضيف إلى ذلك أني، في ملتقى رضا حوحو للقصة القصيرة، الذي كان ينظم في مدينة سعيدة في الثمانينيات، وكان هو أحد المدعويين الكبار، كنت مبهورا أيضا ليس فقط بطلاقته السلسة وبصوته الفخم، ولكن أيضا بشجاعته الأدبية. قال من على المنصة، في حديثه عن تجربته الأدبية، إن والده كان يريد له أن يكون فقيها أو إماما، ولكنه خيب أمله فكان "زنديقا" وضحك فضحكت القاعة. أضاف: لأني اخترت أن أكون كاتبا!. لأن الكاتب، كما أضاف، كان لا يزال في رؤية كثير غيره، إنسانا "ماجنا" إباحيا". مشيرا إلى أن الأدب ارتبط بالحرية وب "المروق" على السلطة البطريركية بكل أنواعها. أبو العيد دودو، كما يعرف عنه جميع من اقتربوا منه، كان مثل الزهرة تتفتح عليك بشذى آسر. كان، عندما يكون وسط الكُتاب وحدهم ممن يرتاح إليهم، يفيض بنوادره وملحه ونكته. كان نكاتا من طراز عال جدا. رجل، على قدر وسامته وأناقته، كان على قدر من حب الحياة ومن التواضع الخالب. لا أعتقد أنه يوجد شخص عرف أبو العيد دودو أو اقترب منه يكن له ضغينة. أبو العيد دودو لا يتحدث عن نفسه، برغم كل المعرفة العربية والأوروبية التي يكتنزها. أن تعرف اللغة الألمانية واللاتينية واللغة العربية، كما في مصادرها، أمر عظيم. كتب بالعربية وترجم إليها من الألمانية ومن اللاتينية إنه رجل متفرد، ليس في الجامعة الجزائرية فحسب ولكن في المشهد الثقافي والأدبي الجزائريين. دودو عاش كريما، لم يطأطئ أنفه!، ولذلك مات كبيرا في هدوء العظماء.
مصطفى فاسي/ كاتب وأكاديمي
عاش حياته خالصة للكتابة والأدب
أول لقاء لي مع أبي العيد دودو كان عن طريق السماع به، وهو ما يزال خارج الجزائر عندما كتب عنه أستاذنا عبد الله ركيبي مقالا في إحدى المجلات يرجوه فيه العودة إلى بلاده قصد تدعيم السلك التعليمي في وقت كانت الجامعة الجزائرية في أمس الحاجة إلى خدماته وخبراته العلمية، وقد أشاد به في المقال وعرف به وبإمكانياته العلمية وتجربته المتميزة. وتشاء الصدفة بعد ذلك، أي بعد عودته إلى الجزائر واشتغاله أستاذا مدرسا بقسم اللغة العربية بجامعتها أن أتتلمذ على يده أنا ومجموعة من الزملاء الذين أصبح عدد منهم فيما بعد أساتذة جامعيين ودارسين وكُتابا. لقد فتح أمامنا أبو العيد دودو بدروسه في الأدب المقارن والآداب الأجنبية عالما غنيا وهاما، وذلك بفضل اطلاعه الواسع أولا، وطريقته في الإلقاء ثانيا، ثم بفضل شخصيته الجذابة وطريقة تعامله المتميزة مع طلبته. وبعد التحاقي بمعهد اللغة العربية وآدابها في بدايات السبعينيات بصفتي أستاذا معيدا حظيت بشرف الزمالة مع دودو، ولكن مع احتفاظي دائما بتقديري الكبير له، ونظرتي إليه بصفته أستاذي الكبير الذي أظل بجانبه تلميذا متواضعا. كما أنني حظيت بالاشتغال معه في العمل الإداري مرتين بصفتي نائبا له عندما تولى رئاسة معهد اللغة العربية وآدابها، وذلك ما بين 1976/ 1977 ثم 1984/ 1988. وبعد، فإن ما تجدر الإشارة إليه هنا، أقصد ما يمكن أن نخلص إليه من خلال تجربة هذه الرفقة الطويلة التي تمتد من عهد التلمذة، إلى الزمالة في التدريس والإدارة والتي تبلغ حوالي ثلث قرن، أن هذه التجربة، وعبر السنوات المتتالية كانت تزيدني كل يوم تقديرا واحتراما لأبي العيد دودو لأنها كانت تزيدني معرفة به وبشخصيته العظيمة، والغنية. فبالموازاة مع كل المهمات التي تولاها دودو في هذه المرحلة الزمنية من عمره، كالتدريس، والإشراف على البحث العلمي، والتسيير الإداري، إضافة إلى مهام أخرى كعضويته في الهيئة الإدارية لإتحاد الكُتاب، ورئاسة تحرير مجلة المجاهد الثقافي الهامة، الخ، فإنه ظل هو نفسه دودو بطبيعة شخصيته المتميزة التي تجمع بين الجدية والعمق الفكري والصرامة العلمية من جهة، والانطلاق والمرح والتلقائية والبساطة والتواضع والصراحة والبعد عن البروتوكولات المزيفة من جهة أخرى، وبين هذا وذاك كله، هناك روح دودو الأديب المبدع، وخاصة كاتب القصة، هذا الفن الأدبي الجميل الذي ظل مخلصا له منذ علاقته الأولى به في أواخر الخمسينيات وحتى أواخر أيام حياته، ولمدة نصف قرن تقريبا. وأريد أن أنوه هنا إلى أنه كثيرا ما كان – أثناء جلساتنا بقاعة الأساتذة بقسم اللغة العربية وآدابها- يخرج من جيبه إحدى قصصه الجديدة ليقرأها علي، أو يسلمها لي بخط يده لأقرأها فيما بعد، وهو يشعرني من خلال حديثه المتحمس عنها كأنما هو يكتب القصة للمرة الأولى، وهذا طبع الفنان المبدع. كنت قد قرأت من قبل المجموعات القصصية لأبي العيد دودو ابتداء من قصصه الأولى مثل مجموعة "بحيرة الزيتون" إلى مجموعاته الأخيرة المتمثلة في "الصور السلوكية". ولكنني عندما أعدت قراءته هذه الأيام اكتشفت أننا لم نقرأ إلا القليل من دودو، وحتى ذلك القليل لم نقرأه كما ينبغي، فكثير من معانيه وأسراره ظلت مخبوءة بين ثنايا لغته المتميزة. مع العلم أنني كلما إستغرقتني قراءة دودو القاص تذكرت الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيكوف، فمع تميز كل واحد من الأديبين بأمور كثيرة عن الآخر عندما ندخل في التفاصيل، فإنهما يلتقيان في أمور أخرى كانتمائهما الطبقي، وكروح الكفاح والتحدي التي مكنت كل واحد منهما، وقد انحدر من أسرة متواضعة من الوصول إلى قمة المجد والشهرة ليصنع حياته بجهده وجهاده المتواصل في الحياة، وكاشتراكهما في طبيعة الشخصية المرحة، ولعل أهم عنصر يلتقيان فيه، أو يتفقان، هو روح الإبداع القوية لدى كل منهما، وعشق مهنة الأدب، ومنه فن القصة على الخصوص. كل منهما عاش حياته خالصة للكتابة والأدب، وكان لا يرى معنى لحياته إلا من خلال ذلك، ولا يعيش إلا لذلك، وكل منهما كان آلة متحركة لا تكاد تتوقف، أنجز تشيكوف أعمالا لا يكاد يصدقها العقل، وخلف دودو حوالي ستين مؤلفا، وكل منهما حظي بموهبة في كتابة القصة متميزة، سيطرت عليه وجعلته ينقاد لها ويبدع فيها بنوع من الحب لا مثيل له، فإذا كان تشيكوف قد قال ذات مرة ما معناه "أن القصص تتفجر بداخلي مثلما يتفجر البترول في أرض باكو" فإن علاقة دودو بالقصة، أو علاقة القصة به لا تختلف عن ذلك. فلكلا الكاتبين قدرة عجيبة على تحويل أي شيء، أو أي موضوع، أو لقطة، أو حادث عادي بسيط إلى قصة جميلة. وبعد هذا، فإن كل واحد منهما قد كتب الكثير، ولعله كتب أهم أعماله في السنوات الأخيرة من حياته، أي أثناء مرضه الذي دام أعواما كثيرة، وقد شاءت المصادفة، أو شاء القدر أن تكون وفاة دودو بعد قرن بالضبط (2004) من وفاة تشيكوف (1904). ظل دودو –كما ذكرنا سابقا- يكتب القصة لمدة حوالي نصف قرن، فرغم تنوع مجالات كتابته وغزارتها، فإن القصة ظلت - بدون شك – مجاله المحبب والمفضل، لذلك عمل على تطوير شكله الأدبي في هذا المجال في السنوات الأخيرة، فنشر سنة 1985 المجموعة الأولى من "الصور السلوكية" ثم تلاها بثلاث مجموعات أخرى في هذا الاتجاه نفسه، وانتهى بكتابة تجربة أخرى أسماها "خرافيات". ونحن إذا توقفنا – ولو في عجالة- مع الصور السلوكية، فإننا سنجد أنها بالفعل تستحق إعادة القراءة، والقراءة الجادة لتميزها في شكلها، وفي مضامينها والقضايا والمواضيع المختلفة التي تطرحها. وهي، كما يقول دودو نفسه في مقدمة الجزء الثالث منها المنشور سنة 1993 "تقوم على المفارقة ابتداء من العنوان، كما تقوم على التقمص، أتقمص فيها شخصية من الشخصيات وأتناولها من الداخل وعلى لسانها بالنقد والسخرية، وكأنها هي التي تتحدث عن نفسها بنفسها" (المقدمة ص:01). وعادة تكون هذه الشخصية غير سوية، وهي تمدح نفسها وخصالها السيئة، وتذم الآخرين في خصالهم الحسنة، ومن هنا المفارقة وبهذا يعمل الكاتب على معالجة عادات وسلوكات اجتماعية سيئة متخذا من يوميات الحياة العادية بما فيها حياته الخاصة بصراحة أحيانا وتستر أحيانا أخرى مجالا للكتابة. كما يشير دودو إلى أمر هام في هذه الصور، وهو ما يسميه "التلاعب بالألفاظ". والمثير للانتباه في هذه الصور –بالفعل- هو اللعب باللغة، فإذا كان دودو قد أشار إلى التلاعب بالألفاظ، فإن الأمر لا يقتصر في نظرنا على ذلك، فهو لا يتلاعب فقط بالألفاظ، ولكنه يعمل أكثر من ذلك على تلوين اللغة في استخداماتها المختلفة، مفرداتها، اشتقاقاتها، تراكيبها، تخريجاتها، الاستطراد والتضمين الجميل فيها، وكل ذلك يؤدي إلى تأجيل الوصول إلى المعنى المراد، وتأجيل حل العقدة للعب على ذهن المتلقي، الذي قد يخدع في كثير من الأحيان، فيضيع منه معنى هام أثناء انشغاله بمتابعة "اللعب اللغوي" ولا ينتبه إلى الأمر إلا بمعاودة القراءة. ودودو يقدم كل ذلك في إطار من التصوير الذي تخيم عليه سخرية مرة لاذعة، والغرض كله بعد هذا من وراء كتابة هذه الصور أن يجعل القارئ يشعر بالمرارة من مواقف الشخصيات التي يرسمها، ومن تصرفاتها وسلوكاتها، فإذا شعر القارئ بهذه المرارة فذلك هو المطلوب.
نصيرة محمدي/ شاعرة
المكان إذا لم يكن مكانه لا يعول عليه
"لو أني خطوت خطوة أخرى، فسوف أحترق".
المكان إذا لم يكن مكانه لا يعول عليه. وكان هذا الرجل الأشقر الذي تناوبته أمكنة كالسحر طلع من مدينة تقول أن لا بحر إلا بحر واحد وأن خضرة عينيه من زيتون أرض معجونة بأنفاس عابدين للتراب وعارفين بالجمال. اسمه كل الأعياد التي نتوق إليها وتستبطن الشغف والسر الحارق. ضحكته العابرة للقلوب ويده البيضاء التي ربتت على الأحلام، كم جيجل أشرعت روحها لهذا الجنون العالي وتماهت مع النور الكوني لينهال علينا بفاتن الكتابة وأسر الأبجدية. باهر الكلام وكلامه سراج الأزل، شاهق اللغة إذ تجعل الهواء منذورا للهوس والحرية، جيجل يا بهجة البحر وكبرياء الجبل الذي صير الرجل قامة نبل وحنان واشتياق. لو أني فقط عرفت أن الفاتن ستغويه مدينة أخرى وتعلق أهدابه على قلب فيينا بموسيقاها ومعمارها وتصاميمها وشوارعها الملهمة ومتاحفها وتماثيلها وفلسفتها الكونية، لو أني فهمت أن القوة الوحيدة المدمرة هي الأدب، مدمرة حد الحب وحد الجمال. لو أني عرفت أن الطريق إليه هو الشعر لعضضت على الجرح وصرخت في رعب هذا العالم كم يشتاقك الشعر أيها المرتحل في مجاهل الروح. كم يذوب القلب لقلبك العليل الذي ظل مجابها للألم بضراوة العشاق وساخرا من المآسي بجلال الذي أمسك بكتف الحكمة وخلاصة الحياة. الموت ولكنه لن يأخذ منك إلا كيسا من العظام كما قال كازانتزاكي. الموت ولكنه المسافة الأخيرة التي قطعتها وقد ركضت صوب كل الأشياء الجميلة التي تستحق أن تعاش وأنجزت الأعمق والأبهى في هذا العالم إبداعا وحياة، ليت هذه الذاكرة التي تختزن الكثير وتحتفظ بالصور والمعاني في أقصى الروح تنفجر على رأسي الذي تكبد قساوة الدنيا وعذابات الحرية. ليت قلبي الذي ترجل في جنازتك. المرأة الوحيدة في الجنازة. ليت قلبي ينسى وقد أدرك نجيب أنزار شهقتي. أنا ندى المجنونة بالشعر والشعر. لو أني خطوت خطوة أخرى فسوف احترق.
عبد القادر بوزيدة/ كاتب وأكاديمي
أحد المترجمين الأساسيين في العالم العربيّ
ولد أبو العيد دودو لعائلة فقيرة شديدة الفقر في دوّار للاّ عائشة بقرية "تمنجر" بلدية العنصر بالميلة (ولاية جيجل). مات والده وكان أبو العيد دودو لمّا يزل طفلا في الخامسة من عمره، وكان على والدته أن تصارع الحياة من أجل إعالة أسرتها التي وقعت فريسة الجوع، ولم تجد سوى بقول موسمية تجود بها الطبيعة وتسلق في الماء. واضطرّت الأم أن تخرج ابنها من الجامع الذي حرص والده قبل وفاته أن يلحقه به، أخرجته ليرعى ثلاث معاز وجدي صغير أكله الذئب، فانتابه الهلع وبكاه كما لم يبك والده ولا أخاه. ثمّ أصاب الجدري المعاز الثلاث فتخلّصت الأسرة منها ببيعها. وعندها جاء عمّه وأخذه معه إلى مدينة قسنطينة ليدخله مدرسة "محمد الزاهي"، ثمّ معهد عبد الحميد بن باديس. وكانت ظروف العيش الصعبة هناك تدفعه إلى الاسترزاق ببيع السجائر حينا والهلاليات حينا آخر والمبيت في مصلّى المعهد. تلك كانت طفولته الأولى، لكن حدثين حدثا له وقتها، قبل أن يغادر قريته، تركا آثارا عميقة في نفسه وكانا سببا في هاجس رافقه طيلة حياته، كما أثبتت الأستاذة حفصة بوطالب في رسالة الماجستير التي أعدّتها في دراسة موضوعاتية حول عالم أبي العيد دودو القصصي. فقد أصيب في صغره بنزيف حاد في أنفه استمرّ ثلاثة أيام كاملة أشرف فيها الطفل الصغير على الموت. وحين تعافى ظهر ورم في شفتيه لازمه مدّة عامين أزعجه إزعاجا، وكان أقرانه يسخرون منه بسبب ذلك ويسمّونه "بو الشوارب". داوته أمّه بما تيسّر لديها من أعشاب بريّة. لكن المصائب لم تفارقه فقد عضّه كلب عضّة سببت له عرجا لازمه ثلاث سنوات ولم يكن يتنقل إلاّ بمساعدة العصا. ومرّة أخرى عالجته والدته بالوصفات الشعبية المتوفرّة. هذه الطفولة البائسة والأحداث المرعبة التي جللتها جعلت الحزن رفيقا لصاحبنا طيلة حياته، وإن كان يخفيه وراء مرح ظاهر وشغب حببّه لنفوس الكثيرين.
رغم الظروف الصعبة التي عرفها أبو العيد دودو في بعض مراحل حياته والتي كان يمكن أن تُفشل العديدين وتجعلهم يستسلمون لقسوتها، إلاّ أنه شقّ باقتدار كبير السبيل الذي ارتضاه لنفسه، وهو الاشتغال في حقل العلم والثقافة. وكان عطاؤه في هذا المجال وفيرا. وقد تنوّع نشاطه في هذا المجال. فقد كتب القصّة والدراسات في مجال الأدب المقارن خصوصا، وهو الذي كان أستاذا للأدب المقارن، وترجم العديد من الأعمال في مجال التاريخ الاجتماعي والثقافي الجزائري والشعر والقصص والدراسات الأدبية والفلسفية، وهو الذي كان يتقن لغات عدّة: كان يحسن الفارسية والفرنسية والانجليزية واللاّتينية وله إلمام بالروسية. ولكنه كان يتقن الألمانية إتقانا، وهو الذي درس في النمسا وحصل فيها على الدكتوراه، ومكث فيها مدّة، وظلّ يسافر إليها بين الفينة والأخرى إذ هي موطن زوجته الأصلي، وفيها يقطن أهل زوجته. هذه المعرفة الواسعة باللغات وشغفه بالمعرفة وانفتاحه على العالم هيّأه ليكون أحد المترجمين الأساسيين ليس في الجزائر فحسب، بل في العالم العربيّ كلّه. إلاّ أنه كان يقول دائما بتواضعه المعهود: «إنّي لآمل أن أكون قد وفقت في إبراز آراء المؤلفين وترجمة أفكارهم ومصطلحاتهم المختلفة». إنّه تواضع العلماء على عكس أولئك الذين لا يتورّعون عن الكلام في أمور لا يعرفون عنها شيئا، ويتحدّثون حديث العارف عن كتب لم يقرأوها أصلا. إنّ الحديث عن تواضع أبي العيد دودو يفضي بنا إلى الحديث عن أبي العيد دودو الإنسان. لقد عرف في حياته الكثير من المصائب بل المآسي جعلت الحزن رفيقا له، ولكنه لم يكن يظهر شيئا من ذلك، بل إنّه على العكس كان مرحا يضحك حدّ القهقهة، صاحب نكات ومقالب وبصيرة نافذة ظهرت بأجلى صورها في "صوره السلوكية" الساخرة. ورغم حساسيته المفرطة، شأن المبدعين، فقد كان متسامحا إلى درجة كبيرة. كنّا طلبته، ولا أذكر أنّه فرض علينا في يوم من الأيّام رأيا من آرائه، ولا أذكر أنّنا طلبنا منه مساعدة في مجال الدراسة ولم يستجب. كان مديرا علينا في قسم اللغة العربية وآدابها طيلة 11 عاما، ولكنّه لم يسئ إلى أحد من الأساتذة أو العمّال عكس ما يجري الآن في العديد من الجامعات الجزائرية. ولم يكن يشتكي كثيرا رغم الحزن الذي يحمله، ولم يكن يلهث وراء المكاسب رغم ظروف عيشه التي لا تليق بأستاذ مثله. فقد كان يعيش مع عائلته في شقّة صغيرة من ثلاثة غرف، منها مكتبته التي ضاقت بكتبه، والتي لم يكن يستطيع أن يتحرّك فيها إلاّ بشقّ الأنفس. وهي المكتبة التي ظلّ يعمل فيها وينتج كتبه الواحد تلو الآخر. فرغم الظروف الصعبة ورغم المرض، واصل العمل بعزيمة لا تلين. وقد كانت عزيمته من القوّة بحيث أنّه كان يفكّر في ترجمة كتاب آخر لرومان انغاردن كان وضعه مؤلفه تكملة لكتاب "العمل الفني الأدبي"، وعالج فيه مسائل ظلّت عالقة في الكتاب المذكور. وقد جلب الأستاذ منه نسخة فريدة لم يحصل عليها إلاّ بعد لأي. وكان يقول لي، وقد أضناه المرض وبلغ منه الهزال مبلغا: «سأترجم هذا الكتاب الثاني لرومان انغاردن ثمّ أتوقّف عن العمل لأنال قسطا من الراحة». لكن الموت عاجله قبل أن يحقّق أمنيته تلك وينهي ترجمة هذا الكتاب الثاني الذي مضى فيها شوطا. ذلك هو أبو العيد دودو الأستاذ والعالم والإنسان.
محمد ساري/ كاتب ومترجم
أبو العيد دودو كما عرفته
أوّل مرّة عرفت اسم أبو العيد دودو كان على غلاف كتاب جميل (بحيرة الزيتون) مُنح لي جائزة في نهاية سنة دراسية لا أذكر إن كانت الرابعة أو الخامسة ابتدائي برفقة كتاب آخر بالفرنسية "أليس في بلاد العجائب" للويس كارول. التهمت القصة باللغة الفرنسية في الأسبوع الموالي، أما الكتاب العربي، فبقي مرميا فوق طاولة مطبخ كبيرة كنا نتحلّق حولها أنا وإخوتي لمراجعة دروسنا. حاولت قراءة بعض الصفحات، دون جدوى. كانت لغة الكتاب تتجاوز قدراتي وعوالمها تختلف عن العوالم العجيبة التي كنت أقرأها في الكتب الفرنسية. ينبغي التذكير بأن التعليم في تلك السنوات، نهاية الستينيات، كان في أغلبه باللغة الفرنسية. أما العربية فكانت هي اللغة الثانية والأجنبية، ولم نكن نعير لها أي اهتمام خاصة أن المعلّم كان شبيها بمعلمي القرآن، غليظ السلوك، مستبدا في القسم، يتوعدنا بالعصا ونار جهنم، متعاليا لا يكاد يحدّث أحدا. كنا نهابه ونهاب مادته، بخلاف معلّمة اللغة الفرنسية، وهي فرنسية جميلة، ودودة، تحكي لنا القصص الجميلة الغريبة ولا ترفع مسطرتها إلا عند الضرورة القصوى، فكانت ضرباتها مداعبات نسخر منها بل ونشتاق إليها. بقيت المجموعة القصصية مهملة لسنوات طويلة، ولم ألتفت إليها إلا حينما اتخذت قرار تعريب نفسي، والتحقت بمعهد اللغة العربية بجامعة الجزائر. حينذاك تردّد اسم أبو العيد دودو الذي كان مديرا للمعهد. فرحت أنفض الغبار عن تلك المجموعة وأفتح صفحاتها التي اصفرت وأقرأ، لأكتشف عوالم جزائرية قريبة إلى قلوبنا، ولغة جميلة تعلّمت منها الكثير. وكانت شخصية أبو العيد دودو بالنسبة إلينا كطلبة بعيدة المنال، وإلى غاية السنة الرابعة، حيث أصبح أستاذنا في مادتي (نظرية الأدب والأدب المقارن). حينئذ اكتشفت الأستاذ المرح المبحر في ثقافة لا حد لها، فكان يسافر بنا في سفن المعرفة والأدب العالميين، ابتداءً من هوميروس وإسخيلوس وسوفوكليس وأفلاطون وأرسطو، مرورا بهيغل وغوتة وإلى غاية غولدمان ولوكاتش وسارتر وكامو. في تلك السنة كنت الطالب المشاكس بامتياز، خاصة أنني من قراء ملحمة هوميروس وأوديب وأنتيغونة سوفوكليس، وكنت أيضا شغوفا بلوسيان غولدمان التي كانت كتبه تباع في مكتبات العاصمة بأسعار زهيدة. وكنت في ذلك العهد، وأنا طالب في قسم الليسانس، أنشر مقالات في علم الاجتماع عن لوكاتش وغولمان في النادي الأدبي لجريدة الجمهورية، فكانت هذه المعرفة المستقاة من الكتب الفرنسية التي كنت أترجم وألخّص منها تمنحني أسلحة للنقاش مع أستاذي. أتذكّر بأنّ الطلبة كانوا ينزعجون من أحاديثي ومناقشاتي في نهاية المحاضرة، فيتململون ويتذمرون، وهناك من يغادر المدرّج. مما أدّى بالأستاذ الفاضل إلى مواصلة نقاشه معي خارج المدرج، بل ويدعوني إلى مكتبه حيث يقابلني في الأريكة في سلوك الجنتلمان، ولا يجلس في كرسيه المعتاد. وعند الامتحان، كان يمر بين الصفوف، فقرأ اسمي على وثيقة الامتحان، وانحنى برفق هامسا: إذا أنتَ هو صاحب مقالات لوكاتش ولوسيان غولدمان في النادي الأدبي. رفعت رأسي اعتزازا، وقلت نعم أستاذ، قلت قرأتها، هل هي في المستوى؟ قال مبتسما: سنتحدث عنها بعد الامتحان. ومشى الهوينى كعادته يطوف حول الصفوف. بقيت منتشيا لدقائق طويلة. نسيت الامتحان. كنت مبتهجا أن يقرأ الأستاذ المبجل مقالاتي. إنه الاعتراف بقدراتي وبأهميتي أنا الكاتب الغرّ الذي لا يزال لا يتقن لغة الضاد ويرتكب أخطاء لغوية جسيمة. من ذلك اليوم تغيّر سلوك أبو العيد دودو اتجاهي. لم يعد يعتبرني طالبا يملي عليّ الدروس ويجيب على أسئلتي، بل أضحى يولي الاهتمام إلى حديثي، يصطحبني خارج الجامعة، يدعوني إلى المقاهي المجاورة، وعادة برفقة أستاذ آخر طبع تلك المرحلة بعلمه وصوته ودماثة أخلاقه، ألا وهو المرحوم محمد حسين الأعرجي. نلتقي عادة في مقهى اللوتس القريب من الجامعة، الغاص بالكتاب والمثقفين. دخلت عالم الكبار وأنا لم أُنْهِ دراسة الليسانس بعد، ومعه تعرّفت على كتاب آخرين كنت أقرأ لهم. كما أصبحنا نلتقي في بعض الملتقيات، برغم أنّ دودو لم يكن يرتادها كثيرا بحكم انشغالاته الإدارية وانضباطه في الكتابة والقراءة مثلما صرّح لي مرارا كلما سألته إن كان سيشارك في هذا الملتقى أو ذاك. وما أكثرها في تلك الفترة. بقيت علاقتي بالمرحوم أبو العيد دودو علاقة ثقافية صرف، ولم تتجاوز تلك الحوارات الأدبية والفكرية، إلا في السنوات الأخيرة حينما أصيب بمرض السكري حيث كان يحدّثني عن معيقات هذا المرض الذي يمنعه من أداء مهمات كثيرة، وخاصة حضور بعض الندوات داخل العاصمة. حدث مرة أن قصدت بيته في بن عكنون واصطحبته إلى ندوة في المكتبة الوطنية، لأنّ ضعف بصره وضغط الدم يعيقان سياقته للسيارة. ورغم المرض، كان يحافظ على عزّة النفس، ولم أشعر بأن حديثه عن المرض به شكوى أو حزن أو يأس، بل تتخلله مداعبات ومُزَح كتلك التي رواها لي وهو ينتظر في طابور من المرضى عند مصلحة الضمان الاجتماعي، منهيا كلامه بأنه قد دوّنها في دفتره، وربما سيحولها إلى صورة من صور السلوكية. كان يحكي لي دوما عما يدوّن يوميا في دفاتره عما يعيشه، لقاءات، قراءات، وقال بأنه لا يتحرج من التعبير عن آرائه وموقفه وذكر الأسماء والمواقف. قال بأنه يملك منها العشرات، لأنه بدأ تدوينها منذ سنوات. ولست أدري ما مصير تلك الدفاتر، أكيد أنها تحوي كنوزا وأسرارا مشهية للقراءة والنشر. متى ستنشَر؟ وليتها ستنشَر؟ لأنها ستكشف عن عمق أفكار الرجل المليء بالمعرفة والمحبة والسخاء. أذكر أنه قال لي، في تلك السنوات الحرجة، بأنه كان يترجم ويكتب على مدار الأربعة والعشرين ساعة، لأنه لا يخرج من البيت، ويقسم وقته بين العمل والأكل والنوم المتقطع. فوصل به الأمر إلى أن لا يعرف بالضبط إن كان في الليل أو النهار، لأنه لا يخضع إلا لقدراته الجسدية، يشتغل متى استطاع، ويأكل عند الجوع، وينام عند التعب. فتجده مثلا يشتغل على الرابعة صباحا، وينام على العاشرة ويتناول قهوة الفطور على الرابعة زوالا. أنجز في أواخر حياته ترجمات كثيرة نشرها بدار الجمل مثل كتابي: ما هي العولمة؟ وهذا العالم الجديد لأولريش بك (2000و2001)، والقط والفأر لغونتر غراس (2001). هذه بعض ذكرياتي مع أستاذي، القاص والمترجم والباحث أبو العيد دودو، متمنيا أنْ يلتفت الباحثون إلى دراسة ترجماته وقصصه لتثمينها وحث الجيل الجديد من القراء على قراءتها.
أبو العيد دودو
(1934-2004)
من مواليد 31 جانفي 1934 في قرية العنصر بولاية جيجل. التحق بالمدرسة القرآنية ولكن وفاة أبيه في 1937، أجبرته على الانقطاع عن الدراسة لينشغل برعي الغنم. رأف به عمّه الساكن بقسنطينة فأخذه وسجّله في مدرسة ابتدائية عربية خاصة. عندما فتح معهد عبد الحميد ابن باديس أبوابه في السنة الدراسية 1947/1948 التحق به للدراسة. في سنة 1951، انتقل إلى تونس لأداء امتحان الأهلية، لأن معهد ابن باديس كان فرعا من جامع الزيتونة. فبقي بها لمواصلة الدراسة. في السنة الموالية، سافر في بعثة إلى العراق والتحق بدار المعلمين في بغداد ودرس أربع سنوات في قسم اللغة العربية. تخرّج منها عام 1956 حاملا شهادة الليسانس في الأدب العربي. انتقل في السنة نفسها إلى النمسا، والتحق بقسم الدراسات الشرقية في جامعة فيينا. نال درجة الدكتوراه في شهر مارس 1961، مما سمح له بالتدريس بالجامعة. مكث في النمسا إلى غاية 1969، سنة عودته النهائية إلى الجزائر. في هذه السنوات، لم يقطع صلته بالحركة الثقافية بالجزائر، فكان يقرأ الجديد ويترجم منه نصوصا وينشرها في المجلات الألمانية. كتب القصة القصيرة (بحيرة الزيتون، الجزائر 1967) كما كتب المسرحية (التراب، 1968).
عاد إلى الجزائر في مطلع 1969 والتحق بقسم اللغة والأدب العربي بجامعة الجزائر. تولى إدارة المعهد مدة إحدى عشرة سنة في فترتين، الأولى 1975-1981، والثانية 1984-1988. أبو العيد دودو متزوج من نمساوية منذ عام 1963 أيام إقامته بالنمسا وله منها أربعة أطفال. كتب أبو العيد دودو القصة والمسرحية والخرافة النقدية وقصيدة النثر ومارس الترجمة إلى العربية من أكثر من لغة، وبالأخص من الألمانية. أبدع جنسا أدبيا جديدا سماه "صور سلوكية" حيث جمع بين الجدّ والسخرية، واستثمر في تقنية القصة والسرد الاجتماعي ليسجل ما يلاحظه يوميا من سلوكات مضحكة ومبكية في محيطه الاجتماعي والمهني. وتعد رواية "الحمار الذهبي" للوقيوس أبوليوس، التي اعتمد في ترجمتها على ثلاث مصادر (اللاتيني والألماني والفرنسي) من أثمن وأروع ما تركه لنا المرحوم أبو العيد دودو. توفى في 16 جانفي 2004 بعد صراع مع المرض. من مؤلفاته: بحيرة الزيتون (قصص 1967م)، - التراب (مسرحية 1968م)، - دار الثلاثة (قصص 1971م)، صور سلوكية (ج1 1985، ج2 1990)، الجزائر في مؤلفات الرحالة الألمان (1975) ثلاث سنوات في شمال غربي إفريقيا (3 أجزاء) 1980، القط والفأر لغونتر غراس (2001)، أصل العمل الفني لمارتن هايديغر (2001). الحمار الذهبي: لوقيوس أبوليوس (2001).
نصان لأبي العيد دودو
في الباب
ميزتي، أيها السادة، أني حارس الباب، لا أحد يجتازه دون كلمة أو إشارة مني، وكثيرا ما رأيت الشفاه ترتعد، والعيون تغيم، والألسن تتلعثم أمام سؤالي: إلى أين؟ وهذا السؤال بالذات يمثل سلطتي. حين أتلفظ به، أشعر أنني حاكم في مملكة الأبواب. عند بابي، تتحطّم الآمال، ويفقد كل إنسان قيمته وجاهه، ويغدو بسيطا، أبسط من حقيقتي أنا بدرجات. كلمة مني رافضة أو ناهرة، تنزل مركزه إلى التراب. وما أكثر أولئك الذين يأتونني كل يوم، هذا يزعم أنه أستاذ في الجامعة، وذاك يدعي أنه أديب معروف، يكتب الحكايات والخرافات، وذلك يقول أنه دكتور في الأدب، أو في السفسطة. وكلهم في نظري لا شيء. لا يمكن أن أعترف لهم بهذا في الباب وأنا سلطان فيه، وراع، ولما خلفه من أبواب، والراعي مسؤول عن رعيته. مسؤولية كبيرة تقع عليّ أنا، الباب والممر والمدخل. الطريق إلى الإدارة، ولكني طريق مسدود أمام الدكاترة والأدباء و(السفاسطية)، وكل من يعتقد أن له قيمة ما، علمية أو أدبية أو فنية، أو سياسية إذا شئتم، أيها السادة، وأنا استعمل هذه العبارات تأدبا، فلستم في نظري سادة. استمعوا إليّ جيدا: أنا السيّد الأوحد. وأنتم مخطئون حين تصفونني بالطاغية. فما أنا إلا خادم مطيع أمين لسلطتي، لسلطتي وحدها، وأضغط هذه العبارة حتى لا تظنوا أو تتصوروا أني أخدم المتربعين على الكراسي المريحة خلف أبوابي. إني كثيرا ما أستعمل سلطتي إلى أبعد الحدود، فأحول بينهم وبين من يريدون رؤيته، لأني كما قلت، باب حديدي مسدود، إذ أني أنسدّ بمجرد أن أكشر عن أسناني. وغالبا ما أفعل ذلك بصورة آلية. أنا إنسان آلي، إذا أردتم، أردّد دائما كلمة العدم: غير موجود، غير موجود. كل تكتكة تصدر عنّي تكرر هذه العبارة، وذلك لا يعني أني أحب العدم لنفسي. جوابي يمثل أمر السلطة التي أتمتع بها. إن السلطة يا سادتي –ها أنذا أتأدّب معكم مرة أخرى- قد خلقتني خلقا جديدا. وأمرها غريب أغرب مما يُخيّل إليكم. لقد استبدّت بي سلطة الأبواب، أصبحت لا أرى بابا إلا وأتصور أنّ مكاني فيه. والسلطة شعور نافخ، أو هي منفاخ آلي ينفخ الصدر، ويعلي النظرة، ويهز الذقن، ويرفع الرأس، رأسي أنا طبعا، أما رؤوسكم أنتم، فإنها تنعطف أمام بابي وتتعلق في فراغ تكشيري. تلك التي أرضتني نتائجها: قطعة الثلج في القلوب الآملة الدافئة. يبدو لي أنكم عاجزون عن تصور مدى ما أنا فيه من فيض، فيض مشاعر السلطة في نفسي. لذلك أود أن تتأملوا في الحكاية التالية، التي وقعت لي قبل أيام قليلة. كنْت واقفا أمام أحد الأبواب، أنتظر زميلا لي، وإذا برجل ينزل من سيارته ويتجه نحوي، فأسرعت ألقي عليه سؤالي المعتاد: إلى أين؟ كنْت قد نسَيت في تلك اللحظة أني بعيد عن باب سلطتي، فنظر الرجل إليّ باحتقار، وكشّر في وجهي قائلا: إني أسكن هنا. فارتعدت فرائصي لتكشيرته. ومنذ ذلك الحين أخذت أحسن تكشيرتي حتى تكون أكثر إرهابا وفظاعة، وأنا في انتظار مرور الرجال، الرجال ببابي !.
في الشارع
المدينة كلها شارع أمر منه أنا. حين أدخله، لا أريد أن يزاحمني فيه أحد. ومن يزاحمني فيه لم يُخلق بعد ! مِن حَقي أنْ أرقص في شارعي وأغني، أنْ أصفّر وأصرخ، أن أتسكع وأنام، أن أسير وأقف. ومن تجرّأ على الوقوف في طريقي، طعنته بنظرتي الغاضبة، بقبضة يدي الملتهبة، بلساني البتار وبرأسي المتحفز. فأنا لا أعترف بوجود الآخرين. لا آخر سوى أنا. عندما يظهر نَجمي في شارعي، يجب أن تختفي بقية النجوم. ومَن قال أنّ هناك نجوما؟ حتى الأشياء لا وجود لها في طريقي. أنا أصرّ على أنْ يتوقف كل شيء حين أمر. كل شيء خاضع لي. هكذا أنا، وهذا طبعي ! لا تسألني عن طريق السيارة، إنها من جملة الأشياء التي لا أعترف بها، ولا أسمح لها أن تتميّز عني، فلا يكون لها طريق إلا برضائي. عليها أنْ تتمهل حين لا أريد أن أسرع. فالحقيقة أني أكره السرعة، وأحب أن يتم كل شيء ببطء. أنا لا أومن بعصر السرعة والحركة الدائبة. إنه ليس عصري، والويل كل الويل لمن أجبرني أو حاول أن يجبرني على السرعة. الويل له إنْ لمس مني شعرة. كل ما يمكن أن يمر منه إنسان أو حيوان أو آلة يسيرها إنسان، هو ملك لي. فما أنا إلا مار وعابر سبيل. ولهذا لا بد أن يظل السبيل أمامي مفتوحا. قد أسرع لأني أريد أن تنشط عضلاتي، إلا أني كثيرا ما يحلو لي أن أتباطأ في وسط الشارع، وذلك لأني أجد لهذا التباطأ لذة تزيد من إحساسي بملكيتي لشارعي ! أنا لا أشعر بأني أتحدى غيري إلا حين أقف في وسط الشارع، هناك فقط أشعر برغبتي في أن أكون شارعا ينغلق عند بدايته، فلا يمر منه أحد. ويحلو لي ذلك خاصة حين يقبل عليّ إنسان أو تدنو مني سيارة. إن قدميّ ليستا عريضتين، ومع هذا لا أحب أن يمر شيء فوق المكان الذي تقفان فيه أو تمران منه، كما لا أحب أن ينظر إليّ أحد في شارعي، حتى النظر إلى كل الجهات أحتفظ به لنفسي، فنفسي تحرص على أن تفعل وتترك ما يرضيها. وكل نظرة متذمرة أو ساخطة، إنما هي استفزاز لها. وعندئذ تشتعل النار في دمي، فتهتز قبضة يدي، ويسرع اللهب إلى عيني، والرعد إلى فمي، والطحن إلى أسناني. آه، لكَم أستغرب أمر أولئك الذين يشعرون بوجود الآخرين، أو بالأحرى بأنهم آخرون بالنسبة لي. وأستغرب أكثر من ذلك جهلهم بي. كيف لم يفهموني حتى الآن؟ لماذا لم يدركوا ما أرمي إليه من وراء تصرفاتي هذه؟ ما الذي جعلهم لا يحاولون معرفة نفسيتي؟ ألَسْت أقدّم لهم كل ما يساعدهم على ذلك؟ أم تراهم فهموني وآثروا الهدوء والسلامة؟ ولكن لماذا يثورون ويثيرونني إذن؟ كيفما كان الأمر، فإني أودّ أن يعرفوا حقيقة واحدة، وهي أنّ الشارع شارعي، وأنه حاجز بالنسبة للآخرين. ذلك أنه قطاع من القطاعات التي أحب أن أثبت فيها أنني إنسان يريد ويرفض متى شاء، إنني حرّ .!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.