يعتز المجاهد محمد عمايري الذي التحق بصفوف جيش التحرير الوطني عام 1955 وعمره لم يكن يتعدى آنذاك 23 سنة بأبناء جيله الذين تسلحوا بالوفاء والإخلاص للثورة في كفاحهم المرير ضد المستعمر، فكان ذلك سر نجاحهم في تحقيق النصر. فحتى الشباب الذين جندوا عنوة في الجيش الفرنسي قبل الفاتح من نوفمبر 1954 يردف المتحدث في حديثه لوأج بمقر المنظمة الولائية للمجاهدين بمدينة باتنة، ظلوا أوفياء لأرضهم ولم يتخلفوا آنذاك عن الانضمام إلى صفوف جيش التحرير الوطني وفروا محملين بأسلحتهم إلى الجبال لمؤازرة إخوانهم المجاهدين. وفي سياق إحياء الذكرى ال67 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، تذكر محمد عمايري رغم أن عمره تجاوز بقليل 89 عاما، كيف استطاع هو و أربعة من رفاقه في الكفاح المسلح وكلهم في العشرينات من العمر آنذاك وينحدرون من منطقة غسيرة الهروب من الجيش الفرنسي محملين بقطع من السلاح و ذلك في 7 ديسمبر 1955 . و أردف يقول: "لم تمر الحادثة بسلام لأن عساكر العدو تفطنوا للعملية وحاولوا منعنا مطلقين الإنذار لكن تمكنا بعد اشتباك عنيف مع بعضهم من مغادرة المكان تحت جنح الظلام والابتعاد عن مزرعة الطليان بأعالي تازولت التي كان يتخذها الجيش الفرنسي كثكنة لرصد تحركات سكان الجهة". و واصل هذا المجاهد: "كانت وجهتنا جبل وستيلي الممتد خلف تازولت ومع توغلنا فيه وجدنا أنفسنا على مقربة من منازل تبدو للوهلة الأولى غير آهلة لكن سرعان ما تعالى نباح الكلاب ليتبين لنا بعد ذلك وجود عناصر من جيش التحرير الوطني بداخلها لنخبرهم بأننا هربنا من الثكنة بالسلاح للانضمام للمجاهدين". "علمنا لاحقا أنا ومرافقي الأربعة بلقاسم زايدي والمسعود بوشارب وعلي قابس والمسعود بزاز وكلنا من غسيرة بأن محدثينا اللذين استقبلانا هما الطاهر غمراس المدعو نويشي مسؤول ناحية بوعريف ومساعده محمد بن لخضر بومعراف وتساءلا عن طلقات البارود بتازولت والتعزيزات العسكرية الموجهة لها، فأخبرناهما عن الاشتباك والإنذار الذي أطلق من الثكنة بسبب هروبنا الذي كان يضنه العساكر بآريس و وادي الطاقة هجوم من طرف المجاهدين"، يضيف ذات المجاهد . لم نكن نتوقع لقاء مصطفى بن بولعيد وبعد أن تحدث المجاهد عمايري عن تفاصيل كثيرة سبقت هروبه وزملاءه من ثكنة الجيش الفرنسي، قال: "إن المفاجأة التي لم نكن نتوقعها هي أننا التقينا بمصطفى بن بولعيد في اليوم الموالي لهروبنا، حيث رافقنا إليه الطاهر نويشي بعد أن كنا قد سمعنا بخبر فراره من سجن الكدية بقسنطينة مساء10 نوفمبر1955". و ذكر المتحدث أن بن بولعيد كان رفقة 4 أشخاص "لم نتمكن من معرفتهم، يبدو أن المجاهدين كانوا قد أخبروه بضرورة مغادرة المكان بعد سماعهم تبادل الطلق الناري بتازولت وكان قد وصل إلى ذلك المكان بالجبل منذ فترة قصيرة قادما من قسنطينة نحو جبال الأوراس". وأضاف يقول: "تحدث إلينا بن بولعيد الذي كان يملك مسكنا بجوار مزرعة الطليان المحولة إلى ثكنة عن الاشتباك وعن رغبتنا في الانضمام إلى الثورة، ثم أوصانا لقد خرجنا في سبيل الله تاركين عائلاتنا وليست لدينا رخصة لزيارتهم و أن هؤلاء المجاهدين أصبحوا أهالينا اليوم". بعد ذلك، أخبر بن بولعيد مسؤول ناحية بريكة عبد الحفيظ طورش الذي كان حاضرا رفقة مجموعة المجاهدين بهذا المكان، يردف المجاهد عمايري، بأن يضمه رفقة المسعود بوشارب ومسعود بزاز إلى مجموعته فيما أمر بضم بلقاسم زايدي وعلي قابس إلى الطاهر نويشي مسؤول ناحية بوعريف، لتبدأ رحلة الجهاد في صفوف المجاهدين بمباركة بن بولعيد. وأضاف المجاهد عمايري "شاءت الصدف أن التقي بسي مصطفى بعد ذلك في سنة 1956، فكان لقاء خاطفا بأيام قبل استشهاده و كنت التمست من مسؤول ناحية بريكة طورش الذي استدعي لحضور الاجتماع مع بن بولعيد بمنطقة تافرنت بوسط الجبل الأزرق بضواحي نارة، أن أرافقه لأرى والدي بغسيرة ولم أتمكن من ذلك وأخبروني أن العدو كان يشدد الحراسة على عائلات المجاهدين". كما ورد في شهادة محمد عمايري: "لقد التقى بن بولعيد بمسؤولي الأفواج وبقينا نحن المجاهدين جانبا ثم رجعنا بعد انتهاء اللقاء"، موضحا بأن حادثة انفجار المذياع وقعت بعد ذلك بيومين أو ثلاثة وظل خبر استشهاده في 22 مارس 1956 سريا حتى لا تفشل الثورة بموته. و تحدث ذات المجاهد عن دوريات جلب السلاح من تونس ودور أمثاله من المجندين الفارين من الجيش الفرنسي في معرفة القطع الحديثة من الأسلحة وتمكنهم من استعمالها ثم تنقله إلى ضواحي غسيرة التي شهدت عديد المعارك كمعركة بلعلى في 27 مارس 1957 بأعالي سلسلة "أحمر خدو" بجبل أزقاغ أوماق بقيادة مجموعة مجاهدين من بينهم لخضر أوصيفي الذي وافته المنية يوم 26 أكتوبر الجاري. كما تذكر عمايري في شهادته وصول سي الحواس (أحمد بن عبد الرزاق حمودة) إلى المنطقة بعد تعيينه قائدا للمنطقة الثالثة للولاية الأولى التاريخية في يونيو 1957 و النفس الجديد الذي أعطاه لمجاهدي الجهة ثم تعيينه قائدا للولاية السادسة التاريخية. وكان المجاهد محمد عمايري الذي تنقل بين الولايتين التاريخيتين الأولى و السادسة يؤكد في كل مرة في حديثه على إصرار المجاهدين الكبير على طرد الاستعمار، حيث تجلى ذلك في التصدي وبشراسة لقوات الحلف الأطلسي التي حاولت إطفاء لهيب الثورة بالأوراس لكن إخلاص المجاهدين للثورة و وفائهم لها كسر شوكتها على حد تعبيره.