المعرض الدولي للكتاب المزمع تنظيمه أكتوبر القادم، تسقط من رفوفه هذا العام دور النّشر المصرية، التي ظلّت ''تحلب في إناء الجزائريين'' طيلة سنوات، بالغث والسّمين من الكتب، بينما سبب السقوط هذه المرّة جاء على خلفية ذلك ''الإجماع المصري العدائي'' الذي ضرب الجزائر في أعراقها ومعتقدها وأصولها وانتمائها، دون وازع أو مبرّر، لم يصدّقه الجزائريون في أيّة لحظة من اللّحظات، كون - حتى الاستعمار لم يتصرّف بتلك السّقطات الخادشة للضمير والحياء، في هذا المقام أو غيره من المقامات الأخرى، طبعا، لأن السبب لم يكن مجرّد لعبة في كرة القدم، كما أرادت الدّعاية داخل جماعات ضيّقة هنا أو هناك في مصر، التي لم يعد الهبوط إليها يحقّق الأمن الشخصي - بسبب تلك الفوبيا المصرية- ، كما لم يعد يحقّق الأمن الثقافي والسياسي، دون الأمن الاقتصادي - لكونه الوحيد الذي تخسر لأجله مصر كلّ شيء، لأنها بلد بلا اقتصاد -، فخسرت أفلامها ومسرحياتها وجمهورها الجزائري وها هي تخسر سوق الكتاب، ليس لأنّ الجزائر هي التي تنمع مصر من المشاركة في هذا المعرض أو تلك التظاهرة في المستقبل، ولكنّ لأن الجزائري لن يقرأ أي كتاب تأتي به دور النشر، حتى ولو كانت طبعات حديثة لكتاب القرآن الكريم، أو ترجمة آخر إصدارات أشهر دور النشر في العالم، مع استثناء تواصل أقليّة من الجزائريين مع مصر، لأسباب تتعلّق بسطحية الوعي وعدم اكتمال الأهلية· وبالعودة إلى ذلك الشّرخ الذي ارتكبته (النّخبة المصرية) في الوجدان الجزائري - وإن كانت تلك النخبة من صنيع النظام المصري الحاكم - لأن دلالاته أعمق من تناول الإعلاميين والكتّاب في هذين البلدين، بل وأكبر من مجرّد أغنية من أغاني أم كلثوم التي يعشقها البعض هنا في الجزائر والكلّ هناك في مصر، وأوسع بكثير من مجرّد علاقات تاريخية ووجدان مشترك، كما يرى القوميون القدامى وأشباه القوميين الجدد· من الخير للجزائر ومن الطبيعي أن تلتفت إلى مبدعيها من كل الأجيال ومن كل التيارات، في العلم والفكر والأدب والثقافة والفن والرياضة والاقتصاد، فتقنّن حقوقهم المادية والمعنوية وتحفّزهم على التأليف والبحث والطباعة والنّشر والانتشار في أعماق الجزائر أولا، ثم في الفضاء القاري والإقليمي والعالمي· أماّ مصر الثقافية أو مصر كلّها - بكيانها وكينونتها - فلا تفيد الجزائري في شيء - وهو قد تأكّد بنفسه من ذلك، إلا من يمنّون أنفسهم دون اعتبار لأي مشاعر عدوانية، لأنها لا تنفع الطرفين في شيء، بل أن يبتعد كل جانب عن الآخر، بفرض الاحترام المتبادل، وبعيدا عن كل مصلحة مصرية على حساب المصلحة الجزائرية، وتلك هي قيم العلاقات السّليمة، في مناخ يخلو من كل حساسية مرضية، هي من مخلّفات الماضي، حيث كان الجزائري يقرأ الغث والسّمين، سواء القادم من مصر أو من غيرها· أما اليوم وفي المستقبل، فأعتقد أن الجزائري لن يقرأ لمن هبّ ودبّ·