العاب القوى مونديال- 2025 (نهائي سباق 800 م): الجزائري جمال سجاتي يفتك الميدالية الفضية    رئيس الجمهورية يهنئ البطل جمال سجاتي المتوج بميدالية فضية في سباق 800 متر بطوكيو    الدرك الوطني يسطر مخططا أمنيا خاصا بالدخول المدرسي    انضمام الجزائر إلى الأيبا: مكسب جديد للدبلوماسية البرلمانية    عطاف يمثل الجزائر في الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة    الجزائر توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية التنوع البيولوجي البحري    جلاوي يترأس اجتماعا لمتابعة أشغال المشروع    الجزائر تنظم حدثا حول التجارب النووية الفرنسية بالجنوب    الكيان الإرهابي يهدّد باستخدام قوة غير مسبوقة في غزّة    الجزائر ترفض دعوى مالي أمام محكمة العدل    انتخاب الجزائر عضوا بمجلس الاستثمار البريدي    طموح جزائري لاستعادة المجد القارّي    رسمياً.. نجل زيدان مؤهّل لتمثيل الجزائر    هذه أولى توجيهات بوعمامة..    توحيد برامج التكفّل بالمصابين بالتوحّد    وزارة التضامن تطلق برنامج الأسرة المنتجة    هكذا تستعد العاصمة لموسم الأمطار..    فيلم نية يتألق    شؤون دينية: بلمهدي يزور لجنة مراجعة وتدقيق نسخ المصحف الشريف    تضامن وطني : توحيد نمط التكفل على مستوى مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار البرتغال الاعتراف بدولة فلسطين    المعرض العالمي بأوساكا : تواصل فعاليات الأبواب المفتوحة حول الاستراتيجية الوطنية لتطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين    غوتيريش يؤكد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء "المذبحة" في غزة    البرلمان العربي يرحب بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة    بوغالي يترأس اجتماعاً    "لن نستسلم.. والجزائر لن تتخلى أبدا عن الفلسطينيين"    إنجاح الدخول المدرسي والجامعي والتكفّل بالمواطنين    الجزائر حاضرة بستة مصارعين في موعد ليما    مدارس تطلب شهادة الميلاد رغم إلغائها    مسودة قرار يطالب ترامب بالاعتراف بدولة فلسطين    شكوى ضد النظام المغربي لتواطئه في إبادة الشعب الفلسطيني    وزارة العدل تنظم ورشة تكوينية حول العملات المشفرة    التحضير لاجتماع اللجنة الاقتصادية الجزئرية - المجرية    تسريع وتيرة إنجاز مشاريع الموارد المائية    برنامج خاص بالصحة المدرسية    القبض على سارقي محتويات مسكن    لقاء مع صنّاع المحتوى والمهتمين بالفضاء الرقمي    التجند لإنجاح المهرجان الدولي للسياحة الصحراوية بتيممون    المطالبة باسترجاع وشراء المخطوطات الجزائرية الموجودة بالخارج    التعامل مع التراث كعنصر استراتيجي للتنمية    ألعاب القوى/ بطولة العالم (الوثب الثلاثي): ياسر تريكي يحرز المركز الرابع في النهائي    عماد هلالي: مخرج أفلام قصيرة يحرص على تقديم محتوى توعوي هادف    إطلاق خدمة "تصديق" لتسهيل إجراءات اعتماد الوثائق الموجهة للاستعمال بالخارج    الجزائر تحتضن أولى جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي بمشاركة الألكسو    "مغامرات إفتراضية", مسرحية جديدة لتحسيس الأطفال حول مخاطر العالم الافتراضي    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    مهرجان عنابة يكرّم لخضر حمينة ويخاطب المستقبل    التناقض يضرب مشوار حسام عوار مع اتحاد جدة    سجاتي ومولى على بعد خطوة من كتابة التاريخ    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمار البلدية
نشر في الجزائر نيوز يوم 18 - 02 - 2013


إهداء: من الحمار البلدي
إلى حمار الزميلة سميرة قبلي!
أخيرا تنفست الصعداء بعدما أتممت الملف الطويل والعريض الذي بموجبه سأحصل على شهادة إثبات الهوية في هذا الوطن الجميل والرائع والبديع والرفيع.. وبعدما قضيت أكثر من ثلاث سنوات وأنا ألهث ككلب صيد من مركز إلى مركز ومن مكتب إلى مكتب لأتم هذا الملف العجيب.. وكل هذا كان تحت الرعاية السامية للبيروقراطية، حفظها الله ورعاها وأطال في عمرها، ولا يمكن أن نقول غير هذا وإلا لحقتنا لعنتها وجبروتها الذي لا يساويه جبروت من أي طاغوت حتى ولو كان “هاروت"!
سيادة البيروقراطية كانت موجودة في كل مكتب إداري زرته أو دخلته حاملا محفظتي وأتعابي وملفي الذي يشبه إعلان حملة انتخابية في إحدى الدول الكاريكاتورية “الديموخراطية"، وما أكثرها! في عصر المادة والشهوة ومبادئ الدنيا!
وجدتها في الطريق الرئيسي في الباب الأول للبلدية، في الجدران المعلقة عليها الإشعارات والإعلانات و«الأكذوبات"، فوق الكراسي الذي يجلس عليه أفراد الشعب، وبين الطوابير الطويلة وغير المنتظمة، في الخزانات التي تخبئ فيها أوراق رسمية لما يسمى بالمواطنين داخل أجهزة الكمبيوتر، وما تحتويه من ملفات إلكترونية، وفي كل أدراج ورفوف هذه الرقعة الملعونة والمسكونة بروح البيروقراطية!
أما الأشخاص الذين يسيرونها فهي الروح التي يتنفسون بها، ويستنشقون من خلالها الهواء النقي، كلهم دون استثناء مساجين تحت حكم البيروقراطية وأعوانها وخدمها وحاشيتها البيزنطية!
******
جاء موعدي بعدما قضيت ساعتين وخمس وأربعين دقيقة واقفا في طابور طويل وغير منتظم، الرجال والنساء فيه مختلطون ورائحة العرق تنبعث منهم، كل واحد متقزز من رائحة أخيه، وبين درجة حرارة تفوق العشرين درجة مئوية، وقد كانت الساعة حوالي الحادية عشر ونصف صباحا بتوقيت العاصمة!
تقدمت إلى الإداري الذي كان يتثاءب مثل دبٍ قطبي، كل نصف دقيقة يفتح فمه ويخرج لسانه ويمسحه بورق بال كأنه لم يعرف النوم منذ أيام أصحاب الكهف! نظرت إليه بضحكتي المعتادة التي مازلت أحتفظ بها رغما عني، فهي رأسمالي الوحيد الذي أستطيع مواجهة به هذا الجو القاتم والبائس، الذي يدعوا إلى الشنق تخلصا من الحياة!
جمع كل أوراق ملفي ووضعها جانبا و كأن شيئا لم يعجبه أو أنني لم أتمم ملفي وكنت متأكدا أن جميع أوراقي الإدارية كانت مضبوطة وأن لا شيء يدعوا إلى التأخير في منح “ورقة الهوية" التي أستطيع من خلالها ممارسة جميع حقوقي وواجباتي داخل تراب بلديتي.
سألني حول الأعوام التي قضيتها في جمع هذا الملف، وقد أخبرته بأن مجلدا عربيا لا يفي بتدوين رحلاتي ونشاطاتي المكوكية من أجل تحقيق إنجاز جمع هذا الملف الشاق!
أعطاني ورقة أخرى أخرجها من أحد أدراج مكتبه واعتذر لي ضاربا لي موعدا بعد تناول وجبة الغذاء التي حان وقتها وخرج يجري من مكتبه... أغلق الباب وذهب من الجهة أخرى للبلدية.
وقفت كمسمار حديدي أكله الصدء، أنظر إلى هذا المخلوق الذي لم يقدرني كبني آدم شريف واقف أمامه منذ الصباح الباكر جاء قبل أن تخرج الطيور من أعشاشها! استغفرت اللّه ثلاثا، أخرجت قلما من المعطف الأسود الذي كنت أرتديه وقمت بالإجابة على أسئلة الورقة التي أعطاني إيّاها...
جلست على الأرض ووضعت الورقة على جريدة الصباح وقمت بقراءة الأسئلة حتى قبضتني قشعريرة من الانبهار والدهشة! أسئلة تشيب من هولها الولدان!
بدأت القراءة بصوت مرتفع حتى تبكمت والناس ورائي جماهير تنتظر دورها لتخرج من هذا السجن الإداري الموحش:
- كم تأكل من غرام خبز في اليوم؟
- كم تضع من ملعقة سكر في قهوة الصباح؟ وهل نفس الكمية في قهوة المساء؟
- كم تستحم من مرة في الشهر؟
- إن كنت متزوجا.. كم تجامع زوجتك في الأسبوع؟
- هل لديك نية في إعادة الزواج مرة أخرى؟
- كم عدد أولادك؟ من أي جهة يشبهونك؟
- كم انتخبت من مرة في حياتك؟ ملاحظة: أظهر بطاقة الانتخاب في المرة القادمة.
- ما رأيك في شخص زعيم البلدية؟ وكيف ترى منجزاته الظاهرة؟
- في الأخير: يجب عليك أن تحرر تقريرا مطولا يقدم لمصلحة الوثائق الشخصية تتكلم فيه عن مختلف محطاتك في إعداد ملف بطاقة الهوية من البداية إلى النهاية.
بعد دقائق وبضحكة طويلة بدأت أُجيب على أسئلة هذا القدر المحتوم كمجنون أعيا داؤه الرُّقاة! فسبحان اللّه لم تتركنا هذه البلدية حتى في أحوالنا الشخصية وعلاقاتنا الزوجية ودخلت إلى غاية تلك القهوة المرة التي نرتشفها كل صباح ومساء... إنها المصيبة والكارثة والخزي المبين!
انتظرت طوال هذا المساء ككلب حراسة أعيته أيام العمل والنباح حتى نمت وأخذتني سنة منه متكئا على خشبة تفصل الشباك الداخلي عن الخارجي! فرأيت في ما يرى النائم أن بلديتنا تحولت إلى مرعى كبير مملوء بالكلأ والحشيش الجاف المحصود وآلاف الحمير يرعون داخله ويتقاتلون من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من كميات العشب الطري.
فجأة وجدت نفسي كحمار متين لا بأس به، يحمل من الشحم واللحم ما يكفي لإطعام قبيلة ملتهمة، فأردت أن ألتقي بزعيم المرعى صاحب الجلالة والسمو والغبطة والمتوج بإكليل من الأوسمة المعلقة على عنقه لأشكوا له سوء الكلاب والذئاب وبعض الحمير التي تمنعني من الرعي في أجزاء واسعة من هذا المرعى العمومي.
طلب مني حراس الزعيم كتابة الرسالة أولا خطيا لتمرر إلى جلالته، ولابد من دهن الظهر على شاكلة “حمار وحشي"، بحيث أصير مخططا، وكان هذا طلبا رئيسيا من أجل الوصول إلى سيادة الزعيم المعظم والمبجل!
كتبتُ طلب لقاء سيدي بخط رجلي وذهبت لأحد مستودعات الدهن فدهنت جسمي الأملس بخطوط سوداء وبيضاء حتى تحولت إلى حمار وحشي عجيب وبعثت برسالتي عبر الحراس إلى صاحب السمو!...
في الغد وصلتني رسالة الاستدعاء إلى القصر... ذهبت فرحا و دخلت ذلك الفضاء في عنفوان وكبرياء عبر الساحة وصعدت السلالم إلى مكتب صاحب السمو يرافقني اثنين من الحمير الطيعين ودخلت إلى المكتب... كان فخما وأنيقا وملكيا، جلست على حصيرة وبرية أنتظر سيادته حتى دخل علي الذي لم يكن في الحسبان... أسدٌ هصور ما إن رآني حتى انقض علي من رقبتي يعضني ويغرز أنيابه فيها، وأنا أحاول التخلص من قبضة فمه الشره بما استطعت من قوة ولم أقدر، ظل يتمرغ فوقي ويلعق وجهي المشوه حتى نهضت مسرعا من هذا الكابوس المرعب فوجدت حارس الأمن في البلدية يجرني ويطلب مني النهوض لأن موعد إغلاق المصلحة قد حان، طالبا مني العودة في اليوم الموالي.
ما أن خرجت من الباب الرئيسي حتى وجدت عجوزا فوق حماره ينادي بأعلى صوته الضعيف: “خبز يابس... خبز يابس" نظرت إلى الحمار وقلت في قرارة نفسي: “ما الشيء الذي يميزني عن هذا الحيوان، إننا أخوان شقيقان هو يركبه العجوز وأنا تركبني البيروقراطية"؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.