والي باتنة يفتح صدره لها وأول اهتماماته"دار الصحافة "    بريد الجزائر يحذر زبائنه من تلاعب المحتالين    الدولة الجزائرية اجتماعية بامتياز ..؟ !    إخماد 50 حريقا نهائيا في عدة ولايات    ضرورة اعتماد سياسة حديثة وإنشاء ملاجئ للحيوانات الضالة    خنشلة : فرقة التفويضات القضائية و فرقة البحث و التدخل تنظم عملية شرطية و توقف شخصين مبحوث عنهما    الأمطار الغزيرة تفاقم معاناة النازحين وتغرق خيامهم    انخفاض أسعار المواد المستوردة بنسبة 7ر2 بالمائة خلال النصف الأول من السنة الجارية    شركة الخطوط الجوية الجزائرية تستلم أول طائرة لها ضمن برنامج تجديد أسطولها    العمل على تشجيع الاستثمار واستكمال عملية تصنيف مواقع التوسع السياحي    افتتاح الطبعة الأولى لجائزة وادي ريغ الوطنية للأدب والتاريخ    السيدة بن دودة تشرف على افتتاح المهرجان الدولي للفيلم القصير    الجزائر ستظل شريكا فاعلا في الجهود الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    حنون تستنفر الشباب للمشاركة في الاستحقاقات القادمة    حركة تنموية استثنائية بولايات الجنوب    هكذا تمارس "الخدمات الإلكترونية".. والحبس للمتلاعبين بالمعطيات الشخصية    تكامل جزائري- أممي للحفاظ على سيادة ليبيا    ضمان استدامة الخدمات الحيوية    الترجي التونسي يدعم بلايلي ويؤكد بقاءه مع الفريق    يوم تكويني حول الخدمات النفسية في الأزمات والكوارث    إقبال كبير على محلات بيع الأعشاب لتفادي أمراض الشتاء    ارتفاع نسبة اكتشاف حالات السرطان    عروض فرنسية وألمانية للمهاجم أمين شياخة    خدمة قضايا المجتمع وتحسين جودة الحياة    اكتشفت سليماني ومحرز وهذا سر تعلقي بالجزائر    فيانسو يرسم جسور الإبداع السينمائي    بحث سبل بناء منظومة متكاملة    ملامح جيل يتشكّل في تيميمون    ربط أكثر من 100 ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء منذ 2020... وجهود متواصلة لتعزيز الأمن الطاقوي    عقود توظيف مباشرة لخريجي 2026 في مدرستي الذكاء الاصطناعي والرياضيات    فرانك شتاينماير يشكر الرئيس تبّون    هل تُبعث لجنة الفصل في الطلبات مُجدّدا؟    الجزائر تحتضن المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة    طوارئ لإخماد حرائق الغابات بعشر ولايات    رئيس الصومال ينهي زيارته إلى الجزائر    وزير الري يشدد من توقرت على نجاعة التسيير والرقمنة لتحسين الخدمة العمومية للمياه    تتويج كينيا بالمراتب الأولى للسباق    منظمات دولية تدين تصاعد القمع في المغرب    فوز معنوي.. ومكاسب بالجملة    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    المسؤولية التاريخية لإسبانيا تشمل منطقة شمال إفريقيا بكاملها    إعلان قيام دولة فلسطين في الجزائر تتويج لنضال شعبها    20 صحفيا في البرلمان الأوروبي لإسماع صوت الصحراء الغربية    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    غلق مؤقت وجزئي لحركة المرور بالعاصمة    العرابي: الشعب الصحراوي هو من سيقرّر مصيره    بن دودة: الجزائر شريك فاعل    بلمهدي يزور معرض الحج    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    بونعامة يبرز أهمية اعتماد معايير الجودة    بلمهدي يُوقّع اتفاقية الحج للموسم المقبل    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألجي... ألجيري (26)
نشر في الجزائر نيوز يوم 20 - 08 - 2013

وهي في البدء كان الحب، كذلك قالت لي أمي ذات يوم في لحظة من لحظات انشراحها النادرة.. أجل ويا للعجب حدث هذا مع أبي، من يصدق؟! لحظة جارفة، خاطفة تشبه لحظة البرق الوميضي، حدث زلزال خفي في داخله، لكن هل كان يعلم ويدرك تلك اللحظة الجديدة، الطارئة في حياته وعلى وجوده، كل ذلك ظل كامنا في أعماقه، فقط شعر أن الأرض مادت لحظة
تحت رجليه واستبد برأسه دوار لا عهد له به.. كان يمر على دارهم، عائدا من مزرعة سارنو حيث كان يشتغل ضمن الشغيلة الموسميين.. الشمس منفجرة في السماء، وصوت الحشرات يدب في كل مكان على ذلك الطريق المترب المؤدي إلى معسكرات اللفيف الأجنبي الملتفة حول حينا ڤومبيطا. ما الذي كان يدور في رأسه؟! ما الذي كان يجول ويجول في مخيلته وهو يركض على متن دراجته الهوائية ويضع في مقدمتها سلة مملوؤة بالعنب الأسود نوع السانسو.. ما الذي كان يفكر فيه وهو يسوق الدراجة الهوائية ويصغي في الوقت ذاته إلى ذلك الدبيب والطنين في عز صيف سيدي بلعباس الشهير بقيظه وجفافه.. كانت متجهة عبر ذلك المسلك الضيق العامر بالثرى والحصى نحو دراهم، وهي تحمل على كتفها رزمة بيضاء مملوءة بالصوف.. ترتدي تنورة سوداء مفخفخة، فولارة مزركشة على الرأس، وعينان لامعتان عامرتان بالرغبة الشهوانية النابضة، وبشرة مشرقة شديدة السطوع.. نواجذ بيضاء ذات لون الفضة.. خفق قلبه، استيقظ مواته، انخطف.. شحنة كهربائية مرت في كل أوصاله.. كانت تضع سواكها بين فكيها وهي تتغنج بشكل سري لكنه غامض ومفضوح في الآن نفسه.. لم يجرؤ على التركيز على وجهها، لكن ثمة نداء عميق جذبه بقوة وعنفوان إلى بئرها المعتم... كان العرق ينضح من جسده بغزارة وعنف.. من أين يأتي كل هذا العرق المالح، من عينيها البريئتين أم من تلك الهجيرة الخانقة.. وعرف فيما بعد (كم من البعد، لا أعرف..) أنه الحب.. وراحت مفاصله ترتعد بحيث سقط من على دراجته الهوائية مرتين، ولم يكن ذلك من عادته.. هو ينفي أنه سقط في ذلك اليوم اللافح مرتين من على دراجته الهوائية، إلا أن والدتي سمعتها تقول في لحظات متقطعة ذلك مرارا.. دخل البيت كأنه به حمى فلم يأكل ولم ينم.. وسألته التي ستصبح جدتي ما به، فلم يجب واكتفى بتمتمة كلها إشارات غامضة ومبهمة، وعندما نام حلم بها متجردة من كل شيء إلا ابتسامتها التي كانت تطير وترقص فوق رأسه، ثم سقطت ميتة فجأة في غابة صدره، فاستيقظ مفزوعا.. وخرج أمام الباب، فدخن سيجارة، ثم لف أخرى، وأخرى وأخرى واتجه تحت خيوط الفجر إلى الحصيدة الممتدة إلى غاية الآفاق البعيدة لبحيرة محمد سيدي بن علي.. ومر وهو ساهم النظر كأنه منوم مغناطيسيا على دراهم، دار أمي خيرور ذات الرقم الثابت إثنان وعشرين، إثنان وإثنان، نفس العلامة الرقمية لسيدي بلعباس فيما بعد.. وقف مسمرا للحظات طويلة كأنها الدهر المديد، ثم راح يذرع الخطى ويحفر الآثار على أديم التراب المبلل بالندى.. ويمكن التخيل أنه في تلك الساعة الوحيدة من فجر ذلك اليوم، يكون قد مر وهو يتجه نحو الأفق البعيدة للحصيدة بمزرعة أولاد الكابرير والمنحدرين من سلالة خيطانو.. الغجر الإسبان الذين انتقلوا إلى وهران في القرن الثامن عشر ثم زحفوا نحو ضواحي بلعباس في أواخر القرن المذكور وبداية القرن التاسع عشر، وأنا لا أتذكر جيدا كم كان عمري عندما كنت أقف في نهاية الأصيل في تلك الصيوف الزنزانة رفقة أترابي على قارعة الطريق، وكابريرو (الجد، صاحب العينين الخضراوين والوجه الأشقر، واللباس المتسخ والجسم الرقيق المنتصب باتجاه السماء وهو يقود تلك القطعان الضخمة، المؤلفة بالعشرات والمئات من الخرفان والماعز، بحيث يحمل بعضها تلك الأجراس الرنانة والنواقيس المتناغمة في أعناقها، يتخللها الثغاء والمأمأة ونباح كلاب الحراسة المرافقة لها، وصغير كابريرو الجدد ولعلعة المشاحيط والكرافاجات التي تلعلع في تلك السماء المتدثرة بالغروب الأفل على يد بعض الأبناء والأصفاد المساعدين لكابريرو الجد... كان المشهد مثيرا وخلابا ويبدو لي الآن كالحلم العتيق الموغل في القدم. وفي الأيام الموالية تردد على دراهم لكنها لم تظهر ولكنه رغم الحزن الصامت العميق الذي استولى عليه لم ييأس وظل ينتظر إلى أن تظهر، وفي ذات يوم طويل ظهرت وتقفى آثارها كاللص بينما كانت ذاهبة إلى الكوشة الوحيدة آنذاك بڤومبيطا في شارع العبيد (الزنوج)، كانت تحمل فوق رأسها ثلاث خبزات معجونة مكسوة بالسرابيت ذات الخطوط والأشكال، وكانت الكوشة التي تديرها عائلة الفروسي تقع في الحقيقة في آخر شارع العبيد، وفي أقصى الزاوية اليمنى حيث يوجد بيت المهابيل، وأنا ما لبيت المهابيل، يا لبيت المهابيل.. كانت جدتي من والدتي عندما تقرر معاقبتي تهددني أن تأخذني وترمي بي إلى بيت المهابيل، لم أدخله أو أزره في حياتي قط، وكنت أشعر بالقشعريرة والفزع عندما ينهال والدي على رأس خيرور بالضرب المبرح ويهددنا جميعا أن يقذف بنا هناك.. حيث بين المهابيل وأنا جارتنا بورطاشي.. عندما ذبح المجاهدون الذين نزلوا من الجبل إلى حينا ڤومبيطا ابنتها عباسية ماما المتهمة بالوشاية ومخالطة المظليين، فقدت عقلها ووصنعت رأسا من القماش مثل رأس ابنتها عباسية ماما وطلته بالألوان الحمراء وظلت تخرج إلى شوارع ڤومبيطا شبه عارية راكضة، زاعقة وصادحة.. عباسية ماما، عباسية ماما هذا رأس عباسبة ماما، في الليل والنهار، في الصيف والشتاء، وفي الخريف والربيع تركض وتزعق وتصدح عباسية ماما.. عباسية ماما، والرأس القماشي مغروس في عمود طويل ملون بالأحمر القاني، وذلك إلى أن ألقى عليها رجال ذو ملامح باردة القبض عليها وڤمطوها في رداء أبيض وقذفوا بها في مؤخرة سيارة تولول وطافوا بها في كل شوارع ڤومبيطا، بينما السيارة الشيطانية تولول وبورطارش.. عباسية ماما، عباسية ماما. وضعوها في بيت المهابيل ولم تخرج منه أبدا، وانتشر الخبر وكل عالم ڤومبيطا عرف، وغضبت جدتي وأختها حليمة أيما غضب، وكانت جدتي ترغب في تزويجه من ابنة عريفة محلة أولاد سيدي بلال مؤسسو شارع العبيد أو شارع الزنوج، ولم يتزوج والدي إلا من خيرور في زمن الحرب، وأياما قليلة كانت مرت على ذبح عباسية ماما، بنت بورطاش..

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.