شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة . لقب بترجمان القرآن وحبر الأمة، وهو ابن عم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولد في مكة ولازم النبي (صلى الله عليه وسلم) وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وفقد بصره في الكبر، كان يعرف أن الله تعالى عوضه عن بصره خير العوض، لذا قال: إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وسمعي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مشهور وقد أضاءت هذه البصيرة النافذة صدره حين دعا له الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يضمه إلى صدره قائلاً: «اللهم علمه الكتاب»(صحيح البخاري). هو عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بشعب بني هاشم، وأمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر، بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير لم يبلغ الحلم، وهاجر إلى المدينة مع أبويه قبل فتح مكة، وكان ابن ثلاث عشرة سنة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي له 1660 حديثا، وكان بعد ذلك مقدما عند أبي بكر، وعمر، وعثمان، وجعله علي بن أبي طالب واليا على البصرة، وكان أبيض طويلا مشربا صفرة، جسيما وسيما جميلا، صبيح الوجه، فصيحا مهيبا، كامل العقل. هو حبر الأمة وترجمان القرآن، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «اللهم فقهه في الدين» كما في صحيح البخاري، قال عبيد الله بن عبدالله بن عتبة: كان ابن عباس رضي الله عنه قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما. وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس رضي الله عنه مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب. أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «وإن حبر هذه الأمة لعبدالله بن عباس»، وقد أثنى عليه عدد من الرجال، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يقول عنه: «ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول»، وقال القاسم بن محمد رضي الله عنه: «ما سمعت في مجلس ابن عباس باطلا قط، وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه». وقد كان ابن عباس فقيها في الدين يتمتع بذاكرة قوية وكان يمحص كل ما يسمع ويتحقق من نسبته الى رسول الله، وكان يقول: ‘'كنت أسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد روى ابن عباس عن الرسول 1660 حديثا وهو الملقب بحَبْر الأمة. وكان عبدالله بن عباس يسعى إلى أي رجل ولا يستنكف أن يبذل أي جهد في سبيل أن يصل إلى الحقيقة مهما تحمل من معاناة ومشقة ويتحدث عن ذلك فيقول ‘'كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح عليّ من التراب حتى ينتهي من مقيله ويخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه''. ومما قيل عن ابن عباس أنه آخذ بثلاث، وتارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف، وتارك للمراء ومصادقة اللئام، وما يعتذر منه''. وقد استجاب الله تعالى دعاء النبي لابن عباس، حيث ظل طوال حياته التي امتدت 71 عاما سخي المادة الفكرية وراجح العقل وواسع العلم وواضح الحجة وقوي البرهان، وما نوظر في مسألة إلا أثبت جدارة وقوة، ولم يكتف بإفاضة العلم على الناس من حوله وإنما غشاهم كرما وفضلا ومالا حتى نعته قومه فقالوا: ما رأينا بيتا أكثر طعاما ولا شرابا ولا فاكهة ولا علما من بيت ابن عباس.