هذا السؤال الوجيه الذي أثاره منذ أكثر من أسبوعين، الكاتب والأكاديمي الفلسطيني المرموق ''خالد حروب'' في زاويته ب ''الحياة'' اللندنية، فيه استنكار واضح لدعوات ''التفوق العرقي'' التي صكها صاحب رواية ''عزازيل'' ضد الجزائر والجزائريين، لم يكن ليمر هكذا دون تداعيات· حيث أن المقالة المشؤومة''ذكريات جزائرية'' التي كتبها بيومية المصري اليوم على خلفية المباراة الفاصلة التي جمعت فريقي الجزائر ومصر، والحملة الإعلامية والدعائية الشرسة التي تبعت ذلك الحدث الرياضي، تضمنت تجاوزات وسقطاتلم يتخيل أحد أنها يمكن أن تصدر من كاتب - حسبناه مرموقا وأكاديميا-· ففي مقارنة بدت بديهية وفاضحة في ذات الوقت وضع ''حروب'' القارئ أمام مشهدين صارخين لرواية عزازيل التي وصفها بالرائعة، وبأنها ترسم (جانباً من الصراع الأزلي بين العقل والغوغائية)، وبين مقالة زيدان التي وصفها بكتابة (شعبوية وغوغائية وعنصرية ضد الجزائر كبلد وضد الجزائريين كشعب)، وبأنها ذات (لغة نزقة متوترة وركيكة لا علاقة لها بلغة الرواية الرصينة، الشاعرية والمبهرة)!، مدللاً على فقرات مهمة من المقال تؤكد هذه الروح وهذا التوجه، كما هو الحال بالنسبة لوصف الكاتب، الطلاب الجزائريين الذين زاملوه بالدراسات العليا بكلية الآداب بأنهم (كانوا والحق يُقال مثالاً للغباء والعنف الداخلي والتعصب المطلق)، وأن (فيهم الجبن المميز لسكان الصحراء)، وأنهم (البدو الصحراويون الذين صار لهم بلد، فظنوا أنفسهم مثل المصريين وتخيلوا أن كل البلدان مثل كل البلدان)!· هذه اللغة الفجة والعنصرية المقيتة والتحامل غير المبرر على عموم الجزائريين وتاريخهم، لم يمر دون موقف، سيما وأنه صادر من اسم أصبغ عليه الكثير من ''الهالة'' على المستوى الروائي والبحثي، وتم تكريمه بجائزة هي الأرقى في المشهد الثقافي العربي· وهو الأمر الذي دفع بالكثير من المثقفين إلى تبرئة الجائزة من هذا ''السقوط الحر'' الذي مارسه أحد الحائزين عليها وذلك بسحبها منه، ونفض ''الأدباء أيديهم'' من هذه الحماقة التي وقع فيها الكاتب الأكاديمي الذي ظل إلى وقت قريب ينشر أبحاثاً وأعمالاً أدبية في مقارعة معلنة ''للغوغائية والتعصب والكراهية'' قبل أن يسقط مخيرا في أحضانها· هنا انتفض العقل النوعي، على العقل النمطي الديماغوجي، فخرج ''فهمي هويدي'' مندهشاً ومستغرباً من هذا السقوط، وهنا انتفضت ''منى البرنس'' مستنكرةً ومفندةً لقوالب زيدان الجاهزة الكسولة، والتي للأسف لا تصنفه إلا مع غلاة الشوفينيين·· وهنا أيضا برزت مقالة رصينة ''لحسن خضر'' لتطرح السؤال الأكثر ذكاءً في هذه المفاصلة بالقول: ''إذا كانت البنية الروائية لعزازيل قد جاءت على هيئة نصٍّ أدبي أملاه عزازيل على الراهب هيبا، فمن الذي قد أملى مقالة ''ذكريات جزائرية'' على يوسف زيدان؟··'' وهو السؤال الأقرب للاستخلاص - الواضح غير الخفي على القارئ الذكي -·· منه إلى الاستفهام· ومع تزايد أعداد ''الطارحين'' للسؤال الذكي بجانب المطالبين بالسؤال الأول ل ''خالد حروب''، سقطت مصداقية زيدان وسمعته الأكاديمية والفنية في آن سواء في حضن شارات الاستفهام بجانب النقاش المحتدم في الأوساط الثقافية المصرية عن ''اللوثة العقلية'' التي أصابت بعضا من ''النخبة المصرية'' خلال فعاليات السباق الرياضي الأخير مع الجزائر، وهو ما جرّ الكثير من أصحاب الزوايا الصحفية إلى التساؤل عن أسباب انجراف أقلام رصينة في لعبة بهذه الوضاعة؟! في ظل هكذا وضع، ماذا يمكن لكاتب أغراه عزازيله في أن يمارس دور ''مشجع من الدرجة الثالثة أو الرابعة''، فراح يكيل الاتهام والإساءات لبلد كل ذنبه أنه ملك في هذه الدورة منتخبا أكثر حرفية من منتخب ''أم الدنيا''، بل الأدهى أنه سقط في ما هو أبعد من ذلك عندما دار في فلك ''العنصرية''· يوسف زيدان الأكاديمي كان عليه أن يكون أكثر شجاعة وجرأة بدلا من ممارسة هواية الهروب نحو الأمام، عبر استخدام خاصية ''الاستعانة بصديق'' كما هو الحال بالنسبة لبرامج المسابقات التلفزيونية، فعندما يعجز المتسابق عن الإجابة على السؤال الصعب، يضطر أن يستعين بصديق وفي مواجهة أخرى على الهواء قد يعجز فيها الصديق نفسه عن الإجابة، فتصبح الفضيحة ''بجلاجل''، حسب التعبير المصري نفسه! زيدان الباحث اختار أن يستعين بمن أسماه صديقي ليمرر رسالة لم تصل إلى المعني بالأمر، فكتب مقالة طويلة لم يقل فيها شيئا يستحق الاهتمام أو يفسر السقوط سوى أنه شرح وبيّن للعامة أنه لا يكتب هذه المقالة إلا مضطرا لا مخيرا، وذلك تحت وقع المقالات الرصينة التي فندت وعرت مقالته المشؤومة·· بل ويتوقف عند السبب الأبرز والأهم لخالد حروب: ''ونعى علي تعصُّبي ضد الجزائر، وتساءل في نهاية المقالة إن كان يجوز له المطالبة بسحب جائزة (البوكر) عقاباً لي!''، ولأنه السؤال الأبرز والأهم، لم يبخل زيدان في وضع علامات الاستفهام والتعجب حوله، كما لم يفعل مع الإحالات السابقة· تبقى الإشارة إلى أن توبة ''الكاتب''- إن كانت جائزة فعلا في الفقه الأدبي - فينبغي أن توجه للقراء أولا قبل الأصدقاء وينبغي أن تكون شفافة ونصوحا، لا ملتوية بمنطق ''إياك أعني واسمعي يا جارة''، والأهم أن تكون مخلصة وصادقة لا مُخلصة من مأزق ما يتهدد الكاتب وسمعته وجوائزه·