والي أم البواقي يكشف: مساع للتكفل بالمستثمرين عبر 17 منطقة نشاط    طرحوا جملة من الانشغالات في لقاء بالتكنوبول: مديرية الضرائب تؤكد تقديم تسهيلات لأصحاب المؤسسات الناشئة    عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية    ميلة: بعثة من مجلس الأمة تعاين مرافق واستثمارات    مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة: تطوير شرائح حيوية تعتبر الأولى من نوعها في العالم    أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنساني    الوزير الاول يلتقي عضو المجلس الرئاسي الليبي: الكوني يدعو الرئيس تبون لمواصلة المساعي لتجنيب ليبيا التدخلات الخارجية    يُبرز التطور الذي عرفه قطاع البناء في الجزائر: 900 مشارك في الطبعة 26 لصالون باتيماتيك    وزير الداخلية إبراهيم مراد يشرف على تمرين مشترك ويؤكد: يجب تجسيد التعاون بين الحماية المدنية في الجزائر و تونس    دعا الدول الاسلامية إلى اتخاذ قرارات تعبر عن تطلعات شعوبها: الرئيس تبون يشدّد على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    مساع لتجهيز بشيري: الهلال يرفض الاستسلام    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    رئيس الاتحادية للدراجات برباري يصرح: الطبعة 24 من طواف الجزائر ستكون الأنجح    مديرية الاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة المراسل الصحفي عبد الحليم عتيق    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    وزيرة الثقافة زارتها بعد إعلان مرضها    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    خارطة طريق لضمان التأطير الأمثل للحجاج    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    24 ألف مستثمرة فلاحية معنية بالإحصاء الفلاحيّ    3 شروط من أجل اتفاق شامل ومترابط المراحل    مضاعفة الجهود من أجل وقف العدوان الصهيوني على غزة    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    توقُّع نجاح 60 ٪ من المترشحين ل"البيام" و"الباك"    على هامش أشغال مؤتمر القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يجري محادثات مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي    الفلاحة.. طريق مفتوح نحو الاكتفاء الذاتي    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    برنامج الجزائر الجديدة في حاجة إلى المؤمنين بالمشروع الوطني    موقع إلكتروني لجامع الجزائر    طريق السلام يمرّ عبر تطبيق الشرعية الدولية    إقبال واسع على معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    غرق طفل بشاطئ النورس    انتشال جثة شاب من داخل بئر    خلاطة إسمنت تقتل عاملا    من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الأنترنت الدرك الوطني يحذّر..    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    نجوم جزائرية وعالمية تتلألأ في سماء عاصمة الهضاب    الدكتور جليد: التاريخ يحتاج لأسئلة معرفية جديدة    ثلاث ملاحم خالدة في الذّاكرة الوطنية    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاءً    دراجون من أربع قارات حاضرون في "طواف الجزائر"    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    غيريرو يغيب عن إيّاب رابطة أبطال أوروبا    بموجب مرسوم تنفيذي : إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: 21 فيلما قصيرا يتنافس على جائزة "السنبلة الذهبية"    "معركة الجزائر" تشحذ همم الطلبة الأمريكيين للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضاءات تاريخية في مسيرة الشهيد الرائد عمر إدريس " سي فيصل"
في ذكرى استشهاده الثانية والستون 06 جوان 1959
نشر في الجلفة إنفو يوم 07 - 06 - 2021

ولد محمد ادريس المدعو عمر في 15 مارس 1931 بمدينة القنطرة بولاية بسكرة، زاول دراسته بمسقط رأسه في مدرسة الهدى التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تعلم العربية والفرنسية كما حفظ القرآن الكريم. ونظرا للظروف الاجتماعية الصعبة اضطر إلى التوجه للحياة المهنية فاشتغل في صناعة الأحذية. وتنقل إلى باتنة ثم العاصمة.
استدعي عمر إدريس في سنة 1951 لأداء الخدمة العسكرية في سلاح المدفعية في مدينة أريس.
و عند اندلاع الثورة تكفل بالاتصالات في مدينته، ومنذ 1955 انضم إلى جيش التحرير الوطني بالأوراس، ومن الأوراس انتقل إلى الصحراء للعمل رفقة الشهيد عاشور زيان، وذلك بتكوين الأفواج لتقوم بعمليات جمع الأموال، الحراسة، التموين ، نقل الأخبار و غيرها.
ومما يذكره عنه رفيق دربه الطيب فرحات الذي التقى به أول مرة بجبل القعدة وهو في مهمة اتصال مع الولاية الخامسة التاريخية، فقد برز عليه الجدية والتحكم في كلامه وحركاته كما أنه لاحظ أنه على قدر كبير من الاحترام والطاعة من طرف جنوده وكذا الانضباط التام الذي يسود فرقته فتأكد له صحة ما يروى عن شجاعته ومقدرته القتالية التي قهر بها العدو، في معركة 10 جوان 1956 بجبل قعيقع التي ردد صداها شعراء الملحون.
وعندما أخبره الرائد الطيب فرحات باستشهاد القائد زيان عاشور، الذي ترك فراغا كبيرا في تلك الظروف العسيرة والخطيرة، لم يكن عمر إدريس يفكر في خلافته. لكن عندما شرح له الأسباب الموضوعية، خاصة تلك التي تهدد المنطقة و تجعل منه الرجل الوحيد القادر على إنقاذها والحفاظ عليها، قبل الرائد عمر إدريس المهمة وتصدى بما يلزم من حزم وروح للمسؤولية، وقام بدوره على أحسن ما يرام عند مكوثه في المنطقة و لم يكن يدّعي أنه ينتسب لأي قبيلة لكنه تجاوب مع كل القبائل والتحم بها حتى أصبح اسمه على كل لسان كرمز للبطولة الثورية.
نشأ الرائد عمر إدريس في المدينة بعيدا عن البادية، ورغم ذلك أصبح أعرف الناس بروح البادية وأخلاق أهلها ومحيطها، حتى صار يعرف مساكنها منزلا منزلا وشجرة شجرة وحجرة حجرة، يسير بها الليالي بدون دليل ويختار المواقع بمهارة التي يتمركز فيها العدو.
لم يكن رحمه الله من صناع المؤامرات بل كان نوعا خاصا من المجاهدين والقادة الذين صنعتهم الثورة فأصبحوا الوقود الذي ينطلق به صاروخ الثورة المدمر.
كانت الثورة واحدة موحّدة علمته أن لا مكان للأهواء والنزعات ولا للجهات أو الجماعات، وهذا ما جعله يتصدى للمصاليين ويحبط خطتهم الهادفة إلى إرساء قاعدة قوية في الصحراء، تساند وتمد بالسلاح والمال والرجال العناصر المصالية التي كانت تقاتل المجاهدين في بلاد القبائل. أفشل محاولاتهم للانقلاب على سي زيان عندما سافر للاتصال بمصطفى بن بولعيد في الأوراس.كما أحبط مساعيهم في الاستيلاء على قيادة الجيش عند استشهاد سي زيان عاشور.
من اليمين الى اليسار: الشهداء عمر إدريس، بوعمامة، على بن مسعود، مخلوف بن قسيم
وبنفس الإيمان بالثورة والجزائر، تصدى للمؤامرة الرهيبة التي دبرتها المخابرات الفرنسية واستعملت فيها بلونيس الذي يعمل باسم مصالي الحاج والعلم الوطني ليخدع الشعب ويبسط نفوذ فرنسا على المنطقة الاستراتيجية، وهي المنطقة التي تعتبر بوابة الصحراء وذلك كخطوة أولى نحو بقية المناطق الصحراوية وكبداية خطيرة لفصل الصحراء عن الثورة وبالتالي فصلها عن الجزائر.
لم يكن هناك أحد يملك ثقة الشعب ومعرفة أرضه وجباله ما يواجه به هذا المخطط الجهنمي إلا عمر إدريس، الذي قاد معركة قاسية طويلة ذاق فيها الأمرين مع جنوده البواسل حتى قضى على المؤامرة وطهّر الصحراء من الخيانة والخونة.
وهكذا برهن إدريس عمر في كل مراحله الجهادية عن ضمير وطني حي ووعي سياسي يقظ مع شجاعة بطولية ورأي سديد ثاقب وسيبقى اسمه مفخرة لأبناء الصحراء ومنارة يقتدي بها شباب الجزائر.
إثر استشهاد القائد زيان عاشور في 07 نوفمبر 1956، عين عمر ادريس خلفا له، فواصل تنظيم الثورة، فانطلقت العمليات و المعارك من جديد.
القائد عمر إدريس يُعيّن خليفة للقائد زيان عاشور
بعدما سمع عمر إدريس نبأ استشهاد البطل زيان عاشور، عقد اجتماعا في "ثنية القمح" قرب "عين الريش" لقادة الأفواج حيث واجه محاولة تمرد قادها كل من (محمد بلكحل، عبد القادر جغلاف، العربي مزيان القبائلي، عبد القادر لطرش) الذين بذلوا جهدهم في محاولة لمنع اختيار المجاهدين له كقائد خلفا للشهيد زيان عاشور، لكن إرادة الله، و نزاهة المجاهدين المخلصين وقفت حائلا دون محاولاتهم، و تم اختيار عمر إدريس قائدا للجيش رفقة نائبه الطيب فرحات ( أحميدة)، ورغم خلافته للقائد زيان عاشور فإنه لم يكن من السهل السيطرة على المنطقة.
في تلك الأثناء كانت هناك اتصالات بين سي الحواس وكل من عمر اوعمران و عميروش اللذين كلفا بتبليغ قرارات مؤتمر الصومام إلى الجهات التي لم تحضره، وذلك بالقرب من (موقة) ببلاد القبائل.
ففي جانفي 1957، أعطى نجاح الإضراب الذي نادت إليه جبهة التحرير الوطني، نفسا جديدا للمجاهدين، وفي شهر فيفري عاد سي الحواس من تلك الرحلة مصحوبا بلجنة ثلاثية أوفدت من طرف لجنة التنسيق والتنفيذ بطلب منه للتعرف على الأوضاع التنظيمية بالمنطقة، وتضم اللجنة في عضويتها على الخصوص كل من محمد قادري عن الولاية الأولى و بوجمعة عن الولاية الثالثة وبرفقة كل من علي بن شيبة ونور الدين مناني.
وقد اتصلت اللجنة كذلك بعمر إدريس الذي خلف زيان عاشور للقيام بنفس المهمة بالمنطقة التي كان يقودها.
من جانب آخر اتصل عمر إدريس بلجنة التنسيق والتنفيذ بالجزائر العاصمة بواسطة السيدين محمد الصالح رمضاني وعبد اللطيف سلطاني.
ظروف تأسيس منطقة العمليات رقم تسعة من الولاية الخامسة
في أواخر 1956، خلف عمر إدريس الشهيد زيان عاشور على ناحية أولاد نايل وشرق جبال عمور بمبادرة من رفاقه، وسبب ذلك أن ولاية "الأوراس - النمامشة" كانت يومئذ ما تزال تبحث عن قائد يخلف الشهيد مصطفى بن بولعيد، علما أن المكلف بفرع الصحراء الحسين بن عبد الباقي، فضل العودة إلى الأوراس اثر خلاف حدث مع سي الحواس في أوت 1956 .
هذه الأوضاع فرضت على عمر إدريس، الاتجاه إلى ناحية الغرب أي صوب المنطقة الثامنة من الولاية الخامسة، بينما سي الحواس فضل التوجه شمالا نحو الولاية الثالثة لينتقل بعدها إلى تونس في مارس 1957 حيث اتصل ببعض المسؤولين وتم تناول موضوع إعادة تنظيم الولاية السادسة خاصة بعد استشهاد قائد الولاية علي ملاح، وكان عمر إدريس منسجما في ذلك مع توجهات مؤتمر الصومام التي تربط المناطق الصحراوية عموما من حيث التمويل والتسليح بالقواعد الخلفية للثورة على الحدود المغربية.
عمر إدريس رجل المصالحة بين قادة المنطقة الثامنة من الولاية الخامسة والزيانيين
كانت المنطقة الثامنة من الولاية الخامسة والتي كان سيتوجه إليها عمر ادريس من أجل المحادثات مع لطفي، تعيش جوا ثوريا متميزا. حيث انه كثف اتصالاته مع قادتها بواسطة العماري، لكن تفاقم خلاف هذا الأخير مع قائده موسى بن احمد "سي مراد" إلى حد دفع هذا الأخير إلى إيفاد العماري إلى "فجيج" قصد اطلاع لطفي على استمرار الصراعات بينهما التي قد تؤدي إلى مجابهة دموية بين الإخوة.
في تلك الأثناء وقعت معركة "ريشة السبعين" بجبل القعدة بالجهة الشرقية بين جيش التحرير بقيادة عبد الرحمان بلهادي وقوات الاحتلال الفرنسي وقد دامت عدة أيام، وتعتبر أطول معركة في المنطقة، تكبد فيها العدو خسائر فادحة وسقط في ميدان الشرف أكثر من 70 شهيدا وأُسر قائد العملية وأُعدم بإحدى ثكنات الأغواط، هذه المعركة كانت تحت أعين قادة المنطقة الثامنة من الولاية الخامسة الذين قاموا بعدها بأسر الكتيبة بناء على شكاوى من المواطنين الذين اتهموا الكتيبة بالتحريض ضد جبهة التحرير الوطني، وإلصاق تهمة الخيانة بها، بالإضافة إلى تأليب المواطنين ضد الجبهة.
الواقفون من اليمين الى اليسار: القائد عمر ادريس، الضابط فرحات الطيب، سليماني سليمان (لكحل)، جلول مقلاتي، الضابط بوعمامة بوعبد الله ، الجالسون من اليمين الى اليسار: امحيمدة بوعزة، زناقة حمداني ابرهيم، الضابط ابن سليمان محمد
وقد كان من بين المحتجزين لدى قادة المنطقة الثامنة القيادي بالحركة الوطنية (محمد بلهادي) الذي قدم من معركة عين الملح جريحا، من اجل خلافة أخيه "عبد الرحمان بلهادي"، وكان "محمد بلهادي" يرى نفسه خليفة للشهيد "زيان عاشور".
و حتى لا تتفاقم وتتطور الأحداث، تدخلت أطراف لتقويض النزاع بين أتباع الحركة الوطنية والجبهويين، وسعت لفك أسر الكتيبة. لكن المساعي التي قادها سي شوقي، بينه وبين الملازم أيوب "علالي قويدر" من جهة جيش التحرير الوطني، باءت بالفشل، وتم توظيف شخصية "عمر إدريس" في مفاوضات جديدة نظرا لعلاقاته الواسعة وسمعته في صفوف الثوريين من جبهة التحرير أو الحركة الوطنية، رغم أنه (جبهاوي)، وتم في شهر ماي 1957 التوصل إلى اتفاق إثر لقاء بجبال "قعدة القمامتة" بحضور الرائد "سي لطفي"، ممثلا عن قيادة الولاية الخامسة التي كان يقودها "عبد الحفيظ بوصوف" و تم تحرير محضر يوضح العلاقات المستقبلية بينهم، وتم أيضا توقيع وثيقة رمزية بين "لطفي" و"عمر ادريس" على أن يتم ترسيمها في المغرب.
والجدير بالذكر أن عمر إدريس كان مرفوقا في هذا اللقاء بعدة مجاهدين، منهم (مقلاتي، بوعزة، فرحات، وبلقاسم قرادة)، كما حضر اللقاء أعيان من منطقة العمور والإدريسية والشارف، وهي مناطق تابعة للولاية الخامسة وحدودية مابين الولايتين السادسة والخامسة.
عاد عمر إدريس أدراجه إلى جبل قعيقع من أجل تنظيم المنطقة وذلك استعدادا لسفره إلى المغرب رفقة الطيب فرحات، خاصة وأن أخبارا بدأت تروج حول تقدم بلونيس نحو دار الشيوخ، وفي شهر جوان 1957، ذهب عمر إدريس رفقة الطيب فرحات و أيوب والشايب وعيسى من حد الصحاري، من أجل لقاء قائد المنطقة الثامنة "لطفي" الذي اقترح عليهم التوجه إلى المغرب من أجل ترسيم الاتفاق الأولي، بموافقة و إشراف قائد الولاية الخامسة "عبد الحفيظ بوصوف"، وهو ما أراده عمر إدريس الذي استخلف وراءه نائبه حاشي عبد الرحمان وعيسى بكباشي في جبل قعيقع.
توجه عمر إدريس رفقة قائد المنطقة الثامنة لطفي عبر نافذة ناحية فيقيق، وهناك اجتمع بهم قائد الولاية عبد الحفيظ بوصوف عضو لجنة التنسيق والتنفيذ، الذي عبر عن إعجابه وتقديره لعمر ادريس، مؤكدا ثقته الكاملة في حسن قيادته.
القائد عمر إدريس وتوحيد الصفوف مع الولاية الخامسة
عقب الاتفاق الذي وقع بين العقيد لطفي وعمر إدريس، قائد جيش الصحراء، توجه هذا الأخير رفقة ممثلي المنطقة الثامنة إلى جبل قعيقع، 18 كلم شمال شرق دار الشيوخ، من بينهم عيسى بكباشي وعبد القادر بوعسرية بالإضافة إلى عدة مجاهدين وقد استقبل ممثلو جبهة التحرير الوطني التابعة للولاية الخامسة باحتفالية كبيرة من طرف جنود جيش التحرير الوطني لتكون إيذانا بانضمام (جيش الصحراء)، المتمركز في جبل قعيقع إلى جبهة التحرير الوطني بالولاية الخامسة ويكون آخر ماي من 1957 هو الانضمام الفعلي في منطقة قعيقع. وقد تم ذلك بحضور ممثلي المنطقة الثامنة تحت قيادة "عيسى بكباشي" وجيش التحرير الوطني الجزائري تحت قيادة "عمر إدريس". ويذكر المجاهد بوعسرية في شهادته أن الوفد استقبل بحفاوة كبيرة من طرف أهل منطقة "قعيقع" و أن جنود جيش الصحراء كان تعدادهم أكثر من 800 جندي.
إن المساعي الحثيثة التي قادها كل من القائد عمر إدريس ونائبه "حاشي عبد الرحمان" استطاعت ضم "جيش التحرير الوطني الجزائري جيش الصحراء " تحت لواء جبهة التحرير الوطني التابعة للولاية الخامسة واستحداث منطقة تابعة لها باسم العمليات رقم 09 من أجل القضاء على حركة بلونيس. ومما يذكره المجاهد "عبد الحميد حاشي" في شهادته هو الدور الايجابي الذي لعبه عمه "حاشي عبد الرحمان" في إقناع "عمر إدريس" بالانضمام إلى جبهة التحرير الوطني التابعة للولاية الخامسة، رغم النتائج الوخيمة التي نتجت عن هذا الإجراء والتي كانت سببا، حسب قوله، في عدم رضا قادة الكتائب التابعة له على غرار "العربي مزيان" المدعو "القبايلي" و"عبد القادر لطرش" و"جغلاف" و"مفتاح". حيث أنهم خططوا فيما بعد للانقلاب على "حاشي عبد الرحمان" وممثل الولاية الخامسة "عيسى بكباشي" في سبتمبر 1957 عقب سفر عمر إدريس إلى المغرب من أجل توقيع اتفاقية الانضمام رسميا مع قائد الولاية الخامسة عبد الحفيظ بوصوف بالإضافة إلى جلب السلاح.
إضافة إلى ما سبق ذكره، فان مؤتمر انضمام "جيش الصحراء " تحت لواء "جبهة التحرير الوطني" كان سببا مباشرا في لفت نظر القوات الفرنسية في اختيار منطقة " قعيقع" واختيار دار الشيوخ كمقر لحركة بلونيس. ويعد هذا الإجراء انتقاما من قادة جيش التحرير الوطني من جهة والقضاء على مؤتمر جبل "قعيقع" بدار الشيوخ في مهده باعتبار أن فرنسا تخوفت من الاستقبال الكبير الذي حظي به ممثلو الولاية الخامسة في المنطقة، لأنه يعد الأول من نوعه خاصة من الجانب التنظيمي.
القائد عمر إدريس والتركة الملغمة
إن من الأسباب التي أوصلت المنطقة إلى التأخر نوعا ما عن ركب الثورة هو عملية التعتيم التي كانت تقوم بها القيادة في السنتين الأوليتين فرغم المعارك التي يقوم جيش الشيخ زيان عاشور، إلا أن عدم إذاعتها في إذاعة القاهرة كانت لها نتائج وخيمة فيما بعد، فقد دخل بلونيس وجيشه على الخط كما أن الفرنسيين استغلوا هذه الوضعية وهنا نؤكد بان انضمام بلونيس للجيش الفرنسي كان سببه عدم تقدير الموقف من طرف عمر ادريس، فقد حذره عبد الرحمان حاشي منه واعتبر أن هذا الرجل الذي التجأ إلى هذه المناطق وبرفقة 17 جنديا يلزم على القيادة أن تضمه للجيش التابع للولاية الخامسة إن كان مواليا أو يتم إعدامه إن كان خائنا للثورة، هذا وقد أكد المجاهد الشريف شنوفي بأنه تحادث مع بلونيس واعلمه بأنه لن ينظم إلى الجبهة التي قتلت الأبرياء في مسجد بني يلمان.
هذا التحذير لم يأخذ بعين الاعتبار من طرف القيادة مما كان سببا في الانقلاب الشهير في منتصف 1957 والذي لم يكن الشريف شنوفي حاضرا فيه بسبب الخلافات التي وقعت بين القائد حاشي عبد الرحمان ولخضر الرويني والطيب السوفي اللذان عارضا بان يكون حاشي قائدا عليهم، لأنهما يعتبران نفسيهما الأقدم والأقدر مما جعل هذا الأخير يطلب من القائد عمر ادريس اخذ كل من الشريف شنوفي وسالم علوي ولخضر الرويني والطيب السوفي، وهذا ما وقع فعلا حيث التحق الأربعة معا بالجهة الغربية ولم يعودوا إلا بعد الاستقلال وقد ألصقت بهم التهم وهي الولاء للمصالية.
القائد عمر ادريس في مواجهة جيش بلونيس
بعدما اعتقد بلونيس انه استطاع أن يسيطر على المنطقة بدعم القوات الفرنسية، كان القائد عمر إدريس في جبل قعيقع ومناعة يدرس خطة إستراتيجية من أجل القضاء على جيش بلونيس وذلك بالاعتماد على مخطط مضاد تعرف من خلاله نقاط ضعف الخصم مثل :
* -تصرفات بلونيس الرعناء مع الشعب.
* -اختلاف قيادة جيش الاحتلال حول جدوى العملية
* -وجود خصوم للعملية داخل صفوف عناصر بلونيس خصوصا عبد القادر لطرش ومفتاح الذين لم يفهموا التعاون المباشر مع الجيش الفرنسي.
* -التبعية المباشرة لجيش بلونيس للمخابرات الفرنسية، وقلة انضباطه ونقص كفاءته القتالية.
وبناء على ذلك وضعت القيادة العامة لجيش التحرير ممثلة في القائد عمر إدريس خطة إستراتيجية ذات شقين : سياسي وعسكري لمحاربة مؤامرة بلونيس.
أولا: الخطة السياسية اعتمدت على مايلي :
1 تكثيف العمل السياسي، برفع معنويات الشعب، والإكثار من حملات توعية الأعراش وإشاعة روح التنافس بين القبائل للتصدي لهذه الحركة.
2 تجديد خلايا الاتصال، وإنشاء عناصر مناضلة جديدة غير معروفة لدى الحركى.
3. تغيير مواقع وطرق التموين بإحداث شبكة جديدة، برجالها ومواقعها.
4. اختراق صفوف الحركة عن طريق الاتصال، ومراسلة رؤساء الاعراش ومن لهم نفوذ في أهاليهم وما حادثة اغتيال "عرعار بنعلية بن نبي" في دار الشيوخ إلا مثال بعد اكتشاف الرسائل التي وصلت إليه، و هي الدليل القاطع على أن جبهة وجيش التحرير قد اخترقتا الحركة منذ بداياتها.
5. استغلال الانتصارات التي حققها جيش التحرير على مواقع الخونة وإذاعتها في إذاعة الجزائر الحرة وما مقتل الضابط ريكول في معركة الزرقة في 25 جانفي 1958 إلا دليل آخر على أن جيش التحرير انتصر معنويا على حركة بلونيس.
6. زعزعة ثقة الفرنسيين في جدوى هذه الحركة الفاشلة ، في جيشها المهزوم في كل معركة يخوضها.
ثانيا: الخطة العسكرية
اعتمدت على جعلها حربا بدون هوادة على أعداء الأمة، للقضاء على المؤامرة، وكثفت عليها الهجومات وخاضت ضدها المعارك بدون انقطاع. فبعد عودة القائد "عمر إدريس" من المغرب في أواخر 1957 مزودا بكتيبتين من الولاية الخامسة، شرع في تنفيذ مخططاته وهجماته ضد الخونة من أتباع بلونيس، وقد تمركزت قوات المنطقة التاسعة التابعة للولاية الخامسة بجبال مناعة و قعيقع ووجه الباطن، لم يتوقف جيش التحرير عند هذه المناطق فحسب، بل توسع نحو جبال بحرارة وحواص وجبال الشارف والادريسية غربا. هذا الاتساع ساعد قيادة جيش التحرير على التمركز جيدا من أجل مجابهة القوات الفرنسية وأتباعها من جيش بلونيس وشن العديد من العمليات الحربية المباشرة ونصب الكمائن والاشتباكات اليومية، حيث دخلتا معا في العديد من المعارك التي كانت منذ بداية سبتمبر 1957، و لعل أول صدام مسلح بين جيش التحرير الوطني والجيش التابع لبلونيس كان في معركة بوذيب بالقرب من تاوزارة في 24 سبتمبر 1957. معركة الزرق في جبل حواص 25 سبتمبر 1957، معركة المققشة (العريقيب) بجبل مناعة في 28/29 جانفي 1958، معركة الزرقة جبل الزرقة، الهامل 02 فيفري 1958، هجوم معتقل تامسة فيفري 1958، معركة جبل بودنزير ،معركة الزعفرانية فيفري 1958 ، معركة المهرية 09/07/1958 ، معركة قلتة الرمال 01 أوت 1958، معركة العريعير في 13/10/1958 معركة سردون 19/02/1959.
ظروف استشهاد البطل عمر إدريس
أثناء عودته من الولاية الثالثة حيث حضر مع العقيد سي الحواس اجتماع الولايات خاض معركة ضارية بجبل الحمراء قرب أولاد سيدي إبراهيم تكبد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وبالرغم من أن الجنود المرافقين له لايزيد عددهم على 15 مجاهدا بينما قدر عدد القتلى من العدو بالعشرات وغنم المجاهدون مدفع رشاش فامبار أمريكي وفاز بالشهادة ثمانية مجاهدين وأصيب عمر إدريس أثناء المعركة الثانية بجروح خطيرة في رجله اليمنى أفقدته كل الحركة ومع ذلك واصل جهاده مضطرا أن يتنقل محمولا وبينما كان سي الحواس يستعد للسفر خارج البلاد أعلن عن تكليف الشهيد عمر ادريس بقيادة الولاية أثناء غيابه ، وبحكم منصبه رافق العقيدين " سي الحواس " و"عميروش" لتوديعهم على مشارف الولاية السادسة ، لكن قوات العدو حاصرتهم في جبل ثامر يوم 29 مارس 1959. وهناك استشهد العقيدين سي الحواس والعقيد عميروش واعتقل الرائد عمر ادريس واقتيد إلى سجن روس العيون بالجلفة حيث تم تعذيبه حتى يبوح بأسرار الثورة إلا انه أبى إلا أن يرتقي سلم الشهادة فتم إعدامه يوم 06 جوان 1959 بالجلفة .
أسرى معركة جبل ثامر من المجاهدين لدى العدو الفرنسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.