كعادته الطريق السيجارة والسيارة.. ثلاثية ألف الركون إليها في كل سفرياته..المنصب وشيء من الغياب والتفاخر يفرض عليه صناعة في وجهه. يقتل سيجارة ريم رابعة او خامسة .. درب يسابقه..سباقا جميلا.. ومميتا..السرعة الفائقة تكاد تلعب معه ومع العجلات لعبة الموت.. ليس في دماغه إلا ساعة وصوله... ومتى يرتمي في حض الوالدة..يركن الى زاوية البيت..ينازعه الشوق كمغترب لم ير بقاياه.. وقرة عينه في الوكر والوطن يشده الحنين ويتخيل إستقبال زوجته بالترحاب .. والى فنجان شاي معتبر وسيجارة سابعة او ثامنة ليحكي عن الطريق... الاهوال والاحوال..أخر الأشياء هدايا للكل...خاصة لمروى..فلذة كبده وحيدته.. والتي تعلق بها حد الجنون..لم يترك من حبها للأخرين شيئا... تنازعه المكان والزمان. رغم ان القدر ألزمها السكوت الأبدي ....هو يفهمها..بل تجيد فن التعلق به.. يستلذ..فيها صمتها والشجار وتضرب واليه تعود شاكية باكية..ترتمي في حضنه..وبإصبعها..تشير الى مكان سقوطها من السلم او خدش أحدثه هشام.. الطريق تطول لديه عندما يتذكر مروي..يتمنى ان يصل في اقرب وقت ممكن.. حتى تستقبله..عند الباب..لأنها تحفظ صوت سيارته. .السنيين الأربع من عمرها لم تمنعها أن تتعلق بالباب لتخرج منتظرة إياه..وأن تحتضنه.. وهي متسخة الثياب.. تلطخ أناقته...كل هذا يذوب ساعة اللقاء..يرفعها يداعبها.. يسكن معها زاوية الغرفة..يحكي لها بإلاشارة ماتفهم.. وتجيد الاستماع. شموخ الرجل يختفي وراء دمعته التي سبقت سرعة السيارة.... هي تملأ البيت مرحا.. وفوضى....تسقط تتعثر..تتابع علاجا كان نهايته..تلك العملية الجراجية التي يراد ان تتكلم بعدها.. في غياب الأب تتعلق بجدتها التي أخذت عنها سيلا من الحنان والخلق..رحلة العمر بينهما لم تمنع ان تصغر لها... وتجلس معها تجمعهما حكاية..تلويح الأيادي.. ومداعبة أطفال .. يرتشفان معا فنجان قهوة في أواني اللعب البلاستكية الصغيرة.. ولهذا المسار الطويل والشوق للعودة.. ودهشة وحيرة.. أنامل تتفحص بقايا علبة السجائر التي بقي فيها أخر سيجارة لأنه للتو قتل أختها بقدمه قبل انقضائها. تتلخص له حكايات مروى..وإستقبال مروى..كاأحمل حكاية في الحب من الواحد الى ما لانهاية.. أنه تركها اليوم عليلة.. ولولا معطيات العمل لما فارقها ابدا..ألقى معاذيره..وإمنياته.. بالشفاء الى الله...و.....قبل أن تطأ قدماه المكان يستقبله حشد من الناس.. كما أستقبل والده قبل أيام.. من زيارة البقاع المقدسة.. هو لم يحج لكنه مدجج بحب مروى.... أخذته الأفراح والمخاوف.. في رحلة تناقضية....تبادره الأسئلة لكمات..معزية كيف ماتت.. كانت في صحة جيدة رأينها بالأمس قرب الباب.. يسأل ماذا جرى..من مات كل العائلة تركتها في عافية..وهناء .. هناء الكلمة التي لاتفارقه ساعة وهو يحلم بها طول السفر.. دخل تفحص.. والخوف والألم يقتلانه.. من مات.. لا أحد يملك جرأة الأجابة .. الأعين باكية.. والغائب الوحيد أعطاه الاجابة.. غابت مروى.... الرجل دون وعي يجري الى غرفة وحيدته..برداء أبيض ترقد تحته.. ينزعه يحاكيها.. لن ينتظر الجواب كعادته.. لكن صمت الصمت يزرع الألم.... مروى كليميني.. لما السكوت.. حدثيني بالأشارة.. حركي رأسك.. كي أعرف انك تحسين بوجودي.. لما تركتني وحيدا..أعطيتك ماإستبقيت شيئا.. لم أبخل بعلاج.. او لباس ا وحنان.. أسرعت اليوم من أجلك.. لقد أحضرت لك دمية متحركة .. انظري إنها تتراقص.. يقبلها باكيا..تملأ دموعه وجهها الصغير.. ينتظر أن تصحو وترتمي في حضنه كالعادة.. فكر لوهلة انها تمارس معه لعبة.... لكن هيهات.. الموت أسرع من السيارة.. والطريق.. أحس بملوحة ماء عينيه..لم يتحمل أكثر.. والناس في إنتظار هذا الرجل لتواسيه.. خرج وقد استعار هيبة وعدم إكتراث.. يضحك مع الناس.. وقلبه يتفظر ألما..بل يمازح.. هذا المعزي..عن لباسه الأبيض..كا، الأجدر أن يكون الحذاء أيضا ابيضا.. لون السواد يخالط الحمرة في عينيه..يختفي ذاهبا الى أين..أنه الوداع الأخير... لوحيدته.. وأنها القبلة الأخيرة..لجثة طفلة لن تموت. إعتدر وإستغفرلله العتاب والغياب..وتبدأ رحلة النسيان من الصفر أملا للوصول الى ماشاء الله.. لكن لأحمد.. مروى واحدة. فقط..سجلها في القلب.. وفي هذا الألبوم الزاخر..بالطفلة الضاحكة...أبدا بين السكون والجنون..الألم ودلائل الفرح..المنتظر.. يسكن سؤال..هل يأتي من يحل محل مروى..لكن الاجابة صارمة.. والمقادير لله وكل الحكاية قبل ذالك او بعد مروى غابت هذا اليوم.ولن تعود الى الأبد.. - الجلفة- الجزائر حاسي بحبح في1997/06/11