الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد
الأمة العربية
الأيام الجزائرية
البلاد أون لاين
الجزائر الجديدة
الجزائر نيوز
الجلفة إنفو
الجمهورية
الحصاد
الحوار
الحياة العربية
الخبر
الخبر الرياضي
الراية
السلام اليوم
الشباك
الشروق اليومي
الشعب
الطارف انفو
الفجر
المساء
المسار العربي
المستقبل
المستقبل العربي
المشوار السياسي
المواطن
النصر
النهار الجديد
الهداف
الوطني
اليوم
أخبار اليوم
ألجيريا برس أونلاين
آخر ساعة
بوابة الونشريس
سطايف نت
صوت الأحرار
صوت الجلفة
ماتش
وكالة الأنباء الجزائرية
موضوع
كاتب
منطقة
Djazairess
شان-2024/ودي: المنتخب الجزائري للمحليين يفوز أمام رواندا (2-0)
الاقتصاد الجزائري بخير.. والقدرة الشرائية تتحسن
رافعات من الجيل الجديد تؤسّس لموانئ"ذكية" بالجزائر
آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا
إجراءات جديدة لإصدار تأشيرات العمرة الموسم القادم
الجزائر تتوّج بالجائزة الذهبية "اليتيم"
"حماس" تدين جريمة الاحتلال بحق سفينة "مادلين"
المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف
مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"
كنت مستعدا لكسر ساقي من أجل البرتغال
إجماع على استقدام جمال بن شاذلي
خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال
رفع ألفي طن من النفايات
جمع 27 ألف "هيدورة"
"التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي
عوالم من نور تتجاوز الملموس البائس
تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025
مناقشة مشروعي القانونين المتعلقين بمحكمة التنازع والوقاية من المخدرات
12 جوان.. آخر أجل لتفعيل حسابات المكتتبين في "عدل3"
مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين
برنامج "عدل 3" : ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان
السيد مراد ينوه بتجند مستخدمي الجماعات المحلية خلال أيام عيد الأضحى المبارك
مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن : العمليات الانتقالية السياسية السلمية في وسط إفريقيا تمثل "تقدما لافتا" باتجاه المصالحة
مصطفى حيداوي : تقدم ملموس في إعداد المخطط الوطني للشباب وإستراتيجية قطاع الشباب
أشاد بمجهودات أعوان الرقابة.. زيتوني ينوه بحس المسؤولية الذي تحلى به التجار خلال أيام العيد
توقيف 3 مجرمين وحجز قرابة 5ر1 مليون قرص مهلوس بباتنة
عودة أول فوج للحجاج الجزائريين غدا الثلاثاء الى أرض الوطن بعد أداء المناسك في ظروف تنظيمية محكمة
ألعاب القوى/ الملتقى الدولي بإيطاليا: العداء الجزائري سريش عمار يتوج ببرونزية سباق 1500 م
عيد الأضحى: احتفال في أجواء من البهجة والتضامن والتآزر
الملتقى الدولي بموسكو: نسرين عابد تحطم الرقم القياسي الوطني لسباق 800 م لفئة اقل من 20 سنة
"قافلة الصمود" : قرابة 1700 مشارك ينطلقون من تونس لكسر الحصار الصهيوني على قطاع غزة
وهران : الطبعة الأولى لمعرض الجزائر للسكك الحديدية بدءا من الأربعاء
معركة سيدي عبد الرحمان بالشلف : بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية
جامعة فرحات عباس بسطيف: 3 باحثين يتحصلون على براءة اختراع في مجال قياس الجرعات الإشعاعية
تنظيم الطبعة الرابعة لصالون الصيدلة "ألفارما" من 26 إلى 28 يونيو بعنابة
وزير الثقافة زهيرَ بللُّو يهنئ الفنانين في يومهم الوطني
حث على تعزيز أداء الخدمة العمومية عبر كامل التراب الوطني
هلاك 9 أشخاص في حوادث المرور
غزة : استشهاد 11 فلسطينيا وإصابة العشرات
الفريق أول شنقريحة يترأس مراسم حفل تقديم التهاني
عملية جمع جلود الأضاحي لسنة 2025 تشهد تقدما ملموسا
الصحفي عبد الرحمن مخلف في ذمة الله
خواطر الكُتاب.. أبعاد لا تنتهي
لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم
متابعة 50 مشروعا كبيرا لضمان نجاعة الإنفاق
ناصري: كل عام وأنتم بخير
إيمان خليف تغيب عن بطولة العالم للملاكمة
بن جامع يدعو لإسقاط درع الحصانة عن الكيان الصهيوني
أعياد ودماء وخبز
شخصيات سياسية تدعو روتايو إلى الاستقالة
المغير: لمياء بريك كاتبة تتطلع إلى الارتقاء بأدب الطفل
تشييع جثمان المجاهد المرحوم مصطفى بودينة بمقبرة العالية
"وهران : اختتام الطبعة ال11 لمهرجان "القراءة في احتفال
الخضر يبحثون عن التأكيد
توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين
ويلٌ لمن خذل غزّة..
هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة
عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
أشْلاَءُ حُلْمٍ... تَلاَشَتْ خَلْفَ التِّلاَلِ..!
محمد الصغير داسه
نشر في
الجلفة إنفو
يوم 27 - 07 - 2014
1- وَأنَا عاَئِدٌ مِنَ الْجَلْفَةِ إِلَى الْبِيرِينِ، تَوَقَفْتُ فِي مَدِينَةِ {حَاسِي بَحْبَح} الْمِضْيَافَةِ اسْترَحْت فِيهَا اسْتِرَاحَة مُسَافِرٍ، وغَادرتُهَا عَصرًا عِندْمَا صَفَا الجوُّ واعتدَلَ، وهبَّت نَسَائِمُ الصَّيْفِ مُنْعِشَةً تُدَاعِبُ الْجُفون، وَتَحْمِلُ ألَقاً تُضَارِعُه ألْوَانُ السُّهُوبِ القزَحِيَّة، يمَّمْتُ وَجْهِي شَطرَ مَدِينَةَ {حَدِّ الصَّحارِي} عرَّجْتُ عَلى السَّبْخَة وَبُرْجَ الْحَمَّام، دَخلتُ المُنْعَرجَات وَالشَّمْسُ تَلِجُ مَخْبَئِهَا خِلْسَة تَارِكةً خَلفَهَا احْمِرَارًا، النَّهَارُ يَسْحْبُ بسَاطَ أنوَارِهِ، ليتوَارَى خَلفَ أسْوَارِ الغابَاتِ والصُّخُورِ، تَنْتفضُ الطيُورُ عَلى ذُرَى الأشْجَار وأغْصَانِهَا جَذَالَى تَنْتَشِي بهَذا السُّكُونِ، تبْدَأُ حَرَكَةُ الكَائِنَاتِ رَاكِضَة صَاخبَة تَظْهَرُ وَتَخْتَفِي، وأنَا أسِيرُ فِي هَذَا الليْل الدَامِسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، مُتدثرًا بألوَانِ الجِبَال السَّمْرَاءَ، والمُسَافرُ صَيْفًا فِي هَذِه البرَارِي يَقرَأ في خَطوَاتِه أحْدَاثَ الأرْضِ وأَخبَارَهَا، ويَسْترْجِعُ الذِّكْريَاتِ الْعَذبَة، وَأحْيَاناً يَسْكنهُ هَاجِسُ الخَوْف؛ الطرِيقُ يَتلَوَّى فِي ارْتَفَاعٍ وانْخِفَاضٍ، الدُّرُوبُ مِن حَولِي مُوحِشَة، السَّمَاءُ مُكتَظةٌ بالنُّجُومِ المُتلألئَة، ولاَ غَيْمَة فِي الأفُقِ، وَأنَا أسْرَحُ فِي هَذا الفَضَاء وَحِيدًا.
أتوَغَّلُ فِي تِلك الشِّعَابِ والْمُنْخفَضَاتِ بِبُطْءٍ.. يَالَهُ مِنْ مَشْهَدٍ جَمِيلٍ سَاحِرٍ..! لَكِن مَاذَا يندَسُّ في الْعَتَمَةِ؟ أنَا لاَ أُصَدِّقُ..! إنِّي ألْمَحُ امْرَأةً..أجَلْ.. امْرَأةٌ غَريبَة، تَكُونُ قَدْ فقَدتْ عِيَّالهَا أو هُم فقدُوهَا، تَجْلسُ القرْفُصَاء عَلى قارِعَةِ الطرِيق، تَمدُّ يَدَهَا مُتودِّدَة مُتلطفَةً، أسْألُ نفْسِي مِنْ أينَ جَاءَت؟ وأينَ هِيَّ مُتوجِّهَةً ؟ ليْسَ هُناك مَنازِلَ وَلاَ سُكَان فِي هَذَا الْعَرَاءِ، آلَمَنِي المَنْظرُ واسْتدْعَى كُلَّ نَوَازِعِي.
توَقفتُ بَعدَ تردُّدٍ، والْفَضَاءُ يَتلفَّعُ خَوَاءً أكْبرَ، سَألتُها: من تَكُونِين يَا امْرَأَة؟ كيْف وصَلتِ إلَى هُنَا؟ مَاذا تُرِيدِينَ؟ كُنتُ حَذرًا مِنهَا ومِمَّا يُخفِيه الظلاَم، رَفَعَتْ صَوْتَهَا جَاهِشَةً بالبُكَاء، مُتَذَلِلَّةً تَسْتَعْطِفُنِي، رَحَل العيَّال وترَكُوهَا هُنا وحِيدَة، إنَّهَا جَائعَة وخَائِفَة، اعْمْل مَعْرُوفًا يَاهَذَا..رجَاءً خُذْنِي مَعَك..أشْفَقتُ عَليْها ولِنْتُ لطلبِهَا، فتحْتُ لَهَا البَابَ فَرَكِبَت، ولمَّا اسْتَوَتْ جَالِسَة أفرَجَتْ عَنِ أَنْيَابٍ مُلَوْلَبَةٍ وابْتسَامَةٍ شَاحِبَةٍ.
2- ومَا إنْ تَحرَّكَت السيَّارَةُ حَتَّى فَاضَ جَسَدُها عَلى المَقعَدِ كُلهِ وغَطاه، تدَلَّت أطرَافُهَا كَسَتَائِرَ خَيْمَةٍ؛ امْتَدَّ صَدْرُهَا ليَصِلَ الزُّجَاجَ، مَالَ ثَدْيُهَا نَحْوي ليُغَطِّي لوحَة القيَّادة، نهْدَاهَا تُلاَمِسَان الْمِقْوَدَ، تَنَاثَرَ شَعْرُهَا الطوِيل وَقَذَفَتْ بِهِ إلَى الْخَلْف؛
تَتلاَحَقُ أنفاسُهَا شَخيرًا وزَفِيرًا وَغَمْغَمَة كَالأَنِين، وفِي ثَغْرهَا بَريقُ ابْتسَامَةٍ، أحسَسْتُ بِارْتجَافٍ فِي قَلْبِي وازْدَادَ نبْضُه، كَانَتْ تَقتَرِبُ مِنِّي أكْثرَ وَأنَا ابْتَعِدُ.. أشُمُّ فِي نَحْرِهَا رَائحَةَ الأعْشَابِ الجَبَليَّةِ، جَسَدُهَا كُضُرَام نَّار يَلتَهِبُ، أشْعُر بالرُّعْبِ يَكتسِحُنِي، أتظاهَرُ بالصَّبرِ وَعَدَمِ اللاَّمبَالاَة؛ أقَاوِمُ زَحْفَهَا بِكلِّ مَا أتِيتُ مِنْ قُوَّة، لمْ يَكُنِ الأمْرُ سَهْلاً، وليْسَ فِي إمْكَانِي فِعْل شَيْءٍ، كَانَ الْمَشهَدُ مُقزِّزًا يُثِيرُ فِي النَّفْسِ قَرَفًا.
تتَوقَّفُ السَيَّارَة، يَعْلُو أَزِيزُهَا، يرْتَفَعُ صَوْتِي بالدُّعَاءِ وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَبَيْنمَا أنَا عَلى هَذِه الحَال، أشْتُمُهَا فَلاَ تَنْشَتمُ، ألُومُهَا فتضَحَكُ مُقهْقِهَة، تَتمَادَى في إزْعَاجِي، وَجَاءَ شَيخٌ عَجُوزٌ يَتَجَرْجَرُ فِي اسْمَالِهِ كَشَبحٍ قادِمٍ مِن عَالَم الأَمْوَاتِ، يَحْمِلُ قِرْبَةَ مَاءٍ تَنْبَعِثُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْقَطَرَانِ؛ يَجُرُّ عَصَاه، يَسْتوْضِحُ الأَمْرَ بْسُؤَالٍ عَجِيبٍ:أتَعْرفُ مَن تَكونُ هَذِه الْمَرَأَة؟! كَيْفَ تَتَجَرَأُ أنْ تَأخُذَ زَوْجَة غَيْرِكَ؟ أَجَبْتُهُ بِغَضبٍ وانفِعَالٍ: لوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَا تَرَكَهَا هُنَا، تَبًا لَكَ ولامْرَأةٍ لا تَخْجَلُ من تصَرُّفاتِهَا العَابِثَة، ولنُكْرَانِهَا الْجَمِيل، ابْتلعَ رِيقَهُ وضَحِكَ مِلْءَ حُنْجَرَتهِ، وَقَالَ: قَدْ تَكُونُ كَلِمَاتِي قَاحِلَةً لاَ تُعْجِبُكَ، وَلَكِنْ سُتُعْجِبُك إنْ تدبَّرْتَ الأَمْرَ، لَيْسَتِ الْبَرَاكِينُ وَحْدَهَا تَثُورُ..هَهَهْ..مِنَ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ شَرَفهُ، لاَبدَّ أَنْ أُخْبِرَكَ وَأَنَا لَكَ نَاصِحٌ أَمِينٌ، الإنْسَانُ ضَعِيفٌ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَكُونَ وَحِيدًا فِي مَكَانٍ مَهْجُورٍ وَقَدْ قِيلَ { الرَّفِيقُ قَبْلَ الطَّرِيقِ} إنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ مِنْ أُولَئِكَ الصَّعَالِيك الَّذِينَ يَفْتَرِشُونَ الْعَاصِفَةِ، اللَّيْلُ مُخِيفٌ يَا وَلَدِي وَلاَ بُدَّ مِنَ الْحَذَرِ، إليْكَ قَدَحًا مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ الزُلاَل لترْوِي ظَمَأَكَ، اسْتَأنَسْتُ بِهِ وَقد انْدَلَقَ إلَى سَمْعِي اعْتِذَارٌ كَالرَّجَاءِ، ألتَفتُ مُنْتَبِهًا وإذَا بِالسيِّدَةِ يَلوحُ عَلى شَفَتيْهَا شَبَحُ ابْتسَامَةٍ بَاهِتَةٍ وهِيَّ تقُولُ: بَعْضُ النَّاسِ يَحْمِلُونَ قلوبًا ليسَتْ لَهُم فِي الأَصْل، وَأوْرَاقُ أسْئِلتِهم تَحْتَرِقُ فِي غَيْرِ طَائِلٍ، هَذَا الشَّيْخُ مِنْهُم، أخَذَتْ تَنْزَلْقُ فِي بُطْءٍ مِنْ مَكَانِهَا وَتَعْتَذِر، فَجْأةً تَخْتَفِي وكأنَّ الأرْضَ ابْتلَعْتهَا.
3- وإذَا بِفتَاةٍ شَقرَاءَ فَاتِنة الجَمَالِ، سَامِقَةً الطُّولِ عَذبَة الصَوْتِ، تَجْلسُ مَكَانَهَا وتُحيِّينِي بِلُطفٍ، وَأخْرَى فِي المَقعَد الخَلفِي تَتَحَرَّكُ بجسَدِهَا الرَّشِيق وَصَوْتهِا الشَجِيِّ الآسِر، إنَّهَا فَتاةٌ سَمْراءَ رَهيفَة القلْبِ، مَليحَة الْعَيْنَيْنِ، فَفَزعْتُ أسْألُ: مَاذَا يَحْدُثُ؟ ارْتجَفَتْ نَشْوَةُ البوْحِ فِي دَاخِلي، كَلمَات مُلتحِفَة بالصَّبر واللِّينِ، ويَندَلِقُ الْبَوْحُ شَلاَلاً، لم يَكنْ يَخْطُرُ ببَال أنْ ألتقِي بِفتَاتيْن كًنْتُ تَخَيَّلتهُمَا ذَاتَ مُنَاسَبة سَرْديَّة، ورَافَقتهُمَا في رِحْلة البَحْثِ عن وَطنٍ، كَانتْ مَطَارِقُ الحَيَاة تَنْهَلُ عَلىَ رأسَيْهِمَا {ومَن رَأَى السَمَّ لا يَشْقَى كَمَنْ شَرِبَا} قالتْ الأُولَى أنَا فَاطمَة الشَّاميَّة، التِي كَانَتْ ولا تَزَالُ تبْحَثُ عَن وَطنٍ ضَائِعٍ، ألا تَذْكُرُ ذَلِكَ ؟ بَلَى.. قَالَتِ الثَّانيَّة إنَّهَا مَرْيَمُ الْمَاليَّة الَّتِي خَطفُوهَا ذَاتَ تَارِيخٍ، وَعَادَتْ إلى بَيْتِهَا لتَسْتأنِفَ رِحْلة البَحْثِ عَنْ مَأوَى، ابْتسَمَ الشَّيْخ وَقَالَ مَازِحًا: أزوُّجِّكَ بهَاتيْن الْفَتَاتيْن، قُلتُ: أنَا مُتزوَّجٌ، وأشحَتُ عنه بِوجْهي مُسْتَنْكِفًا، اسْتَرِقُ النَّظرَ إلَى الْفتاَتَيْنِ، وأنَا مُعَجَبٌ بِذَلاَقَةِ لسَانَيْهِمَا، هَمَسْتُ إليَهِمَا كأنِّي أعْرفُهُمَا: مِنْ أيْنَ جِئْتُمَا؟ والَى أيْنَ تنْوِيَّان الذَّهَابَ؟ جَالَ الشَيْخُ بِعَيْنَيْه الْمُرْهَقَتَيْن وَقَالَ: الانْسَانُ فُضُولِي بِطَبْعِهِ؛ دَعُونِي ارْحَلْ..انْجَلَتْ الصُّورَة.. وَللتَوِّ اخْتفَى..!
قَالَتْ الفتاةُ الشَّامِيَّة: خَرَجْنَا لتوِّنا من مَقَابِر تُشبِهُ هَذِه، وأشَارَتْ إلَى مَقبَرَة {المَقسَم} المَهْجُورَة، والتِي لاَ تَبْعُدُ إلاَّ بِضْعَة اذْرُعٍ مِنْ مكَان تواجُدِنَا، ثُمَّ نَكَّسَتْ رَأسَهَا مُتَشَبِثَة بالصَّمْت هُنيْهَة، وكأنَّهَا تعْزِفُ ترَانِيم الوَجَع، وَتَنْفُخُ في جَبَرُوتِ الْغَضَبِ، وَهِيَّ تذْرِفُ سَيْلاً من الدُّمُوع وَتَصْرُخُ: كُنَّا نَحْلمُ بالعَوْدَة إلى أوْطانِنَا بعْدَ أنْ هَجَرْنَاهَا مُكْرَهِينَ، ولِلأسَفِ تنَاثرَت أحْلاَمُنَا المَقتُولة بَيْن الشُتَاتِ والمَلاَجِئ، ومَا بَقِيَّ لنَا مِن أمَلٍ طوَاهُ النِّسْيَانُ، سَكنَّا الْمَقَابِرَ هَربًا من جَحِيم الحُرُوب الظالمَة، ومِن عِصَابَاتِ المَوْتِ الجَائعَةِ المأجُورَةِ، تِلْكَ الَّتِي تُحَارِبُ بِالوَكَالَة،وَتَبِيعُ الأَوْطَانَ.. إيه..أبْنَاءُ الشَّام مُشرَّدُون مُعذَّبُونَ ضَائعُونَ هَائمُونَ فْي تِطوَ افِهِم بَيْنَ المَلاجِئ والمُخَيَّمَات؛ مِثلَ أغْصَانٍ تتقاذَفُهَا أمْواجُ البَحْرِ، مَجْدُ الآبَاءِ مُغتصَبٌ مُعَفَّرٌ بالتُرَابِ، وَنحْنُ نَشْكُو وَجَعًا لمَنْ لا نَرْجُو عِنْدَهُ الْبُرْءَ.
4- تَتنَهدُ مَريَم وهي تبْكِي بِحُرْقَة، وَمِنْ هَوْلِ بُكَاءِ الْبُكَاءِ بَكَيْنَا؛ وبِصَوْتٍ خَافِتٍ: تَقَولُ نَحْن نمُوتُ في اليَوم أكْثرَ مِن مَرَّة، قلوبُنَا تَتَمزَّقُ بَيْنَ الحِرْمَانِ ونَارِ الغُربَة، وتحَرَّكَت في مُقْلتَيْهَا دُموعٌ تَلمَعُ كَاللُّجَيْنِ يَسْتوطنُهَا التَوَتُّر، تَصْرُخُ فَاطِمَة وَالْفُؤَادُ وَلُوعٌ: هَذَا ابْتِلاَءٌ وَظُلمٌ مُبِينٌ! ألمْ يَأن لحِكَايَة الرَّبِيعِ الْعَرَبِي أنْ تنَامَ كمَا نَامَتْ حِكَايَاتٌ مُلفَقَةٌ مِن قبْل.؟
فجْأة أقبَلَ أَطْفَالُ غَزَّةَ أفوَاجًا مُتلاحِقَةً، وَهُم يحْمِلُونَ الْحِجَارَةِ فِي يَدٍ وَفِي الْيَدِ الأُخْرَى الرَّايَاتِ الْخَضْرَاء وَيَنْشُدُونَ، وصَدَى صوْتُ إنشَادِهِم يترَدَّدُ بَيْنَ ثنَايا الجِبَال والرَّوَابِي، والنِسَاءُ خَلْفَهُم مُتلفِعَاتٌ بلبَاسٍ أبْيَضَ، تُهدْهِد مَشَاعِرهُنَّ أقدَامٌ غَضَّة، يَمْشِينَ علَى اسْتِحْيَاء، والحُزنُ لا يَعْرفُ إلاَّ لُغَة الأحْزَان، فسَألتُ مُتعَجِبًا: وأيْنَ الرِّجَالُ؟ رَفعَت فَاطمَة عَقِيرَتَهَا وَقَالَت: هُمْ السَّبَبُ ..! هَلْ القَذَائِفَ وَالبَرَامِيلَ الْمُتَفَجِّرَةِ أبْقَتْ شَيْئًا؟ لقدْ خَسفَتْ بهِم وبالدِيَّار وَلَمْ تَتْرُكْ إلاَّ النِّسَاءَ وبَعْضَ الأَطفَال فِي الْمَلاَجِئ هِيَّام.
أفْجَعَنِي الْمَشْهَدُ فارْتَشَفْتُ الرُّعْبَ مَفْزُوعًا،أُفْرِكُ عَيْنَيَّ وَأَحُثُّ جَسَدِي عَلَى التَحَرُّكِ، وَالْكَلِمَاتُ تَتَنَاثَرُ يَكْسُوهَا الانْكْسَارُ.
حَمِدْتُ الله أنَّ مَاحَدَثَ لِي مُجرَّد حُلم، وَجَدْتُ سَيَّارتِي قد انْحَرفتْ كَثَوَرَاتِ الْعَرَبِ، ولحُسْنِ حَظي نَجوَتُ؛ أصْلحَتُ العَطبَ، وَتسمَّرتُ في مَكَاني مَشدُوهًا، أبَلِّل عَيْنَيَّ بمَاء الْغَبَشِ، وصَمْتَ الْمَكَانِ لا يَخْدَشُه سِوَى عَوَاءُ الذِّئَاب، فَيَا لِلْهَوْل مَا ذَا أسْمَعُ وأرَى..؟!
إنَّهَا تَقِفُ مِنْ حَوْلِي مُتَرَبِّصَةً..أجَل.. مُتوَثبَة، إنَّهَا ذِّئَابٌ مُكَشِّرةً عَنْ أنْيَابٍ كَالمَنَاشِير، وَذِي أفَاعِي تجُوبُ المَكانَ وتَتَهَيَّأ لفِعْل شَيْءٍ، لا رَيْب أنَّهَا ترِيدُني.. أجَلْ.. فَلاَ وَقْتَ للانْتظَار والترَدُّدِ، ارْتمَيتُ بسُرْعَة البَرْقِ مُتَخَنْدِقًا فِي مَقصُورَةِ السَيَّارَة وأوْصَالِي ترْتَعِدُ، اسْتأنفُ السَّيرَ وأنَا أحْتَلِبُ البَوْحَ، و أشْلاَءَ حُلْمِي تَتَلاَشَى خَلْفَ التِّلاَلِ.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
شِعريارُ أَو قَلبُ العَقربِ ...سِيرةٌ شعريَّةٌ -مقاطع-
الرقية الشرعية .. أحكام.. وأقوال .. وأفعال
الرقية الشرعية .. أحكام.. وأقوال .. وأفعال
آداب الطريق
هل هناك إسراف مذموم في الصدقة؟
ارْتِبَاكات..!
أبلغ عن إشهار غير لائق