منذ أن انهار الاتحاد السوفيتي متزعم القطب الشرقي لعشريات طويلة طرحت الصين الشعبية نفسها بديلا في مواجهة القطب الغربي ليس من الجانب السياسي العسكري الذي تتفوق فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها وإنما من الجانب الاقتصادي والتجاري الذي تكتسح فيه الصين الأسواق العالمية بوتيرة مذهلة وتشكل انشغالا لمنافسيها الأقوياء. الصين التي تعد اكبر بلد ديمغرافي بعدد سكان يتجاوز المليار بكثير حققت نسبة نمو برقمين لسنوات طويلة مثيرة أكثر من تساؤل حول الخلفيات وراء ذلك التفوق وهو ما حرص سفيرها بالجزائر على توضيحه من خلال نزوله ضيفا على مركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية بحضور كثيف للمهتمين وممثلي وسائل الإعلام الوطنية المختلفة. لقد طرحت، هذه الدولة بكل تراكمات تنوعها واختلاف شعبها لكن المنسجم، تصورا جديدا للتنمية بالاعتماد على الذات والانفتاح في نفس الوقت على الخارج مثلما أكده سفيرها بالجزائر ليو يوهي إلى أن أصبحت فاعلا أساسيا على الساحة الدولية وما زاد من إثارة الانشغال حول الدور الراهن والمستقبلي الذي يلعبه بلد بهذا الحجم والقوة في صياغة منظومة العلاقات الدولية بعيدا عن هيمنة طرف أو اختلال التوازن كما هو الحال في السنوات الأخيرة والوضع الراهن المعرض للانفجار في أكثر من منطقة نتيجة تغول بلد مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وشركائها من أركان الاستعمار القديم مستفيدين من غياب قوة توازن بأتم معنى الكلمة مما يعرض أكثر من بلد لمخاطر تستهدف بالدرجة الأولى عنصر السيادة الوطنية ومصالحه المؤسسة للاستقلال والحق في التنمية والرفاهية مثل حالة السودان الذي يفقد شطره الجنوبي والعراق الذي مر بنفق احتلال ولا يزال. بطبيعة الحال لا يمكن انتظار الصين لتحل محل بلدان مستهدفة لكن من بالإمكان الاستفادة من أبعاد مسارات لشراكة تجعلها في مركز الريادة لمنظومة بلدان تتقاسم معها المبادئ والانشغالات ضمن توجهات استراتيجية مندمجة ومتكاملة ويمثل النموذج الذي يقيمه معها الجزائر مثالا جديا لتنمية روح عميقة للتعاون على خلفية رصيد التوافق الدبلوماسي الحاصل بشان عديد القضايا الدولية المطروحة. ومن ابرز المواقف التاريخية للبلدين أن الصين هي أول بلد غير عربي اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة عند إعلانها في خضم ثورة التحرير والجزائر كانت من لعب الدور البارز لتستعيد الصين مقعدها كاملا في منظمة الأممالمتحدة ما يعطي للتهاون الثنائي معنى يتجاوز إطار الأسواق الاقتصادية. وبغرض التوجه إلى هدف استراتيجي للتعاون المفتوح في المثال الجزائري من المفيد أن يتم تأطير هذا المسار بضوابط لا مجال فيها لأي أنانية أوتقاعس خاصة على أصعدة الاستثمار الصناعي المنتج والالتزام بشروط الجودة والمعايير الفنية وتحويل التكنولوجيا بعيدا عن عقلية السوق والبحث عن الربح بل ينبغي أن يؤسس لثقافة تقاسم الربح وتوازن تحمل مخاطر السوق. وربما اكبر مشكل ينبغي التصدي له بموضوعية هو مكافحة الغش والتقليد ومرافقة المتعامل الجزائري في التعامل مع السوق الصينية بصفة الشريك الدائم ولما لا تنمية مشاريع مستدامة باتجاه أوروبا وإفريقيا ومرافقة البلدان في هذا الجانب من العالم في تحقيق التحولات الجوهرية للحكم بعيدا عن أي انزلاق نحو الفوضى بالصورة التي تسوقها أمريكا وخلاصتها مجرد فوضى لا تعطي مجالا لمفهوم الدولة الحديثة خاصة وان الصين تمتاز بضمان تداول أجيال على إدارة شؤونها دون أي انكسار أو تعطل خاصة في الجانب الاقتصادي الذي يعطي أكثر من مثال ناجح للمقاول أو رجل الأعمال الصيني الذي ينافس في أقاليم لا يعرفها ثقافيا وغريب عنها اجتماعيا. وهنا بالطبع يقع على عاتق الجانب الجزائري مسؤولية في السعي للاستفادة من النظير الصيني باعتماد الجهد والحرص على نفس القواعد الجوهرية للنجاح أو على الأقل تقليدهم في ما يحكمون السيطرة عليه وفي الأساس جعل الإنسان هو جوهر كل مشروع أو صفقة فهو الغاية والوسيلة بل هو العنصر الحاسم في التنافسية العالمية .