انصبت شهادات رفاق الدبلوماسي الكبير والوزير المتميز والبطل، محمد الصديق بن يحي، على الاتفاق أنه أحد أكبر مهندسي الدبلوماسية الجزائرية بالنظر إلى الدور الباهر الذي لعبه ببراعة في معالجة الملفات الشائكة وحل الأزمات الدولية التي كان يمثل فيها وساطة الدولة الجزائرية، ومنذ أن كان محاميا متربصا برزت حنكته، حيث توسط بين قيادة الثورة والمحامين الذين يتعاونون معها للاتصال بالمناضلين الذين يلقي الاستعمار القبض عليهم ويودعهم السجون إلى غاية معالجته لملف الرهائن الأمريكيين مع إيران ووقف القتال بين العراق وإيران بعد الاستقلال . أحيت جمعية «مشعل الشهيد» وبلدية الجزائر الوسطى بمنتدى يومية «المجاهد» الذكرى ال30 لرحيل أحد رموز الدبلوماسية الجزائرية البارزين عشية الاحتفاء بالذكرى ال56 ليوم الطالب في وقفة عرفان وتكريم شارك فيها رفقاء وزير الخارجية الأسبق محمد الصديق بن يحي ويتعلق الأمر بكل من الوزير السابق الأخضر الإبراهيمي والسفير السابق صالح بن قبي وكذا وزير الخارجية الأسبق محمد الصالح دمبري وقدموا شهادات حية عن خصوصية الدور الكبير الذي لعبه هذا الرجل العظيم الذي أضاء أداء الدبلوماسية الجزائرية ولعب دورا رياديا في تأسيس ونشاط اتحاد الطلبة الجزائريين المسلمين خلال ثورة التحرير المجيدة وعكفت شهاداتهم على تشريح عظمة هذا الرجل الذي سمى بذكائه وأخلاقه وحنكته ووطنيته . واستعرض الكاتب والمؤرخ محمد عباس ابرز المحطات في مسار هذا الوزير والمجاهد والمخطط البارع الذي ينبض بالوطنية ويتسم بأخلاق عالية وإخلاص كبير، وقال أنه من مواليد 30 جانفي 1932 بولاية جيجل بعد أن أنهى دراسته الابتدائية والثانوية التحق بجامعة الحقوق في اختصاص الحقوق وتخرج حاصلا على شهادة الليسانس سنة 1953، وذكر محمد عباس في سياق متصل أنه أثناء الثورة التحريرية لعب دورا محوريا في تأسيس إتحاد الطلبة المسلمين وكان أحد أقطاب فروعه في العاصمة، وفي بداية الثورة كان متربصا لدى المحامي عمار بن تومي ثم عند المحامي عكوش، وحرك حملة عقب ندوة أفريل 1955 بالترويج لإتحاد الطلبة اما في المؤتمر الثاني لإتحاد الطلبة دعت اللجنة السياسية لأول مرة للتفاوض مع جبهة التحرير الوطني في مارس 1956 حيث سافر المرحوم بن يحي رفقة الأخضر الإبراهيمي للمشاركة في مؤتمر باندونغ ومثل جبهة التحرير في شرق آسيا ليعود بعدها ويكلف ببعض المهام. وقال محمد عباس، ان المرحوم بن يحي شغل منصب وزير المالية في الحكومة الجزائرية المؤقتة الأولى، ثم أمينا عاما للحكومة الثانية مع فرحات عباس، وكلف بالاتصال في مولان مع بومنجل، ثم بالاتصالات السرية في بال، وكان حاضرا مع الشباب الذين استقبلوا بعد وقف إطلاق النار الزعماء الذين كانوا مسجونين، ووقف المؤرخ عباس على تقلد بن يحي منصب سفير الجزائر بموسكو ثم سفيرا بلندن إلى غاية قطع العلاقات ثم كلف بملف الديون ووصفه بصاحب الملفات الخطيرة والشائكة ومؤسس المؤسسات الإعلامية في الجزائر على غرار وكالة الأنباء الجزائرية، حيث وضع أضاف عباس يقول في سياق متصل أنه وضع أول قانون أساسي للصحافيين المحترفين وكلف بإصلاح التعليم العالي وكانت له قدرة مذهلة في معالجة الملفات الصعبة على غرار تكليفه بملف الغاز مع فرنسا وملف الرهائن الأمريكيين وآخر مهمة له كانت وقف القتال بين العراق وإيران. واسترجع الأخضر الإبراهيمي، وزير الخارجية الأسبق، شريط ذكريات ينبض بالحقائق وكل ما جمعه مع مهندس الدبلوماسية الجزائرية الصديق بن يحي، وتأثر كثيرا كون هذا الرجل المحنك والمميز اختطف من وطنه وعائلته وأصدقائه، وتوقف عند تردد المرحوم المجاهد الصديق بن يحي لدى عودتهم من زيارة للرئيس الشاذلي بن جديد للصين وعند توقفهم بأبو ظبي فضل عدم السفر إلى إيران حتى يحتفل بعيد ميلاد ابنه محمد السالم الذي بلغ السنتين، وفضل أن يدخل الجزائر ثم يسافر إلى إيران وحدث له ما حدث على إثر سقوط الطائرة وهو يؤدي مهمة نبيلة للوساطة بين بلدين جارين وشعبين مسلمين وحرمت بذلك الجزائر من خدماته . وكشف الأخضر الإبراهيمي انه التقى ببن يحي عندما كان سينهي دراسته بكلية الحقوق، أما هو كان في بداية التحاقه بهذه الكلية بجامعة الجزائر، واعترف أنه عمل معه عن قرب في سنة 1954 في إطار منظمة طلبة المغرب العربي من أجل إنشاء اتحاد الطلبة الجزائريين، وتطرق إلى الدور الجوهري الذي لعبه بن يحي رغم الخلافات التي كانت بين الطلبة حيث سافر بن يحي إلى بعض المدن الفرنسية سنة 1955 أما الإبراهيمي أشار إلى أنه سافر إلى فرنسا عندما كان المرحوم بن يحي يرأس في اتحاد الطلبة المسلمين فرع العاصمة حيث طالب الإبراهيمي رئيسا للإتحاد وبلعيد عبد السلام عضوا ولعب دور كبير على جميع الأصعدة إلى جانب كل من عبد المالك بن حبيلس والأمين خان . وأكد الأخضر الإبراهيمي أنهم تلقوا دعوة في مارس 1956 دعوة من طلبة أندونيسيا لحضور مؤتمر طلبة إفريقيا وتم اختياره رفقة بن يحي لتمثيل الجزائر وأعطى الكثير من التفاصيل والطرائف التي حدثت لهما وفتح مكتب بأندونيسيا وبقائه وعودة بن يحي، بينما بعد الاستقلال كلف مع بن يحي في تحضير مؤتمر السفراء في سنة 1964 وكل ما صدر حسب الإبراهيمي عن هذا المؤتمر كان من ركائز السياسة الخارجية الجزائرية وتحدث عن دور بن يحي الذي لعبه على الصعيد الثقافي والشؤون الخارجية إلى جانب دوره البارز في مؤتمر عدم الانحياز سنة 1973، وخلص الإبراهيمي إلى القول أنه كان خلوقا ونظيف الكف ومازال كل من عرفه خارج الوطن يتحدث عنه بعد ثلاثة عقود من رحيله عنا. وأثنى صالح بن قبي سفير سابق ورفيق الفقيد الوزير الأسبق الصديق بن يحي على هذا الرجل الذي وصفه بالعظيم بالنظر إلى تضحياته وعطائه ومسار احتراقه من أجل الجزائر ووقف على تفاصيل ميلاد اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين ودور بن يحي فيها ثم لعبه لدور الوسيط بين محامي الثورة والمناضلين الذين يسجنهم المستعمر. من جهته محمد الصالح دمبري وزير الخارجية الأسبق وقف على الدور الذي لعبه هذا الدبلوماسي الكبير المحنك والمتمرس في الدبلوماسية الجزائرية، مشرحا بشكل مستفيض وجه الدبلوماسية الجزائرية وإسهامات هذا الرجل البارع على جميع الأصعدة وكذا ما قدمه ابناء جيله للجزائر للدبلوماسية الجزائرية.