اعتبر الأستاذ الدكتور جمال بن زروق مدير مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية بجامعة 20 أوت 1955 بسكيكدة أنّ رئيس الجمهورية قد وجّه رسالة تاريخية لمنتسبي القطاع، من خلال تفتحه على مشاكل القطاع، ورغبته في الحوار معه دون إقصاء، ولكن في إطار منظم ومهيكل، يتمثل في منظمة نقابية يكون لها تمثيل واسع، مبرزا في حوار ل "الشعب" أهمية إنشاء نقابة وطنية للصحافيين، تكون الممثل لهم أمام السلطات العمومية لمعالجة كل ما يتعلّق بهذا القطاع الهام. - الشعب: لماذا تأخر إنشاء نقابة جامعة للصحافيين رغم ثقل القطاع وأهميته؟! د. جمال بن زروق: مهنة الصحافة كغيرها من المهن تتطلب منظمات أو هيئات متخصصة للدفاع عن الصحفيين ومهنيي قطاع الإعلام والاتصال، ويمكن أن نلاحظ على المستوى العربي، تواجد العديد من النقابات المهنية للصحفيين كغيرها من القطاعات الأخرى، ويمكننا ذكر البعض منها: نقابة الصحفيين المصريين التي تمتلك بوابة إلكترونية نشيطة جدا وحافلة بالمعلومات، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، نشيطة جدا خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، نقابة الصحفيين الفلسطينيين التي تمتلك موقعا إلكترونيا يحيّن باستمرار، وغيرها.. بالعودة إلى الماضي، نجد أنّ محاولة إنشاء منظمة نقابية في قطاع الإعلام يعود إلى تاريخ 22 سبتمبر 1962 حيث تكونت لجنة تحت إشراف حزب جبهة التحرير الوطني، هدفها تأسيس اتحاد وطني للصحفيين للجزائريين، لكنّ الفكرة بقيت تراوح مكانها إلى غاية 11 جويلية 1964، حيث انعقد المؤتمر التأسيسي وتم الاتفاق على لائحة تضمنت مجموعة من الواجبات والحقوق والتي حدّدت مواصفات "الصحفي المناضل"، ثم تطورت المحاولات إلى غاية يومنا هذا، حيث ظهرت العديد من بوادر الأمل في تحسن ظروف عمل الصحفي رغم التجاذبات والمحاولات المتكررة للتحكم في الخطوط الافتتاحية لوسائل الإعلام، وقد فشلت العديد من المحاولات التي كانت تريد جعل المنظمة النقابية الصحفية كغيرها من المنظمات الجماهيرية، وذلك بسبب عزوف كثير من الصحفيين في الالتحاق بها، لأنّها لا تحمل في الحقيقة اهتماماتهم وتطلعاتهم، وقد تطورت الأمور بعد ذلك إلى غاية ظهور أول وثيقة بتاريخ 09 ماي 1988 والتي انبثقت عن اجتماع عقدته "مجموعة ما بين المؤسسات"، حيث قامت بالمصادقة على لائحة تعتبر أول نص من نوعه يتضمن مطالب مهنية حقيقية في عهد الأحادية الحزبية، وقد ظهرت العديد من المحاولات بعد ذلك من أجل لم شمل الصحفيين الجزائريين تحت مظلة نقابات مهنية تدافع عن حقوقهم خاصة من النواحي الاجتماعية وظروف ممارسة المهنة، نذكر على سبيل المثال النقابة الجزائرية لناشري الإعلام، والتي قامت بنشاطات معتبرة في سبيل تقديم اقتراحات لتقييم الإصلاحات في القطاع، وتوصيات لتحسينه كما يمكن ذكر المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، وكان يمثل منظمة نقابية وطنية مستقلة تدافع عن الحقوق المادية والمعنوية للصحفيين الجزائريين، وتعمل على ترقية مهنة الصحافة، لكن كثيرا من المتتبعين لقطاع الإعلام، خاصة من الأكاديميين، أعربوا عن تحفظهم؛ لأنّ هذه الأنشطة عموما، كانت تتصف بالمحدودية. - كيف تقرأ دعوة وإلحاح الرئيس على تأسيس نقابة للصحافيين؟ رئيس الجمهورية في لقائه الأخير بالصحافة، دعا الصحافيين إلى تنظيم أنفسهم من خلال منظمات نقابية خاصة بهم، وأشار إلى أنّ الجزائر تمتلك إمكانات بشرية مهمة قدرت ب8500 صحافي، إضافة إلى عدد كبير من وسائل الإعلام المكتوبة، والتي قدرت ب180 جريدة يومية، والوسائل السمعية البصرية التي تتمثل في 20 قناة تلفزيونية خاصة، يضاف لها العديد من القنوات العمومية والإذاعات الوطنية والجهوية والمحلية، ووكالة الأنباء الجزائرية، ويمكن تقديم القراءة التالية لتصريحه:.. أولا.. لا نختلف على أنّ الرئيس يولي اهتماما كبيرا لهذا القطاع ويبحث عن تطويره، وهو ليس بالغريب عليه، لأنه تبنى سياسة إعلامية متفتحة تجاه وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بجميع لغاتها من خلال عقد لقاءات دورية معها، وتبادل الأفكار والآراء حول مواضيع الساعة، وهو شيء يحسب له في عهدته، كما يعتبر مكسبا لوسائل الإعلام التي تجد مصدرا مهما للمعلومة في أعلى قمة لاتخاذ القرار. ثانيا.. الظاهر أنّ الرئيس مطلع اطلاعا كاملا على المشاكل التي يعاني منها القطاع، من النواحي المهنية والاجتماعية، سواء كانت معلوماته مستقاة من الوزارة الوصية أو من خلال اطلاعه على الشكاوى والقضايا المتعلقة بالصحفيين. كما أنّ دعوته إلى إنشاء نقابة للصحفيين تدل كذلك على علمه بالتشتت الذي يعرفه القطاع وعدم قدرة منتسبيه على لم الشمل والتوحد في منظمة نقابية قوية.. النقطة الثالثة والمهمة، هي أنّ الرئيس يريد أن يجعل من الصحفيين قوة تأثير سواء في الداخل، من خلال المساهمة في التنمية وكل ما يتعلق بنشر الوعي والنقد البناء، أو الخارج من خلال الدفاع عن الوطن ومواجهة حملات التضليل، خاصة في عصرنا الحالي مع تطور التكنولوجيات الحديثة للأعلام والاتصال. - برأيك، هل تتمكن النقابة في حال تأسيسها من المساهمة في تنظيم القطاع وحلّ المشاكل المهنية والاجتماعية التي ما يزال الصحفيون يعانون منها؟ يعاني الصحفيون الجزائريون من تشتت كبير بسبب غياب منظمة مهنية نقابية قوية إضافة إلى الصراعات الكبيرة بين عدة أطراف من أجل احتكار التمثيل النقابي، الشيء الذي نتج عنه انقسامات واتهامات متبادلة أضعفت مهنيي القطاع، ولم يتمكنوا من البروز كقوة اقتراح حقيقية أو قوة تغيير. العديد من الصحفيين يعانون في مجال الخدمات الاجتماعية في القطاع الخاص تحديدا، من غياب تأمين قوي وفعال لمهنتهم الصعبة والمتعبة.. كثير منهم اضطروا إلى ترك منازلهم بسبب الظروف الأمنية خلال المأساة الوطنية ولجأوا إلى مساكن مؤقتة، سياسة الأجور التي تنتهجها بعض القنوات الخاصة، عجز مؤسسات إعلامية عن دفع رواتب موظفيها وعمالها.. هنا دور النقابة، أو ما يجب أن يكون: إنّ ظهور نقابة قوية تجمع تحت رايتها عددا كبيرا من منتسبي قطاع الإعلام، سواء من الصحفيين أو الناشرين أو العاملين بالقطاع، سواء كان عموميا أو خاصا سيمكن من :تشكيل الغطاء القانوني لكلّ تظلم أو شكوى أو أيّ مشاكل يعاني منها منتسبي القطاع، حيث يمكن من خلالها إيصال صوتهم إلى جميع مؤسسات الدولة، حيث أنّ مبادرة الرئيس بالدعوة إلى إنشاء نقابة هي فرصة تاريخية، والقيام بتقييم الإصلاحات التي حدثت في قطاع الإعلام، وتدارس الواقع لحماية المهنة والمجتمع، وحماية الأمن الإعلامي..