الجزائر لا تعرف تبعية بالنسبة للمياه، وهي تحتاج فقط الى استخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من الدول التي استطاعت أن تحقّق اكتفاءً في الذهب الأزرق، مع ضرورة إيجاد حلول لمشكل الأمطار التي تذهب للبحر وتتبخّر، بالإضافة الى معالجة مشكل التبذير بثقافة اقتصاد الماء، هذه هي النظرة الاستشرافية للبروفيسور إبراهيم موحوش، الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية العليا للفلاحة بالحراش. انطلاقا من معطيات رسمية مفادها أن 85 بالمائة من الأمطار تتبخّر بشكلٍ طبيعي، في حين أنّ 15 بالمائة المتبقية إما تغذي موارد المياه السطحية (12.4 بالمائة) أو تعيد تغذية المياه الجوفية (2.6 بالمائة)، ولهذا السبب وضعت السلطات العمومية مخططات مختلفة (ثلاث سنوات وخمس سنوات)، وبرامج الاستثمار في قطاع المياه بتخصيص أظرفة مالية هامة. كشف الباحث موحوش خلال نزوله ضيفا على القناة الإذاعية الثالثة، أنّ الجزائر استطاعت أن تتحكّم في إشكالية المياه من خلال ما يسمّى ب "المياه الافتراضية"، هذه الأخيرة ظهرت كمفهوم فرض نفسه في الآونة الأخيرة، وذلك من أجل حل مشكلة محدودية الموارد المائية في المناطق الجافة التي تعد بلادنا واحدة منها. أوضح المتحدّث أنّ المياه الافتراضية تعد ثالث وسيلة تعتمد عليها الجزائر لمواجهة شح المياه بالنظر الى طبيعة المناخ التي تميز البلد (الجاف وشبه الجاف)، وهو حل من الحلول المؤقتة التي تكلّف "باهظا"، لكن ولحسن الحظ - يقول - إن الجزائر تمتلك الموارد المالية اللازمة لذلك، مضيفا أن المياه الافتراضية هي المياه المستخدمة في أماكن أخرى لإنتاج الأغذية "منتوجات فلاحية سقيت بمياه في الدول التي جاءت منها"، والتي يتم تصديرها إلى مناطق الشح المائي. وإذا كانت المياه الافتراضية تمثل حلا، لكنه مؤقت، وبالتالي يتعين البحث عن حلول أخرى مستديمة - يقول موحوش - حيث أفاد أن الجنوب الجزائري يخزّن مياه جوفية تقدّر بحوالي 50000 مليار متر مكعب يمكن استغلالها، كما أكّد على ضرورة ترقية فلاحة ذكية تقلّص من استهلاك هذا المورد الثمين، مشيرا إلى أنّ القطاع يستهلك 75 بالمائة من الموارد المائية المتوفرة، داعيا إلى الاستغلال الأمثل لهذه الأخيرة، لاسيما جمع مياه الأمطار ورسكلة المياه المستعملة. علاوة على استغلال المياه المستعملة، يؤكّد موحوش على ضرورة تطوير منشآت لتخزين المياه على مستوى المناطق التي تسجّل بها نسب كبيرة من الأمطار، من خلال استخدام تقنيات خاصة معمول بها في دول العالم منها العربية على غرار سوريا والأردن، والتي استطاعت بفضل هذه التقنية أن تحقّق نتائج إيجابية جدا. قال في السياق إنّه يمكن جمع واسترجاع كل قطرة ماء نزلت من السماء على أي مساحة من الأرض، وإعادة استعمالها في قطاعات كالفلاحة والصناعة، أو من أجل إطفاء الحرائق التي تلتهم الغابات صيف كل سنة، وكذا من أجل تنظيف الشوارع والطرقات، مشيرا إلى أنّه يمكن جمعها في مستجمعات المياه. الرّجوع إلى الحلول التّقليدية في مناطق الجنوب "الفقارة" فيما يتعلّق باقتصاد المياه التي أصبح اليوم انشغالا عالميا، وعليها يقوم الأمن المائي، قال محوش إنّ الجزائر يمكنها الرجوع إلى حلول تقليدية فيما يتعلق بولايات الجنوب أين المياه تكاد تكون نادرة، وذلك من خلال توزيع منصف لمياه "الفقارة"، التي استفاد وما يزال يستفيد منها سكان هذه المناطق بشكل عادل. كما يمكن استغلال منسوب المياه الجوفية "ألبيان" المتواجدة في جنوبنا الكبير، والتي تتقاسمها الجزائر مع كل من ليبيا وتونس، وذكر أنّ الجزائر تستحوذ على 70 بالمائة من هذه الطبقة "الألبيانية" التي تمر تحت أراضيها هناك، وهو خزّان هام جدا لمستقبل الأجيال القادمة، غير أنّه على الجزائريّين أن يدركوا تماما كما قال أنّ بلادنا تعاني من مشكل شح المياه، بسبب الظروف المناخية والهيدروإيكولوجية، ولا بد من اقتصاد هذا المورد الذي يمثل 5 بالمائة من المعدل العالمي (6 آلاف متر مكعب للشخص الواحد في العام). كما رفع المتحدّث إشكالية تلوّث مياه الوديان من مخلفات المصانع والمؤسسات التي تلقى فيها يوميا، هو هدر للماء بشكل آخر، ورافع من أجل تطبيق مبدأ "الملوث الدافع"، كما لا بد على أصحاب المشاريع التي تجر تلوثا على البيئة والماء بصفة خاصة أن يضعوا محطات معالجة نفاياتهم، داعيا إلى تفعيل دور "شرطة المياه" لمحاربة ظاهرة التبذير.