خلفت تبعية الاقتصاد الوطني للمحروقات انعكاسات سلبية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي،حيث أصبحت الاحتياجات الداخلية لا تنتهي دون مراعاة المصلحة العليا ولا الأخطار المحدقة بمستقبل البلاد كما أن الخارج وخاصة الغرب بات يستعمل كل الطرق للاستحواذ على احتياطات الجزائر وهو ما يجعلنا نفكر في إيجاد استرتيجية تراعي التقسيم العادل للثروة والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. من هنا تدخل تحذيرات خبراء الاقتصاد على غرار عبد الرحمن مبتول في ندوة «منتدى الشعب» بالتركيز على الجانب الاجتماعي وتحويل أموال المحروقات للمساعدات الاجتماعية والدعم دون مراعاة التوازنات الكبرى التي تحافظ على الأموال العمومية وترشيد استعمالها وليس من باب عدم تمكين مختلف فئات الشعب من حقها في التقسيم العادل للثروات. إن تسيير الدول والاقتصاديات يخضع منطقيا للعقل وليس للعاطفة لأن المصلحة العليا تقتضي من الشعب عدم التمادي في الاستفادة من الحقوق دون القيام بالواجبات، وقد عرفت الجزائر موجات احتجاج وإضرابات كبيرة انتهت بالزيادة في الأجور للكثير من القطاعات غير أن قيمة العمل وجودة المنتوج زادت تدهورا في صورة تؤكد الإختلالات الكبيرة في الذهنيات واكتفاء كل عامل بالتفكير في تحسين مستواه الاجتماعي دون أن يكون لذلك أي فائدة للدولة أو للاقتصاد الوطني . وبقدر ما كانت الدولة متفهمة للمطالب الداخلية في سياق تحسين مستوى المعيشة ورفع القدرة الشرائية زادت نفقات الاستيراد التي جعلت عائدات النفط تتلاشى من سنة لأخرى فالحديث عن تصدير 80 مليار دولار سنويا وتحقيق عائدات ب 600 مليار دولار لا يجعلنا ننظر للجزء الآخر من الحقيقة وهو احتفاظ البلاد ب 80 بالمائة فقط من تلك العائدات لأن الآخر وهو الاستيراد يلتهم معظم مداخيل النفط في مشهد يجعلنا نتحدث عن عائدات فعلية ب 150 مليار دولار بدلا من 600 مليار دولار فالحديث يجب أن يرتكز على فائض الميزان التجاري وليس على العائدات. وما يزيد في اعتبار عائدات النفط نقمة أكثر منها نعمة هو تكالب الغرب على الدول النفطية وسعيها لابتزاز عائداتها المالية سواء من خلال منحها صفقات أو احتكار التصدير أو الحصول على قروض منها ،أو إجبارها على شراء سندات خزينة وفوق كل ذلك لا تتوقف عند الابتزاز بل تحاول بعدها التدخل في الشؤون الداخلية أو ربط ونسج مؤامرات تزعزع بها استقرار تلك الدول وخاصة النفطية منها مثلما حدث في ليبيا مثلا. عاشت الجزائر الكثير تحولات سلبية وتم ربط الفشل الاقتصادي بالتبعية للمحروقات ولكن بالنظر قليلا للواقع نكتشف أن المشكل فينا جميعا من خلال تعودنا على الاقتصاد الريعي ، وعدم قبول فكرة الاقتصاد المنتج للثروة لأنه يجعلنا نتعب ونعمل كثيرا مقابل الحصول على الامتيازات عكس عائدات النفط التي خلقت لنا جوا افتراضيا جميلا دفعنا للأنانية والبحث عن الرفاهية على حساب الاقتصاد الوطني ومبدأ التقاسم العادل للثروات الذي نؤمن به جميعا ولكن نرفض تطبيقه لأنه سيوقظنا من عالم نستبسل الدفاع عنه وهو الحصول على أكبر قدر ممكن من الريوع دون تقديم أدنى جهد.