أيام قبل فصل الصيف : رفع العجلات المطاطية والقضاء على الأحراش بغابات عنابة    كما عقد لقاء مع ممثلي المجتمع المدني : وزير الداخلية يقف على مدى تنفيذ البرنامج التكميلي بخنشلة    أولاد جلال : حجز 72 كلغ من اللحوم غير صالحة للاستهلاك    قوات الاحتلال تحتل كامل معبر رفح البري ما أدى إلى توقف دخول المساعدات إلى غزة    انطلاق امتحان اثبات المستوى للمتعلمين عن بعد في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي    شهر التراث: أبواب مفتوحة على مخبر صيانة وترميم التراث الثقافي بمتحف الباردو    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    الجزائر- تركيا: انعقاد الدورة ال12 للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي غدا الأربعاء    وكالة "النفط" و"ايكينور" النرويجية يوقعان اتفاقية من أجل دراسة الامكانات الجزائرية في المحروقات    القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بنيروبي: تبون يبرز الدور الريادي للجزائر في مجال الأسمدة    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    كرة القدم/ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا: تعيين الجزائري غربال لإدارة مباراة الترجي التونسي والأهلي المصري    زعماء المقاومة الشعبية ضد الاستعمار كانوا متحكمين في فنون الحرب    رئيس الجمهورية: ملف الذاكرة لا يقبل التنازل والمساومة وسيبقى في صميم انشغالاتنا        مجزرة كُبرى تتربّص بِرَفَح    القادسية السعودي يدخل سباق التعاقد مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو    تكوين وتعليم مهنيين: تكريم الفائزين في مسابقة شهر رمضان    باتنة: دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    هول كرب الميزان    كأس العالم للحمل بالقوة لذوي الاحتياجات الخاصة: دخول ثلاثة جزائريين المنافسة بنية الاقتراب من التأهل للالعاب البرالمبية    أعضاء مجلس الأمن الدولي يجددون التزامهم بدعم عملية سياسية شاملة في ليبيا    بطلب من الجزائر …مجلس الأمن يعقد هذا الثلاثاء جلسة مغلقة حول المقابر الجماعية في غزة    "الجزائر شريك استراتيجي في التعاون الإفريقي: الفرص وآفاق التعزيز" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    الرابطة الأولى: تعادل اتحاد الجزائر مع شبيبة القبائل (2-2)    بن مبارك يشيد بدور الإعلام الوطني    قوجيل يستقبل رئيس الجمعية الوطنية للكونغو    دعوة إلى تعزيز التعاون في عدّة مجالات    تنصيب مدير عام جديد أشغال العمومية    فيلم فلسطيني يثير مشاعر الجمهور    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    ماذا بقي في رفح؟    خطوة كبيرة لتكريس الرقمنة    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    سطيف: حجز 383 غراما من الكوكايين و11 ألف قرص مهلوس    وزير الداخلية يؤكد من خنشلة: الرئيس يعمل على تغيير الأوضاع وتحصين البلاد    زيدان يحدد موقفه النهائي من تدريب بايرن ميونخ    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    الشهداء الفلسطينيون عنوان للتحرّر    صادرات الجزائر من الإسمنت 747 مليون دولار في 2023    حقوقيون يدعّمون المعتقلين المناهضين للتطبيع    "هولسيم الجزائر" تركب ألواحا شمسة بموقع الإنتاج    تهيئة مباني جامعة وهران المصنفة ضمن التراث المحمي    الإطاحة بمروج المهلوسات    تفكيك خمس عصابات مكونة من 34 فردا    حجز 134 كيلوغرام من اللحوم فاسدة    "نمط إستهلاكي يستهوي الجزائريين    بلبشير يبدي استعداده لتمديد بقائه على رأس الفريق    بيتكوفيتش يأمل في عودة عطال قبل تربص جوان    مدرب سانت جيلواز يثني على عمورة ويدافع عنه    "حصى سيدي أحمد".. عندما تتحوّل الحصى إلى أسطورة    الصناعات الصيدلانية : الإنتاج المحلي يلبي أزيد من 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر وطار بين الأمل والإبداع
سجله حافل بالكتابات الأدبية والنقدية
نشر في الشعب يوم 15 - 12 - 2008

هو من الروائيين الذين عالجوا مشاكل المجتمع بأسلوب واقعي، وتعمقوا في تصوير الظواهر الاجتماعية وأبرزوا دلالاتها الخفية برؤية ثورية، فكان أدبهم صورة للمبادئ الوطنية التي آمنوا بها أنه صاحب رواية الزلزال التي تعتبر أخصب وأثمر أعماله الروائية، لأنها أكثر إلتصاقا بقضايا الإنسان المعاصر في الجزائر المعاصرة، فقد سحر الكثيرين من الروائيين بأسلوبه الفريد في معالجة القضايا الوطنية.
آخر مرة إلتقيت به كان يتكلم بنبرة خفيفة وصوت متقطع خلافا للعادة، فأحسست أن المرض وتقدم السن أرهقه، وبعد أسبوع من ذلك اتصلت به عن طريق الهاتف فأخبرتني أحد العاملات في الجاحظية أن هذا الأخير قد تعرض لوعكة صحية وأنه بصدد التوجه إلى باريس للعلاج.
وفي يوم 14 ديسمبر 2008 سمعت مثل كل الجزائريين في نشرة أخبار الثامنة أن وزارة الثقافة تكفلت بنقل الأديب إلى باريس للعلاج، وهذا يعني أن السلطات الجزائرية لا تتخلى عن مثقفيها وتساندهم في محنتهم ومرضهم.
نتمنى الشفاء العاجل لعميد الرواية الجزائرية والعودة السريعة إلى أحضان عالم الكتابة والإبداع والنشاط الحثيث في وكره الجاحظية، وهذه لمحة صغيرة عن إبداع كاتبنا الكبير.
هو الطاهر وطار: ابن السّفح الأوراسي بعرض الحراكته، ولد سنة 1936 في أسرة ريفية لها بفضل الجد مكانة ورفعة، نشأ ودرج، وعن جدّه أخذ الصّبي ينهل مجامع الكرم ومبادئ الأنفة والإباء...
فقد كان جده منارة لكل قاصد رفدا، والحكم بين كل خصم، وهو فضلا عن ذلك المناوئ الأبدي لممثلي السلطة الفرنسية، وهو وإن كان أميّا، فإليه يرجع فضل تأسيس كتّابا لتعليم القرآن بالمجان، وعن أبيه أخذ الزهد والقناعة والتواضع... وعن أمّه خلال الطموح ومعاني الإحساس، وعن خاله خفّة الروح والفن، وبذلك تأتّى للكاتب من الصفات أنواع ومن الخلال صنوف، فتراكبت فيه وتعايشت، فأثمرت رجلا يحفظ للمبادئ والعهود حقها، ويحسّ بالإنسانية ويطالب بفرضها، ويأبى التقليد ويمتطي صهوة التحديث... وإن تعجب فعجب كيف التقت تلك الظلال جميعها في شخصه وأثمرت نتاجا صقيلا على غير ما تنافر يتبدى أو نشاز.
ولطبيعة عمل أبيه وبحكم بساطة وظيفته، ظلّ الصّبي يتنقل مع أبيه، إلى أن استقرّ به المقام بمداوروش التي تداني مسقط رأسه، وفيها أخذ يتعلّم القرآن، وشدّته غرابة المجتمع هناك: لسانا وهيئة وسلوكا، فأرسل طرف التأمل... وفي سنة 1950 التحق بمدرسة جمعية العلماء المسلمين، فكان من تلاميذها النجباء، وبعدها عهد به أبوه إلى معهد ''الإمام عبد الحميد بن باديس'' سنة 1952 لينهل الفقه، فإذا ثقافة أخرى جديدة يقف عليها الفتى اليافع توازي الثقافة الشرعية ألا وهي روافد الأدب، فأقبل يطالع ويستزيد ما بلغه ووقعت عليه يده من كتب الأديب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وزكي مبارك وطه حسين والرافعي، إلى جانب كتب التراث كألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، وقد بدا جليا منذ البداية أن الفتى مصطنع للحداثة، وكما يقول هو عن نفسه: ''الحداثة كانت قدري ولم يملها عليّ أحد''، وبدأ يراسل بعض المدارس المصرية، فتعلّم الصحافة والسينما في مطلع الخمسينيات، وليلتحق سنة 1954 بالزيتونة، حيث لم يمكث بها إلا قليلا، وفي سنة 1956 انضمّ لحزب جبهة التحرير الوطني وظلّ وفيا حتى سنة 1984 وفي منتصف الخمسينيات اكتشف ضربا جديدا من الأدب هو أدب السّرد المحلي، فأقبل على الرّوايات والقصص والمسرحيات العربية والعالمية المترجمة يلتهمها التهاما، ثم استوت عنده الدربة والملكة أو كادت فباشر النشر في جريدة ''الصباح''، وجريدة ''العمل''، وفي أسبوعية ''لواء البرلمان'' التونسية وأسبوعية ''النّداء''، ومجلة ''الفكر'' التونسية.
وفي هذه المرحلة استهوته رياح الفكر الماركسي فاستجاب لندائها معتنقا أفكارها. ولقد ألقى تحصيل الأديب وتنوّع مشاربه الثقافية والفكرية، بوارف الظلال على مسار عطائه وعمله فجاء على ذلكم النّحو تنوّعا وغزارة:
فقد عمل في الصحافة التونسية: أسبوعية ''لواء البرلمان'' و''النداء'' التي شارك في تأسيسها، كما عمل في يومية ''الصباح'' وتعلّم فنون الطباعة، وسنة 1962 أسس أسبوعية ''الأحرار'' بقسنطينة، وهي أول أسبوعية تشهدها الجزائر المستقلة، وسنة بعدها أسس أسبوعية ''الجماهير'' التي أوقفت فيما بعد، وبعد عشر سنوات أسس أسبوعية ''الشعب الثقافي''، التي لم تعش سوى سنة واحدة، أما في سنة 1990 فأسس مجلتي ''التّنين'' و''القصيدة'' اللتين لا تزالان تصدران إلى اليوم.
وإلى جانب نشاطه في الصحافة والإعلام، راح يخلق فضاءات نشاط أخرى: فمن سنة 1963 إلى سنة 1984 ظل يعمل بحزب جبهة التحرير الوطني مكلف بالإعلام، ثم مراقبا وطنيا أحيل على المعاش وهو دونه (في سنّ السابعة والأربعين)، ثم مديرا عاما للإذاعة الجزائرية فيما بين سنتي 1991 و.1992
ولأن مسار الأديب حافل دون استيعابه المقام، فسنكتفي بهذا القدر من رصد مساره نشاطا ومراسا، غير أنه لا مندوحة من التّنويه بالفضل الذي قدّمه ولا يزال منذ تأسيسه الجمعية الثقافية ''جمعية الجاحظية'' التي ما انفكّ يعلي منابر الإبداع ويصبح بصوت النقد الحرّ معالم ويدبج معالم الأدب والفكر النّبيل الهادف، كيف وقد كان بيته منتدى لهذه الأهداف قبل تأسيس الجمعية سنة .1989 وهو يبذل العرق والأرق لاستقطاب الأدباء وتبريز الشباب والنّجباء وطبع الأعمال التي تستحق الثّناء، بل لقد ظلت أبواب الجمعية مفتوحة المصارع حتى في أعصب الظروف، وحين أدلهمّ الخطب في العشرية المنصرمة واحلولك الفضاء ظلّت أورقتها مصدر إشعاع يحفظ رمق الأدب ويمدّ كلّ أديب بفرصة ومتنفس...
وعن نتاجه وإنتاجه فلا يخفى على عربي، بل وحتى على أجنبي ما يحفل به سجله وما دبّجه صرير قلمه من كتابات نقدية وأدبية، فللأديب غير ما مجموعة قصصية، منها: ''دخان من قلبي''، ''الطعنات''، ''الشهداء يعودون هذا الأسبوع''... وأما الرواية، فهي معلم راسخ في صفحة الأدب العربي، ومن رواياته ''اللاز''، ''الحوّات والقصر''، ''العِشق
والموت في الزمن الحراشي''، ''تجربة في العشق''، ''الشمعة والدهاليز''، ''الوليّ الطاهر يعود إلى مقامه الزّكي''، وله مسرحيات منها: ''على الضفة الأخرى''، ''الهارب''.. كما أن له مساهمات في عدة سيناريوهات لأفلام جزائرية، كما حوّلت قصصه لأفلام، ومثلت بعض مسرحياته.
وأما الترجمة، فقد قام بنقل بعض الأعمال العالمية من الفرنسية مثل ديوان الشاعر الفرنسي ''فرنسيس كومب'' بعنوان ''الربيع الأزرق''، وأما الشاهد على قيمة أعمال الأديب فما حظيت به من ترجمات لأكثر من عشر لغات منها الأوروبية والآسيوية.
وعلى غرار أقرانه من الأدباء فللأديب في الترحال باب عريض، فقد طوّف بجميع الدول العربية إلا القليل، وكذا كبريات عواصم العالم...
وإذا تمعّنا في سيرة الأديب والمفكر الطاهر وطار، ومطار شهرته وذيوع صيته الأدبي، لوجدنا أنه سليل عمل دؤوب جاد لا مطلب شهرة.
فهو الأديب المدافع عن الإنسانية وقيمها، ولأن أدبه صنو متفرّد ونسيج وحده على غير مثال، فأسلوبه الروائي المحلق في الخيال تارة والمهادن للواقع مرة أخرى سحر الكثير من الأدباء والنقاد فضلا عن عامة القرّاء، فاستهوتهم تقاليبه، ومناحيه، فاستثار نقدهم واستدعى تقليدهم، واسترعى اهتمامهم لما تفرّد به من خصوصية ولما تسربله من رمزية .. فحاز بحقّ وجدارة لقب عميد الروائيين الجزائريين، فرواياته لبنات أعلت صرح هذا الفن في الجزائر واستطارت به مطوّفة أنحاء العالم العربي، وعن طريق الترجمة بلغ سائر أقاليم العالم، فوعى العالم عنه عدل القضايا الاجتماعية والإنسانية التي عنها يدافع ويجادل، وثبت عنده جلده واستبساله وثباته من أجلها مؤمنا بما للأدب من رسالة.
عاش بفكر متفتّح وقلم مرسل دواته هموم الإنسانية وقرطاسه متن الرّواية والقصة والمسرحية، فبلغ الفارس حينما سلمت المطيّة. يقول عنه الدكتور أمين الزاوي: ''الطاهر وطار عميد الرواية الجزائرية دونما تحفّظ، وإذا ما ذكرنا خمسة عناوين: هي ثلاثية: محمد ديب، و''نجمة'' كاتب ياسين، و''ريح الجنوب'' لابن هدوقة و''التطليق'' لرشيد بوجدرة، و''النّهر المحول'' لرشيد ميموني، تكون رواية ''اللاز'' لوطار نص القرن بالنسبة للنثرية الجزائرية...''.
بحقّ لقد غاص الطاهر وطار في دروب الحياة: سبلها وشعابها، وارتشف من تجاربها الرّحيق مرة أخرى العلقم تجرّع، فتدفقت بذلك عاطفته مرآة صادقة عاسفة جيّاشة لها صرير القلم أداة ومتنفسا والقرطاس متنا ومتسنّما، فأثمرت سجلاّ أدبيا مطرّسا.
فلتحفظ الأجيال لهذا الأديب حقّه، ولتقرّ بفضله، وندعو اللّه أن يوسعه في العمر بسطة، ونأمل أن نلتقيه في ما يستقبل من المناسبات في مقرّ الجاحظية فسيح، يليق بما تكرّسه كصرح أدبي شامخ، آملين أن نرى الجديد من عطائه الفكري الغزير. رعاه اللّه وشفاه.
------------------------------------------------------------------------


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.