البوليساريو تدعو مجلس الامن مجددا الى اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    حملات التسديد متواصلة مع التسهيلات: ديون سونلغاز تفوق 98 مليار سنتيم بسوق أهراس    تسمم عائلة يثير الهلع في أوساط المواطنين: صهاريج مياه صالحة للشرب مجهولة وغير مراقبة بتبسة    زيارة موجهة لفائدة وسال الإعلام إلى المدرسة العسكرية المتعددة التقنيات ببرج البحري    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    الجزائر-تونس-ليبيا: التوقيع على إتفاقية إنشاء آلية تشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة    فلسطين: "الأونروا" تناشد الحصول على 2 ر1 مليار دولار للتعامل مع الأزمة غير المسبوقة في غزة والضفة الغربية    فلسطين: ترحيب بقرار حكومتي جامايكا وباربادوس الاعتراف بالدولة الفلسطينية    الفريق أول شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية بالناحية العسكرية الثالثة    إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب خلال أسبوع    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    قسنطينة: 17 جريحا إثر انقلاب حافلة بحي لوناما    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    اجتماع الحكومة: مشاريع نصوص قانونية وعروض تخص عدة قطاعات    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    غائب دون مُبرر: إدارة لاصام مستاءة من بلحضري    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الإشارة العمومية يعطي إشارة الانطلاق: الشروع في توسعة ميناء عنابة و رصيف لتصدير الفوسفات    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    فيما وضع حجز الأساس لإنجاز أخرى: وزير الطاقة يدشن مشاريع ببسكرة    سوناطراك : توقيع بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية أبراج لخدمات الطاقة    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    وزير العدل يدشن مقر مجلس القضاء الجديد بتبسة    البروفيسور نصر الدين لعياضي يؤكد من جامعة صالح بوبنيدر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    غزّة تحت القصف دائماً    وزارة الشؤون الخارجية توضّح    اجتماع حول استراتيجية المركز الوطني للسجل التجاري    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    اختتام ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر بإسطنبول    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    قسنطينة: السيد عون يدشن مصنعا لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    الجامعة العربية تجتمع لبحث تداعيات استمرار جرائم الاحتلال    تكتل ثلاثي لاستقرار المنطقة ورفاه شعوبها    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    عاصمة البتروكيمياء بلا حظيرة تسلية ولا حديقة حيوانات    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    بلومي هداف مجددا في الدوري البرتغالي    تمنطيط حاضرة للعلم والأعلام    الوقاية خير من العلاج ومخططات تسيير في القريب العاجل    رجل الإصلاح وأيقونة الأدب المحلي    ماندريا يُعلّق على موسمه مع كون ويعترف بتراجع مستواه    إشادة ألمانية بأول تجربة لشايبي في "البوندسليغا"    معالجة 245 قضية إجرامية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“مذكرات عربية لنبيلة صقلية”.. “تقدس” الحريم.. وتكذّب تأويلات الغرب
الأميرة الصقلية فيتوريا ألياتا في حوار حصري ل"الشروق":
نشر في الشروق اليومي يوم 22 - 12 - 2018

بعد 30 سنة من الصمت، تكشف الأميرة فيتوريا ألياتا، المقيمة بمنطقة باغيريا، قرب بليرمو الإيطالية، حقائق مهمة ومثيرة حول التراث العربي الإسلامي ومقارباته والإنسانية بخصوص المرأة وحريتها في الملكية والتصرف والميراث. مفنّدة في حوار ل"الشروق اليومي" نظرة الغرب السلبية التي تحاول حصرها في نطاق "الحريم"، لا بل تعتبر الفهم الغربي للمسألة سوء فهم ينطوي عن جهل بناء على ما عايشته في قصور زوجات عدد من أمراء الخليج، فضلا عن حلول قيمة قدمها قانون الأحوال الشخصية الإسلامي في ما يتعلق بالتعايش بين المذاهب والأديان في قالب إنساني ومتحضر.
معالي الأميرة ألياتا.. هل لنا التعرف على مؤلفاتك، خاصة أن بعضها حقق مبيعات كبيرة في الثمانينيات؟
كتبت أول مؤلف وعمري لا يتعدى عشرين سنة، بعد نجاحي في البكالوريا تحصلت على شهادة القانون من جامعة روما وعمري 19 سنة. وكنت قد أمضيت 4 سنوات في لبنان، نلت خلالها أربع إجازات في اللغة العربية، لأنهمك في تحضير أطروحة حول الطوائف الدينية في لبنان بغرض تقديمها، غير أنني واجهت آنذاك فترات صعبة، لأنّ إدارة الجامعة رفضت اعتماد الأطروحة لاعتقادها أنني كتبت مؤلفا من وحي "الفونتابوليتيك" أو "الخيال السياسي"، والواقع أنني تنبأت بالحرب الأهلية اللبنانية قبل وقوعها بالنظر إلى ما كنت أعايشه من توترات وأقصد سنتي 1965 و1966، تلك الفترة التي عايشت فيها شخصيات كبيرة مثل الإمام موسى الصدر والمطران كابوتشي، كما تعرفت على ياسر عرفات ولم يكن وقتئذ شخصية معروفة، كما درست وتعرفت على النظام التقليدي الديني وأعجبت به لأنه كان يكفل الحق لكل طائفة دينية خاصة في الأحوال الشخصية، وكان هذا النظام رائعا، لكن المشكلة أن هذا النظام الذي لفت اهتمامي وتقديري تم تعويمه بقوانين نابوليونية واستعمارية، فمنح المسيحيين المارونيين الرئاسة والمسلمين السنة رئاسة الوزراء، وأقصى الشيعة من أي تمثيل سياسي، رغم أنهم الأغلبية. وولد ذلك طوال فترة الستينيات جملة من التوترات الفكرية والسياسية التي تسببت في نزاعات سياسية. وأنا أعايش الواقع لفت نظري دقة وإنسانية القانون الإسلامي الذي منح كل طائفة حرية شخصية تتكفل فيها بأحوالها الشخصية وقضاياها منذ عهود طويلة، وآخرها على عهد العثمانيين والإمبراطورية العثمانية التي منحت الحق لكل طائفة مسلمة أو مسيحية إدارة شؤونها الخاصة، وهذا هو جوهر القانون الإسلامي، فكان لكل طائفة قاض شرعي ينظم لقاء أسبوعيا لتدارس مشكلات كل طائفة. وكان هذا النظام منسجما في ظل تناسق مجتمعي رغم تعدد طوائفه وأعراقه، غير أنّ التعديلات السياسية كانت تنذر بأزمات خطيرة. ووجب التنويه بدور مسيحيي الشرق، فقد كانوا مفخرة العروبة وكان لديهم إحساس ووعي بالحقوق العربية وفعلا كانت الحقوق العربية تراثا مسيحيا صرفا، ذلك أنهم كانوا يشعرون بأنّ وجودهم مهدد بحكم أنّ الفاتيكان يعتبرهم أقلية مسيحية في وقت كانوا فيه يعيشون حياة رائعة ومنسجمة داخل مجتمعات ودول مسلمة.
كيف كانت طبيعة هذا التعايش؟
رأيت العلاقات الحميمية والإنسانية بين المسلمين والمسيحيين بصورة لم أشاهدها في أي مكان آخر، وأنتج ذلك حياة لا تشعر فيها بالخلافات رغم الاختلاف الديني والمذهبي والعرقي، عشت مع عائلة لبنانية ذات أصول إغريقية لاتينية تربطني بهم صلة من الأم التي كانت نابوليتانية، ورأيت أنّ السلطان وهو مسيحي وقع في حب فتاة فلسطينية مسلمة، ورغم أن الوضع من الناحية القانونية كان صعبا غير أنه كان يجد من الناحية العاطفية حلولا إنسانية. سمحت لي معايشتي لجميع الطوائف بتكوين نظرة عميقة عنهم، فقد أقمت في قصر المختارة وتعرفت على البيك كمال جنبلاط زعيم الدروز وكان بحق شخصية رائعة ذا نظر وأخلاق ومثالية، كما درست اللغات القديمة للإنجيل التي تستعملها الطوائف هناك، وليست موجودة حتى في الفاتيكان، ذلك أن المسيحيين الفلسطينيين كانوا هنا زمن المسيح عيسى عليه السلام، فكونت تجربة فتحت عيني على حياة وأشياء أجهلها ويجهلها الكثير هنا في الغرب.
بالتأكيد، عمق ذلك فهمك للعالم العربي والإسلامي، فهل كان لك فتوحات أخرى من الناحية الثقافية؟
أهم شيء استخلصته هو أن الثقافة والحوار هما أساسا الحياة ليس بين بني البشر فحسب، بل بين المجتمعات أيضا، أعلم أنك زرت قبل ساعة كنيسة "البارالاتينا" الواقعة بالقصر الملكي ببليرمو وهذا المعلم البنائي يحتوي داخله على حضارة كاملة من التعايش، وأنا بصدد إعداد فيلم سينمائي عنه بعدما اشتريت الحقوق ومن خلاله سأمنح المجال لأصوات لتتحدث عنه، ذلك أن هذه الكنيسة اشترك في بنائها بيزنطيون ومسيحيون ومسلمون. كل جهة أنجزت جانبا منه، كما تكفل العرب المسلمون بإنجاز الزخرفات السقفية البديعة، وقد يتعجب المرء في أن هذا التعاون والتعايش بين هذه الأقوام المختلفة وقع في قلب الحروب الصليبية. وهذا عجيب جدا، ففي وقت كانت هناك حروب دينية، كان هؤلاء الناس يتعاونون في زخرفة كنيسة.. أو ليس هذا أمرا رائعا يستوجب استخلاص العبر والدروس ويدعو إلى التأمل الإنساني؟ وأول هذه الدروس يكمن في أن ما تفسده السياسة تتكفل الثقافة بإصلاحه. ويدعونا ذلك إلى تطوير علاقات التعاون في الثقافة التي تسمح عبر حوار القلوب بطريقة مباشرة وتكشف الحقيقة المتلبسة خلف المظاهر، من خلال منجزات مشتركة، لذلك قررت أن أعود إلى هذه الكنيسة وأقدم من خلالها صور التعايش الحقيقية المؤسسة لبناءات مشتركة، إن على الصعيدين المادي أم الأخلاقي والإنساني. لقد مرت ثلاثون سنة ونحن ننظم ملتقيات ومؤتمرات حول الحوار دون فائدة، ثلاثون سنة ونحن نتحاور بين الثقافات والديانات والحضارات وزمننا زمن الحروب فالحروب في كل مكان لذلك عدت إلى هذه للكنيسة عبر فيلم مصور أروي عبره أرقى صور التعايش الإنساني.
من خلال معلوماتي، لاحظت أنك تنقلين العالم الإسلامي والعربي إلى الغرب، كما أنك متخصصة في المواضيع "المزعجة" للعقل الغربي، ما دافعك الأول إلى ذلك؟
كل ما قمته به هو نقل الصوت الذي لا يسمعه الغرب والصورة التي لا يراها إبرازا للحقيقة، فعلت ذلك في كتاب"الحريم: مذكرات عربية لنبيلة صقلية" وحقق المؤلف مبيعات كبيرة خلال الثمانينيات "باست سيلر"، وقد قدمت فيه بما أتيح لي من فرص التعرف على أمراء الخليج العرب ونسائهم، بنقل أصواتهم بأمانة، ذلك أني كنت أبحث عن تقديم أشياء بلغة القلب، التي لا يفهمها سوى القلب، وكان الشيخ زايد رحمه الله يقول لي: "إنّ صورك جميلة، لأنك تلتقطينها بالقلب". لذلك أعدّ الوحيدة التي أملك صور نساء الأميرات خلال ال70، حيث كان يسمح لي بالتقاطها لما حظيت به من ثقة، ولم يحدث أن خنت تلك الثقة. حاولت عبر الكتاب استفزاز العقل الغربي باستعمال مصطلح الحريم الذي لا يعني عندهم سوى مرتع الملذات الجنسية، حيث يتجول الرجل مع مئات النساء، وكشفت لهم أنّ الحريم هو معبد روحي ومكان مقدس، ومنحت الصوت لهؤلاء النسوة اللائي اعتبرتهن من حيث التشبيه "نبيات عالم مقدس" وكنت أسألهن عن مواقفهن ووضعهن وأنقل ذلك بدقة وأمانة دون إدلائي بمواقف شخصية، حيث يقول محيي الدين بن عربي في مقدمة كتابه الفتوحات المكية: "ربي ألهمني القدرة كي أكون ترجمانك"، أن تكون ترجمانا يقتضي أن تقدم العالم الخاص بالشيء والموضوع بلا إضافة شخصية. لذا، أعتبر دائما أنّ وظيفتنا في الترجمة واجب مقدس، لذلك، أيضا، فإن مؤلفاتي كانت ترجمة للعالم العربي الإسلامي بما تقتضيه الوظيفة من حب وعاطفة، وهذه هي الترجمة الحقيقية. فكانت وظيفتي هي ترجمة ونقل المبادئ والقضايا الأساسية للعالم العربي والإسلامي بلغة الغرب إلى الغرب. ولا أقصد العالم الإسلامي جغرافيا بل العالم الإسلامي بحدوده الثقافية، فأوليت عناية خاصة لمسألة الحدود، فنحن هنا في صقلية جزء من هذا العالم الإسلامي الموسع، مثلنا مثل ماليزيا وكازخستان وموريتانيا.. فقد شهدت أرضنا اشتباكات حضارية بين الشرق والغرب على مدار قرون طويلة.
قضية المرأة، هي أحد مسببات الصداع الحضاري بين الشرق والغرب، كيف كانت مقاربتك لهذه المسألة؟
لقد انكبت حياتي على مدار تسع سنوات عشتها في الشرق الأوسط على الدارسة والبحث في قضية المرأة، وكما أسلفت لك، درست عند عدة مشايخ في حلب والأزهر ودبي بالطريقة التقليدية من خلال دراسة كتاب والحصول على إجازة، وتحصلت على شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وتحديدا في قانون الأحوال الشخصية. أمضيت تسع سنوات بالعالم العربي، وسنة بنيويورك والولايات المتحدة سنة 1968 سنة تحرر المرأة والشباب والتيارات التقدمية، وكانت قضية المرأة مطروحة بحدة، فعاصرت التيار الذي كانت تقوده "دانيا ريدل"، وكنت صاحبة ركن رواق الفنون التقدمية، وكنت صديقة لسلفادور دالي، بما كنت أكتبه عن الفنون بمجلة فوج الشهيرة، وكانت عوائد تلك المقالات سندا لي للإقامة بالشرق. وأذكر أن الأمريكيين كانوا يسألونني في حيرة لماذا أنت تدرسين بالعالم العربي؟ لماذا تنفقين عمرا كاملا في دراسة العربية؟ والواقع، كنت أبحث عن هويتي وقضيتي الأساسية كامرأة، وبعد عام رجعت وكتبت مؤلف "أنديجست" بعدما تأكدت من أن هويتي ليست هناك، فأن أكون امرأة، جعلني أبحث عن أفضل طريقة لتحقيق ذلك كمثقفة وكابنة عائلة كان لها دور تاريخي مؤثر. فالأمير المتنور عليه الخضوع لتجارب واختبارات حتى يصل إلى الهدف الأساسي، وطبعا تأكدت من أن هويتي كامرأة هي في العالم العربي الإسلامي.
وكيف حدث هذا الانقلاب، من الدراسة إلى اعتناق الهوية العربية الإسلامية في قضية المرأة؟
ببساطة، تعلمت من نساء عربيات أميات وبسيطات وربات بيوت أمهات لعشرة أطفال كيف يمكن لامرأة أن تمسك مصيرها بيدها. ذهلت عندما رأيت أن هؤلاء النسوة كن يعرفن ثمن الذهب بالسوق فيبعن سوارا ثم يشترين بعوائده كميات من الحليب يقمن بتحويله إلى جبن يبعنه في السوق ويشترين بعائداته بدل السوار سوارين، ثم يقمن ببيعها وشراء كميات من الحليب، وهكذا يكتسبن ثروة داخل دورة اقتصادية بسيطة ومؤثرة. أذهلني تصرفهن وأدهشتني قدرتهن على بناء اقتصاد من العدم. وطبعا، النساء الغربيات لم تكن لديهن هذه البراعة، لأنهن لم يكن يتمتعن بحق التصرف، فحق الميراث مثلا لم يتم تكريسه بالغرب إلا عام 1974، أي منذ 40 سنة، بينما كانت نساء العالم الإسلامي صاحبات هذا الحق منذ 1400 سنة. هذا شيء مضحك. كان لنساء هذا العالم روح المقاولة والحق في التصرف في المال، قليله أو كثيره، لا يهم المقدار، لكن من حيث المبدأ كن يعرفن هذا الحق كما عرفناه هنا في جزيرة صقلية لأنها جزء من حدود العالم الإسلامي، أما نساء باقي عوالم الغرب، فلم يكن يعرفن ذلك.. تعلمت من النساء الأميات هذا، كما تعلمت من العربيات الغنيات روح المسؤولية، وعموما تعلمت من النساء المسلمات مسؤولية أساسية، هي أننا مسؤولات عن مستقبل الإنسانية من خلال تربية الأولاد، طبعا يمكن لنا أن نقبل أو نرفض ذلك من خلال أن تنجب امرأة طفلا ثم تسلمه لمربية لتشتغل هي في محل.. وبخلاف ما شاهدته في الغرب وأمريكا لدى التيارات النسوية التي كانت تهدف إلى منافسة الرجل، كان لنساء العالم الإسلامي فكرة مبدئية واضحة من خلال علاقة تكاملية بين وظيفة الأمومة ومهام الرجل، كما أن للمرأة الحرية في بناء المستقبل من خلال تربية الأطفال، كما كانت لديها حرية في التملك والميراث والحقوق الجنسية كذلك، وإذا لم يمنح الرجل المسلم ذلك للمرأة فهو في نظر الشريعة ليس مسلما ملتزما بالتعاليم الشرعية. هذه الحقوق الكاملة التي تمتعت بها المرأة المسلمة لم تكن موجودة في الغرب مطلقا حتى ذلك الزمن، كما أن النساء المسلمات كان لهن الحق في المطالبة بحقوقهن حيث كنت أكتب رسائل لهن بحكم معرفتي وتخصصي في الشريعة الإسلامية من خلال إدراج بنود في عقود الزواج والطلاق، وسمح لي ذلك بمعرفة عالم النساء في سوريا واليمن ولبنان والخليج، وطبعا، كنت أفعل ذلك مقابل عشاء أو إقامة ليلية، لكنه كان مفيدا لي في تحديد هويتي، حتى لما عدت إلى الغرب كنت مقتنعة تمام الاقتناع بتلك الثقافة. وكنت أُسأل عن سر اهتمامي بوضعية النساء العربيات والمسلمات ولماذا لا أبحث في وضع النساء الكاثوليكيات، لذا شرعت بعد صدور مؤلفي "الحريم، مذكرات عربية لنبيلة صقلية" في بحث كبير عن النساء المتدينات في الفاتيكان، وفتشت واكتشفت أشياء صادمة فتحت عقلي على جملة من المسائل والإشكاليات…
يتبع…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.