عابد شارف تشكل الانتخابات المحلية موعدا حاسما، لا بسبب النتائج المنتظرة منها، إنما لأنها ستعلن نهاية عهد التجارب الفاشلة. فإما أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستفتح بابا للاستفاقة، إما أنها ستؤكد البقاء على الخيارات الفاشلة وتعميقها، لتدفع البلاد إلى انهيار نهائي. وإذا بقيت البلاد على طريقة التسيير السائدة لحد اليوم، فإن القرار لن يكون من باب التجربة، ولا نقول بعده إن القوم أخطؤوا، إنما سيكون إراديا، وخيارا واعيا يتخذه أصحابه بكل دراية حول نتائجه. فالانتخابات لا تشكل حدثا بحد ذاتها. إنه الموعد العاشر للمواطنين مع صناديق التصويت في مدة عشر سنوات، وإذا استثنينا الاستفتاء حول المصالحة الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في عمليات الإرهاب، فإن كل المواعيد الأخرى لم تؤد إلى نتيجة تذكر، اللهم إلا انهيار المؤسسات، وتراجع العمل السياسي، وانتشار الفساد، وسيطرة اللامبالاة والتبذير في تسيير شؤون البلاد. ولا أحد ينتظر شيئا من الانتخابات المحلية، لأنها ستكرّس سيطرة نظام متسلط على الجماعات المحلية، وطلاقها مع المواطن. لكن بعد الانتخابات، وعند انتهاء الضجيج الذي أثارته المحليات، ستجد البلاد نفسها في نقطة الصفر، وستدرك يومها أن نفس الأسئلة التي تم طرحها منذ عشر سنوات تبقى مطروحة: هل يمكن البقاء على طريقة التسيير الحالية للبلاد؟ وإذا أرادت البلاد أن تدخل مرحلة جديدة، ماذا يجب أن تفعل؟ وكيف؟ وما هي الأطراف التي ستشارك في عملية التغيير؟ ولأول مرة منذ مدة، تجد البلاد فرصة حقيقية لدراسة عميقة لأخطاء الماضي، وتفكير حقيقي في واقعها الحالي، ثم للتشاور حول آفاق المستقبل. فالجزائر مقبلة على انتخابات رئاسية بعد سنة ونصف، وعندها سيكون عليها إما أن تختار طريقة تفتح آفاقا جديدة، إما أن تبقى على وضعها الحالي، مما سيؤدي حتما إلى تعميق الأزمة إلى أن يصبح ثمن الحل أكبر من طاقة البلاد. ومن المنتظر أن نعرف أي طريق ستختار البلاد ستة أشهر قبل موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ربيع 2009، وهو ما يترك للجزائريين مهلة سنة تقريبا للنقاش والتشاور ودراسة الخيارات المتوفرة. وستكون هذه المهلة فرصة أخيرة لتدارك الوضع، ودخول مرحلة جديدة لبناء مشروع وطني تشارك فيه كل الأطراف التي تتبنّى فكرا وطنيا ديمقراطيا موجها نحو المستقبل. ويجب الاعتراف أن مشروع بناء المستقبل هو الأصعب، لأنه يتطلب معجزة أولى، وهي خروج أهل السياسة من التفكير الذي سيطر في أوساط السلطة منذ بداية الأزمة. كما يتطلب هذا المشروع معجزة ثانية، تتمثل في إقناع قلب النظام، خاصة الجيش وأجهزة الأمن، أن الطريق مسدود، ولا مجال للاجتهاد في سياسات أكدت فشلها بصفة نهائية. ومشاركة الجيش في بناء المشروع الجديد تبقى أساسية، لأن بناء أي مشروع بديل دون موافقة ومساندة المؤسسات الرئيسية في البلاد يمكن أن يؤدي إلى مواجهة خطيرة جدا. وإذا اكتملت هذه الشروط، يبقى على البلاد أن تحدد ملامح المشروع البديل، وتشرع في تطبيقه، ودفع كل الطاقات للسباق نحو آفاق المستقبل حتى تصبح قضايا الماضي ثانوية، مما يسمح من تجنب الأحقاد والنزعة السائدة التي تدفع إلى تصفية الحسابات. وإذا فتحت البلاد لأهلها آفاقا جديدة، يمكن تحقيق مصالحة وطنية كبرى، حيث أن الذين دفعوا الثمن في الماضي سيجدون بديلا معنويا، ولو جزئيا، لما ضاع منهم. هذا عن خيار المستقبل. أما عن الخيار الثاني الذي يمكن للبلاد أن تتمسك به بعد الانتخابات المحلية، فإنه يتمثل في البقاء على الوضع الحالي. والحقيقة أنه الحل الأسهل، حيث أن هذا الخيار لا يتطلب أي تفكير ولا اجتهاد، إنه سيفرض نفسه إذا اكتفت البلاد بصفة عامة، والسلطة بصفة خاصة، بعدم اتخاذ أية مبادرة، فإذا لم تعرف البلاد أية مبادرة في الأشهر القليلة القادمة، فإن ذلك سيعني صراحة أن السلطة اختارت أن تبقى البلاد على حالها، وأن تكتفي بتسيير الأزمة دون العمل على تجاوزها. وهناك طريقة أخرى ستشير إلى أن السلطة لا تريد الحل، كأن تدخل البلاد بسرعة في ورشة جديدة لتغيير الدستور، مما يعني أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيحكم لعهدة ثالثة، وأن البلاد اختارت أن تبقى حبيسة المأزق الذي تختنق فيه منذ مدة طويلة، وأن الجزائر ستضيع فرصة أخرى للتفكير والمبادرة. ومهما يكن، فإن الأمور ستتضح بسرعة بعد الانتخابات، حيث سنعرف بعد مدة قصيرة هل أن الجزائر اختارت أن تقف وقفة للتفكير في مستقبلها أم لا، وإذا قررت أن تفكر، سنعرف هل أنها اختارت حقيقة أن تفكر في المشروع البديل أم أن السلطة ستكتفي بالبحث عن طريقة جديدة لمراوغة الجميع.