قبل أيام من موعد امتحان شهادة البكالوريا..سلطة ضبط السمعي البصري تحذر من المساس بحقوق الأطفال    تحضيرا لموسم الاصطياف.. مخطط خاص بالرقابة والتموين في 14 ولاية ساحلية    القرار يحض حاملي المشاريع غير الجاهزة.. الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    بريد الجزائر: تعديل مواقيت العمل بشمال وجنوب الوطن    تحولت إلى "ترند" على مواقع التواصل..قافلة الصمود "توحد" المغاربة لنصرة الشعب الفلسطيني    الديوان الوطني للتطهير: قرابة 800 تدخل خلال أيام عيد الأضحى لضمان استمرارية الخدمة العمومية    حادثة محاولة الانتحار أمام مقر وزارة العدل: إيداع 4 متهمين الحبس المؤقت    مجلة "آفاق سينمائية" : إبراز دور السينما الجزائرية في فضح الاستعمار الفرنسي    نفذتها "منظمة الجيش السري" للاستعمار الفرنسي:حرق مكتبة الجامعة المركزية عام 1962 جريمة ضد الفكر والإنسانية    وزير الشؤون الدينية والأوقاف:التعاون المثمر بين مكونات البعثة وراء نجاح موسم الحج    البطل سقط في ميدان الشرف يوم 6 جوان 1958..ولاية باتنة تحيي الذكرى ال 67 لاستشهاد علي النمر    حيداوي يدعو الجمعيات الشبانية للانفتاح على شراكات محلية ووطنية    أبرز أهمية الرقمنة وتكريس التقاضي الإلكتروني.. بوجمعة: الحبس المؤقت يمثل 5.13 بالمائة من مجموع المحبوسين    موانئ: اعتماد ميناءين كنموذج أولي لتجريب استراتيجية العصرنة الجديدة    طاقة ومناجم: بحث افاق التعاون بين المؤسسات الجزائرية و "ميتسوبيشي باور أيرو" اليابانية    مجلة الجيش:الجزائر سترفع كل التحديات داخليا وخارجيا    مجلس الأمن:البوليساريو تدحض ادعاءات ممثل دولة الاحتلال المغربي    جمع جلود الأضاحي, أداة لدفع عجلة تطوير الصناعة الوطنية للجلود    رئيس المجلس الشعبي الوطني يستقبل سفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر    اتفاقية تعاون علمي بين جامعة "بلحاج بوشعيب" لعين تموشنت وجامعة هيوستن الأمريكية    الفنانة التشكيلية نورة علي طلحة تعرض أعمالها بالجزائر العاصمة    الأمم المتحدة: القضية الصحراوية اليوم الثلاثاء في جدول أعمال دورة اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار    دراجات /طواف الكاميرون 2025 : الجزائري اسلام منصوري يفوز بسباق المرحلة السادسة    العروض الوطنية للفيلم السينمائي "محطة عين لحجر" تتواصل عبر عدة ولايات    كرة القدم / بطولة افريقيا للاعبين المحليين 2025 : مجيد بوقرة يقر بصعوبة ضبط التشكيلة النهائية    اختبار قوي للخضر    بطولات وتضحيات خالدة في الذاكرة الوطنية    مؤشرات الاقتصاد الجزائري تتحسّن    البرتغال تُتوّج بدوري الأمم الأوروبية    حجز قرابة 1.5 مليون قرص مهلوس بباتنة    الجزائر تتحصّل على جائزة لبيتم    الحجّاج يؤدون طواف الوداع    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 54981 شهيدا و126920 مصابا    فلسطين : مستوطنون صهاينة يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    ورقلة : حجز أزيد من 62 ألف كبسولة من "بريقابالين"    تكريس لإرادة سياسية واضحة لحماية "ذاكرة وطن"    ضرورة تفعيل الحسابات وتحميل الملفات قبل 12 جوان    تكرس قيم الاحترافية والوطنية التي تحدو منتسبي القطاع    يختطف سفينة "كسر الحصار" على قطاع غزة    تنظيم عودة أول فوج للحجاج الجزائريين إلى أرض الوطن    640 ألف مليار لاقتصاد أقوى ومعيشة أحسن    آخر الروتوشات لانطلاق امتحان البكالوريا    اللجنة المنظمة تطلق اليوم الموقع الرسمي للحدث    المديرية العامة للحماية المدنية تطلق مسابقة توظيف    خطوة أخرى لتعزيز التنمية بقرى وادي الأبطال    "التطور الحضاري لمدينة تلمسان" محور يوم دراسي    تتويج سيليا العاطب سفيرةً للثقافة الإفريقية 2025    استشراف لمستقبل الفن والتكنولوجيا    رفع ألفي طن من النفايات    جمع 27 ألف "هيدورة"    مجلس الأمة يهنّئ بالجائزة الذهبية "لبيتم"    إجماع على استقدام جمال بن شاذلي    مبادرة حسنة من الحجّاج الجزائريين    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    توسعة الحرم المكي: انجاز تاريخي لخدمة الحجاج والمعتمرين    ويلٌ لمن خذل غزّة..    هذه أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة    عيد الأضحى المبارك سيكون يوم الجمعة 06 جوان 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اغتراب زعيمين.. "القذافي" و"ابن بلّه"
من بعيد
نشر في الشروق اليومي يوم 02 - 04 - 2008

حين يعيد المرء النظر في مجمل القضايا التي يعيشها العرب اليوم تتبدّى إليه الوقائع متناقضة تماما مع الأهداف الكبرى التي قامت من أجلها الثورات، فمن كان يتصوّر أن العرب يلحقون بالمستعمر على مستوى النخب السياسية والثقافية، وعلى مستوى الشعوب أيضا، مستنجدين به ومعوّلين على إنقاذه لهم؟
بل من كان يتخيّل الاحتكام إليه لحل الخلافات بين العرب؟، ولو واصلنا البحث عن إجابات لأسئلة تعتبر اليوم من المحّرمات ما انتهينا إلى نتيجة تذكر، لكن بالتأكيد سنغرق في بحر التشاؤم والأحزان من الواقع الذي نعيشه، وهو بكل تأكيد أمرّ لدى أولئك الذين ساهموا في الثورات بشكل مباشر وتعلقت آمالهم الكبرى بالجوزاء، حتى إذا ما حرّروا البلاد، وجدوا البناء أصعب لكونه حسب الحديث النبوي يمثّل الجهاد الأكبر. لمعرفة المرارة التي يشعر بها بعض الزعماء، علينا العودة إلى الحلقات التي روى فيها الزعيم أحمد بن بلّه تجربته النضاليّة وتاريخه منذ سنوات عبر برنامج "شاهد على العصر" الذي تبثّه قناة الجزيرة الفضائية، وتلك تجربة أولى، يمكن أن تتبعها بأخرى، مختصرة في كلمة الزعيم الليبي "معمر القذافي" في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في دمشق، مع التأكيد المسبق على الفروق الشاسعة بين التجربتين، من ذلك زمن الرحيل والوصول. الرئيس أحمد بن بلّه "أُبعد بانقلاب اعتبره قادة الثورة في وقته تصحيحا ثوريا ومنهم عبد العزيز بوتفليقه مهندسه، حسب بعض الآراء، ثم تخلى عنه عندما صار رئيسا، وألغى حتى الاحتفال به حين تصالحت الدولة مع نفسها، وقد يكون هدف الرئيس بوتقليقه المستقبلي إقامة شرعية تستند على الديمقراطية وتنهي مرحلة الشرعية الثورية، أما القذافي فقد وصل بانقلاب على النظام الملكي اعتبر ثورة ولا يزال، وهو وفي إلى الآن لمبدئه التي قام من اجله ولم يغيّر أو يصحح في تاريخ وصوله إلى الحكم، وقد يعود ذلك لكونه لا يزال في السلطة، حيث يحتمل أن تتغيّر الأمور في سنوات لاحقة، تبدو قادمة في الأفق من خلال النشاط الحذر لابنه سيف الإسلام. ما يهمنا هنا ليست طريقة حكم الرجلين، وإنما عيشهما في اغتراب داخل أمة ناضلا من أجل أن تكون عزيزة منتصرة، فإذا بهما يرونها اليوم في الهاوية، حيث التراجع على الثوابت، لدرجة جعلت بعض الزعماء يقرّ بالعجز وباستحالة التغيير، وبعض آخر لم تؤثر فيه الأحداث ولا الوقائع وجعل إلهه هواه، لكن هناك جملة من الفروق في رحلة الاغتراب بين الزعيمين، يمكن ذكر بعضها على النحو التالي: أولا في الوقت الذي زهد "ابن بلّه" في السلطة، بدليل ما بذله خلال سنوات العنف والإرهاب من أجل أن تحل المحبة والمصالحة بين الجزائريين، ليس هذا فقط، بل أنه يترّفع عن أي قول يمكن أن يثير خلافات داخل وطنه أو على مستوى أمته، على الأقل ظاهريا، نجد القذافي لا يزال متشبثا بالحكم، غير زاهد فيه، وقد يعود ذلك لسببين: إما حب الشعب الليبي له، أو غياب معارضة حقيقية تملك القدرة على التغيير.. ثانيا اكتفاء الزعيم بن بلّه بالعمل البحثي والمشاركة بالنصيحة عن بعد، بما في ذلك القضايا الخاصة بالجزائر لقناعته بأنه أكبر من أي منصب أو دور سياسي، لهذا فهو لا يمثل موقع خلاف بين السياسيين العرب، بينما الزعيم القذافي يتدخل بشكل مباشر، وكثيرا ما يدلي بآراء ينفر منها القادة العرب، ويعود هذا لوجوده في السلطة وقيادته لبلاده ليبيا، كما يرجع أيضا لأثرة من نقاء ثوري لديه، ما يدفعه إلى التصريح العلني بمواقفه مهما كانت مكلّفة على صعيد العلاقات بينه وبين القادة العرب، لهذا فهو أقرب إلى الشعوب منه إلى القادة، وكأنه معارض لسلطة عربية عامة، لهذا يتساءل القادة عن خلفيات تغريده خارج السّرب، أو مهاجمته الغرب مع أنه يتعامل معه بشكل مباشر. ثالثا لم يغير الضعف العربي في مواقف بن بلّه تجاه أمّته، في حين دفع القذافي إلى البحث عن فضاء آخر من أجل التأقلم مع العولمة، انطلاقا من وجودنا الآن عالميا خارج القضايا الكبرى مثل القومية والأديان، لكونهما لم تعودا عملة متداولة في هذا العصر، وهو يقوم بذلك بوعي، وهذا اغتراب ليس لكونه اجتهادا يحتاج إلى قبول جمعي على مستوى النظام الرّسمي العربي، وإنما لأن القوميات والأديان دافع أساسي للمواجهة والبقاء، بل قد يعد القرن الحالي، قرن صراع الأديان، وما الحرب الغربية في أفغانستان والعراق وفلسطين وباكستان والهند وردود أفعال الغرب بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية وليس انتهاء بهولندا إلا شواهد على صراع البشر بصيغة مع البيّن أو ضدّه. رابعا الانتماء للأمة العربية عند ابن بلّه يجسّد العمل المتواصل، يحدد موقعه في الحياة، فمثلا حين كان قائدا بارزا في الثورة حارب دعوات الطائفية باسم العرق، وحين أصبح رئيسا للجزائر المستقلّة ارتمى في أحضان العروبة في طبعتها الاشتراكية، وعندما خرج من الإقامة الجبرّية دافع عن عروبته كتابة ومشاركة في إثراء الحوار القومي، أي أن العروبة مثّلت لديه معينا لا ينضب، وقد اشترك معه القذافي في الدفاع عن العروبة، ولم يشهد تاريخنا المعاصر قائدا سياسيا عمل من أجل تحقيق حلم الوحدة العربية على حساب زعامته وشعبه إلا القذافي، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو جاحد، فقد حاول أن يتّحد مع جيرانه، مع مصر، مع تونس، مع المغرب، مع الجزائر، وكانت حسابات القادة في تلك الدول غير حساباته، وله تجارب معهم يشهد عليها التاريخ، كما تشهد عليه كتابات وتصريحات بعض القادة (المثال الأبرز كتاب "ذاكرة ملك"، شهادات الملك الراحل الحسن الثاني) كل من الزعيمين القذافي وابن بلّه يعيش في حال من الاغتراب عن أمته، لكن وضع ابن بلّه أفضل، أولا لأنه خارج السلطة والقذافي داخلها، وثانيا: لأنه ابن بله زعيم تاريخي وهذه المسألة لم يحسم فيها بعد لصالح القذافي، وثالثا: عندما يتحدّث ابن بله يتذكّر الناس تاريخ الجزائر المجيد، وحين يتحدث القذافي لا يرى المستمع إلا الحاضر العربي بمآسيه، لهذا يمكن القول: أن اغتراب القذافي أكبر وأبشع وأكثر ألما، الدليل أنه حين حذّر من حبل المنشقة الذي سيصل إليه القادة العرب، إن بقوافي ضعفهم وخوفهم، على نفس طريق الرئيس صدام حسين وبحكم أمريكي، كان القادة العرب يضحكون، وذلك حال أمة ضحكت من تخلفها وجهلها واستسلامها للأمم المعاصرة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.