من الطبيعي أن يسكنك "الجنّ الأزرق" والعياذ بالله، أو "تتمهبل" فتمزّق ثيابك، أو تضرب "الحيط" برأسك، عندما تسمع بأن لجان الاستماع والاستمتاع، المكلفة بسماع المترشحين في مسابقات التوظيف في التربية، طرحت أسئلة عجيبة وغريبة، تبرّر الواقع المرّ لقطاع التغبية! أساتذة المستقبل ومعلمو أبناء الجزائريين، أصبحوا يُسألون عن المسلسلات المدبلجة والتركية من شاكلة "حريم السلطان" و"وادي الذئاب" و"العشق الممنوع" و"كاسندرا"، ويُسألون أيضا عن أغاني كاظم الساهر وشعر نزار قباني، ويُسألون عن "الملوخية" والفول وعن أجواء التحضير للعطلة الصيفية وشهر الصيام.. فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. فعلا، هو "فيلم هندي"، مليء بالأكشن والإثارة والاستعراض، فمن أراد أن يصبح أستاذا أو معلّما، فعليه من الآن فصاعدا، أن يحفظ أسماء الممثلات ونجوم السينما، ويحفظ أغاني "ارقص وبصّ على الواحدة ونصّ"، وعليه أن يتذوّق طعم "الكوارع" حتى ينجح في مسابقة التوظيف! أعتقد، وأتمنى أن أكون مخطئا، أن الأمر يتعلق في أحسن أحواله، بتتفيه وتسفيه "المظلومة التغبوية" حتى يعمّ الغباء وسط الجيل الجديد، وحتى يصبح الأستاذ عدوا للتلميذ ووليه، فتعمّ اللاتربية ويصبح المجتمع رهينة لأسئلة وإجابات "هزّي يا نواعم" وشقيقاتها وبنات عماتها وخالاتها! يجب مساءلة أيّ عضو لجنة تورط في طرح تلك الاستفسارات الكوميكية، أمّا إذا تحرّك هؤلاء بأمرية فوقية فإنها الطامة الكبرى، حيث عليهم وعلينا جميعا أن ننتظر عملية التطوّر من السيّئ نحو الأسوإ ومضاعفة سرعة التقدّم من الأمام إلى الوراء! الباحث عن وظيفة يأكل بها ومنها الخبز وتحفظ كرامته، يجد نفسه دون شك مضطرا غير مخيّر إلى الإجابة عن كلّ ما يُطرح عليه، حتى وإن سألوه عن تاريخ أول تحليقة لشعره، أو عن عشائه يوم بلغ سنّ الرشد أو يوم دخوله مرحلة المراهقة.. ألم أقل لكم إنها المصيبة؟ عندما يحلّ كاظم الساهر محلّ مفدي زكريا، ويأخذ "مهنّد" مكان رموز التاريخ والشعر والنثر، وتصبح المسلسلات والأكلات أهم من العلماء والفلاسفة والمخترعين، فمن البديهي أن تتحوّل المدرسة إلى محضنة للرداءة بدل الكفاءة، ويصبح الأستاذ مضروبا في مصداقيته، والتلميذ بلا مستوى ولا رصيد، والمجتمع بلا مستقبل! نعم، إمّا أن المقابلات إيّاها مع آلاف المترشحين، شكلية فقط، وإمّا أنها للضغط أكثر على الخنجر المسموم المغروس في ظهر الأمة، والذي يُوجعنا وينغّص علينا حياتنا ويجعلنا نتألّم ولا نحلم!