رئيس الجمهورية يبرز أهم مكاسب الاقتصاد الوطني ويجدد تمسكه بالطابع الاجتماعي للدولة    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, وصول أطفال فلسطينيين جرحى إلى الجزائر    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    موريتانيا: افتتاح الطبعة السادسة لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    مطار بوفاريك: إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى من القاهرة    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    أكثر من مليون ونصف مترشح لامتحاني شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط دورة يونيو 2024    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي ويكشف: نحو تنظيم دورات تكوينية لصحفيي الأقسام الثقافية    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    سليمان حاشي : ابراز الجهود المبذولة لتسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    هجرة غير نظامية: مراد يشارك بروما في اجتماع رفيع المستوى يضم الجزائر، إيطاليا، تونس وليبيا    لعقاب : الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة لقطاع الاتصال    الجزائر تؤكد من نيويورك أن الوقت قد حان لرفع الظلم التاريخي المسلط على الشعب الفلسطيني    مجمع الحليب "جيبلي": توقيع اتفاقية اطار مع وكالة "عدل"    اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران 2024: الدراج أيوب صحيري يفوز بالمرحلة الأولى    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    قسنطينة..صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    السيد عطاف يجري بكوبنهاغن لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    اليوم العالمي لحرية الصحافة: المشهد الإعلامي الوطني يواكب مسار بناء الجزائر الجديدة    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة استكشاف لبلد يسير نحو الانفتاح دون التفريط في هويته
الشروق تمتطي قافلة مهرجان "طريق الحرير" وتجوب المحافظات السورية

الصحفية ليلى لعلالي في دمشق
حينما كنت استعد للسفر إلى سوريا نصحني أحد الأصدقاء بعدم تفويت فرصة الاستمتاع بجمال وسحر هذا البلد. وعملت بهذه النصيحة منذ اليوم الأول للرحلة التي دامت عشرة أيام في إطار مهرجان "طريق الحرير" في دورته السابعة والذي تنظمه سنويا (وزارة السياحة السورية)، فقد توغلت رفقة زملائي الصحفيين في قلب سوريا والتمست حضارتها وتاريخها العريق وحاضرها وكيف يتم التزاوج بين هذه العناصر الثلاثة..
*
وجدت كل هذا في خانات دمشق القديمة، وفي جامع الأمويين، وفي آثار الرومانيين، وفي معابد المسيحيين الذين يشكلون سبعة عشر بالمئة من سكان سوريا البالغ عددهم حوالي عشرين مليون نسمة. اكتشفت أن سوريا هي فسيفساء ولكن شعبها متجانس ومتعايش لأنه مقتنع بأن سوريا الوطن تتسع للجميع.
*
*
قلعة محصنة رغم الضغوط الخارجية
*
*
ورغم الضغوط الدولية، يحاول هذا البلد البحث عن مخارج كي لا يقع في فخ التبعية للغرب، وقد اختار لنفسه خطة طريق واستراتيجية تعتمد البحث في صميم المقومات الذاتية وتكريسها لخدمة البلد وتطويره وتأمينه من كل الأخطار. ويعد مهرجان "طريق الحرير" تجربة رائدة لإبراز الوجه الآخر لسوريا وتسويقه إلى العالم وخاصة إلى القوى الغربية التي تعمل على تجريد العرب من هويتهم وحضارتهم وتصويرهم كمجرد بدو جهل وإرهابيين.
*
مهرجان "طريق الحرير" الذي شاركت فيه لأول مرة من بين 250 صحفي عربي وأجنبي كان بالنسبة لي فرصة لاكتشاف العديد من الجوانب التي كنت أجهلها عن هذا البلد، وصحيح أن العشرة أيام لم تكن كافية لإشباع فضولي الصحفي، إلا أنني استنتجت أن سوريا التي وضعت تحت المجهر الدولي منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 تشبه القلعة المحصنة، حيث يشعر من بداخلها بالأمن والحماية، ولكن مع ذلك فقد التمست أن هناك قلقا وخوفا، ربما لأن البلد عرضة لتهديدات دائمة من طرف إسرائيل وحلفائها، وربما لأن العملية الإرهابية التي وقعت بالقرب من مطار دمشق منذ أكثر من شهر أعادت إلى أذهان السوريين ما حدث في بعض الدول العربية من تفجيرات وعمليات إرهابية حصدت في طريقها آلاف الأرواح من الأبرياء. هذا الخوف عبر عنه الوزير الأول، في الندوة الصحفية التي جمعته مع الإعلاميين المشاركين في مهرجان "طريق الحرير"، بقوله إن هناك أطرافا تحاول العبث بأمن واستقرار بلاده، ولو أنه لم يذكر هذه الأطراف ولا هدفها من استهداف بلاده.
*
ومع ذلك فقد لاحظت من خلال الأيام التي قضيتها هناك أن سوريا تعمل كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على صمودها في وجه كل الهزات، أولا من خلال التمسك بمواقفها وثوابتها كمعقل للتيار العروبي المقاوم، وثانيا من خلال محاولات الانفتاح على الغرب والتعامل معه وفق ما تقتضيه المصالح المشتركة وبمنطق الندية والمساواة. وقد أخبرتني ميرفت، المرشدة السياحية السورية التي رافقت الوفد الصحفي الجزائري، عندما سألتها عن ما إذا كانت سوريا ستتخلى عن دعم الفصائل المقاومة مثل حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني في حال ما توصلت إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، أخبرتني أن سوريا لا تبيع مواقفها ومبادئها، بالإضافة إلى ذلك فهي تطالب بسلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط. فهمت من كلام ميرفت أن للسوريين استراتيجية محددة للتعامل مع التطورات الجارية، وأنهم استفادوا كثيرا من التجارب العربية التي سبقتهم في هذا المجال.
*
في شارع ليس بعيدا عن مسجد الأمويين في قلب العاصمة دمشق لاحظت صورة معلقة فوق أحد المحلات، الصورة تجمع كلا من الرئيس بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بالإضافة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. كما أن وجودنا في دمشق تزامن مع زيارة كان يقوم بها وفد قيادي من حركة حماس الفلسطينية، وبينهم الدكتور محمود الزهار. هاتان الإشارتان أكدتا لي أن دمشق ما تزال مأوى لكل حركات المقاومة ضد إسرائيل، رغم أنها دخلت منذ شهور في مفاوضات سلام غير مباشرة مع هذا الكيان الغاصب بوساطة تركية، هذه المفاوضات التي قال عنها وزير الإعلام محسن بلال إنها يمكن أن تصبح مباشرة في حال أثبتت إسرائيل جديتها.
*
المسؤولون السوريون الذين التقوا بالوفود الإعلامية العربية والأجنبية ضمن مهرجان "طريق الحرير" أكدوا مرارا على أن بلادهم لم ترضخ للاملاءات والشروط التي كانت تفرضها عليها بعض القوى الغربية، واليوم تبين أن الحق مع سوريا وأن الكل يتوجه إليها ويستنجد بها من أجل حل مشاكل المنطقة، مثلما أكد وزير الإعلام محسن بلال.
*
*
بلد يعتمد على نفسه ولا يعرف الاستيراد
*
*
عندما تسلمت دعوة المشاركة في مهرجان "طريق الحرير" لم أكن أعرف عن سوريا سوى أنها بلد جميل تعاقبت عليه الحضارات منذ آلاف السنين، ولكنني والحق يقال وجدت أن هذا البلد وبالإضافة إلى ارثه الحضاري يحقق قفزات نوعية في العديد من المجالات، ويكفي أنه يحقق الاكتفاء الذاتي ويعرف كيف يستفيد من الإمكانيات الطبيعية والبشرية التي يزخر بها. ويفتخر السوريون الذين تحدثت إليهم بأن بلادهم تعتمد على نفسها ولا تلجأ إلى الاستيراد مثلما هو حال معظم البلدان العربية، وهو ما أكدته لي مرافقتنا ميرفت والتي قالت لي إن بلادها تعتمد بصفة خاصة على القطاع الزراعي، حيث تعد من المنتجين الرئيسيين للقمح في العالم العربي، بالإضافة إلى إنتاج القطن والزيتون الذي تنافس فيه تونس على المرتبة الرابعة عالميا.
*
كما أن هناك مشاريع طموحة في مجال النفط والغاز وأيضا الفوسفات. وعلاوة على ذلك، فإن سوريا هي واحدة من أقل الدول من حيث انخفاض المديونية، وعملتها غير مرتبطة بعملة واحدة، وهو ما جعل الليرة السورية لا تتأثر بالتقلبات الحاصلة في السوق المالية العالمية. وزيادة على تأمين الغذاء للمواطن، تعمل القيادة السورية على توفير السكن والمأوى للجميع. وفي ظل الاكتظاظ الذي تشهده العاصمة دمشق، وضعت مشاريع لبناء وحدات سكنية في بعض المحافظات.
*
وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان سوريا يبلغ حوالي عشرين مليون نسمة "20"، سبعة وستون بالمائة "67 %" منهم سنهم دون الثامنة والعشرين. ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد خلال السنوات القادمة، ولذلك هناك توجه بتقليص عدد الأولاد، حيث تكتفي الأسرة بطفلين. وبالنسبة للتعليم فهو مجاني، وهناك اثنان وعشرون جامعة بين حكومية وخاصة..
*
*
مهرجان "طريق الحرير".. تجربة رائدة للترويج السياحي
*
*
أكثر ما لفت انتباهي وأثار إعجابي خلال زيارتي إلى سوريا، كان مدى الاهتمام والرعاية التي يوليها المسؤولون في هذا البلد لقطاع السياحة، فصحيح أنه يزخر بمعالم تاريخية وحضارية فريدة من نوعها في العالم، إلا أن الاستراتيجية السياحية المتبعة أضافت الكثير لهذا القطاع الحيوي. ومهرجان "طريق الحرير" الذي انطلق عام 2002، هو فكرة جيدة لخدمة السياحة والتعريف بمعالمها المتنوعة، حيث يتم دعوة الوفود الصحفية من مختلف مناطق العالم ويطاف بها في المحافظات والأماكن التي تحتفظ بتاريخ وحضارة سوريا. وبفضل هذه التجربة ازداد عدد السياح وبلغ عام 2007 أربعة ملايين وستمائة ألف سائح. وهناك مشاريع للترويج للسياحة السورية في بعض العواصم الغربية مثل باريس ولندن، وكذلك لجذب المستثمرين.
*
ومهرجان "طريق الحرير" هو إحياء لتفاعل الثقافات والحضارات التي كانت تحمل البضائع التجارية على خط طريق الحرير الذي كان يمر عبر الأراضي السورية قادما من أقاصي الصين.
*
وخلافا للأعوام السابقة فقد اختارت وزارة السياحة والمشرفون على مهرجان "طريق الحرير" هذا العام قلعة دمشق العريقة لإعلان انطلاقة المهرجان، وذلك لكون دمشق هي عاصمة الثقافة العربية لهذه السنة. وكانت عاصمة الأمويين قد تحولت إلى فسيفساء بحيث جمعت كل ألوان الطيف من خلال استعراض لوحات استعراضية لوفود الدول التي كانت على خط طريق الحرير..
*
*
ثقافات وديانات في بوتقة واحدة بدمشق
*
*
قافلة "طريق الحرير" إذن كانت قد انطلقت من دمشق، حيث كانت رحلة استكشاف هذه المدينة التي تعد أقدم عاصمة في العالم. وقد عرجت الوفود الإعلامية العربية والغربية على أهم معالم المدينة، مثل قلعة دمشق، مسجد الأمويين، قصر العظم، سوق الحميدية، الخانات والمتحف الوطني.. هذه المعالم يقف الزائر أمامها باهتا لأنها تؤرخ للمراحل التاريخية التي مرت من هناك.
*
ومن بين أهم ما يميز دمشق القديمة هي تلك البيوت المتجاورة الموجودة داخل الأسواق المغطاة والتي تسمى الخانات، وعددها حاليا ثمانية عشر. وهذه الخانات كان قد بناها العثمانيون وتحمل العديد من الأسماء مثل خان الحرير وخان العمود وخان الزيت.. وما زالت هذه الخانات مراكز تجارية مرموقة مثلما كانت في الماضي.
*
*
مسجد الأمويين تحت إشراف جزائري
*
*
بالإضافة إلى الأسواق الشعبية التي تعج بالحركة، يعتبر الجامع الأموي من أهم المعالم التي تجذب السائح الأجنبي بغض النظر عن دينه وجنسيته، وقد لاحظت خلال زيارتنا إلى هذا المسجد الواقع في نهاية سوق الحميدية جموع من الزوار الأجانب يتلقون تعليمات قبل الدخول، حيث يلزم الرجل بنزع حذائه بينما تلزم المرأة بلبس زي شرعي احتراما لحرمة المسجد. ويسمح للزائر أن يطوف داخل أروقة المسجد كيفما يشاء. وقد كان للوفد الصحفي الجزائري فرصة الالتقاء بمسؤول المسجد المهندس جمال مصطفى عرب، وهو من أصول جزائرية وبالتحديد من ولاية تيزي وزو. هذا الرجل اخبرنا أن المسجد مفتوح للزوار لأنه تحفة معمارية في خدمة السياحة. وبجوار المسجد الأموي يوجد ضريح صلاح الدين الأيوبي، حيث يسمح أيضا للزائر بدخوله أيضا وحتى التقاط الصور بجواره. وقد التقينا هناك بزوج أمريكي جاء ليكشف سوريا الحضارة والثقافة وليست سوريا الإرهاب التي يروج لها رئيسهم جورج بوش، مثما أكدت لي سورية كانت ترافقهما.
*
وللمسيحيين أيضا حضورهم في دمشق، حيث توجد كنائس ومعابد تؤرخ للفترة المسيحية، ويتعايش هؤلاء مع المسلمين في انسجام تام ولا يمكن للزائر التفريق بين الاثنين إلا من خلال الرموز الدينية التي تصادفها في بعض المحلات التجارية. وقد قال لي أحد السوريين ونحن نتفحص دكانا لبيع الأشياء التقليدية أن المشكل المذهبي والطائفي لا يطرح هنا في سوريا لأن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
*
على بعد خمسة وخمسين كلم من دمشق تجد مهد الحضارة المسيحية، وبالتحديد في قرية "معلولا"، هذه القرية التي يعتبرها السوريون معلما أثريا وسياحيا متميزا كانت ملجأ للرهبان والقديسين خلال البدايات الأولى لظهور المسيحية، ولا يزال سكانها إلى يومنا هذا يتكلمون اللغة الأرامية، أي لغة المسيح. "معلولا" هذه هي قرية مسيحية مائة بالمائة وفيها معابد وأديرة تقف على حراستها وتسييرها.
*
*
الوجع يوحّد سوريا والعراق في لؤلؤة الفرات
*
*
وإذا كانت دمشق تعتبر محطة للمسلمين والمسيحيين، فإن المعالم السياحية الموجودة في المحافظات الأخرى تؤرخ أيضا لحضارات قديمة تعاقبت على سوريا منذ آلاف السنين. وقد تحققت رغبتي الشخصية في الوقوف على آثار تدمر، أو مملكة زنوبيا التي كنت قد شاهدت مسلسلا سوريا عنها لعبت بطولته الممثلة رغدة. ويحكى أن زنوبيا كانت امرأة جميلة وذكية فتنت الإمبراطور الروماني أورليانوس ولكنها رفضت الاستسلام له وانتحرت سما..
*
في تدمر، حيث تجلس زنوبيا، يجد الزائر نفسه وسط تحفة أثرية تحكي في صمت روايات وقصص من مروا من هناك. وقد نجح السوريون في استثمار هذا المعلم الأثري لخدمة السياحة، بدليل أن هناك فنادق خصصت للسياح بعضها بخمسة نجوم.
*
ومن تدمر توجهت بنا قافلة "طريق الحرير" نحو المناطق الساحلية ذات الخضرة الكثيفة، حيث حطت بنا بعد مرورنا على الرصافة وحضورنا قداسا ثم صلاة الغائب، في مدينة "الرقة" التي تبعد ببضعة كيلومترات عن الحدود العراقية. في هذه المنطقة التي تحط بها قافلة "طريق الحرير" لأول مرة شعرت أننا انتقلنا من بلد إلى آخر بسبب الطبيعة الخضراء ونهر الفرات الذي يعبرها وهو يمر إلى العراق، ولذلك سميت المدينة بلؤلؤة الفرات.
*
ولأنني كنت فضولية في معرفة مدى الترابط الموجود بين هذه المنطقة والعراق المجاور، كانت لي دردشة مع أحد السكان المحليين، هذا الأخير اخبرني أن جميع السكان هنا يشعرون بجرح العراق بسبب العلاقة الوطيدة بين الشعبين، وهناك ترابط أسري وعشائري يجمع بينهما، بدليل أن يوم إعدام صدام حسين عم الحزن المدينة وامتنع معظم السكان عن ذبح كباش عيد الأضحى المبارك. التمست في كلام الرجل البسيط أن الحدود الجغرافية والسياسية لا يمكن أن تفرق الشعوب.
*
و"الرقة" التي قيل لي إنها كانت من الأماكن المفضلة للخليفة العباسي هارون الرشيد تشعرك بالأصالة والعروبة، وهو ما تأكد لي وللوفود العربية والأجنبية التي تناولت وجبة الغذاء على ضفاف الفرات الجميل في "محمية الثورة" وفي أجواء ريفية بحتة، حيث لا موائد ولا كراسي وإنما داخل خيم وفوق الحصير. وقد أعجبت شخصيا بطبق الفريك والأرز الذي قدم لنا والذي زين بالمكسرات التي يشتهر بها السوريون . كما أن حفل الزواج الفوراتي الذي حضرناه ليلا عكس لنا الطابع البدوي لهذه المدينة.
*
*
حلب.. الوجه الشرقي الأصيل لسوريا
*
*
عندما وصلنا إلى "حلب" قادمين من "الرقة" كان الوقت ليلا، ومع ذلك فقد التمست سحر هذه المدينة، لاحظت أنها تختلف عن بقية المحافظات السورية التي زرناها. وأنت تتسوق في أحيائها تكتشف أن طابعها شرقي أصيل سواء في طابعها المعماري أو في الأجواء العامة. ويقال إنها موطن الثقافة والموسيقى الشرقية الأصيلة، وقد اخبروني أن صباح فخري، صاحب الموشحات المشهور، افتتح مؤخرا هناك مدرسة للموسيقى والغناء سماها باسمه.
*
وأهم ما يلفت انتباه الزائر في حلب التي تبعد ب 350 كلم عن دمشق هي المساجد والمآذن الكثيرة حتى أن صوت أذان أوقات الصلاة يدوي في كافة المدينة التي كانت عام 2007 مدينة الثقافة الإسلامية. ويذكر أن الفتح الإسلامي دخل سوريا عام 636 م وحلب عام 637 م. كما أن هناك ألف جامع ومسجد في حلب تمثل 14 قرنا.
*
هذه القلعة تتوسط المدينة وتقع على تلة مرتفعة هي من أهم الصروح العربية الإسلامية العسكرية وأكبر قلاع العالم وأقدمها وأجملها، ويعود شكلها الحالي إلى فترة حكم الظاهر غازي الأيوبي. ويقال إن سيدنا إبراهيم عليه السلام مر بحلب وحط رحاله على تلتها العالية، حيث القلعة، وحلب بقرته الشهباء فيها ومن هنا جاءت تسميتها "حلب الشهباء"..
*
الأجانب الذين رافقونا في جولة قافلة "طريق الحرير" انبهروا مثلنا بسحر هذه القلعة، وكانت لبعضهم تغطيات تلفزيونية مباشرة من داخل القلعة. وتشتهر حلب أيضا التي تعد أقدم مدينة في التاريخ بمتحفها الذي يحتفظ بذاكرة الحضارات التي مرت على سوريا. وقد كانت لنا فرصة لزيارة هذا المتحف ورؤية ما يحتويه من تحف ومخطوطات وتماثيل تؤرخ للحضارة السورية الممتدة من العصر الحجري.
*
*
"الشروق" تحط الرحال بقلعة صلاح الدين
*
*
غادرنا حلب بعد أن شاركنا في أمسية موسيقية في قلعة العرش داخل قلعة حلب وتوجهنا صباح العاشر من أكتوبر إلى اللاذقية، المحافظة الساحلية البحرية التي تنحدر منها عائلة الرئيس بشار الأسد والتي تعتبر ميناء سوريا الرئيسي على البحر الأبيض المتوسط. ونحن في طريقنا إلى اللاذقية لاحظنا أن الجو تغير تماما، حيث تشعر برد الشتاء وسقوط الأمطار وكأنك في فصل الشتاء. ولكن قبل وصولنا إلى هذه اللاذقية كان للوفد الصحفي الجزائري إصرار على زيارة قلعة صلاح الدين الأيوبي، وهو ما تحقق له مع المرشدة السياحية ميرفت التي لم تبخل طوال الرحلة في تزويدنا بالمعلومات التي نحتاجها. ومنظر هذه القلعة التي أصبحت تحت سيطرة القائد صلاح الدين الأيوبي منذ عام 1188 في منتهى الروعة، حيث تقع بين قرية "الجور" واللاذقية وسط طبيعة عذراء على نتوء صخري شاهق ذي منحدرات عمودية وتحميها خنادق طبيعية عميقة ووعرة. ورغم علوها المرتفع فقد صعدنا إلى القلعة وزرنا أجنحتها والتقطنا صورا تذكارية.
*
في الساحل السوري أيضا حيث البحر هناك تنوع حضاري وثقافي، وفي جبلة المحاطة بالبساتين والأشجار المثمرة والتي تعود إلى العصور الكنعانية حضرنا مساء العاشر من أكتوبر حفل اختتام مهرجان "طريق الحرير" في دورته السابعة، فمن على المدرج الكبير تم استعراض مختلف الطبوع والرقصات الشعبية.
*
وبعد أن قضت الوفود الإعلامية الصحفية ليلتها في أحد فنادق اللاذقية، شدت قافلة "طريق الحرير" رحالها نحو العاصمة دمشق ولكن بعد المرور صباح الحادي عشر من أكتوبر على مدينة حماة التي تقع على بعد 200 كلم شمالي دمشق والتي تعد معقلا لجماعة الإخوان المسلمين، حيث زرنا في هذه المدينة بعض الآثار.
*
وفي دمشق كانت المحطة الأخيرة لرحلة قافلة "طريق الحرير" التي سمحت لنا كصحفيين بمعرفة واكتشاف سوريا من الداخل بعدما لعب الإعلام الغربي دورا في الترويج لصورة سيئة عنها مثلما هو حاله مع كل البلدان العربية التي ترفض الاستسلام للاملاءات الخارجية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.