هذا مُخطّط تجديد حظيرة الحافلات..    أجندات مسمومة تستهدف الجزائر    القضاء على إرهابيَيْن وآخر يسلّم نفسه    إبرام عقود بقيمة 48 مليار دولار في الجزائر    طبعة الجزائر تجاوزت كل التوقعات    الجزائر تشارك بالمعرض الدولي لتجارة الخدمات بالصين    الجزائر تدعو إلى عملية تشاور شاملة    فرنسا تشتعل..    المارد الصيني يطلّ من الشرق    ميسي ورونالدو.. هل اقتربت النهاية؟    المكمّلات الغذائية خطر يهدّد صحة الأطفال    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    المخزن يقمع الصحافة ويمنع المراقبين الدوليين    اهتمامات القارة تتصدر أولاويات الدبلوماسية الجزائرية    الحدث الإقتصادي الإفريقي بالجزائر تخطى كل الأهداف    صندوق تمويل المؤسسات الناشئة والشباب المبتكر إفريقيا    الرابطة الأولى "موبيليس": فريق مستقبل الرويسات يعود بنقطة ثمينة من مستغانم    العدوان على قطر: المجتمع الدولي مطالب بردع الكيان الصهيوني وكبح تصعيده الطائش    معرض التجارة البينية الإفريقية 2025: طبعة حطمت كل الأرقام القياسية    اختتام أشغال الورشة التكوينية الدولية بالتعاون مع الصندوق الإفريقي للتراث العالمي بالجزائر العاصمة    مسابقة لندن الدولية للعسل 2025: مؤسسة جزائرية تحصد ميداليتين ذهبيتين    معرض التجارة البينية الإفريقية : وفد افريقي يزور حديقة التجارب بالجزائرالعاصمة    :المهرجان الثقافي الدولي للسينما امدغاسن: ورشات تكوينية لفائدة 50 شابا من هواة الفن السابع    وفد صيني في زيارة لعدة مصالح تابعة للحماية المدنية على مستوى ولاية الجزائر    ملكية فكرية: الويبو تطلق برنامج تدريبي عن بعد مفتوح للجزائريين    بيئة: السيدة جيلالي تؤكد على تنفيذ برامج لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الحرائق    مجلس الأمة: افتتاح الدورة البرلمانية العادية الاثنين المقبل    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    ثعالبي يلتقي ماتسوزو    هالاند يسجّل خماسية    بللو يزور أوقروت    جريمة الاحتلال الصهيوني في الدوحة تؤكد أنه عصابات إرهابية    "الحلاقة الشعبية".. خبيرة نفسانية بدون شهادة    استلام دار الصناعة التقليدية بقسنطينة قريبا    حملة لتنظيف المؤسّسات التربوية السبت المقبل    القضاء على إرهابيين اثنين وآخر يسلّم نفسه بأدرار    وفد برلماني يشارك في ذكرى تأسيس كوريا الشعبية الديمقراطية    الأمين العام الجديد للمحكمة الدستورية يؤدي اليمين القانونية    تعاون جزائري-صيني في البحوث الزراعية    "صنع في الجزائر" يبهر الأفارقة جودة وسعرا    عزوز عقيل يواصل إشعال الشموع    تكريم مرتقب للفنّانة الرّاحلة حسنة البشارية    "الجزائر قطب اقتصادي فعّال داخل الاتحاد الإفريقي    "لنغلق كل شيء".. فرنسا على صفيح ساخن    "أغانٍ خالدة" لشويتن ضمن الأنطولوجيا الإفريقية    كرة اليد (البطولة الأفريقية لأقل من 17 سنة إناث) : الكشف عن البرنامج الكامل للمباريات    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    فتاوى : زكاة المال المحجوز لدى البنك    عثمان بن عفان .. ذو النورين    حملة تنظيف واسعة للمؤسسات التربوية بالعاصمة السبت المقبل استعدادا للدخول المدرسي    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    "الخضر" على بعد خطوة من مونديال 2026    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة جَِنين .. في جِِنين
نشر في الشروق اليومي يوم 26 - 08 - 2009

الموت قدر.. ولكن هل يكون قدر أمّة كاملة أن يصير الموت فيها هو الحياة؟.. وإن كان هو القدر المحتم، فهو قدر من! قدرالأمس..الذي أمسى .. أم قدر الأمس القادم؟ ..الأمس المعتم ..المظلم ..المثخن.. حدّ التخمة بفواجعنا ومواجعنا.. وأن تشابه أمس اليوم بأمس الغد.. فذلك لأن الموت ظل يقيم بيننا بهوية وهواية واحدة.. يزرع النصال والسيوف في حناجرنا..وفي قلوبنا يزرع رعبا وخوفا ويأسا ..رجوناه بدل التوحّد فينا..رجوناه يتعدد.. يبعد.. يتبدد.. ولكنه ظل على العهد ..أنذر وتوعّد، ليس بينكم عندي فرق بين حاكم ومحكوم بين عبد وسيّد!!..تحت التّهديد نصمت جميعا ..إلا المذياع فإنه يستمر في إعلان البيان تلو البيان.. تشكّلنا حالة إدمان عند الجيران.. تشكلنا قناعة عندهم والسلام ..أننا أقوام تعيش وتصنع وتبيع الأوهام.
*
صرخنا: هذه مؤامرة.. هذه خديعة .. ذريعة..محاولة ايهام.. مجرد اتهام!!
*
*
يصدق أطفالنا بيان الجيران.. يقررون الانخراط في زمن غير الزمان.. يقررون إصدار بيان.. بيان بدء التغيير.. تغيير قواعد البروتوكول.. تغيير توقيت بزوغ الشمس..تغيير وقت الأفول ..تغيير. مع الموت الذي كان يعني قرارا بالانتظار ..انتظار رصاصة عابرة ..رصاصة طائشة..أو صاروخ جوال طيّار.
*
*
يقرّر الأطفال الاحتيال على زمن المغول..على زمن التتار.. يقررون الانخراط في زمن الاختلاف.. زمن الانقلاب والاثارة.. زمن الحجارة ..يعلنون حالة التأهب للحياة ..يعلنون الخروج من زمننا ..زمن الأموات ..يقرّرون تغيير الخرائط والممرّات ..يقرّرون الالتفاف على الطرقات التي كان يمر عبرها الموت المعلّب..الموت تحت الطلب ..الموت المنتظر بقرار..الموت وفق بطاقة (الاختيار).. يقرّرون التمرّد على الموت المتربّص، المندسّ خلف الأبواب وعلى الشرفات ..على المرافئ والشطآن.
*
*
نتهم أطفالنا بالتمرّد، بالجنون.. بالعصيان ..كيف تجرؤون إعلان التحالف مع حزب الحجر .. تعلنون الحجر رمزا لأمة، ترفعونه رايات لأوطان؟.. كيف تجرؤون على التأريخ للحجر بالسواعد وبالصبر ...ونحن كنا نؤرخ بالنسيان؟!!!
*
*
الآن فقط نعلن نحن الآباء حالة انهزام .. نعلنها في بيان.. نَعم فشلنا في التّرويض..في التّفويض..فشلنا في التّطويع بالتّرويع.. فشلنا في بيع أطفالنا للموت على بطاقة (اختيار)، فشلنا في بيعهم كحالة انتظار..أطفالنا اتّخذوا القرار.. قرروا أخيرا الاطاحة بزمن الصراخ.. لعنوا همسنا.. لعنوا أمسنا والنهار.. رفضوا تاريخنا.. رفضوا رايات النصر ونياشين الانتصار..انقلبوا على حكم قبائل السّاسة.. المفاوضون منهم والمعتدلون والمتشددون والميطيعون والمطبّعون ..أطفالنا قرروا يغيرون ..فهل تقبلون قواعد اللعبة؟ ..بكم ..دونكم، قرروا يلعبون!!
*
*
لقد قرروا اللّعب في وضح النهار. .لعبة بين أطفال وشياطين، وعسكر ودبّابات وأسوار..بين جَنين وخنجر وإصرار..جِنين كانت الاختبار!!
*
*
الموت لعبة وسؤال، ليس في إجاباته اختيار، جواب بقرار، وقد كان القرار.. قرار بأن يكون الإعصار، بأن يكون الصمت، أن يكون الحصار، حصار على الإنسان، على المكان، على الأشجار، بأن يقطع حبل العشق بين الأرض والسّماء، بأن لا يهطل الحب في عيون الصّغار، بأن تقطع أعناق السواقي، بأن تهزم حماسة الأنهار، لأن يعلق مجيء المطر، لأن تغلق كل البحار، الينابيع نزف في خاصرة الوجع، وجع يتصلّب على شفاه الرّضع، وما في الضرّع صار قوتا (للأسوار) للجدار..الأسوار تنبت عندهم كما الاشجار، أسوار حول المقابر، وحول الحدائق أسوار، أسوار على ضفاف الشفاه، وعلى الألسنة أسوار، أسوار تشيّد حول الصّدور وحول العقول أسوار، ما أفظع أن يسيّج العقل بلقنسوة الدّين، ويفجّر عقل الآخر بقرار.
*
*
عندما شاهد الموت "محمدا" أول مرة..عندما شاهد محمد الموت أول مرّة تحدّث الناس عن معجزة.. عندما التقى محمد بالموت كانت معجزة، وعندما افترقا كانت معجزة.. معجزة تحدث بين الناس، بين شواهد المدينة المقبرة، مدينة كانت تدعى ِجِِنين، مدينة كانت للحب، كانت أختا للشّوق، ومسرى للحنين، إلى قلوب الآخرين.. آخرون عطّل التّاريخ رحيلهم، عبورهم إليها، فظلوا عاكفين على صلواتهم منتظرين.. منتظرون لعودة الشهداء ذات مساء ليزفوا (الجَنين ) الى جِنين ، (الجنين) من الجنين ؟؟؟
*
*
تساءل الناس مستغربين!!!! أخيرا سيعود، هذا المساء سيعود، لكن كيف؟ وبعدها الى أين؟!! ، تساءل الناس عن الخبر، عن (المعجزة) تحدّث بعضهم عن خرافة، عن أسطورة، قال آخرون: إنهم رأوه مرأى العين، بين الصفوف، بين المتطلّعين، المحيطين، المنتظرين خروج مخلوق بملامح جنين حلم أم يقين!!.. تتراكم اللحظة كتلا من صمت وأسئلة، ما الذي على جبين الجنين، أثار جرح غائر، ربما يكون سقط تتسآءل (آيات)، ربما تكون بقايا، خطايا، عربدة سكين، ربما ربما !! ربما !!
*
*
أخيرا نطق! نطق الجنين سأل عن أمّه، سأل إن كان هناك من (رمم) رحمها، من جمع بقايا الباقة القامة لجسد من ياسمين.
*
*
سأل: ان كان هناك من وجد قلبها، الذي سقط منها بينما كانت تبحث عن حفرة، عن شجرة تمسك بها لكي تكمل حالة ميلاد، ولادة لامرأة كالمعتاد، فعلت ذلك بعناد.
*
*
يذكر انها مدّت يدها إلى فم الرّحم، سحبت منه شيئا، ضمخته بالتراب، زغردت، ثم انخرطت في الغناء، انخرطت في الدعاء، ثم فجأة سكتت عندما سكتت، نطقت أنا، سألت عجوزا كانت تغمض عيني أمي، سألتها عن اسمي، سألتها عني، قالت إنك بعض من بقايا رحم امرأة، من بقايا معركة مع سكين ظامئة ودمي !! أمك كانت تدعوني أمي !!!
*
*
قالت: إن اسمك محمد، وانّ لك أختا تدعى "آيات"، قالت: إن وحشا غريبا كان يأتي المدينة في كل المساءات، ينتظر قدوم الظلام، يشرب لون الليل، يلبس جسمه، ثم يعلن حالة السواد فوق المدينة، مدينة كانت تدعى جِنين، كانت مدينة للبنفسج للريحان، ما أظلم الليل، ما أصغر الليل، ما أطول اللّيل، عندما يحين، عندما يقدم، عندما يهشّم مدينة بقامة إنسان.
*
*
في مدينة محمد كان للموت سيارة وإشارة ومكتب وخفارة، تطلّع محمد في ذاك المساء إلى السماء، ودعا ربّه ان تهطل الليلة في بيتهم، على بيتهم دبابة!!! يركبها وأخته آيات، يعبران بها الى المدرسة، يعبران بها إلى خيمة الحياة، حيث التاريخ، تاريخ خيمة، القضية خيمة، والأمة في خيمة، الأمة في خيبة، تاريخ من فصلين، نكسة ونكبة، وما بينهما ندبة، (الندبة) هي السؤال الأول ل (أيات)عن ما حمل الجنين العائد إلى جِنين، (ندبة) على الجبين
*
*
أخيرا انتبه الجنين، لمس الجبين، جرح بين العينين، جرح ساعات بعمر سنين، نظر إلى طرف المدينة عله يرى طيفا لبقايا أمّ مع بعض الراحلين، بعض العائدين، سقط الليل ثانية في عيون الواقفين، الأصوات مبحوحة مسحوقة، ترانيم لصلوات من أنين، لم يعد في هذا المدى ما يتسع لغير قامة مئذنة، وبقايا اكفّ ضارعة بالدعاء لمحمد وايات، بأن يظلا مبتدأ خبره أمّ ستظل دعاء مرفوعا في كلّ الصّلوات.
*
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.