منيت أحزاب السلطة بانتكاسة من خلال مسودة الدستور المعروضة للنقاش، أين تبين أن جزءا هاما من مقترحاتها قد ضرب به عرض الحائط، بينما كانت مقترحات تشكيلات من المعارضة أكثر حضورا وتبنتها مسودة الوثيقة التي تلقت الأحزاب نسخة منها. سقط مقترح الأفلان لجعل الوزير الأول من حزب الأغلبية في الماء، وذهب مقترح عمار سعداني أدراج الرياح، وتبين أن الأمين العام للأفلان قد غرد خارج السرب، تماما مثلما كان عليه الحال قبيل التعديل الحكومي، أين ظهر سعداني وهو يطلق "بارود عراسي"، بعد أن تنبأ ب20 وزيرا أفلانيا ووزير أول من ذات الحزب. وبرزت قضية منع التجوال السياسي كحلقة من حلقات انتكاسة أحزاب السلطة، حيث سبق لذات الأحزاب "الأرندي والآفلان" أن أسقطت هذا المقترح خلال إصلاحات 2011 في البرلمان، لكن مسودة الدستور المعروضة على الطبقة السياسية تبنته ومنعت النائب المنتخب عن حزب ما أن يغير تشكيلته السياسية تحت قبة البرلمان. وخرج الأفلان بفوز وحيد من خلال المسودة وهو صلاحيات أوسع للبرلمان وجعله يراقب أداء الحكومة مرة في كل دورة وبحضور الوزير الأول وجوبا، مع إلزامية رد الوزراء على المساءلات البرلمانية. وبرأي مراقبين فإن إدراج هذا التعديل إنما يأتي كعرفان بجميل من السلطة تجاه ما قدمته لويزة حنون لصالح الرئيس بوتفليقة خلال الرئاسيات الأخيرة، على اعتبار أنها لطالما ناضلت ضد التجوال السياسي في البرلمان، وكانت من بين أكثر المتضررين منه لصالح الأفلان طبعا. وحتى الأرندي الذي ينتمي إليه أحمد أويحيى الذي يقود "جولة المشاورات"، فقد ذهب مقترحه للنظام شبه الرئاسي أدراج الرياح، وجاءت بعكس ما اقترحته نوارة سعدية جعفر قبل أيام، على اعتبار أن المسودة لم تتطرق بوضوح إلى طبيعة نظام الحكم، شأنه في ذلك شأن مقترح جعل الوزير الأول معينا من حزب الأغلبية البرلمانية. وتطابقت رؤية الأرندي في الشق المتعلق بتحديد العهدات الرئاسية، وتمكين النواب من إخطار المجلس الدستوري، وحق مجلس الأمة في التشريع. وتجاهلت مسودة الدستور مطلب اللغة الأمازيغية التي كانت قاسما مشتركا بين جل التشكيلات السياسية على اختلاف مشاربها معارضة كانت أم موالاة، حيث لم تشر المسودة بتاتا إلى هذا المطلب وقضية جعله لغة رسمية. ويرى المحلل السياسي أحمد عظيمي أنه إلى حد الآن لا يوجد لا خاسر ولا رابح، لأن الأمر يتعلق بمسودة أولية، وفي النهاية السلطة ستفعل ما تشاء بالدستور، وستكون الكلمة الأخيرة لها، ولذلك الحكم سيكون بعد تبني الدستور نهائيا. وأوضح أحمد عظيمي في تصريح ل"الشروق" أنه من خلال قراءة بسيطة للمسودة يتبين أن أحزاب السلطة وخاصة الأفلان والأرندي، سوف يكون لهما مجرد دور ثانوي في المجال السياسي خلال الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن تشكيلة الحكومة الأخيرة تأتي كتأكيد لرغبة السلطة هذه. وقدم عظيمي قراءة سلبية لمسودة الدستور، معتبرا أنها لم تأت بالشيء الجديد، لأن السلطة لو أرادت دستورا يدوم لنصف قرن على الأقل، لكان حريا بها تشكيل لجنة من شخصيات مستقلة تعمل على إعداد مسودة دستور، وينزل بها إلى الشارع والمجتمع المدني والطبقة السياسية للنقاش، مع أخذ كامل الوقت لإتمام عملها. وأضاف المتحدث أن اللجنة وبعد النقاش العميق ترصد أهم توجهات الجزائريين والاتجاه الغالب، وتتدم مشروع الدستور ليعرض على النقاش مرة أخرى على الشخصيات والأحزاب، ويعطيها الدستوريون لباسها الدستوري الخاص بها، لتخرج في النهاية للاستفتاء، ويكون الدستور دستور الشعب وليس دستور مصالح ومراحل.