من غياهب السجون الإسرائيلية، روت المخرجة "مي المصري" قصة الأسيرات الفلسطينيات مع التعذيب والإهانة التي يتعرّضن لها دون سند أو مغيث، فكانت قصة "ليال" مثالا عن التضحية والصمود لأجل الحرية والكرامة الإنسانية. في ليلة ماطرة، اقتلعت "ليال" التي تؤدي دورها الفنانة ميساء عبد الهادي من عائلتها، ليزج بها في زنزانة مظلمة، وسط سجينات إسرائيليات خطيرات، فتحوّلت المدرّسة، والعروس الشابة إلى إرهابية مدانة بمساعدة فدائي فلسطيني قتل جنديا إسرائيليا..، تحاول الدفاع عن نفسها، ولكنّ سجّانيها لا يأبهون لشيء، ويريدون فقط اعترافا لا تملكه. وقد أبدعت المخرجة في تصوير الحالات الإنسانية المؤثرة، للسجينات الفلسطينيات واللبنانيات اللواتي اجتمعن في زنزانة واحدة، بعدما "زرعت" القائمة على السجن "ليال" وسط العربيات لتتجسّس عليهن..، فبرزت قوة الأداء لدى كل من الفنانة الأردنية نادرة عمران، والفنانة هيفاء الآغا، إلى جانب الأداء الموفّق لكل من أناهيد فياض، عبير حداد وغيرهن من المشاركات في الفيلم، وقد ارتكزت المخرجة على تقنية الضوء والظلام، لإبراز الوحشة والخوف تارة، والأمل والتّشبث بالحياة تارة أخرى، خاصة بعدما أنجبت البطلة ابنها داخل السجن وأطلقت عليه اسم نور، فيما عبّرت اللقطات القريبة عن المشاعر والأحاسيس المتضاربة، بين الضعف والرجاء، والتحدي والإباء، ومع أنّ رواية قصة الأسيرات داخل السجون الإسرائيلية قد تبدو اليوم كلاسيكية من وجهة نظر سينمائية، إلا أنّ المخرجة تمكّنت من تصوير واقع نضال المرأة الفلسطينية لأجل الحرية والكرامة الإنسانية، التي تبقى الخيط الرفيع بين علاقات البشر مجسّدة في شخصية المحامية الإسرائيلية التي تختار الدفاع عن ليال مع أنّ ابنها قتل في الحرب مع الفلسطينيين، وتثبت المخرجة أنّ المرأة ليست كائنا ضعيفا وبإمكانها تحمل كل الضغوط، فليال ترفض الادعاء بأن الفدائي هدّدها بالسلاح لتخفّف سنوات السّجن الثمانية التي حكمت بها، وترفض التّجسس على رفيقاتها وتنخرط معهن في تحمل حياة قاسية وموجعة داخل فضاء تلغمه الكراهية، وقد نجحت المخرجة في إضفاء البعد الواقعي على صورتها السينمائية، بالنظر إلى استنادها على قصص حقيقية استقتها من أفواه أسيرات سابقات، لاسيما المدرّسة التي وضعت ابنها في السجن وهي مقيدة إلى السرير، فاستفادت عدستها من تلك الحقيقة المؤلمة التي ساعدها في إبرازها اختيارها لسجن عسكري في الزرقاء بالأردن لتصوير فيلمها. جدير بالذكر أن الفيلم شارك في عدة مهرجانات دولية أهمها مهرجان تورنتو السينمائي ومهرجان ماليبو للفيلم العربي، كما تم ترشيحه ليمثل الأردن في جوائز الأوسكار، على اعتبار أنه إنتاج مشترك فلسطيني أردني.