اشتهر السيد نور الدين يزيد زرهوني بتصريحات كثيرا ما تبدو عشوائية، ساهمت في العديد من الحالات في تفاقم خلافات أو أزمات، بينما كان منتظرا من رجل في مرتبته أن يلعب دورا آخر لتهدئة الوضع، وأن يتصرف بطريقة تسمح بتجاوز الأزمة. * * ومن أهم المواقف التي ازدادت تأزما بعد تصريحات وزير الداخلية، ما قاله في تعليق على أخلاق ماسينيسا ڤرماح، ذلك الشاب الذي أدت وفاته إلى اندلاع أحداث منطقة القبائل. وبعد أن سقط الشاب بطلقة أصابته خطأ من طرف أحد أعوان الدرك، وبعد أن ثبت أن التكفل به من طرف السلك الطبي لم يتم بالطريقة المطلوبة، قال السيد زرهوني إن الضحية شاب ينتمي إلى فئة مهمشة، بينما كان ماسينيا ڤرماح يدرس بصفة عادية في الثانوية. وأقل ما يقال عن ذلك إن تصريحات وزير الداخلية لم تساهم في تهدئة الوضع... * * وغداة اغتيال مدير الأمن الأسبق، السيد علي تونسي، تدخل السيد زرهوني ليعطي وجهة نظر عن الحادثة، في حين كان منتظرا من وزير الداخلية أن يقول كلاما آخر، كأن يؤكد أن التحقيق يتم بطريقة عادية وأن العدالة ستفصل في القضية بكل استقلالية. واضطرت عائلة علي تونسي أن تتدخل لترفض تصريحات السيد زرهوني وتطالب بمواصلة التحقيق بطريقة شفافة ونزيهة. * * ولم يتضح بعد هل أن هذه التصريحات جاءت نتيجة لأخطاء ارتكبها وزير الداخلية، أم أنها تصريحات تم التفكير فيها جيدا وجاءت على شكل مناورات لتحقيق أهداف معينة. وانطلاقا من هذا الغموض الذي يحيط بتصريحاته، اعتبر الكثير أن السيد زرهوني ارتكب خطأ جديدا لما تكلم عن جواز السفر البيومتري وعن بطاقة الهوية الجديدة. وكان السيد زرهوني قد نظم اجتماعات بحضور مكثف للصحافة، ليثير قضية اللحية والخمار. وركز وزير الداخلية على الخمار واللحية بطريقة أثارت دهشة الكثير: لماذا اختار وزير الداخلية أن يركز على هذه النقاط؟ لماذا تصرف وكأنه يريد أن يتحدى الإسلاميين؟ لماذا لم يعلن بطريقة بسيطة أن القانون ينص على كذا وكذا، وعلى كل المواطنين الامتثال للقانون مثلما كان الأمر في السابق؟ * * وفي نهاية الأمر، قال محلل سياسي: إن السيد زرهوني تصرف وكأنه يتحدى الإسلاميين والتيارات المحافظة التقليدية، ليثير غضبهم وردود فعل ضد التدابير الجديدة. وهذا ما حدث فعلا، حيث جاء الرد من الأحزاب والشخصيات الإسلامية التي هددت بتنظيم "جبهة شعبية" ضد "انتهاك الحرمات" وضد "محاولة منع الحجاب"... * * هذا ما جناه السيد زرهوني من تصرفه... وتساءل الكثير: كيف يمكن للسيد زرهوني أن يتصرف بهذه الطريقة ويرتكب مثل هذه الأخطاء، وهو الرجل الذي قضى كل حياته المهنية بين المخابرات والأمن؟ كيف يمكن لرجل أن يرتكب هذه الأخطاء رغم أنه قضى نصف قرن في قلب النظام الجزائري؟ ألم يكن السيد زرهوني خبيرا في التلاعب بالرأي العام؟ * * وتفرض هذه الأسئلة أن ننظر إلى السيد زرهوني وإلى تصرفاته بطريقة أخرى... فهو رجل مخابرات، يعرف التيارات السياسية وطريقها في رد الفعل. ومن المعروف أن هدف كل رجل مخابرات هو إقامة ملفات وقوائم تشمل أكبر عدد من الجزائريين وتوفر معلومات دقيقة عنهم. ألم يكن هذا الهدف الحقيقي للسيد زرهوني؟ * * ومن هذا المنطق، فإن توفير بطاقة الهوية وجواز السفر يشكل فرصة للحصول على المعلومات المنشودة لأن كل الجزائريين يطلبون تلك الوثائق، ومن الممكن أن تطلب منهم الإدارة تلك المعلومات التي يبحث عنها السيد زرهوني. * * ويبقى على الإدارة أن تحصل على تلك المعلومات دون أن يثير ذلك احتجاجا. وأحسن طريقة لذلك تتمثل في خلق جبهة ثانوية تلهي الجميع... ورمى السيد زرهوني عظما للإسلاميين، فتصارعوا للاستيلاء عليه، مما أدى إلى إثارة جدال لا فائدة منه حول الخمار واللحية، مما يسمح بعدم التطرق إلى المشكل الحقيقي، ويضمن صرف النظر عن انتهاك الحريات من طرف الدولة التي تطلب من المواطن معلومات لا علاقة لها بجواز السفر. إضافة إلى ذلك، فإن الدولة نفسها تقوم بانتهاك القانون، حيث أنه لا يوجد أي نص قانوني يسمح للإدارة أن تطلب من مواطن أسماء من كان يدرس معه في الثانوية أو الجامعة وما هو ميوله الفني والجنسي... وحاولت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن تلفت النظر لهذه الانتهاكات لكن صوتها ضاع وسط الضجيج الذي أثاره أنصار "الهوية الوطنية". * * ولعب السيد زرهوني دوره بأحسن طريقة، حيث حقق هدفه لحد الساعة. وسيقول يوما ما إنه يلغي القرار المتعلق بالخمار واللحية لأنه يحترم المواطنين. كما لعبت التيارات الإسلامية دورها على أحسن وجه، وسيقول عبد الرحمن شيبان وأهله إنهم أجبروا السيد زرهوني على التراجع... واستطاع هذا التيار أن يثير مشكلا لا أساس له، لغض النظر عن المشاكل الحقيقية. وهذا هو الدور التاريخي الذي تلعبه التيارات الإسلامية في الكثير من البلدان، حيث أنها تحولت إلى آلة تحركها الأنظمة أو تحركها أمريكا لتستعملها حجة من أجل القضاء على الديمقراطية. أولم يكن هذا التيار سببا أساسيا في القضاء على التجربة الديمقراطية في الجزائر؟