ألغى الوزير الأول عبد المالك سلال، جميع صفقات التراضي الخاصة بالمناطق الصناعية، وأخطر وزراء الحكومة بصفة رسمية أن الحظائر والمناطق الصناعية تخضع في منحها لقانون الصفقات العمومية، وذلك أياما قليلة فقط عن إعطاء موافقته على تخصيص مناطق صناعية بصيغة التراضي، لعدد من المتعاملين الاقتصاديين. يبدو أن ملف مشروع المناطق الصناعية التي تنامى عددها وتضاعف على الورق من دون أن يتجسد على أرض الواقع، ما يزال يثير الجدل بين وزراء الجهاز التنفيذي، فحسب مصادر "الشروق" فالوزير الأول أبلغ أعضاء الحكومة قبل أيام فقط بإلغاء قرار سابق كانت قد صادقت عليه الحكومة في اجتماع سابق، ويتعلق الأمر بمنح عدد من المناطق الصناعية ال50، وقال الوزير الأول صراحة إن مشروع استحداث مناطق صناعية ومناطق نشاط يجب أن يخضع لقانون الصفقات العمومية الذي ينص على إعلان مناقصات عندما يتعلق الأمر بتهيئة مناطق النشاط الصناعي أو استحداث مناطق صناعية جديدة. وقالت مصادر مطلعة ل"الشروق" إن تراجع سلال عن صيغة التراضي في منح المناطق الصناعية، أملته عدة عوامل، منها ما لديه علاقة بطبيعة المتعاملين الاقتصاديين الذين أبدوا رغبة في صفقات التراضي، بالإضافة إلى عوامل أخرى، وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد أن لا مكان لصيغة التراضي في إنشاء ال50 حظيرة صناعية التي يفترض أنها ستوزع على 39 ولاية على مساحة إجمالية تقدر ب 12.000 هكتار. وقالت مصادرنا إن مشروع استحداث 50 منطقة صناعية عبر 39 ولاية أثار الكثير من الجدل والتباين في الرؤى، بين وزراء الحكومة بين رافض تماما للمشروع بسبب كلفته الضخمة التي تصل حسب دراسات أولية إلى 3000 مليار دينار، في حين القدرات المالية للجزائر تفرض عليها ترشيد نفقاتها، وبين منتقد لجدوى هذه المناطق الصناعية بالنظر إلى عدة أسباب أهمها الوضعيات المزرية التي تعانيها العديد من المناطق القديمة منذ سنوات، وثانيها التصور الأولي الذي وضعته وزارة الصناعة لانتشار هذه المناطق، الذي يجعل بعض الولايات بطابعها وموقعها يجعلها غير مؤهلة للعب أي دور في مجال الصناعة. النقاش الدائر حول مشروع المناطق الصناعية 50، ورغم التسهيلات التي حملتها النصوص التشريعية، أعاد إلى ذاكرة الفريق الحكومي والرأي العام الجدل الذي أثاره مشروع إنجاز التراموي بعدد من الولايات الجنوبية، والذي انتقدت العديد من الأطراف جدواه ومردوديته الاقتصادية، بالنظر إلى طبيعة المنطقة الجنوبية وتوزيع الساكنة الذي يجعل هذا النوع من النقل عديم الجدوى. مشروع مناطق النشاط والمناطق الصناعية، أحيته الحكومة عبر بوابة إعادة تأهيل المناطق الصناعية ومناطق النشاطات الموجودة من خلال إطلاق 167 عملية إعادة تأهيل بمبلغ إجمالي تعدى 20 مليار دينار من بينها 161 تم الانتهاء منها، قبل أن تعود الحكومة لتفكر في إنشاء مناطق جديدة، واتخذت لأجل ذلك العديد من الإجراءات أهمها تطهير المناطق من المستثمرين المزيفين، وتوجيه أوامر ملزمة للولاة ضمن هذا المسعى. وآخر تدابير الحكومة لدعم مشروع المناطق الصناعية، الذي أثار شهية بعض رجال المال الراغبين في الاستيلاء عليه وسرقته، ما تضمنه قانون المالية من إجراءات لتحفيز الخواص على إقامة مناطق صناعية، في وقت برزت فيه الكثير من الاختلالات والنقائص والعيوب في تسيير الدولة للمناطق الحالية، فضلا عن عجز الدولة في إنجاز وتحقيق المناطق الصناعية وفقا للمقاييس الدولية. محاولة إقحام الخواص في المشروع وإن كانت في شكلها ترمي إلى تخفيف الأعباء على الدولة، بما يوفره من أوعية عقارية مخصصة للاستثمار، كما سينهي صداعها مع البيروقراطية السائدة والتعقيدات الإدارية، إلا أنه سيزيد في تغول بعض المتعاملين الاقتصاديين الذين لا يعرفون من المعادلة الاقتصادية سوى الطرف المتعلق بالامتيازات والتسهيلات الجبائية، أما الطرف المتعلق بخلق الثروة ومناصب الشغل والمساهمة في النمو الاقتصادي، فهو مغيب إلى حين.