رئيس الجمهورية يستقبل وفدا إعلاميا لبنانيا على هامش زيارة الرئيس جوزيف عون للجزائر    مرصد صحراوي يدعو شركة الطيران الايرلندية "ريان إير" إلى الانسحاب "فورا" من الصحراء الغربية المحتلة    الألعاب الإفريقية المدرسية الكونغ فو ووشو : المصارعون الجزائريون يتوجون ب12 ميدالية منها 6 ذهبيات    المؤتمر العالمي لرؤساء البرلمانات: السيد ناصري يبرز جهود الجزائر لتكريس نظام دولي عادل ومتوازن    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/ : الجذافون الجزائريون يحرزون أربع فضيات وبرونزية واحدة    الطبعة الثامنة للمهرجان الثقافي الدولي "الصيف الموسيقي" من 7 إلى 14 أغسطس بالعاصمة    السيد بللو يدعو المتعاملين الخواص إلى الاستثمار في المجمعات السينمائية    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    بللو يؤكد على الدور الاستراتيجي لمركزي بحث في حماية التراث الثقافي الجزائري والإفريقي    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60138 شهيدا و 146269 مصابا    زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر: خطوة هامة في مسار تعزيز العلاقات الأخوية    تواصل موجة الحر بجنوب الوطن مع تسجيل ارتفاع الأمواج بعدد من الولايات الساحلية    تجارة: السيد زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع لضمان تموين السوق    بطولة العالم للسباحة 2025: الجزائري جواد صيود ينهي سباق 200 متر متنوع في المركز 24    استثمارات جازي ترتفع    عرقاب.. حشيشي وبختي في اجتماع هام    بوقرة يستهدف اللقب القاري..    من يدرّب اتحاد الجزائر؟    جائزة وطنية للإبتكار المدرسي    شرطة المدية تطيح بشبكة إجرامية    والي بجاية يتفقد مشاريع ويستعجل استلامها    عربات التين الشوكي تغزو الشوارع    الوزير الأول يستقبل سفيري باكستان ومصر    ماكرون الدولة الفلسطينية و فرقة حسب الله    الجاهل عدو نفسه (ترامب نموذجاً    بوجدرة يفتح النار على مُمجّدي الاستعمار    تيسير المعاني باختيار الألفاظ ليس إهانة لها بل وفاء لجوهرها    تحذير أمني في غزّة    توقيع عقود المرحلة الأولى من إنجاز مشروع بلدنا    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الألماني    توقرت : توقف شخص في قضية حيازة وترويج المخدرات    مجلة "الشرطة" تحتفي بالذكرى ال63 لتأسيس الشرطة الجزائرية    ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمائة    جئت للجزائر بشغف كبير وسأغادرها بإعجاب أكبر    مؤتمر حل الدولتين: الجزائر ترافع مجددا من أجل منح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    استئناف الرحلات نحو بيروت اعتبارا من 14 أوت المقبل    رؤية استراتيجية لتعميق التعاون مع الدول الأوروبية    تمديد استثنائي لآجال إيداع الحسابات الاجتماعية للشركات التجارية    الشرطة الجزائرية تحذر من مشاركة الصورة الشخصية مع الغرباء    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    "قراءة في احتفال" تملأ فراغ أطفال البليدة    "الشيطان يرتدي برادا 2".. عودة الثلاثي الذهبي    هدفي العودة إلى المنتخب والمشاركة في "الكان"    المصارعة الجزائرية تحصد الذهب    ندوة حول تطهير العقار الفلاحي    مولودية الجزائر تلتقي الباجي التونسي وديا    "كيرا كوميدي" تعد بسهرة فنية مميزة    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    حجز 7 دراجات "جات سكي" بوهران    ضبط 2938 مؤثر عقلي    معالجة 501 قضية    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لورنت شوارتز: عالِم في مواجهة العصر!

عندما كتبنا في الأسبوع الماضي عن رحيل الأستاذ جيرار ترونيل Tronel (1934-2017)، وأشرنا عرَضًا إلى لورنت شوارتز Schwartz (1915-2002) تساءل العديد عن مكانة ودور هذا الأخير فارتأينا كتابة هذه السطور تعريفا بمقام هذا الرياضياتي العملاق والمناضل العنيد. ونستغرب حقا في كوننا لم نقرأ في وسائل الإعلام، ولم نسمع على لسان مجاهدينا أية إشارة إلى كفاحه وتضحياته في سبيل تحرير الجزائر عندما يشيدون بغيره من الأوروبيين... ولعل العيب فينا لأننا لم نقرأ ولم نستمع؟!!
شوارتز العالِم
يعتبر شوارتز واحدا من أكبر علماء الرياضيات الذين عرفهم القرن العشرين. ففي عام 1950، كان قد نال ميدالية فيلدز (نوبل الرياضيات)، وهو أول فرنسي يفوز بهذا الوسام. والنظرية التي أتى بها في مجال الرياضيات فتحت الباب على مصراعيه لنظريات ونتائج جديدة لا زال يشتغل حولها لحد الساعة آلاف الباحثين عبر العالم.
في عام 1997 نشر شوارتز مذكراته تحت عنوان "رياضياتي في مواجهة القرن". ويظهر هذا العنوان مثيرا لمن لم يطلع على حياة صاحبه. لقد كان شوارتز يقوم بثلاث مهام : التدريس في الجامعة والبحث العلمي والنضال السياسي. أما التعليم والبحث العلمي فهما متكاملان ويتطلب القيام بهما وقتا طويلا. لكن النضال السياسي، إذا ما طال، فهو يمتصّ الوقت الذي يحتاج إليه الباحث. وهنا يعترف شوارتز في مذكراته أنه كان في صراع دائم مع الزمن لكي يوفّق بين هذا وذاك.
ويروي شوارتز، على سبيل المثال، كيف كان يُعامَل خلال النصف الثاني من القرن العشرين بسبب مواقفه السياسية الشجاعة، سيما عند طلب التأشيرات للدخول إلى بعض البلدان الرأسمالية والاشتراكية. هل يتصوّر القارئ أن شوارتز مُنع من دخول الولايات المتحدة عام 1950 لاستلام ميدالية فيلدز التي جرى حفلها آنذاك بجامعة هارفارد؟ لكن وقوف الرياضياتيين في أمريكا وخارجها للضغط على الحكومة الأمريكية من أجل السماح له بدخول إلى ترابها جعل واشنطن تعدل عن قرارها وتمنحه التأشيرة.

مناهضته للاستعمار
كان شوارتز عضوا بارزا في "لجنة المثقفين المناهضين للحرب في شمال إفريقيا" التي أنشئت عام 1955. وتناول في مذكراته تفاصيل مساندته للفيتنام، ووقوفه ضد غزو أفغانستان من قبل الاتحاد السوفيتي. كما تحدث عن مناصرته للعلماء والمثقفين المناضلين في شتى بلدان العالم و"المنشقين" الرياضياتيين، سيما في الاتحاد السوفيتي وجنوب أمريكا.
أما في الجزائر، فمن المعروف أن موريس أودان Audin (1932-1957) كان يدرّس الرياضيات بجامعة الجزائر في منتصف الخمسينيات. وقد تحدث عنه شوارتز في مذكراته فأشار إلى أن أودان اغتيل بالجزائر عام 1957 قبيْل مناقشة أطروحة الدكتوراه. ويروي أن أودان اختطف من منزله من قِبل المظليين الفرنسيين بسبب اتجاهه السياسي ومطالبته آنذاك باستقلال الجزائر. ويؤكد شوارتز أن الضابط شاربونييه Charbonnier قام بتعذيب أودان حتى وصل به الغضب إلى خنقه فلفظ أنفاسه. ونفى شوارتز صحة الرواية الرسمية التي قدمتها آنذاك السلطات الاستعمارية لمقتل أودان.
فقد أعلنت الصحافة الفرنسية في صائفة 1957 أن أودان أوقف يوم 11 جوان 1957 بمنزله من قبل فرقة المظلات. وبعد عشرة أيام أصبح في عِداد المفقودين. وتوضّح هذه الرواية الرسمية أن أودان هرب خلال تحويله من مكان إلى مكان آخر، موضحة أنه قفز من السيارة العسكرية التي كان يمتطيها. وبفضل نضال شوارتز ورفقائه أعيد الاعتبار جزئيا إلى أودان عام 2001.
ومن المعلوم أن شوارتز عمل على أن تناقش أطروحة أودان غيابيا بباريس إثر اغتياله تعبيرا عن استنكار الجامعيين للتعذيب الذي كان يمارسه الاستعمار بالجزائر ضد الجزائريين والفرنسيين. وتم ذلك فعلا في ديسمبر عام 1957 حيث غص المدرج بجامعة السوربون في ذلك اليوم بالجمهور. وكان لهذا الحدث، الذي حضره أيضا حشد من الصحفيين، صدى واسع ومؤثر في صفوف الجامعيين والمفكرين جعلهم يدركون واقع الأوضاع في الجزائر آنذاك. ومن ثم تجدّد الكفاح ضد التعذيب في الجزائر من قبل الطبقة المثقفة.

رسالته إلى وزير الدفاع
كان شوارتز قد أقيل من منصبه كأستاذ جامعي عام 1961 بالكلية المتعددة التقنيات الشهيرة بباريس، والتي كانت آنذاك كلية شبه عسكرية. وسبب الإقالة هو توقيع شوارتز لنداء يدعو الشبان الفرنسيين إلى العصيان عند تجنيدهم للحرب في الجزائر. وتعرض شوارتز إلى عدة محاولات اغتيال من قِبل اليمين المتطرف في باريس بسبب هذه المواقف الجريئة، كما اختطف في فيفري 1962 ابنه للضغط عليه، ونسفت "المنظمة السرية" OAS بالمتفجرات منزله ومنازل رفاقه الجامعيين والمثقفين بباريس، منهم من كان حائزا على جائزة نوبل في الفيزياء، مثل ألفرد كاستلر Kastler (1902 -1984).
وكان وزير الدفاع الفرنسي بيير مسمير Messmer (1916-2007)، ورئيس الحكومة الفرنسية لاحقا، هو الذي أقال شوارتز من منصبه عام 1961، في رسالة هذا نصها :
"طبقا لتعليماتي، قام الجنرال قائد الكلية المتعددة التقنيات بدعوتكم إلى تأكيد توقيعكم على الإعلان المتعلق بحق العصيان في حرب الجزائر. وقد أكدتم له توقيعكم لهذا البيان. إن هذا الموقف يتناقض مع ممارسة وظيفة أستاذ بكلية عسكرية. ولذا فإنه لا يمكنني أن أبقيكم في هذا المنصب مدة أطول لأن ذلك يعارض في نفس الوقت العقل والشرف. تجدون مرفقًا قرارا ينهي مهامكم بالكلية العسكرية".
وردّ شوارتز على وزير الدفاع برسالة نُشرت آنذاك في الصحافة جاء فيها:
"إني آسف على التوقف عن التدريس وعلى التخلي عن طلبة ممتازين. لكن السؤال اليوم ليس هذا. لقد ارتأيتم إرفاق قرار الإقالة برسالة تقولون فيها أن إبقاءكم إياي في منصبي يعارض العقل والشرف. وإن كنتُ قد وقعتُ [هذا الإعلان] فأحد أسباب ذلك هو أني لاحظت منذ عدة سنوات أن التعذيب لا يُعاقَب [أصحابه]، والقائمون عليه يُرقوْن ويُجازوْن. وكان تلميذي موريس أودان قد عُذّب واغتيل عام 1957. وكنتم انتم، معالي الوزير، الموقعين على ترقية الرقيب شاربونييه (جلاد موريس أودان) بمنحه وسام الشرف الاستثنائي ... أؤكد هنا على كلمة "الشرف". إن الحديث عن "الشرف" من قِبل وزير تحمّل تلك المسؤوليات لا يحرّك لديّ ساكنا".

نضال حتى الممات
ولم يتوقف نضال شوارتز حتى وفاته. فقبل أن يرحل ببضعة شهور وقّع العديد من النداءات المؤيدة للكفاح الفلسطيني والمندّدة بممارسات الحكم الإسرائيلي. ومن تلك النداءات، نداء للأطباء ورجال العلم والفن والثقافة - وُقّع يوم 13 فبراير 2002 - يطالبون فيه احترام مبادئ الأمم المتحدة واتفاقيات جينيف وتفكيك شبكة المستوطنات الإسرائيلية وسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء حدود 1967، وإنشاء دولة فلسطينية، وإيفاد قوات دولية إلى فلسطين تفصل المتنازعين.
وعندما كان الرئيس ياسر عرفات محاصرا في رام الله من قبل الجيش الإسرائيلي كان شوارتز من أوائل الموقّعين على نداء عنوانه "لقد طفح الكيل" Trop c'est trop يستنكر ما كان يجري في الأراضي الفلسطينية.
هكذا كان لورنت شوارتز دائما إلى جانب المستضعف والمظلوم في كل مكان بدون تمييز، مستغلا في ذلك مكانته العلمية وصيته العالمي. لقد رحل الرجل وظلت مواقفه وأعماله عبرة لمن يعتبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.